الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث.. المنعطف الأخير للقضية الفلسطينية بين مصر والأردن.. والسعودية العمل العربى (المشترك) على «ضوء شمعة»

الطريق الثالث.. المنعطف الأخير للقضية الفلسطينية بين مصر والأردن.. والسعودية العمل العربى (المشترك) على «ضوء شمعة»

تجبرنا الدولة مضطرة على الوضع «ثابت»، لمدة ساعة يوميا، تتعطل أعمالنا وتتوقف أنشطتنا، ويعلق برنامجنا اليومى انتظارا لعودة «التيار»، وقد أحسنت الحكومة المصرية صنعا بإعلانها جدول مواعيد يوميًا منذ مطلع الشهر الجارى، نتمكن من خلاله من معرفة ساعتنا المختارة، التى فهمنا من كلام كثير ومثير لمعالى رئيس الحكومة أن هذا العذاب الذى نتجرعه، يهدف إلى التوفير وحسن التدبير.



لا شك أن الحرمان من الكهرباء خلال الصيف وتحديدا فى شهر أغسطس (المرعب)، ليس بالأمر الهين، لكنه قدرنا الذى لن نستطيع الهرب منه، وربما يخرجنا تأمل المنحة فى هذه المحنة من متاهة الغضب التى إن اختطفتنا لن تصل بنا إلا إلى مزيد من التعب. 

الرضا هو مفتاح الفهم، والفهم بداية الطريق إلى الاستفادة من الحرمان، نعم الاستفادة، فكل حرمان يقابله عطاء، هذه هى «عدالة السماء»، التى تفاجئنا فى كل المرات التى نشعر فيها بالضعف، فتمتد يد المولى عز وجل وتنتشلنا من جوف النار وهوة اليأس.

عدالة السماء

وبينما كنا نبحث فى مصر مع لهيب أغسطس عن نسمة هواء تعوضنا الغياب الإجبارى للكهرباء لمدة ساعة، يعيش أشقاؤنا فى فلسطين المحتلة على «ضوء شمعة» طوال اليوم وعلى مدار سنوات تمتد إلى منتصف القرن الماضى، لم يخالجهم شك فى عدالة السماء، وعدالة قضيتهم، لم يفقدوا الثقة فى مشروعية نضالهم، يتجرعوا الصبر فى صبر، مطبعين حياتهم مع مرارة الانتظار، انتظار «جودو» بطل صمويل بيكيت الشهير ونبيه المرتجى، لعله يعيد الكهرباء إلى قضيتهم التى تعانى ظلامًا إكلينيكيًا منذ سنوات، فشلت فيها كل محاولات إعادتها إلى دائرة الضوء العربى والاهتمام الدولى، بسبب عوامل كثيرة يختصرها أمران، الهوان العربى والهيمنة الإسرائيلية. 

وفى الوقت الذى يحلم فيه أشقاؤنا فى الضفة وغزة بعودة الكهرباء المنقطعة عنهم بشكل مستمر، يتمنى المواطن الفلسطينى بأن يتحرر الهواء ونسماته التى حبسها الاحتلال لأكثر من 75 عامًا فى سجون مفتوحة سميت مدنًا أحيانا وفى الأغلب كانت مخيمات مكتظة باللاجئين على أرضهم، بينما ينعم مستوطنون يهود تجلبهم إسرائيل من كل بقاع العالم بخيرات «أرض الميعاد»، فلسطين الأسيرة.. المحتلة. 

ولم يكتف الصهاينة باحتلال الأرض والعرض، فشراهتهم لا تنتهى، وفحشهم فى الخصومة والاعتداء تتصاعد حدته، خاصة فى ظل وجود أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفا على رأس الحكم فى تل أبيب، حكومة بنيامين نتنياهو الائتلافية المتطرفة.

قمة ثلاثية فى العلمين

ورغم أجندتنا المزدحمة بالهموم والأعباء، تغرد مصر منفردة بأنشودة «زهرة المدائن»، يشاركها الشدو شقيق من الأردن مرات ومن السعودية أحيانا، بينما يتابعها الشعب العربى من المحيط إلى الخليج على الوضع «MUTE»، وضع ابتدعته التكنولوجيا الحديثة يثبت المشاركة وينفى الحضور.

ومنذ مطلع العام الجارى تعددت المواقف التى أثبتت فيها مصر حرصها الصادق ودعمها المستمر للشعب الفلسطينى، لتبقى هى الحصن الأخير الذى تحتمى خلفه القضية، وتعددت الوساطات المصرية لإيقاف القتال بين جيش الاحتلال الإسرائيلى وفصائل المقاومة الفلسطينية، وتوالت الإدانات المصرية ومناشدة المجتمع الدولى لإيقاف الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على الشعب الفلسطينى.

وفى سياق متصل، بذلت مصر جهدا كبيرًا، لتجميع أغلب الفصائل الفلسطينية، لتستكمل جهودها فى دعم القيادة الفلسطينية ولم الشمل الفلسطينى، ثم كانت القمة الثلاثية لقادة مصر والأردن وفلسطين فى مدينة العلمين الجديدة، ليكتمل إطار التحركات المصرية الواعية من أجل إحياء عملية السلام، وإثارة الاهتمام الدولى بحقوق الشعب الفلسطينى المغتصبة، وقد أنتجت «قمة العلمين» ثلاث مخرجات رئيسية، تختصرها ثلاث كلمات موجزة: الإدانة والالتزام والدعم.

الإدانة (للجرائم الإسرائيلية المتكررة على الشعب الفلسطينى، وللتوسع فى الاستيطان، وللتحرش المستمر بالمسجد الأقصى)، والالتزام (بالشرعية الدولية، والاتفاقات الإطارية، والمبادرة العربية، وحل الدولتين كإطار يحفظ عملية السلام ويحرض على إحيائها)، والدعم (الكامل للرئيس الفلسطينى، وحكومته، وللفصائل الفلسطينية الموحدة تحت لوائه، وقبلهم جميعا للشعب الفلسطينى، وحقه فى دولته المحررة عاصمتها القدس الشرقية).

مهارة التوقيت

وأبرز ما يلفت النظر فى هذه القمة الاستثنائية هو دلالة التوقيت، والذى أظن أنه كان فارقا لثلاثة أسباب هى:

1- أن القمة تأتى استباقا لتصعيد إسرائيلى متوقع فى خلال المرحلة القادمة، فالحكومة الإسرائيلية تعيش مأزقًا سياسيًا داخليًا، لا ترى طريقًا للخروج منه إلا مزيدًا للتصعيد فى تأجيج مشاعر العداء والعدوانية ضد الشعب الفلسطينى والعربى، واستثارة كل أشكال التطرف، بل إنها ربما تضطر إلى إشعال حرب، تلهى نيرانها المتظاهرين الذين يطاردون رئيس الحكومة الإسرائيلية فى كل مكان.

2- تبعث القمة رسالة عاجلة تؤكد فيها على ضرورة لم الشمل الفلسطينى والعربى، والاصطفاف خلف القضية الفلسطينية، التى تتعرض لأخطر محنة فى تاريخها، فهى فى منعطفها الأخير، وتحتاج إلى كل جهد لإنقاذها. 

3- تمثل القمة آلية مؤثرة وفاعلة فى تنسيق وتكامل جهود الدول الثلاث (مصر- الأردن- فلسطين) على المسار الدولى لإعادة إحياء عملية السلام، خاصة خلال مشاركتهم الدولية القادمة فى الدورة 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة خلال سبتمبر القادم. 

قنصل سعودى فى القدس

وبينما كانت إدارتا بايدن ونتنياهو تعلقان آمالا عريضة على سلام متوقع مع السعودية، فاجأت المملكة المجتمع الدولى بتعيينها أول سفير لها لدى السلطة الفلسطينية، حيث سلّم السفير السعودى لدى الأردن نايف بن بندر السديرى، أوراق اعتماده سفيرا فوق العادة مفوضًا وغير مقيم لدى فلسطين، وقنصلا عاما فى مدينة القدس، إلى مستشار الرئيس الفلسطينى للشئون الدبلوماسية. ورأى خبراء أن هذا القرار السعودى، يمثل رسالة من المملكة إلى المشككين فى مواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية، خاصة مع تصاعد الحديث عن توجهاتها القادمة فى عقد اتفاق سلام مع إسرائيل برعاية أمريكية.

ومما لا شك فيه، فإن هناك إشارات كثيرة بدأت تلوح فى الأفق السياسى بالشرق الأوسط، تتحدث عن إمكانية تقارب سعودى إسرائيلى، وذلك منذ وصول الملك سلمان إلى سدة الحكم فى المملكة، وظهور ملامح تصوراته للسعودية الجديدة، التى عكستها رؤية 2030، التى أطلقها ولى عهده الأمير محمد بن سلمان، والتى تمثل فى إحدى ركائزها انفتاحًا غير مسبوق فى تاريخ المملكة على العالم الخارجى، وفتح قنوات اتصال مع الجميع لما فيه مصلحة الشعب السعودى، وهو ما برز قبل شهور فى عودة العلاقات السعودية الإيرانية، والتى قدمت نموذجا حيًا لقدرات الدبلوماسية السعودية الحديثة فى القفز على كل الخلافات وطى صفحات ممتدة من الصراع. 

وظنى أن لحظة التدشين الرسمى لطريق ممهد يجرى من خلاله تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل قد اقتربت، يعطلها قدرة إسرائيل ومن خلفها الوسيط الأمريكى فى إيجاد حل مقبول وعادل للقضية يقبله الشعب الفلسطينى، ويمكن تسويقه لدى اليهود فى إسرائيل وخارجها.

وهنا أكون قد أنهيت مقالى مستثمرا ساعة انقطاع الكهرباء، التى تمنحنى قدرا من الهدوء وفرصة للتأمل رغم حرارة الطقس، ويبقى سؤال أخير ومؤجل، ربما نجيب عليه فى مقال قادم: إلى أى مدى يمكن أن تستفيد القضية الفلسطينية من سلام متوقع بين السعودية وإسرائيل؟