الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الاتهامات الغربية تطارد «التنين» شبح الصين يرفرف على الأراضى الأمريكية

يشير ارتفاع وتيرة الاتهامات الغربية لبكين مؤخرًا بالتجسس إلى تصاعد حدة التوترات بين الجانبين، ومن غير الواضح بعد إن كانا سيتجنبان المزيد من التصعيد أم أنه قد يحدث ما هو أسوأ بكثير.



 

فما بين اتهامات لندن لبكين بمحاولة اختراق المخابرات البريطانية عبر حملات تجسس واسعة، تستهدف السياسيين والبنية التحتية الحساسة والجيش والشركات الخاصة والقطاع الأكاديمى فى البلاد، واتهام إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن للصين بزرع برمجيات خبيثة فى بنى تحتية أمريكية رئيسية للتجسس على الجيش الأمريكى وتعطيل تحركاته فى حال نشوب نزاع بينهما، ثم تحذير وكالة الاستخبارات الألمانية، خلال الأسبوع  الماضى المسئولين الحكوميين وصناع السياسة من أن الصين تزيد من أنشطة التجسس فى البلاد، باتت الصين فى موضع الاتهام كونها تمثل التهديد الرئيسى للغرب، لتحل محل روسيا ومكافحة الإرهاب كمحور لاهتمام أنشطة الاستخبارات الغربية، ومن المتوقع أن يستمر هذا الوضع خلال المرحلة المقبلة. 

وفى الوقت الذى يركز المجتمع الدولى على تداعيات الحرب فى أوكرانيا، فإن الدول الغربية تكيل الاتهامات لبكين بممارسة أنشطة تجسس واسعة وسرية، تستهدف الأمن القومى لدى تلك الدول؛ الأمر الذى سيعقد مسار العلاقات الصينية – الغربية، بما قد يصل إلى حد تحجيم مجالات التعاون المختلفة بينهما، خاصة تلك المتعلقة بتدفق الاستثمارات المتبادلة.

وفيما تلقى هذه الاتهامات الأخيرة الضوء مجددًا على اتهامات التجسس التى لطالما وجهها الغرب بقيادة الولايات المتحدة إلى الصين، واتخذت أشكالًا مختلفة.

 شبح يرفرف بأراضيها

يربط محللون دوافع الاتهامات الغربية للصين بواشنطن التى باتت ترى فى بكين شبحًا يرفرف دائمًا بأراضيها، فطالما اتهمت الولايات المتحدة الصين بالضلوع فى عدد من أنشطة التجسس ضدها، بما فى ذلك اختراق شبكات الحكومة والشركات الأمريكية وسرقة الملكية الفكرية وتجنيد مواطنين أمريكيين للتجسس لمصلحة الصين وإجراء عمليات نفوذ للتأثير فى سياسة واشنطن لمصلحة بكين.

 التجسس والتأثير

 وفى أحدث اتهام غربى موجه لبكين فى هذا الصدد، حذرت وكالة الاستخبارات الألمانية، المسئولين الحكوميين وصناع السياسة من أن الصين تزيد من أنشطة التجسس فى البلاد فى علامة جديدة على مخاوف الأمن القومى بشأن العلاقات مع القوة الآسيوية العظمى.

وقالت هيئة مكافحة التجسس إن الإدارة الدولية للجنة المركزية للحزب الشيوعى الصينى (IDCPC) لعبت دورًا مركزيًا فى هذا الجهد، وحثت المسئولين الألمان على توخى الحذر فى تفاعلهم مع ممثليها.

وجاء فى المذكرة «توخى الحذر وضبط النفس بشكل خاص» عند الاتصال بلجنة الحزب الشيوعى الصينى أو أعضائها، مشددة على ضرورة تجنب أى أعمال يمكن تفسيرها على أنها تعاون مع جهاز مخابرات أجنبى بموجب القانون الألمانى.

وأدرج تقرير منفصل نشرته الحكومة الألمانية فى وقت سابق الشهر الماضى الصين على قائمة الدول «التى تمارس أنشطة تجسس ضخمة» فى ألمانيا، إلى جانب روسيا وإيران وتركيا.

وكان رئيس المكتب الاتحادى لحماية الدستور فى ألمانيا (الاستخبارات الداخلية) توماس هالدنفانغ قد حذر قبل أشهر قليلة من تنامى الأنشطة التجسسية للصين داخل ألمانيا. حيث قال فى تصريحات لصحيفة «فيلت آم زونتاج» الألمانية أن «الصين تقوم بتطوير أنشطة تجسس وتأثير واسعة النطاق. يجب أن نعد أنفسنا لاستمرار تنامى هذه الأنشطة فى السنوات المقبلة». وأوضح هالدنفانغ أنه بينما كان الصينيون يركزون فى السابق على التجسس الاقتصادي، فإنهم أصبحوا منذ سنوات يركزون أيضًا على التجسس على الساسة.

وحذر من أن الاعتماد الاقتصادى على الصين يمكن استغلاله فى النفوذ السياسى.

ومن جانبها، قالت متحدثة باسم وزارة الداخلية الألمانية للصحيفة إن الوزارة ليس لديها فى الوقت الراهن معلومات عن إطلاق بالونات تجسس صينية فى ألمانيا فى أى وقت على غرار ما حدث فى الولايات المتحدة مؤخرًا. وفى الوقت نفسه، قالت المتحدثة إن الوزارة تفترض رغم ذلك أن ألمانيا واحدة من أهم الأهداف الاستخباراتية للصين المتعلقة بالتجسس والتأثير.

سيناريو مرعب

فيما اشتعلت حرب التجسس بين الصين وبريطانيا، خلال الفترة الماضية وسط مزاعم عن محاولة بكين اختراق المخابرات البريطانية عبر حملات تجسس واسعة، تستهدف السياسيين والبنية التحتية الحساسة والجيش والشركات الخاصة والقطاع الأكاديمي، فيما حذر نواب البرلمان البريطانى من «سيناريو مرعب» بتفوق الصين التكنولوجى.

وفى هذا السياق، ذكرت صحيفة التايمز البريطانية، أن لجنة الأمن والاستخبارات البرلمانية البريطانية، والتى تشرف على دوائر الاستخبارات (MI5 وMI6 وGCHQ) كشفت محاولات الصين اختراق الوكالة عبر عمليات تجسس واسعة.

وخلص تقرير مكون من 207 صفحات للجنة الاستخبارات البرلمانية البريطانية إلى أن الصين شنت عمليات تجسس واسعة على أجهزة المخابرات خلال الـ4 أعوام الماضية.

وأوضح التقرير أن بريطانيا تتعرض لهجوم من قبل الصين يستهدف السياسيين والبنية التحتية الحساسة والجيش والشركات الخاصة والقطاع الأكاديمى.

وقالت لجنة الاستخبارات البرلمانية البريطانية إنها كانت على علم أيضًا بمحاولة فاشلة للصين لزرع شخصية فى إحدى وكالات التجسس فى المملكة المتحدة.

وأوضحت اللجنة أن «أنشطة بكين التجسسية اخترقت قطاعات الاقتصاد البريطانى وإن الحكومات المتعاقبة فشلت فى معالجة تهديد بكين لأن المصالح الاقتصادية كانت لها الأسبقية».

وأضافت بأن «الاستثمار الصينى فى القطاع النووى يعنى أن الكهرباء البريطانية ستكون فى قبضة الصينيين، فى حال تدهورت العلاقات بين البلدين».

وحذر نواب البرلمان البريطانى من «سيناريو مرعب» حيث تتمتع الصين بالتفوق التكنولوجى ويمكن أن تمارس نفوذًا سياسيًا واقتصاديًا على جميع المستويات.

وأكد النواب على «ضرورة السماح بالإشراف على قرارات الاستثمار الحساسة، لتقديم المزيد من الضوابط والتوازنات مع الأخذ بعين الاعتبار التهديدات الأمنية المحتملة فى قطاع الطاقة جنبًا إلى جنب مع المكاسب الاقتصادية».

وسبق للعديد من الخبراء المختصين فى المجال الأمنى ببريطانيا، التأكيد على التهديد الأمنى الذى تشكله الصين من قبل مسئولى المخابرات وغيرهم من الخبراء فى الأعوام الأخيرة.

وتقرير لجنة الأمن والاستخبارات البريطانية، يعتبر أول تحليل شامل للحجم الهائل للفشل فى معالجة التهديدات الصينية على الدولة فى بريطانيا.

 برمجيات خبيثة

 فى وقت متزامن، أفادت صحيفة نيويورك تايمز أن الإدارة الأمريكية تعتقد أن الصين زرعت برمجيات خبيثة فى شبكات كهرباء واتصالات رئيسية أمريكية، تشكل «قنبلة موقوتة» يمكن أن تؤذى الجيش فى حال النزاع.

وذكرت الصحيفة نقلًا عن مسئولين أمريكيين من الجيش والاستخبارات والأمن أن البرمجيات الخبيثة ربما تمنح الجيش الصينى القدرة على عرقلة القوات الأمريكية فى حال تحركت بكين ضد تايوان فى وقت ما.

والأجهزة المتضررة، وفق نيويورك تايمز، يمكن أن تسمح للصين ليس فقط بقطع الكهرباء والاتصالات عن قواعد عسكرية أمريكية، إنما عن منازل وشركات فى أنحاء الولايات المتحدة أيضًا.

ويأتى التقرير بعد شهرين على تحذير من مايكروسوفت بأن قراصنة صينيين ترعاهم الدولة، اخترقوا شبكات بنى تحتية أمريكية حساسة.

وأشارت مايكروسوفت تحديدًا إلى غوام، وهى أرض تابعة للولايات المتحدة تقع فى المحيط الهادئ وتضم مركزًا عسكريًا مهمًا، بوصفها أحد الأهداف، لكنها قالت إن أنشطة خبيثة رُصدت أيضًا فى أماكن أخرى فى الولايات المتحدة.

هجوم خفي

وقالت إن الهجوم الخفى الذى نُفذ منذ منتصف 2021، كان يهدف على الأرجح إلى خلق عراقيل أمام الولايات المتحدة فى حال نزاع إقليمى. وفى الوقت نفسه، حذرت السلطات فى كل من أستراليا وكندا ونيوزيلندا وبريطانيا من أن القراصنة الصينيين تحدثوا على الأرجح على مستوى العالم، واستدعى اكتشاف البرامج الخبيثة، بحسب نيويورك تايمز، سلسلة من الاجتماعات فى غرفة الطوارئ بالبيت الأبيض شارك فيها كبار مسئولى الجيش والاستخبارات والأمن القومى سعيًا لتتبع مصدر الشفرة والقضاء عليها. ونقلت الصحيفة عن مسئول فى الكونجرس قوله إن عملية زرع البرامج الخبيثة ترقى إلى وصف «قنبلة موقوتة».

وأصدر البيت الأبيض بيانًا لم يذكر فيه الصين ولا أى قواعد عسكرية.وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومى بالإنابة آدم هودج إن «إدارة بايدن تعمل بلا هوادة للدفاع عن الولايات المتحدة من أى اضطرابات فى البنية التحتية الحيوية، بما فى ذلك عن طريق تنسيق الجهود المشتركة بين الوكالات لحماية أنظمة المياه وخطوط الأنابيب والسكك الحديد وأنظمة الطيران، وسواها».

وأضاف أن الرئيس بايدن «طلب أيضًا وللمرة الأولى تطبيق ممارسات صارمة للأمن المعلوماتى».

 حملات مضللة

 وترد الصين دائمًا على هذه الاتهامات الأمريكية والغربية بالتجسس بأنها حملات مضللة تستهدف تشويه سمعتها الدولية، وترى بكين أن الولايات المتحدة لا تخفى ادعاءها بأنها أحرزت تقدمًا فى إعادة بناء شبكتها الاستخباراتية فى الصين، مستندة فى ذلك إلى تصريحات مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز الأخيرة فى منتدى «آسبن» الأمنى إن الولايات المتحدة أحرزت تقدمًا فى إعادة بناء شبكتها الاستخباراتية فى الصين وتعمل جاهدة لزيادة وتقوية قدرتها على جمع المعلومات الاستخبارية البشرية لتكملة قنوات الاستحواذ الأخرى.

 مستودع ذخيرة

وتأتى التقارير عن عملية البرامج الخبيثة فى مرحلة متوترة بشكل خاص فى العلاقات الأمريكية الصينية، حيث وجهت الصين اتهامًا للولايات المتحدة بتحويل تايوان إلى «مستودع ذخيرة»، وذلك بعد أن أعلن البيت الأبيض عن حزمة مساعدات عسكرية بقيمة 345 مليون دولار لتايبيه. وذهب الجانب الصينى إلى أن سلوك واشنطن يحول تايوان إلى برميل بارود ومستودع ذخيرة، ما يؤدى إلى تفاقم خطر نشوب حرب فى مضيق تايوان.

بالمقابل، كثفت الإدارة الحاكمة فى تايوان، بقيادة الحزب الديمقراطى التقدمي، مشترياتها من الأسلحة من الولايات المتحدة فى إطار استراتيجية الردع ضد ما أسمته «الغزو الصينى»، وفق تعبيرها.

وعلى عكس المشتريات العسكرية السابقة، فإن الدفعة الأخيرة من المساعدات هى جزء من صلاحية رئاسية وافق عليها الكونغرس الأمريكى العام الماضى لسحب الأسلحة من المخزونات العسكرية الأمريكية الحالية، لذلك لن تضطر تايوان إلى انتظار الإنتاج والمبيعات العسكرية.

جاءت هذه التطورات عقب زيارة هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية الأسبق إلى الصين لتزيد من علامات الاستفهام حول السياسة الأمريكية تجاه الصين، والصراعات غير المعلنة والمعلنة بين الجانبين، ويبقى السؤال الحاسم الآن: ما الذى ينتظرنا فى الأيام القادمة؟

وكيف ستؤثر علينا هذه الصراعات بين القوتين العظميين؟