الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بسبب التمرد.. أَمْ لمصلحة أوكرانيا.. مَن المستفيد الأكبر لمقتل قائد فاجنر؟

على أنغام الموسيقى تلقّى الرئيس الروسى فلاديمير بوتين نبأ انفجار طائرة تقل قائد فاجنر و10 آخرين فى موسكو الأربعاء الماضى؛ حيث كان الرئيس الروسى حاضرًا فى حفل موسيقى تابع للقوات المسلحة لحظة تحطم الطائرة.



وبعد تأكيد نبأ وفاة يفجينى بريجوجين قائد فاجنر؛ توالت أصابع الاتهام حول الرئيس الروسى بأنه وراء الحادث؛ خصوصًا بعد إعلان الأول تمرده على القيادة الروسية يونيو الماضى، ورغم وساطة بيلاروسيا بين بوتين وبريجوجين وخروج الأخير من طيات الحرب فى أوكرانيا؛ فإن العالم الغربى أكد أن القتل هو ضريبة التمرد على بوتين بين أى من معارضيه، وقد حذر الرئيس الأمريكى چو بايدن أن مقتل قائد فاجنر لم يكن مفاجأة؛ حيث توقع ذلك منذ الشهر الماضى أو بعد عملية التمرد الفاشلة.

 

لكن من جهة أخرى ربما يكون هناك مستفيد آخر من مقتل يفجينى بريجوجين؛ خصوصًا أن روسيا بمقتله ربما تواجه تمردًا آخر من الجماعة المسلحة؛ وبخاصة فى أماكن تمركزها الخارجى، بينما أوكرانيا قد تكون المستفيدة من خروج قائد فاجنر من المشهد؛ خصوصًا بعد إعلان المستشار فى المكتب الرئاسى الأوكرانى ميخايلو بودولياك بأن الرئيس بوتين لا يلتزم بتعهداته حتى لحلفائه، ووفق المشهد الأخير فى الحرب الأوكرانية نرى أن العديد من دول الاتحاد الأوروبى وحلفاء كييف قد بدأوا فى طرح إمكانية وجود وساطة مع روسيا لوضع حد للحرب؛ خصوصًا بعد فشل الهجوم المضاد الأوكرانى.. ويبقى السؤال: مَن المستفيد الأكبر من مقتل «طباخ الرئيس»؟

أمر متوقع

لا يزال الغموض يحيط بمقتل يفجينى بريجوجين قائد فاجنر، الذى كان أهم أسلحة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين؛ خصوصًا أن الحادثة وقعت بعد نشر فيديو لزعيم فاجنر فى إحدى الدول الإفريقية، وفيها يعلن ولاءه لروسيا، ومواصلة مشاريعها فى القارة السمراء، وتزامن الحدث مع إعادة الترويج للقاء قديم منذ سنوات لبوتين، يصرّح فيه بعدم تسامحه فى الخيانة، وتداول الفيديو على نطاق واسع يثير شبهات حول أيادٍ خفية تعبث فى علاقة طبّاخ الرئيس ببوتين.

وهذا التساؤل رغم أنه حيوى فى مصرع قائد فاجنر؛ فإنه نفسه لن يعطينا الإجابة الدقيقة؛ حيث إن مثل هذه الأمور لا تخضع للمنطق؛ وإنما لسياسات وتوجهات، فمثلاً المنطق يقول إنه يمكن أن يكون بوتين وراء اغتيال زعيم فاجنر؛ حتى لا يتكرّر حادث التمرد مرة أخرى؛ خصوصًا فى هذه الظروف الشائكة من الحرب ضد أوكرانيا، كذلك الأوضاع المتوترة فى إفريقيا والتى تتواجد فيها قوات فاجنر منذ أكثر من عقد، كما أن وضع الفصل الأخير لحياة قائد الجماعة المسلحة الأشهر عالميًا لن يكون فى مصلحة بوتين حاليًا؛ خصوصًا أن قائد فاجنر قد نشر آخر فيديو له الاثنين الماضى أعلن فيه استكمال مخططات بوتين فى إفريقيا، والانصياع له، وفى المقابل فإن شهرة يفجينى بريجوجين وظهوره القوى بين الزعماء ورؤساء الدول حتى فى إفريقيا التى بدأت تظهر صور قائد فاجنر فى النيجر، قد تُعَد تهديدًا لقوة بوتين، ولا يمكن أن ننسى أن قائد فاجنر دائمًا ما كان يحاول تصدير صورة قوة جماعة فاجنر فى أوكرانيا ورفع عَلم الجماعة بدلًا من العَلم الروسى فى أى بلدة يتم السيطرة عليها.. كذلك فإن يفجينى يتمتع بشعبية قوية فى الداخل الروسى.

تصريحات مقلقة

تحليل الموقف لتأكيد مَن المستفيد الأكبر لمقتل قائد فاجنر ربما يكون سابقًا لأوانه، لكن هناك تداعيات للمشهد القائم سواء فى روسيا أو أوكرانيا تضع توضيحات لتفسير هذه العملية وتوقيتها.

هناك عدة تصاريح قالها بعض المعنيين بمقتل يفجينى بريجوجين، كل منها يشير إلى اتجاه، أهمها وأولها صاحب القضية نفسه، والذى أعلن عن سبب تمرده بوضوح، وهو تقاعس وزير الدفاع سيرجى شويجو ورئيس هيئة الأركان العامة الروسية فاليرى جيراسيموف عن مَد قوات فاجنر بالأسلحة والذخائر التى هم فى أمَسّ الحاجة إليها؛ ليظهر لنا أن الصراع لم يكن بين قائد فاجنر والدولة الروسية؛ وإنما بين مسئولين بها، وأنه كان يسعى للإطاحة بهما من أجل «روسيا العظمى»- وفقًا لرأى بريجوجين.

وياتى التصريح الثانى والخطير من قِبَل الرئيس الروسى بوتين فى لقاء تليفزيونى أكد فيه أنه «لا يمكن أن يتسامح فى الخيانة»، وهو اللقاء الذى لا يزال يتم استثماره عبر مواقع التواصل الاجتماعى لغرض واضح، ولكن هذا التصريح يقابله تساؤل: لو أن بوتين وراء مقتل قائد فاجنر ليكون عبرة لغيره؛ فهل سيلتزم الصمت؛ خصوصًا أن هذا الأمر سيريح وزير الدفاع ورئيس الأركان؟! أليس الأجدر به أن يصرح بأن الخائن (من وجهة نظره) أخذ جزاءه؟!

من جهة أخرى؛ نجد تصريحًا يدعم هذا الاحتمال، وهو للرئيس البيلاروسى يونيو الماضى، بأنه نصح بوتين بعدم «تصفية» يفجينى بريجوجين زعيم فاجنر، وأكد له يومها أن جيش بلاده يمكن أن يستفيد من خبرات قوات فاجنر التى تتمتع بحرية اختيار الانتقال إلى البلاد الآن، وفقًا لاتفاق مع الكرملين يسمح لبريجوجين وبعض مقاتليه بالذهاب إلى بيلاروسيا، وهو ما حدث.

وقال: «اقترحت على بوتين ألا يتعجل. وقلت له لنتحدث مع بريجوجين، ومع القيادات لديه، ليرد قائلاً إنه لا فائدة من هذا وإنه لا يرد حتى على الهاتف، لا يريد التحدث لأحد».

ولكن هذا الاحتمال سقط بمجرد دخول بيلاروسيا وسيطا، ونجحت فى وأد التمرد، وعودة يفجينى بريجوجين للانصياع لروسيا.

أمر ساذج

وفق خبراء فإن وقوف بوتين وراء حادث قائد فاجنر ربما يكون أمرًا ساذجًا؛ حيث إن موسكو قد عملت على التوصل إلى تفاهمات مع قائدها منذ إعلان الصلح بينهم بعد حادث التمرد، كما عملت الإدارة الروسية على تحييد فاجنر وهدّأت من روع يفجينى بعد خروجه من المشهد فى الحرب الأوكرانية، ومن ثم فإن روسيا ليس لديها مصلحة فى اغتياله؛ لأنها بالفعل قتلته على أرض الميدان وحيّدته تمامًا ولم يعد له وجود.

ووفق تصريحات الباحث فى الشأن الدولى بمؤسّسة «فولسك» العسكرية، أوليج أرتيوفسك، أوضح خلالها أن ما يحاول الغرب ترويجه بأنه حادث مخطط له فى الداخل الروسى للتخلص من قائد «فاجنر» بسبب تمرده السابق أمر غير منطقى لعدة أسباب؛ أهمها، أن عقاب بريجوجين تم بالفعل باستبعاده عن المعارك فى أوكرانيا وانضمام بعض رجاله للجيش الروسى بعقود، كما أن الحادث وقع فى منطقة تعرضت لعدة هجمات من مسيرات أوكرانية خلال الأسابيع الماضية.

وأضاف أرنيوفسك، فى تصريحات صحفية: إن كييف تحاول استغلال الحادث لإحداث نوع من عدم الثقة العسكرية فى القيادة، وهذا أسلوب متبع من جانب الغرب منذ فترة، كذلك تحاول أوكرانيا وحلفاؤها فى الغرب بضرب العلاقة بين روسيا وبيلاروسيا بما أنها الضامن لاتفاق إنهاء التمرد والخروج الآمن، كذلك تحاول تشويه صورة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين دوليًا وسط حلفاء يفجينى الذى يتمتع بعلاقات دولية قوية، فقد كان يتم استقباله خارجيًا مثل استقبال الزعماء والرؤساء.

 

إنجاز أوكرانى

من جهه أخرى؛ نجد تصريحات سيرجى ماركوف مستشار الرئيس الروسى فلاديمير بوتين السابق؛ حيث قال إن مصرع بريجوجين هو الإنجاز الرئيسى لأوكرانيا، وسيفرح جميع أعداء روسيا بهذا الخبر.

وهذا التصريح قد يعكس أثر مقتل يفجينى على سير الحرب «الروسية- الأوكرانية»، فبمقتله تخسر روسيا بالفعل قوة ضاربة كانت وراء انتصارات للجيش الروسى فى حربه ضد أوكرانيا، وفى طموح بوتين بإفريقيا؛ خصوصًا أن مقتل قائد فاجنر قد يؤدى إلى تمرد واسع النطاق من جانب مقاتليه- وفقًا لتصريحات رئيس بيلاروسيا- ما يعنى أن هذا التصرف سيفاقم الأزمة.

وفى السياق نفسه؛ كانت تصريحات من السلطات الروسية عقب الحادث بأن الهجوم على طائرة قائد فاجنر ربما يكون هجومًا اوكرانيًا، لكن لا تزال التحقيقات لم تكتمل وتؤكد هذه الفرضية.

وفى توضيح لهذه الفرضية قال لمايكولا بيليسكوف، الباحث فى المعهد الوطنى الأوكرانى للدراسات الاستراتيچية، إن الحادث لا علاقة له بكييف من قريب أو من بعيد؛ لأسباب أهمها أن أوكرانيا ليست على عِلْم بخط سير بريجوجين، مرجحًا أن يكون تخطيط الحادث داخل روسيا، كما أنها لا تهاجم العمق الروسى بالصواريخ؛ وإنما بالطائرات المسيرة، مرجحًا أن إقحام كييف إنما لصرف الأنظار عن الجانى الحقيقى؛ خصوصًا أن أوكرانيا لن تستفيد من مقتله؛ لأنه بعيد عن الساحة العسكرية بعد محاولة تمرده الفاشلة.

من جهة أخرى؛ يرى محللون أن فى ظل الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا ونشاط المخابرات فى كلا البلدين والخروقات الأمنية فى كلا البلدين، قد تستعين أوكرانيا بأجهزة مخابرات دولية كما فعلت فى السابق فى ضرب طراد المياه، لتقوم بإسقاط الطائرة إلى يستقلها قائد فاجنر ومَن معه.

وقد أعلنت أوكرانيا أنها سوف تحتفل بعيد الاستقلال وأنها ستقدم هدية للشعب الأوكرانى وربما مقتل يفجينى هو الهدية التى أعلنت أوكرانيا عنها، وقد وعدت كييف أكثر من مرة باغتيال يفجينى بريجوجين كونه المسئول الأول والمباشر عمّا حدث فى باخموت.