الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

المخيم أصبح ساحة لتصفية الحسابات بين الفصائل «نيران صديقة» فى «عين الحلوة»

فلسطين.. هذا الوطن الجريح الذى شهد الأيام الماضية حالة من التخبط فى محاولة للصلح بين فصائله فى اجتماع بمدينة العلمين للحث على ضرورة التوحد لحل الأزمة الفلسطينية بين جماعة حماس وحركة فتح  وبداية صفحة جديدة لتوحيد الصف الفلسطينى لترميم بعض من جراحه التى بدأت منذ 2014، وبرغم مساعى مصر والدول الشقيقة لترميم هذه الأزمة بين إخوة الأرض الواحدة؛ فإن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل اندلعت أزمة جديدة فى مخيم عين الحلوة بلبنان الذى يتواجد فيه نحو 80 ألف فلسطينى فى شتات عن موطنهم.. ليتحول هذا المخيم إلى ساحة لتصفية الحسابات بين الفصائل الفلسطينية وتبدأ موجة من نزوح سكان المخيم خشية من تبعات اشتعال حرب مصغرة بين أنصار فتح وحماس مرة أخرى.. الأمر الذى يطرح التساؤل الأقوى.. متى ينتهى شتات الفلسطينيين وهم يواجهون نيران العدو الإسرائيلى من جهة ومن جهة أخرى نيران أشقائهم؟



اغتيال «الصلح»

قبل أيام اندلعت اشتباكات عنيفة فى مخيم «عين الحلوة» للاجئين الفلسطينيين بجنوب لبنان ولا تزال، وذلك إثر عملية اغتيال استهدفت قائد الأمن الوطنى الفلسطينى فى المخيم، العميد فى حركة «فتح»، أبو أشرف العرموشى وأربعة من مرافقيه، بعد تعرضهم لكمين مسلح فى موقف عمومى للسيارات فى حى البساتين داخل المخيم، وأدت الاشتباكات إلى نزوح عدد كبير من أهالى «عين الحلوة» بعد احتراق وتضرُّر عدد من المنازل والمحال فى بعض أحياء المخيم، وإصابة واجهات مبانٍ ومحال تجارية بالرصاص الطائش فى بعض الأماكن فى مدينة صيدا.

وأعلن الجيش اللبنانى إصابة عدد من العسكريين بعد تعرُّض مراكز ونقاط مراقبة لإطلاق نار إثر الاشتباكات بين المسلحين الفلسطينيين، وحذر الجيش فى بيان من «مغبة تعريض المراكز العسكرية وعناصرها للخطر مهما كانت الأسباب»، مؤكدًا أنه سيرد على مصادر النيران بالمثل، كما جرى اتصال بين ضباط فى الجيش اللبنانى وقيادات فلسطينية، واعتبروا أن «إصابة الحواجز العسكرية ليست عشوائية، بل متعمدة». وبلغ عدد الضحايا 11 فردًا و50 جريحًا، وفق وسائل إعلام لبنانية.

ويعد أبوأشرف العرموشى قائدًا عسكريًا مهمًا ومن صقور حركة فتح، كما أنه مقرب من رئيس الفرع المالى فى «فتح» منذر حمزة، والسفير الفلسطينى فى لبنان أشرف دبور، المحسوبين بدورهما على رئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج.

ووفق تصريحات مصدر سياسى فلسطينى لصحيفة «إندبندنت» أوضح فيها أن الخلاف السياسى فى غزة ينعكس بشكل كامل على المخيم، حيث هناك خلاف على كل المواضيع من العلاقة مع الأونروا (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئى فلسطين)، إلى الصراع داخل المؤسسات الفلسطينية، والسيطرة والنفوذ داخل المخيمات، بخاصة مخيم «عين الحلوة» لمركزيته، ولأنه يضم التجمع الفلسطينى الأكبر داخل لبنان.

وأضاف المصدر إن عنصرًا من جماعة «عصبة الأنصار»، التى تتبع السلفية الجهادية والمصنفة كجماعة إرهابية من قبل عدد من الدول، يدعى خالد علاء الدين قتل عنصرًا فى قوات الأمن الوطنى الفلسطينى يدعى محمود زبيدات فى مارس الماضى، ما سبَّب توترًا داخل المخيم حتى تسليم العنصر القاتل تحت التهديد بأن يدخل المخيم فى معركة كبيرة، «هنا تدخلت حركة أمل اللبنانية كوسيط، لأنه صحيح أن الشاب ينتمى إلى فصيل سنى لكن أخواله من الشيعة، واقتضت الوساطة أن يسلَم للسلطات اللبنانية، ولكن خالد علاء الدين لم يسلم إلى القوى الأمنية اللبنانية، وعلى رغم تأكيد «القوة المشتركة الفلسطينية» تسليم المتهم إلى مخابرات الجيش اللبنانى، فإن أهل زبيدات يعتبرون أنه غُرر بهم وأن القاتل لم ينل جزاءه، بل هرب إلى منطقة آمنة بتغطية ومساعدة من «حزب الله». 

هنا قرر محمد زبيدات الملقب بـ«الصومالي» الثأر لمقتل شقيقه عبر اغتيال ثلاثة من المحسوبين على تنظيم «جند الشام» أثناء مرورهم فى حى الجميزة بالمخيم، ما أدى إلى مقتل عبدفرهود وجرح عيسى جمال حمد ومحمود خليل الملقب بـ«أبوقتادة». ولكن على ما يبدو أن قرار «الصومالي» كان فرديًا وليس بأمر جماعته، حينها بدأت الاشتباكات وبدأ المتشددون بإطلاق الرصاص على أهالى منطقة «البركسات» الملاصقة لمخيم عين الحلوة، هنا أصدر آل زبيدات بيانًا اعتبروا فيه أنهم لم يأخذوا بثأر ابنهم محمود ولن يسلموا محمد (الصومالي). 

وأراد العرموشى أن يدخل كحكم وليس طرفًا وأراد تسليم «الصومالي» إلى الدولة اللبنانية، وهو فى طريقه للتفاوض مع الفصائل دخل منطقة البساتين وهى منطقة مختلطة النفوذ بين الإسلاميين و«فتح»، لكنه وقع فى كمين وقتل هو وكل عناصره.

 ويشدد المصدر الفلسطينى على أن «كل الترجيحات تقول إن فتح هى من قامت بتصفية العرموشى لأنه على إثر زيارة رئيس جهاز المخابرات الفلسطينى ماجد فرج بيروت، وبعد الاجتماعات المكثفة أراد إنهاء الظواهر السلبية فى المخيم كتجارة المخدرات والعناصر الخطرة الخارجة عن القانون وتسليمها للسلطات اللبنانية، لكن على ما يبدو أن هناك متضررين فى المخيم فاغتالوه، كما أن جميع تحركاته كانت سرية، لكن لا بد أنه كان مرصودًا ومراقبًا، وهناك من أبلغ عنه من داخل الحركة».

 اشتعال الحرب

مع تصاعد الأزمة ربط الإعلام اللبنانى بين زيارة رئيس جهاز المخابرات الفلسطينى ماجد فرج بيروت قبل أيام من انفجار «عين الحلوة»، لكن وفق الصحف اللبنانية فإن رئيس جهاز المخابرات لم يزر المخيم وجاء لمناقشة الخلاف القائم بين قيادات فتح فى لبنان، وبين السفير الفلسطينى أشرف دبور من جهة، ولجنة الحوار اللبنانى- الفلسطينى من جهة أخرى، ذلك أن فرج يسعى إلى تغييرات جذرية داخل المنظمة فى المخيم، منها إعادة إحياء فكرة الشرطة الفلسطينية داخل المخيمات فى لبنان، وهو كان بدأ فى السابق بموافقة لبنانية، وجرى تدريب مئات العناصر داخل مخيم الرشيدية. كما أن لزيارته سببًا رئيسًا وهو طلب عدم تسهيل مهمات المتشددين داخل المخيم من قبل السلطات اللبنانية، من هنا جاء لقاؤه مع مدير المخابرات فى الجيش اللبنانى طونى قهوجى، ومدير عام الأمن العام بالوكالة اللواء إلياس البيسرى، ومقر السفارة الفلسطينية فى بيروت.

ووفق بعض تحليلات صحفية، فإن هناك مخاوف لدى حركة فتح من تسهيلات تعطى لحركة حماس، بخاصة فى مناطق الجنوب. وجاء ذلك بعد انفجار مستودع أسلحة تابع لـ«حماس» فى مخيم البرج الشمالى (شرق مدينة صور) فى ديسمبر 2021، علمًا أن الحادث وقع فى منطقة عمل قوات الطوارئ الدولية (يونيفيل)، وفى المنطقة المشمولة بالقرار الدولى 1701 أى جنوب نهر الليطانى، والقرار الذى صدر بعد حرب لبنان وإسرائيل فى عام 2006، يتحدث البند الأساس منه عن جعل كامل منطقة عمل «اليونيفيل» خالية من أى سلاح غير شرعى.

وبعد ذلك حصلت حادثة إطلاق الصواريخ على إسرائيل فى أبريل الماضى، أيضًا من محيط مخيم «البرج»، وأعلن حينها «حزب الله» أن فصائل فلسطينية تقف وراء عملية الإطلاق، أيضًا فى موضوع الخيمتين اللتين نصبهما «حزب الله» على الحدود، تحدثت أنباء عن وجود عناصر من «الجهاد الإسلامي» وحضور فلسطينى فيهما، وهذا ما أثار مخاوف أن تكون «حماس» و«الجهاد الإسلامي» يعملان على إنشاء بنية عسكرية فى الجنوب، بالاتفاق مع «حزب الله» وبتغطية منه، وهو الأمر الذى تغشاه السلطة الفلسطينية لإعطاء تسهيلات تعطى لحركة «حماس» و«الجهاد الإسلامي» ومتشددين لإدخال السلاح والتمويل وإبقاء الوضع الأمنى متأزمًا فى المخيمات.

يذكر أنه فى سبتمبر 2020 جاءت زيارة رئيس المكتب السياسى لحركة فتح إسماعيل هنية إلى مخيم «عين الحلوة» وصرح حينها بعد لقائه مع الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، أن «مخيمات الشتات هى قلاع المقاومة، ومنها صنعت الأحداث الكبرى، وخرج منها الأبطال، وفيها ظلت القضية حية». 

وأضاف إن «المقاومة تمتلك صواريخ لتدك بها تل أبيب وما بعدها»، وهذا ما أثار كثيرًا من التساؤلات والاستنكارات، لأن تهديداته خرجت من أراض لبنانية، وترافق خطابه مع ظهور أكثر من 200 مسلح فى برج البراجنة والبرج الشمالى مجهزين بأسلحة حديثة، كما أن لباسهم كان عسكريًا وبدا واضحًا أنهم مدربون تدريبًا عاليًا، وفقًا لمتابعات إعلامية حينها.

 تجميد الحوار

ومع اشتعال الأوضاع فى الأراضى اللبنانية كان يتزامن هذا مع اجتماع للقادة الفلسطينيين فى مدينة العلمين برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى فى محاولة لرأب الصدع بين أشقاء الوطن.

وانتهى اللقاء بالاتفاق على تشكيل لجنة من الأمناء العامين للفصائل لاستكمال الحوار بهدف إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة بعد محادثات بدت فيها نقاط الخلاف أكثر من نقاط الاتفاق، لا سيما بين حركتى «فتح» و«حماس».

وشارك فى الاجتماع ممثلو نحو 14 فصيلًا فى مقدمتهم حركتا فتح وحماس والجبهتان الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب وبقية الفصائل المنضوية تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية، فيما غابت ثلاث فصائل كبرى (حركة «الجهاد الإسلامي» وطلائع حرب التحرير الشعبية «الصاعقة» والجبهة الشعبية القيادة العامة)، مرجعين عدم مشاركتهم إلى ما وصفوه بـ«الاعتقالات السياسية» من قبل أجهزة السلطة الفلسطينية فى الضفة الغربية، فى وقت أعلنت حركة الجهاد الإسلامى أنها ستحترم نتائج الاجتماع «ما لم يمس الرؤية الوطنية فى الصراع مع الاحتلال».

وطالب الرئيس محمود عباس فى كلمته الختامية، بإنهاء الانقسام والتأكيد على أن منظمة التحرير هى الممثل الوحيد للشعب، مشيرًا إلى أن المقاومة الشعبية السلمية هى الأسلوب الأمثل لمواصلة النضال، مطالبًا بإجراء الانتخابات في أقرب وقت شرط مشاركة القدس الشرقية.

إلا أنه بعد انفجار الوضع فى مخيم «عين الحلوة» وعدم خروج اجتماع الفصائل فى مصر بخطوات جادة لحل أزمة الانقسامات الفلسطينية تبقى انعكاسات الأوضاع واضحة وهي استمرار الخلافات بين الإخوة وبقى الشعب الجريح هو وحده من يدفع ثمن هذه الخلافات سواء فى داخل الأراضى الفلسطينية أو فى مخيمات اللاجئين.