الأحد 12 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الأزهر يطرح رؤى متعددة لمواجهة داعش التجربة المصرية مهمة فى محاربة الإرهاب عسكريًا بالتوازى مع مكافحته فكريًا

العديد من الأطروحات والرؤى طرحها مرصد الأزهر لمكافحة التطرف من خلال تقارير ودراسات حديثة أعلنها مؤخرًا عبر صفحته الرسمية، وكان أبرز تلك الأطروحات ما حذر منه مرصد الأزهر من استغلال داعش للثغرات الحدودية والمساحات الشاسعة غير الخاضعة للسيطرة الأمنية فى المنطقة أرضًا خصبة لتحرك مقاتلى التنظيم الإرهابى، وتجنيد المزيد من العناصر فى دول جديدة، حيث يعى التنظيم جيدًا كيفية الاستفادة من المظالم، والتفاوتات الاجتماعية، والاقتصادية، وهياكل الحكم الضعيفة لكسب موطئ قدم فى المناطق المعرضة للخطر، وكذلك إقامة تحالفات مع التنظيمات المتطرفة الأخرى، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمنى الإقليمى.



 

وتابع المرصد أن العالم يشهد منذ عدة سنوات ظهور تنظيمات إرهابية ذات أجندات معينة فى عدد من الدول، ولا يقتصر تهديد هذه التنظيمات على الدولة المنشأ وإنما يكون الخطر فى العادة عابرًا للحدود؛ إذ تطرح أنشطة التنظيم المتطرف تحديات أمنية كبيرة، ويتطلب نهجًا شاملًا لمكافحة التهديد بشكل فعال. وهذا بالضبط ما حدث فى عدد من دول العالم مثل العراق، وسوريا، وأفغانستان، وباكستان وغيرها من الدول التى تعانى أزمات أمنية، وتتحول تدريجيًا إلى تربة خصبة تسمح بنمو التنظيمات الإرهابية مثل داعش الذى أثبت للأسف القدرة على شن هجمات عبر الحدود، مستغلًا الثغرات الأمنية، وهشاشة البنية التحتية القانونية. وقد ازدادت وطأة أنشطة تنظيم داعش الإرهابى بعد تنفيذ هجمات متعددة ضد التجمعات المدنية، وقوات الأمن، والطوائف الدينية المختلفة.

ولفت المرصد إلى أنه قد تجاوزت تهديدات داعش الإرهابى التصفيات الجسدية، إلى استهداف خطوط الصدع داخل المجتمع الهدف، وزرع الانقسامات الطائفية، والتحريض على العنف. وتتضمن أجندته زعزعة استقرار البلاد، وتقويض الحكم، وتأجيج التطرف الدينى. مع هذا لا يمكن إنكار دور يقظة بعض الأجهزة الأمنية فى تحييد شبكات التنظيم ومنع المزيد من الهجمات الإرهابية.

 وقد أثبتت التطورات الأخيرة فى الحرب ضد الإرهاب، تركيز الضربات العسكرية على تصفية القيادات، لكن تحذر التقارير الدولية من الظروف المواتية فى بعض الدول مثل باكستان، والتى من شأنها تقوية نفوذ تنظيم داعش فى خراسان. وحسبما أورد التقرير الـ(14) لفريق الأمم المتحدة للدعم التحليلى ومراقبة العقوبات، فقد نجح تنظيم داعش فى استقطاب المزيد من المتعلمين، وفتح باب التجنيد على مصراعيه دون التقيد بأيديولوجية معينة. وقد امتدت أنشطة التنظيم واسعة النطاق إلى صنعاء، وما وراء حدود أفغانستان أيضًا شملت تنفيذ هجمات فى دول مجاورة مثل: إيران، وأوزبكستان، وطاجيكستان، وباكستان.

ودعا المرصد إلى أهمية التعاون الأمنى الإقليمى، وتبادل المعلومات الاستخباراتية تحركًا ضروريًّا فى مواجهة التهديد الذى يشكله تنظيم داعش الإرهابى، كما يسهم سد الثغرات الحدودية، ومعالجة الأسباب الجذرية للتطرف فى وقف زحف مقاتلى التنظيم فى المنطقة التى تشمل أفغانستان، وباكستان، ودول الجوار الأخرى.

 الخلايا النائمة 

من جهة أخرى حذر مرصد الأزهر لمكافحة التطرف من الخلايا النائمة للتنظيمات المتطرفة لما لها من مخاطر جمَّة، خصوصًا خلايا تنظيم داعش الإرهابى. فعلى الرغم من فقدان هذا التنظيم سيطرته المكانية فى المناطق التى كان يبسط فيها نفوذه، فإنه لا يزال قادرًا على شن هجماتٍ تطال مدنيين وعسكريين على السواء، وذلك عن طريق خلاياه النائمة، فى محاولة مستميتة لإثبات قوته وتماسكه بعد خسارة زعمائه وقياداته التاريخية، ولصرف الأنظار عن أزماته التى يعيشها. 

وتمثل هذه الخلايا جزءًا مهمًّا من خططه خصوصًا بعد انتهاجه إستراتيجية إسقاط المدن وتواجد عناصره فى الجبال والصحارى والقرى المهجورة؛ حيث قام التنظيم بعد فقدانه أماكن سيطرته القديمة بتفكيك منظومته العسكرية التى كانت تحوى بداخلها ثلاثة جيوش (دابق، والخلافة، والعسرة)، واكتفى ببعض الشبكات العسكرية، وبعد أن كان لديه فى العراق وحدها قوات تتجاوز (20 ألف) مقاتل، اكتفى بـ (3) آلاف وحول الباقين إلى عناصر لوجيستية أو خلايا نائمة ينشطها وقتما شاء.

ويطرح المرصد عددًا من التساؤلات، منها: هل من الممكن أن يعود التنظيم إلى الحياة مجددًا بالشكل الذى كان عليه فى الفترة من 2014م وحتى 2017م؟ وهل تشكل تلك الخلايا خطرًا حقيقيًّا؟ وما هى وسائل المكافحة الناجعة للحد من انتشارها؟ وللإجابة على تلك التساؤلات المتمركزة حول الخلايا النائمة لتنظيم داعش، تابع المرصد أن الخلايا النائمة تكمن خطورتها بشكل كبير فى نشر الشائعات وإشعال الفتن بين السكان المحليين، وهى بذلك لا تقل خطورة عن النشاط العسكرى للتنظيمات المتطرفة؛ لأنها قوات سرية تتوزع على مناطق مختلفة ليسهل عليها ممارسة الأنشطة الإرهابية دون أن يشعر بها أحد، لذلك يمكننا أن نقول إن أحد مهام هذه الخلايا هو ممارسة أنشطة إرهابية لكن بطريقة سلمية، وليس باستخدام السلاح.

ولمكافحة عودة الخلايا النائمة، دعا المرصد إلى تعزيز العمليات العسكرية لما لها من أهمية فى القضاء على تلك الخلايا وتفكيكها ووقف المد الإرهابى الذى يتجه نحو المناطق الهشة من الناحية الأمنية. كذلك أيضًا الجهود الاستخباراتية التى تعتمد على رصد وتتبع عناصر وأنشطة تلك الخلايا فى محاولة لتفكيكها وتجفيف منابع تمويلها. لكن فى الوقت ذاته لا بد أن يكون ذلك كله متوازيًا مع جهود مكافحة التطرف الفكرى ورفع الوعى المعرفى، خصوصًا لدى الشباب فى مناطق سيطرة داعش القديمة.

يذكر أنه انتشرت خلايا نائمة لتنظيم داعش الإرهابى فى شمال وشرق وشمال غربى العراق، وشمال شرقى سوريا، والبادية، على مدار العامين الماضيين، مما يشكل تهديدًا خطيرًا لقدرتها على الاختباء، والتسلل عبر المسارات التى يسهل اختراقها أمنيًّا؛ وهو ما يجعل مهمة تعقب القوات الأمنية لها صعبةً للغاية.

قتل القيادات حل مؤقت 

فى الوقت نفسه أكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف عقب مقتل القيادى الداعشى «أبو أسامة المهاجر» فى غارة جوية شرقى سوريا: أن القضاء على قيادات التنظيمات الإرهابية يحدث أثرًا على المدى القصير إلا أنه لا يعد حلًا فعالًا بمفرده للقضاء عليهم ووقف التطرف. ويضيف مرصد الأزهر أن مكافحة الإرهاب ينبغى أن تتخذ مسارين أحدهما عسكرى وأمنى والآخر فكرى، فتلك التنظيمات التى تشكلت على أسس فكرية وأيديولوجية، ترتكز مواجهتها على الجانب الفكرى لحماية الشباب واليافعين من الاستمالة إليها خاصة مع استخدامها خطابًا قائمًا على المظلومية ويدغدغ الجانب العاطفى الذى فى طور التشكل لديهم.

ولفت المرصد إلى أهمية الاستفادة من التجربة المصرية فى هذا الأمر، حيث حاربت مصر الإرهاب عسكريًا بالتوازى مع مكافحته فكريًا عن طريق مؤسسة الأزهر الشريف ونشر فكرها الوسطى الذى يُعد الرواية المضادة للفكر المتطرف، وذلك بالتعاون مع مؤسسات الدولة جميعها.

ويوضح المرصد أن عملية اغتيال «المهاجر» تعكس استمرار الاستراتيجية المعروفة بـ «قطف الرؤوس» التى تتبناها قوات التحالف للقضاء على قيادات التنظيمات الإرهابية حول العالم، بغرض إحداث إرباك داخل التنظيمات التى يقودونها، ومن ثَمَّ إفشال خططها والتأثير سلبًا على عناصرها. 

يذكر أن العملية الجوية تأتى فى إطار سياسة استهداف قادة التنظيمات الإرهابية التى اتبعتها الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر، وذلك بالقبض عليهم أو تصفيتهم عن طريق غارات جوية مكثفة أو طائرات دون طيار بعد رصد أماكنهم، بالتعاون مع عناصر محلية تعيش فى مناطق الصراع. 

ومن أشهر من تم تصفيتهم بهذه الطريقة «أبو مصعب الزرقاوى» فى عام 2006، و«أسامة بن لادن»، عام 2011، و«أبو مسلم التركمانى» عام 2015، و«أبو محمد العدنانى» عام 2016، و«أبو الخير المصرى» فى عام 2019، «أبو بكر البغدادى» عام 2019، و«أبو إبراهيم القرشى» عام 2022. وهو ما تفاعل معه تنظيم داعش الإرهابى، واتخذ من الاحتياطات الأمنية ما يمكن أن يجنب قياداته هذا المصير. 

ومن أهم الإجراءات التى اتخذها «داعش» كى يؤمن قادته عدم ظهورهم فى الإعلام، فـ «أبو بكر البغدادى» لم يظهر سوى مرتين، الأولى عام 2014 على منبر «مسجد النورى الكبير» ليعلن قيام دولته المزعومة، والثانية عام 2019 ليعلن انتهاء سيطرته المكانية بسقوط «الباغوز». 

كما اختبأ «البغدادى» فى الريف الشمالى لمحافظة «إدلب»، التى لم يتوقع أحد أن يلجأ إلى الاختباء بها، لوجود عناصر «هيئة تحرير الشام» بها للخلافات بين التنظيمين، التى هدد زعيمها «الجولانى» وقتها بشن حربٍ على «داعش» ليس فى سوريا فقط، بل وفى عقر داره فى العراق.

 التمويل أكبر خطورة

فى سياق متصل قال مرصد الأزهر فى تقرير له نشرته وحدة رصد اللغة الأردية إن الإرهاب يمثل خطرًا على السلم والأمن العالمي؛ إلا أن قضية التمويل أخطر من الإرهاب نفسه؛ إذ يمثل الرافد الحيوى الرئيس للإرهاب، ولذلك لا تتورع العناصر الإرهابية عن توفير الأموال مهما كانت الوسيلة. ويعتبر الابتزاز، والخطف، وجمع التبرعات، وغسل الأموال من أكثر الطرق ديناميكية لتوفير الأموال للتنظيمات الإرهابية. 

وفى باكستان كذلك، تعتمد التنظيمات الإرهابية أساليب متنوعة تضمن بقاءها واستمرار نشاطاتها وتوسعاتها، تشمل تحويل الأموال، وخطف المدنيين، وطلب الفدية، وابتزاز رجال الأعمال وكبار المسئولين، والتمويل الخفى عبر الإنترنت، وأخيرًا استغلال العاطفة الدينية فى جمع التبرعات تحت ستار الصدقات.

وتبنت التنظيمات الإرهابية وبخاصة طالبان الباكستانية المحظورة، استراتيجية الهجمات منخفضة التقنية.

وتابع المرصد أن عمليات الخطف وجمع التبرعات بمختلف أنواعها، تعد من أهم الوسائل التى تعتمد عليها التنظيمات الإرهابية المسلحة لتوفير الأموال التى تضمن استمرار عملها ومن ثمّ بقاءها، والتى تعد كذلك بمثابة وسيلة للتمويل والدعاية وإثبات قوتها على أرض الواقع. 

ويتوقع المرصد أن تستمر وتيرة العنف المرتبطة بتنامى نشاط التنظيمات الإرهابية فى باكستان خلال العام الجارى، فى ظل وجود جملة من المحفزات منها: الوضع الأمنى المضطرب الذى يؤدى إلى تفاقم التوترات السياسية والاقتصادية فى باكستان، وتوسع التنظيمات وانتشارها فى أماكن متفرقة من البلاد مما يزيد من صعوبة السيطرة عليها واستهدافها. 

ويدعو المرصد إلى تتبع الملاذات الآمنة للإرهابيين وسبل مواردهم المالية، والكشف عن ازدواجية هذه العناصر التى ترعاها وتدعمها، للتصدى لمشكلة تمويل الإرهاب التى باتت منتشرة. وذلك من خلال استراتيجية تعتمد على: تعزيز الإطار التشريعى الذى ينص على منع الأنشطة غير المشروعة أو المشتبه فيها وإنشاء إطار مراقبة شامل، من خلال تعزيز آليات تبادل المعلومات الاستخبارية التى تساهم فى السيطرة الفعالة على الحدود، ومنع إساءة استخدام التكنولوجيا الحديثة والتدفقات المالية غير المشروعة.

وكذلك ضرورة تفعيل التعاون والتنسيق الدوليين، وبناء القدرات ومكافحة «تمويل الإرهاب» حيث تسهل الجماعات الإرهابية تنسيق وتنظيم مواردها عبر الحدود.