الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

قصة أم وابنتها تغلبتا على الصعوبات حتى أصبحت بطلة العالم حكاية «مريم» ملكة جمال أطفال التوحد وبطلة العالم فى رمى الجلة

لن أغيرك من أجل العالم يا ابنتى، لكننى سأغير العالم كله من أجلك.. بعضنا مختلفون وليسوا قادرين على الوصول لذواتهم بسهولة، فيكونون فى حاجة لمن يرشدهم ويرعاهم لكى يصبحوا قادرين ولكن باختلاف، بطلتنا اليوم استطاعت الظفر ببطولة العالم فى رمى الجلة رغم اختلافها.



 

وراء تلك البطلة كان هناك أم لا تكل ولا تهدأ، وقامت بتوحيد قواها مع ابنتها لكى تخلق لها واقعًا جديدًا لطالما رفضه الكثيرون ممن كانوا يرون أن الأمر لا فائدة منه؛ لكنها عقدت العزم على النجاح ومشت فى طريقها واستطاعت النجاح.. «نون القوة» ستأخذكم خلال السطور التالية فى رحلة للتعرف على قصة بطلة أعادت اكتشاف ابنتها لتصبح بطلة فى أعين الجميع.

بدأت السيدة فاطمة صبحى 38 عامًا ربة منزل حديثها حول ابنتها «مريم» التى ولدت جميلة الوجه لتكتشف بعد مرور سنتين أنها غير قادرة على التحدث، لكنها تعلمت المشى سريعًا، بل إنها تتسلق المرتفعات فيخبرها أحد المعارف أن هناك بضع حالات مشابهة لحالة مريم فى مراكز التخاطب وعليها الذهاب للاطمئنان على صغيرتها، لتهرول الأم بابنتها لإجراء الفحوصات وتكتشف ما لم يكن فى الحسبان. الصغيرة مصابة بالتوحد الشديد «autism» وينقلب عالمها رأسًا على عقب منذ تلك اللحظة.. فتقول الأم: «كانت صدمتى كبيرة، لكن سرعان ما تقبلت الأمر وبدأت فى التفكير فيما يمكن أن أفعل لكى أجعلها مميزة ليست كالباقين وبدأت رحلة اكتشاف مريم، طرقت أبواب كل الأطباء للتعرف على مهارات العلاج السلوكى لكى تكون قادرة على التحدث. أخبرنى الأطباء أننى حلقة الوصل بينها وبين عملهم وإننى الوحيدة القادرة على إخراجها من ظلمتها، فكنت آخذها لجلسات التخاطب وتعديل السلوك وكلما أخبرنى أحد بمعلومة تفيدها كنت أذهب مهما كان هناك صعوبات أو مشقة». تستطرد السيدة فاطمة حديثها قائلة: «طالت المدة وأنا أردد عليها التدريبات، لكنها لم تتكلم بعد، لكن ما حثّنى على الاستمرار أن أخبرنى الأطباء أنها تقوم بتكوين حصيلة لغوية، وبدأت استجاباتها أولاً بشكل غير لفظى بالإشارة للأشياء. كنت أستغرق ساعات فى الشرح وأصاب بالتعب وأنا لا أعلم متى سيظهر مردود ذلك. حتى مرض ابنى الأكبر ومُنعت الحلويات من البيت حتى يشفى ومع دخول أول زجاجة عصير إلى البيت نطقت مريم قائلة: عصير. كانت مفاجأة لى ولكل الحضور فمجهودى لم يذهب هباء. وعلمت عندها أنها مصابة بنسبة من التأخر العقلى مع التوحد، وهو ما يعنى أن عمرها العقلى أقل من العمر الطبيعى، وبالتالى بدأت فى تغيير خططى بما يتناسب مع عقليتها، وبدأت بالفعل فى تدريبها ازدادت المشقة علىَّ حتى وصلت للمدرسة والتحقت بالصف الأول الابتدائى ولم تندمج أولاً وأخبرنى الأطباء أن كونها مصابة بالتوحد عليها أن تطمئن للمكان أولاً، وبالفعل قبلت فى مدرسة حكومية دمج. وكان الطبيب قد أخبرنى ألا أجعلها تلتحق بمدارس التربية الفكرية لأنها ذكية والتربية الفكرية ستقلل من ميزاتها.. قامت بالدراسة لبضعة أشهر كان الجميع يحبها، لكن أخبرنى المعلمون أنهم غير قادرين على التعامل معها وهى تحتاج لرعاية خاصة فبدأت فى إلحاقها بالمراكز التعليمية الخاصة وتذهب فقط على الامتحانات.

تابعت السيدة فاطمة قائلة: «استمر الوضع حتى الصف الرابع الابتدائى وعرفت عندها عن مدرسة دار المنى للحالات مثل ابنتى. وجود مدرسة كتلك كانت تمثل حلمًا بالنسبة لى كمكان شامل يحوى كل ما يمكن تدريسه للأطفال مثل مريم. بالفعل قُبلت مريم فيها، وبعد مرور عام من دراستها أخبرونى أننى لا بد أن ألحقها بمركز شباب الجزيرة لتدريبها على السباحة، ومن هنا كانت انطلاقتها فى عالم الرياضة. وأخبرتنى مديرة المكان أن مع اقترابها من سن البلوغ ستكون فى حاجة لتفريغ طاقاتها فى الرياضات المتنوعة لأن الأطفال من نوعها يكون لديهم طاقات أكثر من الطفل الطبيعى.

إذن متى انتقلت من البطولة المحلية إلى البطولة العالمية؟

- لأن مريم لم تكن تابعة للاتحاد الذهنى منذ طفولتها لم يكن فى إمكانها المشاركة فى البطولات العالمية، وعلمت عن اتحاد الأولمبياد الخاص وأن من يلعب فيه بطولتين ويتأهل من المرة الأولى يمكنه السفر خارجًا باللعبة التى اجتازها ولمدة أربع سنوات. لم أفقد الأمل وأنا أحاول إلحاقها به حتى شاءت الصدف أن ألتقى بإحدى الأمهات فى حفلة «قادرون باختلاف»، وكانت ابنتها بطلة عالمية. وحاولت أن أقدم لمريم العديد من المرات وعرفت أن مدربها الأساسى فى الاتحاد هو الوحيد المخول له أن يشترك لها فى البطولة، وبالفعل ذهب والدها له، ولكنه كان قد اختار أربعة أسماء بالفعل وأخبرنى أحدهم أننى يمكننى التقديم باسم نادٍ أو جمعية، وبالفعل اتجهت لنادى المطرية وقام الكابتن بإلحاقها وبعد العديد من النجاحات والإخفاقات كانت مريم الفتاة الوحيدة التى تم اختيارها للقرعة، واعتقدت عندها أنها جاهزة للسفر، لكن أخبرنى الكابتن أن عليها ممارسة لعبة أخرى مع الجرى لكى تتأهل للبطولة العالمية، وعندها اختار المدرب تدريب الجلة، ونجحت فى بطولة الجرى فى الأولمبياد الخاص وحصلت على المركز الأول فى لعبة الجلة، وعندها تم اختيار الأسماء التى ستتأهل لألمانيا لبطولة كأس العالم قالوا إن أقل من 16 عامًا لن يمكنه السفر وكان اسم ابنتى من بين من وقع عليهم الاختيار وسافرنا ألمانيا لحضور بطولة كأس العالم. وكانت تمارس تدريباتها على الجرى والجلة مرتين فى الأسبوع.

ما الألعاب التى شاركت فيها فى بطولة كأس العالم؟

- مريم سافرت بـ3 ألعاب 100 متر تتابع ويكون معها 3 من أصحابها يجرون ويسلمون لبعض العصى، وإيفينت جُلة، وإيفينت جرى 400 متر وسافرت والحمد لله حصلت على مركز أول جلة ورابع جرى ومشاركة فى التتابع. مريم فى الوقت الحالى 16 عامًا فى الصف الأول الثانوى دمج وذاهبة للصف الثانى الثانوى مدرسة سرايا القبة. 

ما البطولات التى شاركت فيها وما الألقاب التى حققتها؟ 

- مريم شاركت فى العديد من البطولات، بطولة كاراتيه وحصلت على المركز الخامس، وكانت البطولة الأولى لها فى الكاراتيه وتفوقت على الأولاد ممن لهم عامين فى اللعبة.

وحاليًا معها حزام بنى. وأخبرنى مدربها أنها على الأغلب خلال سنة سيكون فى إمكانها الالتحاق بالبطولات العالمية. والتحقت ببطولة فى لعبة «ريا كيدو»، وفى البطولة الأولى حصلت على ميدالية ذهب وفى البطولة الثانية حصلت على ميدالية فضية؛ لكننا لم نكمل فيها. كما أنها حصلت على 50 ميدالية ما بين ذهبية وفضية فى الاتحاد الذهنى للإعاقات الذهنية. وحصلت على 3 ميداليات فى الأولمبياد المصرى الخاص، وحصلت على 3 ميداليات عالمية أول جُلة ورابع جرى 400 متر، وحصلت على ميدالية مشاركة فى التتابع 100 متر. لم أكتفِ بتأهيلها رياضيًا فقط، وإنما اهتممت أيضًا بالجانب الدينى فهى حافظة لقصار السور فى القرآن الكريم ولم تلتحق بأى مجال وتلقت فيه تعليمًا صحيحًا إلا وكان لها نتائج جيدة.

ما التحديات التى واجهتها خلال مسيرة مريم الرياضية وكيف تغلبت عليها؟

- قابلت تحديات كثيرة على رأسها الكثير من التنمر فأطفال التوحد وجوههم تبدو طبيعية ويغضبون سريعًا عندما لا يكونون قادرين على التعبير، والكثيرون أخبرونى أن أتوقف ولا أكمل معها وأن إخوتها يحتاجوننى. طوال الوقت كانت الكلمات التى توجه لى سلبية «ليس هناك أمل، لا تتعبى نفسك معها»، لكن الاستسلام لم يكن فى قاموسى فهى هدية من الله لى وهو أعلم بقدراتها وأكثر ما دفعنى للاستمرار أننى وجدت أن لديها إرادة قوية وتستطيع التفوق فى أى شىء ولديها استجابة تحت كل الظروف فلم لا أشجعها وكنت دائمًا أقول لها :«أنا لن أغيرك من أجل العالم يا ابنتى؛ لكننى سأغير العالم كله من أجلك» أنا أستقى منها قوتى حينما أرى أن لديها إرادة قوية رغم ضعفها أكون قادرة على فعل أى شىء.

 هل هناك نصائح تقدمينها لأمهات الأطفال من ذوى الهمم؟ 

- بالفعل أنا أعمل فى الوقت الحالى على توعية الأمهات وأخبرهن ماذا يفعلن وأصبحت أنا وابنتى قدوة لهن. عندما تأتينى أم لديها حالة مشابهة لمريم أرشدها وأساعدها وعندما ألمح أى طفل لديه مشكلة فى أى طريق لا أتردد فى مساعدة أهله. وكلما التقيت أما أردد عليها ما أخبر به مريم باستمرار «لن أغيرك من أجل العالم.. سأغير العالم من أجلك». فعندما كانت مريم صغيرة كنت أرفض تماما إلحاقها بأى نشاط قبل أن تتحدث وعرفت فيما بعد أننى كنت مخطئة لذلك أخذت على نفسى عهدًا بتوعية أى أم لديها ابن من ذوى الهمم. وعندما أقابل أى أم فى أى مكان أشرح لها ماذا تفعل وإلى أين تذهب لكى تساعد طفلها بالشكل الصحيح وعندما أصبحت مريم شهيرة الأمهات أخذتنى قدوة ولم يعدن راغبات فى البقاء بأطفالهن فى المنزل، إنما أصبحن يخرجن ويبحثن عن الفرص «هتتعبى مع ابنك شهر بس هتلاقى». 

ما الذى يمكن للأسر والمجتمع القيام به لدعم أطفال التوحد أو ذويهم من الإعاقات الأخرى؟

- أن يكون هناك توعية باستمرار وخاصة للأطفال، أعلم أن التوعية ازدادت لكننى مازلت أصادف أطفالاً يتنمرون على الأطفال من ذوى الهمم فلا بد أن تكون التوعية فى التربية نفسها وفى المدارس. أتمنى أن يكون هناك برامج توعية مكثفة فى التلفاز وخاصة على القنوات الأكثر مشاهدة، وندوات للأطفال للتوعية بحالات قرنائهم من ذوى الهمم. وأن تكون هناك توعية لأخوة الأطفال من ذوى الهمم لأنهم يعانون من الغيرة فعندى أبنائى تصيبهم الغيرة من اهتمامى بها، وهم غير مدركين أنها تحتاجنى أكثر، ولذلك لا بد من وجود توعية للجميع الأقارب والمعارف والأطفال والمجتمع لأن 50 % من شفائهم نفسى من خلال المجتمع.

 هل تعتقدين أن الرياضة يمكن أن تساعد فى تحسين الصحة النفسية لأطفال التوحد؟ 

- بالطبع أى نشاط يحسن من نفسيتهم سواء رياضة، استعراض، غناء، رسم، حفظ قرآن. فأى مهارة أو نشاط يخرج طاقاتهم يفرحهم ويعطى أطفال الاحتياجات الخاصة بهجة وقدرة أن لديهم إرادة وأملاً حتى لو لم يعبروا عنها لفظيًا فيظهر عليهم نفسيًا ويرون أنهم فعلوا شيئًا. فمريم كانت فى غاية السعادة عندما حصلت على الميدالية الذهبية للمرة الأولى، وكل مرة تحصل فيها على جائزة كان يتكرر نفس الشعور رغم التعب والاجهاد.

 ما أهم الأهداف التى تريدين تحقيقها فى مسيرة مريم الرياضية؟

- ما أتمناه مستقبلا هو إلحاقها ببطولة الأوليمبياد الخاص التى ستقام فى إيطاليا 2025 وسيكون بها تزحلق على الجليد وتحقق فيه لقبا عالميا جديدا. وأتمنى أن تلعب أيضًا ببطولة الاتحاد الذهنى 2027 وهو الاتحاد الذى تنتمى له مريم. لأنها مازالت لم تحقق فيها بطولة عالمية، وأنا متأكدة أنها ستحقق فيه بأمر الله. وأتمنى أن تحقق بطولة عالمية فى الكاراتيه.

وأتمنى لها أن تسافر حول العالم كله وأخبر العالم أجمع بقصتها وقصة كل من يشبهها هم المميزون لسنا كذلك. نحن نحصل على طاقاتنا منهم وليس العكس.

 ما الذى ترغبين فى قوله لمريم؟ 

- أرغب فى أن أوجه لها ثلاث كلمات: كلمة تشجيع سأكون دومًا إلى جانبها أدعمها حتى أغير تفكير العالم عن ابنتى، وكلمة اعتذار عن اللحظات التى أرادت أن تعبر فيها عن شىء وأنا لم أفهمها وأحزنتها، وكلمة حب فأنا أتمنى أن تعلم قدر حبى لها هى وإخوتها وسأسعى لإيصالها لأعلى المناصب مادمت على قيد الحياة.