الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
لعب وسياسة مع شيطان الأفكار!

لعب وسياسة مع شيطان الأفكار!

أحيانا يطل شيطان أفكارى من حيث لا أدرى، ويوسوس لى بأفكار عجيبة جدا، تبدو مثل الأشباح الهائمة، تظل تدور وتلف حول عقلى دون هوادة، فلا أستطيع الفرار منها أو طردها مهما قرأت فى سرى من آيات الذكر الحكيم..



فى هذه المرة كنت أتابع مباراة فى الدورى الإنجليزى بين مانشستر سيتى ونيو كاسل، حين قفز شيطان أفكارى من قمقمه غير المرئى وسألنى: هل اللعب فى الرياضة يشبه اللعب فى السياسة؟

صعقت من السؤال الغريب، وحاولت أن أهش هذا الشيطان العابث كما أهش الذباب، فسخر منى: لا تهرب كالعادة كلما عجزت عن مواجهة تساؤلاتى.

قلت له مستهزئا: أصلا لم أفهم سؤالك، سؤال غبى..ما علاقة الرياضة بالسياسة؟

احمرت عيناه وزغر لى كأنه سيطلق سهما ناريا نحوى وقال: أولا كل شأن فى الحياة هو فى الأصل سياسة، وليس هذا موضوعنا، الرياضة فيها لعب نظيف ولعب تحت الحزام، والسياسة أيضا فيها لعب نظيف ولعب غير نظيف، فى الرياضة فرق تلعب بفكرة البطولة فتحصل عليها وفرق تلعب بفكرة قضاء الواجب، فتظل عالقة إلى الأبد فى منتصف المسافة بين البطل والأخير، فى السياسة دول تلعب بفكر استراتيجى فى التنمية المستدامة والتطور واكتساب القوة فتحكم العالم، ودول تلعب بفكر «أيام نعيشها والسلام» فتظل متخلفة أو متأرجحة بين التقدم والتراجع.. وكله لعب.

قلت له: هذه ثرثرة فارغة، تشبه خدعة وضع الفيل فى المنديل!

سألنى بإصرار: لماذا تفوز فرق بالبطولة دون غيرها مثل مانشستر سيتى فى إنجلترا وبايرن ميونيخ فى ألمانيا وبرشلونة فى إسبانيا وتظل فرق مثل فولهام وبوخوم وسيلتافيجو فى المؤخرة، كيف تحلق دول فى سماء الحضارة مثل أمريكا واليابان والصين «حاليا» ودول تظل «مغروزة» فى الوحل مثل أغلب دول إفريقيا والعديد من دول آسيا وأمريكا اللاتينية؟!، تخيل وقد لا تصدق أن المعادلة واحدة ولا تختلف كثيرا، وتعالَ نطبق قواعد كرة القدم، باعتبارها اللعبة الشعبية الأولى فى كوكب الأرض على عالم السياسة.

سألته: ماذا تعنى؟

قال: أى فريق يفوز بالبطولة هو صاحب أكثر نظم اللعب فاعلية فى الملعب، ويملك اللاعبين القادرين على تطبيق هذا النظام جيدا، لا يهم الاستحواذ على الكرة، فالاستحواذ السلبى يشبه المضغ دون طحن أو جرى فى المكان دون تقدم، مثل كلام السياسيين أو الإعلاميين عن جنة موعودة لا مردود لها على حياة الناس.. الاستحواذ السلبى مثل السلطة الغشيمة المهم أن تمتلك الكرة بين أقدامها دون أن تستغلها استغلالا صحيحا تحرز بها هدفا لفريقها.

سألته: ماذا تقصد بنظام لعب فعال؟

أجاب: هو نظام لعب يستخرج من اللاعبين أكبر طاقة ممكنة ويوظفها بكفاءة، فى الهجوم لإحراز الأهداف، وفى الدفاع لحماية مرماه من غزو الخصوم، وهو نفس الحال فى عمل الدولة، فالنظام العام هو الذى يدير البشر فى كل أوجه الحياة وأنشطتها، هجومه هو الإنتاج والنشاط العام ودفاعه هو حمايته من عوادم وملوثات هذا النظام من فساد وجريمة وتشوهات اجتماعية وأزمات مفاجئة واعتداءات خارجية.. الخ.

فى اللعب قد يكون فريق الكرة محظوظا ويملك لاعبين مهرة مثل المعجزة إرلينج هالاند والموهوب كيفين دو برين والداهية برنارد سيلفا كما الحال فى مانشستر سيتى، فيصنعون أقوى فريق فى العالم، وعلى الجانب الآخر هناك دول محظوظة تملك موارد طبيعة هائلة من مياه ومعادن وأراضى شاسعة كما هو الحال فى الولايات المتحدة فتكون قوة عظمى. لكن لا السيتى ولا أمريكا يمكنهما أن يصلا إلى هذه المرتبة فى الرياضة أو السياسة دون نظام عمل عام كفء.

وقد لا يملك الفريق كل هذه الكوكبة من اللاعبين المهرة، ويهزم سيتى ويفوز بالبطولة كما فعل الأرسنال فى الكأس الخيرية الأخيرة، أو كما فعل فريق ليستر من سنوات ولهف بطولة الدورى من أرسنال وتوتنهام وهو لا يملك نصف مواهب الناديين العظيمين، لكن كان عنده نظام لإدارة اللعب جعله أكثر فاعلية فى الهجوم وأكثر تحصينا فى الدفاع، وكلنا يذكر فريق «اليونان» الذى هزم أعتى الدول الأوروبية وفاز ببطولة أوروبا على أرض البرتغال سنة 2004، بصناعة نظام لعب كفء ناسب مهارات لاعبيه وإمكاناتهم، وكان أكثر فاعلية من نظم لعب الآخرين الأكثر مهارة وموهبة.

سألته مندهشا من غبائه الشديد: ما علاقة هذا بالسياسة؟

قال ضاحكا: هو ما ينطبق على «دولة اليابان» مثلا، فهى دولة على باب الله، جزر بركانية فى شرق المحيط الهادى، معرضة دوما لزلازل مدمرة ومواردها الطبيعية محدودة، لكنها صنعت نظاما عاما شديد الكفاءة أمكنه استخراج أكبر طاقات ممكنة من أهلها فصنعوا معجزة، قد لا يكونون رقم واحد على العالم، لكنهم بالقطع فى الصف الأول، بينما روسيا التى تملك موارد طبيعية هائلة: أراضىَ ومعادنَ ونفطا وغازًا ومياها أقل فى جودة الحياة لمواطنيها من اليابان بسبب عدم قدرتها على إبداع نظام عام أكثر كفاءة فى إدارة هذه الموارد أو إدارتها بطريقة غير عادلة وفاسدة لا تستخرج من مواطنيها أفضل إمكاناتهم وتسمح بنهب عوائدها لطبقات وفئات محددة، وإن كانت روسيا مؤهلة تماما للعودة إلى مسرح القوى العظمى فى سنوات، وهو السبب الذى من أجله نصب لها الغرب «فخ أوكرانيا»، وورطها فى حرب يستنزف فيها قدراتها وإمكاناتها الكبيرة، وسقطت فى الفخ بحسابات خاطئة.

بدت على ملامحى دهشة، تشى بعدم قدرتى على استيعاب ما قال، بل واستخفافى به.  قال: باختصار، النظام العام هو أداة التقدم فى أى دولة وخروجها من شرنقة التخلف التى تكاد أن تعتصر أنفاس الحياة بها، النظام العام هو «الأصل» هو العامل الفيصل، هو الأساس والأعمدة.

سكتُّ وأمهلت نفسى لحظة أجد فيها ما أحرجه به: كلامك عجيب عن فرق البطولة ولم تذكر شيئا عن الكوتش أو المدير الفنى، كما لو أن أى كوتش ينفع يقود فريق البطولة؟

قال: بالطبع الكوتش أو المدير الفنى للفريق فى غاية الأهمية، هو صاحب نظام اللعب، ولا يكفى أن يكون مخلصا فى عمله محبًا لفريقه، يعمل على حل مشاكل لاعبيه، لا بد أن يكون عادلا بينهم، يختار الأكفأ وليس الأكثر ولاء له، وكلها عناصر مساعدة ومهمة، فى التنفيذ السليم لنظام اللعب.

والنظام الفعال يصحح حتى أخطاء المدير الفنى، فأى خلل يعوقه عن الوصول إلى البطولة، يحلل عناصره ويعيد التفكير فى اختياراته ويعدل من أداء لاعبيه، وربما يغير خطط اللعب، والخطة غير النظام، الخطة هى برنامج التنفيذ، الأساليب التى تحقق الوصول إلى مرمى الخصم، وتمنع الخصم من إحراز الأهداف، وإذا كان النظام نفسه غير كفء أو ملائم للاعبيه.. فمهما عدل وبدل لن يحدث أى تقدم.

ونفس الحال فى الدول، بالطبع إخلاص الحاكم مهم وحبه لوطنه مهم وعمله بجدية مهم، لكن الأهم النظام الذى يتحرك فيه الناس، الطريقة التى يعملون بها، القواعد التى تدير موارد الدولة بكفاءة وأهم موارد الدولة هم البشر، فكيف ينتجون وفى الوقت نفسه يصدون العوادم عنهم. سألته: لخص وابعد عن نفوخي!

قال: دون النظام الكفء يخسر مانسشتر سيتى بطولة الدورى الإنجليزى ومعه المعجزة هالاند والموهوب دو برين، وما فازت اليونان ببطولة أوروبا.. وبالنظام الكفء تتقدم اليابان إلى الصفوف الأولى، ودونه لا تستطيع روسيا الأغنى أن تحقق لمواطنيها من جودة الحياة ما تحققه سنغافورة الصغيرة لأهلها.

الأزمة فى الدول المتخلفة أنها تلعب فى الحياة والتنمية والتطور دون نظام عام كفء. نظرت إليه شذرا قائلا: كلام سخف عكنن مزاجى ولن أكمل مشاهدة المبارة وقمت مبتعدا.