الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بريطانيا تطلق حملات توعية للمواطنين تدعوهم فيها للاقتصاد والتوفير: الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس قد يغيب عنها الغذاء!

البريطانيون بحاجة إلى قبول أنهم أسوأ حالًا، هذا هو تعليق لكبير الاقتصاديين فى بنك إنجلترا هيو بيل وهو التعليق الذى ضغط على وتر حساس بشكل واضح بالنظر إلى طبيعة الأزمات التى تلاحق البريطانيين عمومًا، مما يعكس حقيقة الوضع فى بريطانيا وأزمة تكلفة المعيشة التى تثقل كاهل المواطنين وتحملهم مزيدًا من الضغوطات المتزايدة والمتزامنة فى وقت واحد فى ضوء تبعات العديد من الصدمات التى منى بها الاقتصاد البريطانى بداية من تداعيات الخروج من الاتحاد الأوروبى ووصولًا إلى النتائج المترتبة على الحرب فى أوكرانيا وموقف لندن منها مرورًا بأزمة كورونا وانعكاساتها الاقتصادية الشديدة.



 

فى المملكة المتحدة حيث معدلات التضخم الأعلى فى غرب أوروبا، يعيش المواطنون أزمات غير مسبوقة منذ عقود طويلة خاصة وأن لندن وهى مستورد أول للغاز الطبيعى واجهت مشكلة إضافية تتمثل فى كونها مستوردًا كبيرًا للغذاء، إذ تستورد بريطانيا حوالى نصف طعامها والذى ارتفعت أسعاره عالميًا نتيجة لتبعات الأزمة فى أوكرانيا مما عزز من ارتفاع التضخم فى البلاد حيث ارتفعت أسعار المنتجات بشكل أكبر من أسعار المنتجات التى تقوم ببيعها مما يعنى أن الوضع الحالى أصبح أسوأ. ويعانى البريطانيون منذ أكثر من عام بسبب ارتفاع التضخم، الذى تجاوز زيادات الأجور بالنسبة لجميع العاملين تقريبًا وأصبح الشعب يواجه مشكلة كبيرة جدًا وهى أزمة تكلفة المعيشة وهو غير قادر على مواجهة أعباء الحياة المادية. وكانت أكبر شبكة لبنوك الطعام فى بريطانيا قد أعلنت عن أن عدد الطرود الغذائية التى وزعتها زاد 37 % إلى مستوى قياسى بلغ 3 ملايين طرد فى عام حتى مارس الماضى فقط إذ يعانى عدد متزايد من السكان بسبب أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة. وقد أطلقت الحكومة البريطانية حملات توعية للمواطنين تدعوهم فيها للاقتصاد والتوفير من بينها حملة (RE) التى تهدف إلى إعادة استخدام الأدوات القديمة.

أبرز الأزمات التى يواجهها البريطانيون فى ضوء هذا الوضع هى أزمة فقدان الثقة بين الشعب والحكومة يعزز تلك الأزمة ما يظهر على الساحة من تصرفات من قبل أعضاء الحكومة أنفسهم ممن لا يلتزمون ولا يضربون المثل والنموذج للشعب فى الامتثال والانضباط، وقد بدأت الأحزاب تنشط فى حملاتها استعدادًا لانتخابات مبكرة ربما أو الاستعداد عمومًا للانتخابات القادمة لأن تبعات الوضع السياسى ومشاركة لندن فى الحرب فى أوكرانيا بثقل حتى أصبح الوضع على المكشوف حاليًا، وذلك من العوامل التى أسهمت فى تفاقم أزمة تكلفة المعيشة فى بريطانيا؛ مما يكشف أن الوضع الاقتصادى والسياسى يضع الشعب فى حالة قلق شديد وفى ضوء عدم القدرة على مواجهة أعباء الحياة.

وفى تحليل كتبه الصحفى البريطانى إد كونواى تناول معاناة الاقتصاد البريطانى متحدثًا عن من يتحمل العبء الأكبر ويدفع الفاتورة؟ وأشار إلى أنه صحيح أن المملكة المتحدة أصبحت أسوأ حالًا لكن البعض شعر بالعبء الأكبر من غيره. ويضيف فى تحليله أنه نظرًا لارتفاع أسعار الطاقة  بشكل حاد يجب على الجميع دفع المزيد مقابل سلعنا وخدماتنا بدون كسب المزيد من المال فى المقابل نحن – ويعنى البلد ككل - كلنا أفقر من بعضنا البعض؛ والألم الناتج عن ارتفاع الأسعار يتم الشعور به بشكل مختلف عند مستويات الدخل المختلفة. وقد أظهرت دراسات مختلفة أن الفئات ذات الدخل المنخفض تشعر بتأثير ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء أكثر بكثير من الفئات ذات الدخل المرتفع. 

ووفقًا لمؤسسة القرار أو (Resolution Foundation) فإن أعداد الفقراء فى بريطانيا مرشحة للزيادة بمقدار 3 ملايين شخص ليصل العدد إلى 14 مليونًا بين عامى 2023 و2024 كما ارتفعت مستويات الطلب على بنوك الطعام بنسبة 50 % بعد لجوء 320 ألف شخص إليها لأول مرة بينما ارتفعت فواتير الطاقة ثلاثة أضعاف.ووفقًا لبيانات نشرتها عضو البرلمان عن حزب العمال روشانارا علي على موقع بوليتيكس هوم فإن معدلات الفقر تتفاقم فى بريطانيا ذلك أن هناك 4 ملايين طفل يعيشون فى فقر مدقع بالمملكة المتحدة حيث تسلل الفقر إلى عديد من الأسر خلال الـ 12 عامًا الماضية، وتعد مناطق شمال شرق بريطانيا الأكثر معاناة مع الفقر الذى يطال الأطفال، كما أن نصف الأطفال الذين ينتمون لأسر لديها أكثر من طفلين يعيشون تحت خط الفقر، وهذا العدد كان 2 مليون و400 ألف فى 2010 أى أن العدد تضاعف تقريبًا خلال تولى المحافظين إدارة شئون البلاد وهذه الأرقام نتاج تخفيضات على مدار سنوات فى الضمان الاجتماعى وعقد من التخفيضات فى أجور العاملين بالقطاع العام.

ومنذ نهاية شهر سبتمبر من العام الماضى يمكن اختصار الوضع المعيشى فى بريطانيا صورة الإضرابات التى تضرب البلد بحيث لا يمر أسبوع دون إضرابات عدة أيام فى الأسبوع؛ وكل أسبوع هناك فئة من العمال يضربون عن العمل احتجاجًا على الغلاء المعيشى ويطالبون برفع الرواتب. الأوضاع المعيشية فى بريطانيا عمومًا تعانى تدهورًا فى مستوى المعيشة ربما لم تشهد له البلد مثيلًا منذ أكثر من أربعة عقود، الغلاء هو نتيجة التضخم الذى يضرب الاقتصاد البريطانى فى كل القطاعات وخصوصًا القطاعات الحيوية، وارتفعت أسعار الغذاء الشهر الماضى بأكثر من 19 % وهو أعلى معدل ارتفاع منذ العام 1977 تقريبًا. ويشير إلى أن جميع دول العالم تعرضت لأزمتين شديدتين فى السنوات الأخيرة أثرتا على ارتفاع معدلات التضخم الأولى كانت كورونا والثانية الحرب فى أوكرانيا والتى رفعت أسعار الطاقة. وفى بريطانيا تضاف أزمة ثالثة وهى الخروج من الاتحاد الأوروبى وهى الأزمة التى كانت عاملًا أساسيًا فى أسباب التضخم والغلاء الذى يضرب المملكة المتحدة حاليًا.

ويشدد على أن السلطات البريطانية لا تريد أن تركز على ذلك العامل بسبب الغطرسة ولا تريد الاعتراف بأنها خسرت من الخروج من الاتحاد الأوروبى لافتًا إلى التقييمات الأخيرة الصادرة عن قطاع الأعمال والتى تشير إلى أن بريكست جعل بريطانيا الوجهة الأقل جاذبية للتسوق ويبرز المحلل فى الوقت نفسه عددًا من النقاط الأساسية التى ينتقد من خلالها سياسة الحكومة البريطانية فى التعامل مع الأزمة الراهنة. وقد دعا كبير الاقتصاديين فى بنك انجلترا أخيرًا المواطنين للتوقف عن المطالبة بزيادة الأجور وطالب الشركات بالتوقف عن زيادة الأسعار والقبول بتراجع القدرة الشرائية وكأن القطاع المصرفى منقطع عن الواقع لا يعرف الأوضاع المعيشية للناس ولا يعرفون أن الرواتب تدهورت قيمتها فى السنوات الماضية إلى أكثر من 30 أو 40 % فى حين أن الأسعار تضاعفت أكثر من ذلك فى السنوات الأربع أو الخمس الماضية. وقد قدم وزير المالية مؤخرًا موازنة جديدة وبدلًا من أن يحاول فرض ضرائب مناسبة على الشركات الكبرى خصوصًا شركات الطاقة التى حققت أرباحًا هائلة السنة الماضية بسبب ارتفاع أسعار الطاقة عالميًا أراد أن يعالج العجز فى الموازنة ويضعه على كاهل المواطنين والعمال والموظفين والحكومة تراعى أصحاب المصالح الكبرى والشركات على حساب العمال والموظفين.

بينما تسعى الحكومة لجذب الاستثمارات الأوروبية والبريطانية بينما عارضت هيئة المنافسة والأسواق البريطانية صفقة استحواذ مايكروسوفت على شركة أكتيڤشن بليزارد لألعاب الفيديو والتى تبلغ قيمتها 68.7 مليار دولار؛ وتشير تلك العوامل والسياسات الحكومية فى تقدير الأحمر إلى مزيد من العوائق أمام احتواء الأزمات ووقف تفاقمها وإذ ما لم تعمل الحكومة على كبح جماح التضخم وغلاء المعيشة فسوف تستمر معاناة البريطانيين بشكل حاد ولا يرى فى الوقت نفسه تحسنًا فى الوضع المعيشى على المدى القريب فى ضوء استمرار سياسات الحكومة الحالية. وتشهد المملكة المتحدة منذ أشهر إضرابات متكررة فى العديد من القطاعات للمطالبة بتحسين الأجور فى مواجهة ارتفاع الأسعار الذى تجاوز  10 %، وفى السياق نفسه فإن صندوق النقد الدولى كان قد ذكر أن بريطانيا ستكون الدولة الوحيدة من بين مجموعة السبع التى سيشهد اقتصادها ركودًا هذا العام وأن أسعار الفائدة والضرائب المرتفعة تجعل التوقعات بالنسبة للمملكة المتحدة أكثر كآبة.

ومن المتوقع انكماش اقتصاد بريطانيا بنسبة 0.6 % خلال عام 2023 وهذا التوقع أسوأ بمقدار 0.9 نقطة مئوية مما كان يتوقع فى وقت سابق أن يكون عليه الوضع، وقد تراجعت بريطانيا من أعلى إلى أسفل الجدول فى ترتيب مجموعة السبع. وهناك ثلاثة عوامل أساسية وصلت من خلالها بريطانيا إلى هذا الوضع وهى أولًا تداعيات الخروج من الاتحاد الأوروبى على اعتبار أن ذلك من أحد الأسباب الرئيسية التى نجم عنها ارتفاع الأسعار وتدهور الأوضاع الاقتصادية فى بريطانيا وعندما صوت البريطانيون من أجل الخروج لم يكن هذا التصويت مبنيًا على أسس علمية بحيث لم يتم عرض بدائل خاصة من الناحية الاقتصادية فى حال خروج بريطانيا ولم يتم شرح الأوضاع، وبالتالى نجمت عن هذا الخروج مشاكل اقتصادية على جميع المستويات. أما العامل الثانى المتعلق بـجائحة كورونا تبعات الأزمة حملت بريطانيا الكثير من النفقات والأعباء بما أثر على ارتفاع الأسعار بهذا الشكل، ثم ثالثًا الضغوط الناجمة عن الحرب فى أوكرانيا بعد أن تبنت لندن مواقف مؤيدة لكييڤ ودعمت الجيش الأوكرانى لمواجهة روسيا داخل الأراضى الأوكرانية وهذا ما كلف أيضًا الحكومة البريطانية الكثير بخلاف تأثر قطاع الطاقة مع تأثر الواردات من روسيا وبما أدى لارتفاع المحروقات.

أما عن الإجراءات الحكومية للسيطرة على الأزمة ليس فقط فى بريطانيا ولكن فى معظم الدول الأوروبية هذه الإجراءات ليست كافية للتغطية نوعًا ما وتعويض المواطنين عن الخسائر التى نجمت عن الأزمات المتتالية، ومهما حاولت الحكومة البريطانية أن تفعل حاليًا لا أعتقد بأنه سيكون بإمكانها إعادة الاقتصاد البريطانى وإعادة مستوى رفاهيته ومعيشة الشعب البريطانى إلى ما كانت عليه أزمة البريكست ووباء كورونا والحرب فى أوكرانيا. وهناك عوامل خارجية وعوامل داخلية أيضًا تتحكم فى تصاعد الأزمة فى بريطانيا أولًا داخليًا الخلافات الداخلية بين الأحزاب البريطانية نفسها وما شاهدناه من مشاكل مع رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون؛ وخارجيًا استمرار الحرب فى أوكرانيا يؤدى إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية فى بريطانيا وفى الدول الأوروبية الأخرى.