الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

فى ظل تعرض النظام الدولى لضغوطات شديدة قمة تحديد المصير

كان الحديث حول تغيير النظام الدولى أحادى القطبية، الذى تسيطر عليه «الولايات المتحدة» منذ انتهاء حقبة (الحرب الباردة) فى تسعينيات القرن الماضى، هو الشغل الشاغل لوسائل الإعلام، ومراكز الأبحاث خلال السنوات القليلة الماضية.



واتسعت دائرة الضوء- عامًا تلو الآخر- على فكرة صعود قوى أخرى منافسة، وتعدد مراكزها على المسرح الدولى، إلى أن تبلورت الفكرة مع بدء الانتشار الأول لفيروس كورونا فى عام 2020، التى تلاها الأزمة «الروسية- الأوكرانية» فى عام 2022، باعتبارهما الحدثين الأكثر جلالاً وتأثيرًا على الساحة الدولية، واللذين أسقطا العديد من الأقنعة حول العالم.

اعتبر عدد من الباحثين والمحللين السياسيين حول العالم، أن أحدث دليل على تواصُل المساعى بتغيير شكل النظام الدولى الحالى، هو ما احتواه جدول أعمال قمة (بريكس)، التى عقدت منذ أيام بمدينة «جوهانسبرج» فى «جنوب إفريقيا» فى قمة تحت عنوان: «بريكس وإفريقيا: شراكة من أجل النمو المتسارع، والتنمية المستدامة، والتعددية الشاملة». 

وشمل جدول الأعمال من بين قضايا عديدة: طرح فكرة (تقليل الاعتماد على الدولار)، الذى يهيمن على النظام الاقتصادى العالمى، إلى جانب توسيع نفوذ التكتل، والدفع باتجاه إحداث تغيير فى السياسة العالمية، ما لفت أنظار العالم للقمّة الأخيرة، التى عقدت من الـ22 حتى الـ24 من أغسطس الجارى، ودفع وسائل الإعلام الغربية للتعليق؛ بأن القمة السنوية الـ15 للـ(بريكس) تشهد زخمًا غير مسبوق.

 إنهاء (الدَولرة) ومواجهة نفوذ الغرب

إن طرح قضية إنهاء هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمى، أو ما يُعرف بإنهاء (الدولرة)- وإن لم تكن الفكرة قيد التنفيذ بَعد- يُعد مؤشرًا صريحًا على تغيير المشهد الدولى من وجهة نظر عدد كبير من المحللين السياسيين؛ نظرًا لعرضها -لأول مرّة- فى قمّة من هذا النوع، وبهذا الحجم من الحضور؛ خصوصًا أن الفكرة تزامنت -أيضًا- مع دعم الكتلة زيادة استخدام العملات الوطنية للأعضاء فى التجارة، وإدخال نظام دفع مشترك على المدى الطويل. 

إن الرغبات الجامحة لدول الـ(بريكس) للنهوض الاقتصادى؛ تهدف إلى إنشاء توازن فى ميزان القوى أمام قوة الغرب، بل وصل الأمر إلى إعراب بعض القادة والمسئولين عن رغبتهم فى مجابهة مجموعة الدول الصناعية السبع (G7)، إذ أوضح عددٌ منهم أثناء منتدى الأعمال يوم الثلاثاء الماضى، أنهم يريدون أن تكون الـ(بريكس) ثقلاً موازنًا للهيمنة الغربية على المؤسّسات العالمية.

بطبيعة الحال؛ كان الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين»، الذى ألقى كلمة فى القمة عبر تقنية الفيديو، فى مقدمة مؤيدى فكرة إنهاء (الدولرة)، والتصدى لهيمنة الغرب؛ حيث كرّر «بوتين» وجهة نظره التى تفيد بأن (الغرب)، هو المسئول عن الأزمة الحالية.. مرجعًا تضخم الأسعار فى جميع أنحاء العالم إلى تقلبات السوق.

وأعرب «بوتين» عن سعيهم إلى التخلى عن الدولار، والتعامل بالعملات المحلية لمكافحة الهيمنة.. مؤكدًا سعيهم- أيضًا- إلى تشكيل نظام متعدد الأقطاب يرتكز على التعاون الدولى.

من جانبه؛ اعتبر الرئيس الصينى «شى جين بينج»، خلال خطابه فى قمة مجموعة (بريكس)، أن العالم يواجه تغيُّرات كبيرة وتحديات عظمَى.. مشيرًا إلى أن التحالف يحترم مبادئ تعدد الأقطاب.

وقال الرئيس الصينى، «إن «الصين  تقف على الجانب الصحيح من التاريخ، وستواصل انتهاج سياسة خارجية مستقلة».. مشددًا على دول التحالف ضرورة إيقاف اضطرابات سلاسل الإمداد، وضرورة توسيع التعاون العسكرى بين دول التحالف.

جديرًا بالذكر؛ أن تصريحات الرئيس الصينى خلال القمة، جاءت بعد أقل من 24 ساعة من تصريحات أشد حدة، قال فيها، إن: «بعض الدول المهووسة بالحفاظ على هيمنتها، بذلت قصارَى جهدها من أجل شل الأسواق الناشئة والدول النامية، حتى أصبح الهدف منه السيطرة والاحتواء»..مضيفًا إن مسار التاريخ سيتشكل من خلال الاختيارات التى تتخذها دول (بريكس). 

أمّا رئيس «جنوب إفريقيا» المستضيف للقمّة «سيريل رامافوزا»؛ فدعا فى كلمته الافتتاحية إلى تفعيل نظام دولى جديد وشامل؛ قائلاً: «سنواصل المناقشات بشأن الإجراءات العملية لتسهيل تدفق التجارة والاستثمار من خلال زيادة استخدام العملات المحلية.. وإن الحد من الاعتماد العالمى على الدولار الأمريكى يتصدر جدول أعمال القمة».

بدوره؛ شدد الرئيس البرازيلى «لويز إيناسيو لولا دا سيلفا» فى كلمته على ضرورة استخدام دول (بريكس) لعملة موحدة فى المعاملات التجارية، مما يزيد من خيارات الدفع ويقلل من نقاط ضعفها.. مشيرًا إلى سعى التكتل إلى تشكيل عالم متعدد الأقطاب عادل ومُنصف.

جاء ذلك؛ بعد أن كتب الرئيس البرازيلى منشورًا على شبكة للتواصل الاجتماعى قال فيه: «موجودون، وبصدد تنظيم صفوفنا، للجلوس على طاولة المفاوضات على قدم المساواة مع «الاتحاد الأوروبى، والولايات المتحدة»، وغيرها من الدول».

لم يتوقف الحديث عن تغيير شكل النظام الدولى إلى عالم يسوده (التعددية) عند كلمات وخطابات قادة التكتل فحسب؛ بل برزت بوضوح فى تصريحات عدد من المسئولين، فعلى سبيل المثال- لا الحصر- دعا وزير التجارة والصناعة فى «جنوب إفريقيا»، «إبراهيم باتل» إلى ضرورة الابتكار والتأقلم مع الوضع الجديد، الذى يشوبه غالبًا مناخ متقلب، وحالة عدم اليقين.

واعتبر المسئول الجنوب إفريقى أن العالم أصبح- فى الوقت الحالى- أكثر تعددية.. مشيرًا إلى أن هذه الاتجاهات تعيد تشكيل اقتصادات العالم ومجتمعاته.

من جانبه؛ اعتبر السفير الصينى فى «جنوب إفريقيا»، «تشن شياو دونج» أن نظام الحُكم العالمى التقليدى أصبح معطلاً وقاصرًا.. مضيفًا إن دول (بريكس) أصبحت على نحو متزايد قوة راسخة فى الدفاع عن العدالة الدولية.

إن التعليقات الأخيرة من قِبل قادة  ومسئولى دول (بريكس) ليست جديده؛ إذ يتشارك جميعهم فى أمر واحد جوهرى، وإن كان بينهم عددٌ من القضايا الخلافية، وهو ازدراء نظام عالمى يخدم مصالح القوى الغربية الغنية، وهو ما دفع بعض الدول الأخرى التى تعانى من السيطرة الغربية إلى اعتبار دول (بريكس) باعثة للأمل لإعادة رسم الهيكل العالمى من جديد.

توسع التكتل

كنتيجة طبيعية للأحداث الدولية الراهنة، وفى ظل تصاعُد قوة دول (بريكس)؛ اتسعت دائرة الاهتمام بشكل متزايد بالتكتل، إذ أعربت 40 دولة-على الأقل- فى جميع أنحاء العالم عن رغبتها فى الانضمام إليه، من بينها 23 دولة قدمت- بالفعل- طلبات رسمية لنيل عضويته، فيما نالت 6 منها العضوية الكاملة خلال القمة الأخيرة.

فى هذا السياق؛ عَلّق رئيس «جنوب إفريقيا» خلال القمة، أنهم يُقدّرون هذا الاهتمام؛ وذلك بعد أن أشار- فى وقت سابق- إلى أهمية وتأثير التحالف المتزايد بشكل مطرد على نطاق عالمى.. مشددًا على التحولات التى شهدها الاقتصاد العالمى خلال العقد الماضى. 

من جانبه؛ حث الرئيس الصينى مجموعة (بريكس) على تسريع جهود التوسع؛ قائلاً: «علينا أن نسمح لمزيد من الدول بالانضمام إلى أسرة الـ(بريكس)، لتصبح الحوكمة العالمية أكثر عدالة ومعقولية».

فى هذا السياق؛ أوضح عددٌ من المسئولين والباحثين أن رغبة التكتل وراء ضم أعضاء جدد، وحماس عدد كبير من الدول لنيل العضوية، لم يأتِ من فراغ.

فقال مندوب «جنوب إفريقيا» فى مجموعة (بريكس) «أنيل سوكلال»، إن أحد الأسباب التى تجعل الدول تصطف للانضمام إلى التكتل؛ هو (عالم شديد الاستقطاب)، الذى يعيشه الجميع، والذى زادت الأزمة «الروسية- الأوكرانية» من استقطابه؛ حيث تُجبر البلدان- من وجهة نظره- على الانحياز إلى أحد الطرفين.. مضيفًا إن دول الجنوب لا تريد أن يُملى عليها مَن تدعم، وكيف تتصرف، وكيف تدير شئونها السيادية.

من جانبه؛ رأى المُحاضر فى السياسة الدولية فى جامعة ليمبوبو «ليبوجانج ليجودى»، أن العديد من الدول الحريصة على الانضمام إلى المجموعة، تنظر إلى (بريكس) كبديل للهيمنة الحالية فى الشئون العالمية.

  إنهاء الأزمة «الروسية- الأوكرانية»

بالطبع؛ لم تخلُ القمة من الإشارة إلى تداعيات العملية العسكرية الروسية على دول العالم، إلا أن القضية عرضت بشكل هادئ أميل للحوار والدعوات لإنهاء الأزمة، فى صورة معاكسة- تمامًا- للكلمات الحادة والعنف الواضح فى الاجتماعات والقمم الغربية المؤيدة لأوكرانيا.

فبعيدًا عن كلمات الرئيس الروسى، التى كرّر فيها أسباب نشوب العملية العسكرية فى «أوكرانيا»، مشيرًا أصابع الاتهام إلى الغرب، دعا الرئيس البرازيلى إلى إنهاء سريع للأزمة «الروسية- الأوكرانية».. منوهًا إلى التطور الإيجابى فى تواصُل عدد متزايد من الدول، بما فى ذلك دول (بريكس) مع «موسكو»، و«كييف». 

وأضاف إن دول الـ(بريكس) ستدعم الجهود المبذولة، من أجل إنهاء هذا الصراع من خلال الحوار، والوساطة، والمفاوضات.. مشددًا على العواقب العالمية للأزمة التى بدأت فى فبراير 2022.

دعم إفريقيا

بما أن القمة تستضيفها فى الأساس دولة إفريقية، بالإضافة إلى أنها تُعقد تحت عنوان «بريكس وإفريقيا»؛ فإن توسيع دائرة التعاون مع دول القارة ودعمها، كانت ضمن أبرز التصريحات التى ذكرت من قادة (بريكس)، وفى مقدمتهم رئيس «جنوب إفريقيا»، الذى أكد أن بلاده تدعم شراكة التكتل مع الدول الإفريقية الأخرى، والتى من خلالها يمكن للقارة أن تفتح الفرص لزيادة التجارة والاستثمار وتطوير البنية التحتية.

وقال الرئيس الجنوب إفريقى إنهم اختاروا موضوع «بريكس وإفريقيا»، من أجل تعزيز التعاون مع دول القارة ومساعدتها فى تلبية طموحاتها.. مشددًا على التزام التكتل بالعمل معًا، من أجل نمو الدول الإفريقية.. داعيًا -فى الوقت ذاته- الدول الصناعية بتقديم الدعم للبلدان النامية.

من جانبه ثم قال الرئيس الروسى، إن تكتل (بريكس) يسعى إلى إنشاء مَعابر جديدة مع دول الجنوب، كما يعمل على تعزيز طرُق الشحن بين دول الشمال والجنوب؛ حيث يسعى إلى تعزيز التبادل التجارى مع الدول النامية.

وأضاف خلال اليوم التالى للقمة: إن مجموعة (بريكس) تركز- فى الوقت الحالى- على تعزيز المصالح مع دول «إفريقيا».. موضحًا- فى هذا السياق- أنهم سيسعون إلى تخصيص نحو 25 إلى 50 ألف طن من الحبوب للدول الإفريقية.

من جانبه؛ أفاد الرئيس الصينى- خلال القمة- بأن بلاده تعتزم توسيع التعاون مع «إفريقيا»؛ من أجل دعم الدول فى القارة، ولتوسيع فرص التنمية المستقلة.. موضحًا إن «الصين» صديق موثوق به لإفريقيا، وقدمت لها قدرًا كبيرًا من المساعدات التنموية على مدى السنوات العشر الماضية، بما فى ذلك المشاركة فى بناء أكثر من 6 آلاف كيلومتر من السكك الحديدية، وأكثر من 6 آلاف كيلومتر من الطرُق السريعة، وأكثر من 80 منشأة كبيرة للطاقة.  

بعيدًا عمّا سينفذ على أرض الواقع من مخرجات قمّة (بريكس) التى انعقدت فى وقت صعب، ومنعطف حرج، إلا أن هذا التحول الظاهر فى تصريحات القادة والمسئولين- طوال ثلاثة أيام- فى عدد من القضايا، يبدو أنه أنهَى حقبة تصريحات (ما وراء السطور، وبين الكلمات).

فى النهاية؛ كشفت قمّة (بريكس) الأخيرة عن رغبة مُلحة، وتحرك عاجل، يهدف إلى تغيير ميزان القوى الحالى فى ظل تعرُّض النظام الدولى إلى ضغوطات شديدة.. ما يثير مزيدًا من الفضول حول السؤال الدائر بالفعل: هل يتغير النظام الدولى الحالى؟!

ومع ذلك؛ تبقى الإجابة الوحيدة المعروفة على هذا التساؤل، هى (الأيام)!