الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد تعليق صفقة الحبوب الأوكرانية أزمــــــــة الغذاء تؤرق العالم

«القمح».. كلمة رغم بساطتها فإنها صارت تتحكم فى مجريات الأحداث العالمية.. ومثلما تنقذ الحبوب البشرية،  صارت عنصرًا فى التفاوض فى أهم الأحداث السياسية.



 

فمع مرور أكثر من 10 أيام على انسحاب روسيا من اتفاقية الحبوب الأوكرانية، المعروفة باسم «اتفاقية حبوب البحر الأسود»، ارتفعت أسعار القمح بنسب غير مسبوقة فاقمت المخاوف من أزمة أمن غذائى عالمية، إذ كانت الاتفاقية تضمن ممرًا آمنًا للسفن، التى تحمل الحبوب عبر البحر الأسود، ما أثار مخاوف من تأثير ذلك على الدول الفقيرة، وكذلك على الدول الغربية التى تتعامل مع تضخم مرتفع.

 

رد فعل دولى واسع

منذ اللحظات الأولى لتعليق «موسكو» الاتفاقية، انهالت التحذيرات الدولية من تلك الخطوة حتى الآن، إذ أعرب الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو جوتيريش» -فى عدة مناسبات- عن أسفه لقرار «روسيا» بتعليق المبادرة، التى وصفها بـ«شريان الحياة» لمئات الملايين من البشر فى جميع أنحاء العالم الذين يعانون من الجوع، وكذلك أولئك الذين يعانون -بالفعل- من ارتفاع تكاليف الغذاء.

  من جانبه، اعتبر (البيت الأبيض) أن تعليق «روسيا» لاتفاق يسمح بتصدير الحبوب من «أوكرانيا»، سيؤدى إلى تدهور الأمن الغذائى ويضر بالملايين؛ فيما دعا المتحدث باسم مجلس الأمن القومى للبيت الأبيض «آدم هودج» الحكومة الروسية على التراجع فورًا عن قرارها.

أما مسئول السياسة الخارجية فى «الاتحاد الأوروبى»، «جوزيب بوريل»، فرأى أن قرار «روسيا» الانسحاب من الاتفاقية سيُعرِّض الأمن الغذائى العالمى للخطر، منوهًا إلى أن ذلك سيخلق أزمة غذاء كبيرة فى العالم؛ بينما أكد رئيس أسواق السلع الزراعية فى بنك «رابوبانك» الهولندى «كارلوس ميرا» أن هذا سيؤدى إلى زيادة تكاليف النقل بشكل كبير، ويضع مزيدًا من الضغط على الإمدادات فى المستقبل.

وخلال الأسابيع القليلة الماضية توالت التصريحات بين الإدانة تارة، والمناجاة تارة أخرى لعودة المبادرة, فى المقابل، أوضح الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» السبب وراء تعليق المبادرة، إذ أكد «بوتين» أن هدف اتفاق تصدير الحبوب عبر موانئ البحر الأسود، والمتمثل فى ضمان الأمن الغذائى العالمى، ومساعدة أفقر البلدان لم يتحقق؛ مضيفًا إن تلك الصفقة تم استخدامها من أجل إثراء الشركات الأمريكية والأوروبية الكبيرة، التى قامت بتصدير الحبوب من «أوكرانيا»، وإعادة بيعها للدول الأخرى. 

وقال، إنه: «على مدى عام تقريبًا تم تصدير فى إطار الصفقة ما مجموعه 32.8 مليون طن من هذه المواد من «أوكرانيا»، حيث ذهب أكثر من 70 % منها إلى البلدان ذات الدخل المرتفع والمتوسط، بما فى ذلك «الاتحاد الأوروبى». فى حين أن نصيب بعض الدول الفقيرة كان أقل من 3 % من الحجم الإجمالى، أى بحجم أقل من مليون طن».

 إلى أين وصلت أزمة الغذاء العالمية؟

أوضح صندوق النقد الدولى -فى وقت سابق- أنه بعد عام واحد من العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، انقلبت أسواق السلع الزراعية رأسًا على عقب حيث ظلت أسعار المواد الغذائية مرتفعة، مع دخول اثنين من أكبر مصدرى القمح والمحاصيل الحيوية الأخرى فى العالم العام الثانى من الحرب، بينما لا يزال العديد من البلدان المعرضة للخطر يواجه انعدام الأمن الغذائى المتزايد.

وقال صندوق النقد الدولى، ومؤسسات عالمية أخرى فى بيان مشترك حول الأمن الغذائى، إنه يجب على الحكومات والمانحين تكثيف الدعم للفئات الأكثر ضعفًا، وتسهيل التجارة وعمل السوق، والتخلى عن الإعانات الضارة. 

وأكد رؤساء منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، وصندوق النقد الدولى، والبنك الدولى، وبرنامج الأغذية العالمى، ومنظمة التجارة العالمية فى بيان صدر فى فبراير الماضى بشأن أزمة الأمن الغذائى والتغذية العالمية، أن هناك حاجة إلى مزيد من العمل المتضافر لمنع أزمة طويلة الأمد. 

وفى مطلع شهر مايو الماضى، أفاد تقرير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)، بزيادة عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائى الحاد ويحتاجون إلى مساعدات عاجلة على صعيد الأغذية والتغذية وسبل العيش للعام الرابع على التوالى خلال سنة 2022، إذ يواجه أكثر من ربع مليار شخص الجوع الحاد. 

أما التقرير السنوى الذى أطلقته الشبكة العالمية لمكافحة الأزمات الغذائية (GNAFC)، وجد أن نحو 258 مليون شخص فى 58 بلدًا وإقليمًا واجهوا انعدامًا حادًا فى أمنهم الغذائى على مستوى الأزمات أو مستويات أسوأ فى عام 2022، ارتفاعًا من 193 مليون شخص فى 53 بلدًا وإقليمًا فى عام 2021، ليصبح الرقم الأعلى فى تاريخ التقرير الذى صدر لأول مرة منذ سبع سنوات. 

كما زادت شدة انعدام الأمن الغذائى الحاد فى عام 2022، لتبلغ نسبة 22.7 %، مثارنة بنسبة 21.3 % فى عام 2021، ما يؤكد التدهور فى ما يتعلق بانعدام الأمن الغذائى الحاد على مستوى العالم. 

وقال الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو جوتيريش» إن هذا الإصدار السابع من التقرير العالمى عن الأزمات الغذائية، هو إدانة صارخة لفشل البشرية فى إحراز تقدم نحو تحقيق الهدف الثانى من أهداف التنمية المستدامة المتمثل فى القضاء على الجوع، وتوفير الأمن الغذائى والتغذية المحسنة للجميع. 

وبالإضافة إلى ذلك، أفادت العديد من التقارير التى تتناول الأزمات الغذائية الرئيسية بتعرض أكثر من 35 مليون طفل دون سن الخامسة من الهزال، أو سوء التغذية الحاد، ومنهم 9.2 مليون طفل عانوا من الهزال الشديد، وهو أكثر أشكال نقص التغذية خطورةً على الحياة وعامل رئيسى يساهم فى زيادة وفيات الأطفال. 

وفى الوقت الذى تتسبب فيه النزاعات، والتغيُّر المناخى بانعدام الأمن الغذائى الحاد وسوء التغذية، فإن التبعات الاقتصادية للآثار المتتالية للأزمة الروسية- الأوكرانية، أصبحت أيضًا من الدوافع الرئيسية الكامنة وراء الجوع، لا سيما فى أفقر بلدان العالم، ويرجع ذلك بشكل أساسى إلى اعتمادها الكبير على الواردات من المواد الغذائية والزراعية وهشاشتها أمام الصدمات المتعلقة بأسعار الأغذية العالمية، إذ تساهم «أوكرانيا»، و«روسيا» فى الإنتاج العالمى، وتجارة المدخلات الزراعية، والسلع الغذائية الأساسية، وخاصة من (القمح، والذرة، وزيت عبات الشمس بنسب كبيرة. 

وعليه أدى تواصل الأزمة «الروسية- الأوكرانية» إلى اختلالات فى الإنتاج الزراعى والتجارة فى منطقة البحر الأسود، مما أدى إلى ارتفاع غير مسبوق فى أسعار المواد الغذائية الدولية.