الأحد 12 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«الاتحاد الأوروبى» يتجرع مرارة الأزمة الأوكرانية عقوبات «مرتدة»

 «هل انقلب السحر على الساحر؟».. سؤال قد يكون الأخطر الذى تحاول دول «أوروبا» إخفاءه، حفاظًا على ماء الوجه فى قرارات قد تكون الأكثر إثارة للجدل فى الوقت الحالى أمام شعوبهم.



منذ اللحظات الأولى لبدء العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، لم تتوان الدول الغربية، ومنها كتلة «الاتحاد الأوروبى» عن دعم «كييف» فى مواجهة «موسكو» عبر تقديم جميع سبل المساعدات للأولى، وفرض أقسى العقوبات على الثانية، إلى أن صارت «روسيا» واحدة من أكثر دول العالم تقع تحت وطأة العقوبات، من خلال حزمة غير مسبوقة فرضت عليها خلال عام ونصف العام.

 

وكانت الحجة الأوروبية وراء 11 حزمة من العقوبات ضد «روسيا»، هى خفض إيرادات «موسكو»، وتقليص فرص وصولها إلى التكنولوجيا المستخدمة فى الحرب، لردعها عن عمليتها العسكرية داخل الأراضى الأوكرانية.

وبالفعل، فاعتبارًا من 23 يونيو 2023، فرض «الاتحاد الأوروبى» عقوبات على 1544 فردًا روسيًا، و240 كيانًا وفقًا لموقع الإحصاءات «ستاتيستا»، الذى أوضح أن الأشخاص الذين فرض عليهم للعقوبات يخضعون لحظر السفر، وتجميد الأصول فى «الاتحاد الأوروبى»؛ بينما تم تجميد أصول الشركات التابعة لهم.

  الوجه الآخر للعقوبات

فى الوقت الذى تأكدت فيه دول أوروبية كثيرة من خطوة العقوبات –سواء كان اقتناعًا، أو تباعًا لقرارات «الولايات المتحدة»- بدأت ملامح التشكك تظهر بوتيرة ملحوظة خلال الفترة الأخيرة من حكومات بعض الدول، وإن لم تكن ظاهرة؛ وذلك إثر الأضرار غير المباشرة التى أثرت على الاقتصاد الأوروبى والشركات الأوروبية جراء العقوبات المفروضة على «روسيا».

فمن إحدى المناخى، عانت أكبر الشركات فى «أوروبا» من خسائر مباشرة لا تقل عن 100 مليار يورو من عملياتها داخل «روسيا» منذ  بدء الأزمة الأوكرانية، وفقًا لتحليل أجرته صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية. 

وكشفت الدراسة الاستقصائية، التى شملت بيانات 600 مجموعة أوروبية من التقارير السنوية، والبيانات المالية لعام 2023، عن تسجيل 176 شركة انخفاضًا فى قيمة الأصول، ورسومًا متعلقة بالعملات الأجنبية، ومصروفات أخرى، نتيجة بيع، أو إغلاق، أو تقليص الأعمال التجارية الروسية. 

جديرًا بالذكر، أن هذا الرقم لا يشمل إجمالى الآثار غير المباشرة على الاقتصاد الكلى لتداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، مثل ارتفاع تكاليف الطاقة، والسلع.

أكدت «فاينانشيال تايمز»، أن أعلى التكاليف الانسحاب من «روسيا»، تحملتها قطاعات محددة، مثل: الشركات العاملة فى قطاع المرافق العامة سجلت خسائر مباشرة قدرها 14 مليارًا و700 مليون يورو؛ بينما تكبدت الشركات الصناعية، بما فى ذلك مصنعو السيارات، تكاليف بقيمة 13 مليارًا و600 مليون يورو عند مغادرتها الأراضى الروسية؛ فى حين سجلت الشركات المالية، بما فى ذلك البنوك، وشركات التأمين، وشركات الاستثمار، 17 مليارًا و500 مليون يورو من الخسائر والتكاليف الأخرى.

من جانبهم، رجح محللون اقتصاد أن الشركات الغربية بدأت تسجل خسائر أكبر، بعدما بدأت «روسيا» فى استخدام المرسوم الذى وقعه الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» فى شهر أبريل الماضى، والذى يسمح بسيطرة الدولة الروسية –مؤقتًا- على أصول الشركات، أو الأفراد من الدول التى وصفتها بـ(غير الصديقة)، بما فى ذلك «الولايات المتحدة» وحلفاؤها؛ ردًا على تحركات مماثلة، أو تهديد من هذه الدول.

وبالفعل، استخدمت «روسيا» -لأول مرة- فى أبريل الماضى، هذا المرسوم، حين سيطرت على المرافق المملوكة لشركة «فورتوم أويج» الفنلندية، والتى سجلت خسائر خسائر بقيمة 5 مليارات و300 مليون يورو، وشركة «يونيبر» الألمانية، التى سجلت خسائر بقيمة 5.7 مليار يورو.

جاء ذلك بعد أن قالت مجموعة «وينترشال دى» الألمانية فى  يناير الماضى، إن مصادرة (الكرملين) لأعمالها فى «روسيا» قضت على مليارى يورو من السيولة من حساباتها المصرفية.

فى المقابل، خفضت شركة (BASF)، المالكة لـ(Wintershall)، حصتها بمقدار 6 مليارات و500 مليون يورو.

ونقلت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية عن مسئوولين بشركات الاستشارات الاستراتيجية، قولهم، إن: «الشركات خسرت الكثير من المال عند مغادرتها «روسيا»؛ فيما تخاطر الشركات الأخرى التى بقيت بخسائر أكبر».

يأتى ذلك، فى حين يتواصل عمل أكثر من 50 % من نحو 1871 كيانًا كانت تملكها «أوروبا» فى «روسيا» قبل العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، وفقًا للبيانات التى جمعتها مدرسة كييف للاقتصاد.

خسائر الشركات الأوروبية، التى كانت تحقق أموالًا طائلة من عملها داخل السوق الروسية، يسير بالتوازى مع خسائر أخرى تعرضت لها الشركات داخل القارة الأوروبية، والناجم عن عدة لأسباب وفى مقدمتها، ارتفاع أسعار الطاقة، مما أجبر دول «الاتحاد الأوروبى»، و«بريطانيا» على إنفاق 785 مليار يورو لدعم الأسر والشركات، وفقًا لمذكرة من مركز أبحاث (Bruegel).

وأوضحت المذكرة أن «ألمانيا» وحدها أنفقت ما يقرب من 7 ٪ من ناتجها المحلى الإجمالى لحماية مستهلكى الطاقة؛ فيما اضطرت «فرنسا» - التى كانت أقل تعرضًا لتدفقات الطاقة من «روسيا» - إلى إنفاق ما يقرب من 3.25 ٪ من ناتجها المحلى الإجمالى على مصادر الطاقة المختلفة، وذلك فى شتاء 2022-2023 فقط.

وأدى هذا الإنفاق الإضافى، والتضخم المرتفع غير المسبوق الذى واجه الحكومات الأوروبية، والناجم عن ارتفاع أسعار الطاقة والسلع الأساسية، إلى إلحاق أضرار جسيمة بالقدرة التنافسية الاقتصادية لدول «الاتحاد الأوروبى»، ناهيك عن أزمة تكلفة المعيشة التى عانت منها عدة مجتمعات أوروبية، ما أسفر عن موجة من الإضرابات والاحتجاجات واسعة النطاق مطالبة برفع الأجور لتواكب ارتفاع الأسعار؛ بينما بدأت بعض الدول وفى مقدمتها «بريطانيا» تسجيل معدلات غير مسبوقة فى تسجيل نسب فقر، وصلت لتجاوز بعض الأسر بعض وجبات الطعام الأساسية توفيرًا للنفقات.

  للعقوبات استثناءات

فى الوقت الذى يشير فيه المسئولون الأوروبيون إلى قسوة العقوبات المفروضة على «موسكو»، التى ستؤدى –بالتعبية- إلى الإضرار بالاقتصاد الروسى، لم يذكروا –فى المقابل- تواصل المعاملات التجارية بين الجانبين فى بعض المجالات الحيوية التى من الصعب على «أوروبا» التخلى عنها حتى لا توجه ضربة مباشرة عنيفة لاقتصاداتهم.

فذكرت بيانات مكتب إحصاءات الاتحاد الأوروبى (يوروستات)، أن «الاتحاد الأوروبى» استورد ما قيمته 171 مليار يورو من البضائع من «روسيا»، اعتبارًا من مارس 2022 حتى نهاية يناير 2023. 

وأوضحت بيانات (يوروستات) أن إجمالى واردات «الاتحاد الأوروبى» من منتجات الصناعة النووية الروسية بلغ نحو 750 مليون يورو فى عام 2022؛ بينما اشترت الكتلة الأوروبية ما قيمته مليار و400 مليون يورو من الماس الروسى العام الماضى.

كما بلغت قيمة واردات «الاتحاد الأوروبى» من الأسمدة الروسية مليارى و600 مليون يورو العام الماضى، بزيادة أكثر من 40 ٪ عن عام 2021، حيث تغلب ارتفاع الأسعار على الكميات المنخفضة.

إحصائيات مخالفة للتوقعات

توقعت الدول الغربية أن يعانى الاقتصاد الروسى جراء العقوبات، متوقعين تقلص الاقتصاد فى عام 2022 من 9 % إلى 15 %؛ إلا أن ما حدث هو تقلص الاقتصاد الروسى بنسبة 2.1 % فقط العام الماضى.

من جانبه، أشار صندوق النقد الدولى إلى قوة أداء الاقتصاد الروسى فى مواجهة العقوبات.. حيث قال خبراء الصندوق إن: «الاقتصاد الروسى أصبح أكثر مرونة مما كان متوقعًا فى بداية العام الماضى، بعد فرض العقوبات الغربية».

وأوضح الخبراء أن النتائج القوية بشكل غير متوقع فى عام 2022 ترجع إلى استقرار صادرات النفط، فى ظل ارتفاع أسعاره، واستمرار الإمدادات؛ إذ سجلت صناعة النفط والغاز  فى «روسيا» أرباحًا قياسية.

وفيما يتعلق بالعام الجارى 2023، توقع الصندوق نمو الاقتصاد الروسى عند مستوى 0.7 %، وهى وتيرة أسرع من نمو الاقتصادين الفرنسى والألمانى.

جدير بالذكر، أن بعض خبراء الاقتصاد اعتبروا أن تشديد العقوبات الغربية على «موسكو» دليل على فشل وليس قوة تثنى «روسيا» عن عمليتها العسكرية فى «أوكرانيا».

فى النهاية، لا شك أن «روسيا» تشعر بتأثير العقوبات، إلا أن «الاتحاد الأوروبى» يشعر -أيضًا- بتأثيرها الارتدادى لها، ما يسفر عن توقعات بعدم وجود فائز واضح فى هذه المواجهة بين الجانبين؛ بينما تشير المؤشرات لوجود خاسرين بشكل لا جدال فيه.