الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

زيارة هى البداية.. هل يصلح المناخ العلاقات بين أمريكا والصين! مهمة «كيرى» لتخفيف حرارة التوتر بين واشنطن وبكين!

بعد أشهر طويلة من التوتر فى العلاقات الأمريكية - الصينية، ما بين اتهامات بالتجسس، وحروب دبلوماسية، وصل المبعوث الأمريكى الخاص بتغير المناخ جون كيرى خلال هذا الأسبوع إلى الصين.



فى زيارة ثالثة وصفها البعض بأنها خطوة أخرى جديدة تأتى ضمن تفاعلات دبلوماسية متكررة رفيعة المستوى لإحداث انفراجة فى العلاقات بين واشنطن و بكين .

 

تغير المناخ وموجات الحر، هما السبب الرئيسى و المعلن لزيارة جون كيرى إلى بكين.حيث شارك جون كيرى فى محادثات ثنائية مع نظيره الصينى شيه تشن هوا فى بكين، خلال الفترة من 16 إلى 19 يوليو الجارى.

وركزت المباحثات بين الجانبين على قضايا من بينها خفض انبعاثات غاز الميثان والحد من استخدام الفحم وإزالة الغابات، ودعم الدول الفقيرة للتعامل مع تغير المناخ.

كانت بكين قد علقت مناقشاتها حول قضية تغير المناخ فى  أغسطس العام الماضى، احتجاجاً على زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكى  نانسى بيلوسى آنذاك إلى تايوان.

كيرى الذى يزور الصين، للمرة الثالثة منذ توليه منصبه، وصل إلى بكين فى وقت بدأ يظهر تأثير تغير المناخ وفى ظل موجات حر فى أجزاء كثيرة من العالم.

 ورقة للمساومة

تضمنت أجندة كيرى العمل مع بكين على « زيادة الطموحات و التنفيذ» فى مجال المناخ و ضمان نجاح كوب 28 والذى سيعقد فى دبى خلال شهر نوفمبر القادم.

  وسعى الجانب الأمريكى من خلال هذه الزيارة إلى استخدام المناخ كورقة مساومة فى المفاوضات التجارية والسياسية، حيث ترى واشنطن أن فك الارتباط بين أكبر اقتصادين فى العالم  «عملياً مستحيل».

فى الوقت الذى تتصدر فيه كل من واشنطن وبكين قائمة الدول الملوثة، و هما أيضا أكبر مستثمرين بالطاقة المتجددة .

و يكافح البلدان لتحقيق التوازن بين مطالب النمو الاقتصادى وخفض الانبعاثات، تمثلت المطالب الصينية فى إزالة التعرفة الأمريكية على الألواح الشمسية المصنعة بالصين. 

وخلال الأشهر الأخيرة، توالت الزيارات الأمريكية إلى الصين، إذ زارها وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن فى يونيو  قبل زيارة وزيرة الخزانة جانيت يلين أوائل يوليو .

وفى لقاء دام لمدة 35 دقيقة فقط بين وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن، والرئيس الصينى شى جين بينج، خلال شهر يونيو الماضى، كان مفاده أن الولايات المتحدة والصين لا تريدان أن يطبع «العداء» علاقتهما، وأنهما تدركان أن تنافسهما سيترك آثارًا سلبية على العالم أجمع،  اتفق الطرفان على «استقرار» العلاقات الأمريكية الصينية المتدهورة بشدة حتى فى ظل  القضايا الكثيرة التى تختلف عليها الدولتان، والعمل على تحسين العلاقات.

تحرك عاجل 

وخلال زيارة كيرى هذا الأسبوع إلى الصين، دعا إلى تعاون جديد بين القوتين العظميين لمواجهة الاحترار المناخي.اذا تتصدر الولايات المتحدة والصين دول العالم فى نسبة انبعاثات ثانى أكسيد الكربون فى الغلاف الجوي، تليهما الهند وروسيا.

و لذلك حض كيرى على «تحرك عاجل» لمواجهة التغير المناخى وشدد على الحاجة إلى «قيادة دولية»، فى وقت يسجل النصف الشمالى من الكرة الأرضية درجات حرارة قياسية فى ظل موجات حر يقول العلماء إن التغير المناخى يزيد من حدتها.

تعاون مناخى

توجه وزير الخارجية الأمريكى السابق إلى الجانب الصينى بالقول: «المناخ، كما تعلمون، هو قضية دولية وليس مسألة ثنائية. هو نوع من التهديد للبشرية جمعاء». وشدد على أن المناخ «مسألة تتعلق بقيادة عالمية»، مشيرًا إلى أن «العالم يأمل بذلك ويحتاج إليه».

وأضاف: «أملنا الآن أن يكون (اللقاء) بداية لتعريف جديد للتعاون والقدرة على حل الخلافات بيننا»، مشيرًا إلى «خلافات حقيقية» بين الطرفين.

وفى المقابل رد وانغ يى كبير الدبلوماسيين الصينيين على كيرى الذى وصفه بأنه «صديق قديم» بالقول إن «التعاون بشأن التغير المناخى يتقدم فى ظل المناخ العام بين الصين والولايات المتحدة، لذا نحتاج إلى الدعم المشترك من شعبى الصين والولايات المتحدة»، مضيفًا: «ثمة حاجة لعلاقة صينية أميركية سليمة ومستقرة ومستدامة».

 محطة «سى سى تى في» الرسمية الصينية بدورها ذكرت أن كيرى التقى بنظيره الصينى شيه تشن هوا على مدى أربع ساعات، قبل أن يكتب فى تغريدة نشرها بعد المحادثات: «على البلدين التحرك بشكل طارئ على عدد من الجبهات، لا سيما تحديات تلوث الفحم والميثان».

وقال الجانب الصينى من جهته بعد المباحثات، إن «التغير المناخى هو تحدٍّ مشترك تواجهه البشرية جمعاء».

السياسة والمناخ

فيما يتعلق بالعلاقات المتوترة بين البلدين، شدد كيرى على أن الرئيس جو بايدن «ملتزم الاستقرار فى هذه العلاقة، وأيضًا تحقيق جهود معًا يمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا فى العالم». وقال إن الرئيس بايدن «يقدر علاقته مع الرئيس شي، وأعتقد أن الرئيس شى يقدر علاقته مع الرئيس بايدن، وأنا أعلم أنه يتطلع إلى أن يكون قادرًا على المضى قدمًا لتغيير الديناميات».

وقال: «لكننا نعلم من التجربة أيضًا أنه إذا انكببنا عليها، يمكننا إيجاد المسار إلى الأمام والطرق التى من شأنها حل هذه التحديات».

وتعتبر إدارة بايدن أن المناخ هو أحد المجالات التى يمكن أن تتعاون فيها قوتان تتواجهان فى منافسة حادة. وتزامنت الزيارة مع إعلان هيئة الأرصاد الجوية الصينية أن الحرارة سجلت  مستوى قياسي لمنتصف شهر يوليو بلغت 52,2 درجة مئوية فى منطقة شينجيانغ فى الغرب، فى وقت يشهد فيه جزء من البلاد أيضًا موجة حر.

و علقت وسائل إعلام صينية أخرى على زيارة  جون كيرى إلى الصين، معتبرة أنها خطوة أخرى لإعادة العلاقات الصينية الأمريكية إلى المسار الصحيح.

وذهبت وسائل الاعلام الصينية إلى أن التفاعلات المتكررة رفيعة المستوى بين البلدين  تمثل أحدث الخطوات نحو تحقيق انفراجة بينهما.

فقد التقى مدير مكتب لجنة الشئون الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعى الصينى وانغ يى الاسبوع الماضى وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن فى جاكرتا، وكان هذا اللقاء هو الثانى لهما خلال شهر واحد فقط.  

كما أنه فى وقت سابق من هذا الشهر، قامت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين بزيارة لبكين.

 إدارة الخلافات

أفادت وسائل الاعلام الصينية أنه  خلال العام الماضى فى بالي، توصل رئيسا الدولتين إلى إجماع حدد اتجاه العلاقات الصينية الأمريكية. بيد أن العلاقات الثنائية انحرفت عن مسارها، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى سلسلة من الأقوال والأفعال الخاطئة من جانب واشنطن ضد الصين، على حد وصف وسائل الإعلام الصينية، التى أكدت على أنه لكى يصبح العالم أفضل، فإن العلاقات الصينية الأمريكية لا تتحمل مزيدا من التراجع. وأن الصين تأمل، من خلال استقبالها بلينكن ويلين، فى أن تعمل واشنطن مع بكين لترجمة التفاهمات المشتركة التى توصل إليها الرئيسان إلى إجراءات ملموسة، لإعادة العلاقات الصينية الأمريكية إلى المسار الصحيح.

وأضافت : ومن أجل تحقيق هذه الغاية، يحتاج البلدان إلى إدارة الخلافات على النحو الصحيح وعدم التأثر بأى نوع من أنواع التشتيت حتى يتسنى لهما تهيئة ظروف مواتية لتحقيق الاستقرار فى علاقاتهما. 

كما أكد الاعلام الصينى أنه ينبغى على الجانب الأمريكى أن يحترم المصالح الأساسية للصين احتراما تاما، ويمتنع عن التدخل غير المبرر فى الشئون الداخلية للصين وانتهاك سيادة الصين وسلامة أراضيها، ويكف عن محاولات قمع واحتواء الصين فى التجارة والتكنولوجيا، ويرفع العقوبات غير المبررة وغير المعقولة المفروضة على الصين.

من جانبه قال ليو يا وي، مدير برنامج الصين فى مركز كارتر، إن الأمر يرجع إلى الولايات المتحدة فيما إذا كانت العلاقات الثنائية يمكن أن تتحسن.

وأضاف : تدل التفاعلات رفيعة المستوى التى جرت مؤخرا على أن الجانبين يطمحان إلى تحقيق انفراجة. ومن الضرورى الحفاظ على هذا الزخم، والإخلاص شرط أساسى للتواصل البناء. 

 اختبار قدرات

وفى هذا الصدد، ذكرت صحيفة (وول ستريت جورنال) أن زيارة وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين الى الصين ساعدت الجهود الهشة للجانبين على مواصلة الحوار، ولكنها حذرت من أن «الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك من شأنه أن يختبر قدرة واشنطن وبكين على مقاومة الإجراءات الانتقامية».

وفى الوقت الذى  يرى الجانب الصينى أن استراتيجية واشنطن فى احتواء الصين لم تتغير رغم تغييرها للمصطلحات، وأنه بالرغم من الزيارات الأخيرة فإنه ليس هناك تغيير فى  نية مسئولى البيت الأبيض-وهى احتواء الصين.

 

ضربة موجعة

تشتد حدة المواجهة بين الصين والولايات المتحدة على الصعيدين الإقتصادى والعسكري، وهنا يذهب البعض الى ان المجال الاقتصادى يتصدر أعنف المواجهات بين البلدين، إذ سددت الصين ضربة موجعة إلى الولايات المتحدة وحلفائها بالإعلان عن تقييد تصدير معدنى الجاليوم والجرمانيوم الضرورين لإنتاج الرقائق إلكترونية بدءا من مطلع الشهر المقبل، ولا يوجد بديل للمعدنين اللذين تحتكر الصين إنتاجهما بنسبة 98 % للجاليوم و70 % للجرمانيوم، وهو ما يعنى قدرة الصين على إحداث شلل شبه كامل لصناعة الرقائق الإلكترونية الحيوية لمعظم الصناعات التكنولوجية، والتى تمتد من السلاح إلى السيارات ومعظم الأجهزة الحديثة، وكانت الولايات المتحدة سعت إلى تشكيل جبهة مع حلفائها الأوروبيين واليابان وكوريا الجنوبية لمواجهة التقدم الصينى فى مجال التكنولوجيا المتطورة، وخصوصا فى إنتاج الرقائق الإلكترونية، التى اتسعت مبيعاتها لتتجاوز 600 مليار دولار سنويا، ومن المتوقع أن تواصل نموها السريع، لكن الصين تمكنت من كسر الطوق على وارداتها من الرقائق الإلكترونية، وتمكنت من إنتاج رقائق 7 نانو بقدراتها المحلية، وتسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتى من الرقائق بالغة الدقة، فى واحدة من أهم السباقات فى مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. ومازالت الولايات المتحدة تستخدم سلاح فرض القيود على وارداتها من الصين، مستخدمة رفع الرسوم الجمركية حينا، وادعاء وجود مخاطر أمنية حينا آخر، وترد الصين بإجراءات مماثلة، إلى جانب خفض الصين استثماراتها فى السندات وأذون الخزانة الأمريكية، حيث تراجعت بنحو 200 مليار دولار خلال العام الماضي، وهى أحد أهم مصادر الاستدانة الأمريكية. وكانت زيارة وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين قد سعت إلى تخفيف حدة المجابهة الإقتصادية بين الصين والولايات المتحدة، لكنها لم تسفر عن نتائج ملموسة، سوى الإبقاء على جسور التفاهم، حتى لا ينفلت الصدام بين أكبر اقتصادين فى العالم.

 صراع عسكرى محموم

أما على الجانب العسكرى فيشتد التنافس المحموم أيضا بين البلدين، خاصة فى  منطقة المحيطين الهندى والهادئ، فبعد أن قامت بكين خلال عام 2022 بالتوقيع على اتفاق أمنى مع دولة جزر سليمان؛ سعت الولايات المتحدة حثيثاً لتسريع خطوات تعميق العلاقات مع دول جزر المحيط الهادئ؛ فخلال فترة وجيزة، وقَّعت الإدارة الأمريكية على عدد من الاتفاقيات مع دول المنطقة كان أخرها توقيع واشنطن اتفاقية دفاعية مع بابوا غينيا الجديدة  وهى اتفاقية تتيح للقوات الأميركية الوصول إلى موانئ البلاد ومطاراتها فى وقت تسعى واشنطن للتصدى لتصاعد النفوذ الصينى فى تلك المنطقة . وفى هذا الإطار يعلق بروفسيور تشنغ شى تشونغ أستاذ زائر فى جامعة ساوثويست للعلوم السياسية والقانون، قائلا : فى الآونة الأخيرة، جذبت تحركات الولايات المتحدة فى جزر جنوب المحيط الهادئ الكثير من الاهتمام والتساؤلات من المجتمع الدولي. هذه الجزر لها مواقع جغرافية بعيدة وقوة وطنية ضعيفة، ولم تكن بؤرة المنافسة بين القوى الكبرى فى الماضي. فى الوقت الحاضر، تحول الولايات المتحدة انتباهها إلى هذه الجزر، على ما أعتقد، لسببين رئيسيين: أولاً، تدفع الولايات المتحدة بقوة لتنفيذ استراتيجيتها فى المحيطين الهندى والهادئ، وتقع جزر جنوب المحيط الهادئ فى نقاط اتصال استراتيجية فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ؛ ثانياً، حلفاء استراتيجية الولايات المتحدة فى المحيطين الهندى والهادئ هم بشكل أساسى اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا. كما ترغب الولايات المتحدة الآن فى جذب الهند وبعض الدول فى جنوب شرق آسيا لخدمة استراتيجيتها فى المحيطين الهندى والهادئ، وإنشاء نقاط ارتكاز استراتيجية فى بعض الجزر فى جنوب المحيط الهادئ، بما فى ذلك بابوا غينيا الجديدة، مما يعنى أن الولايات المتحدة توسع نطاقها بشكل أكبر فى النطاق الاستراتيجى لمنطقة المحيطين الهندى والهادئ وزيادة استثماراتها فى استراتيجية المحيطين الهندى والهادئ.

وأضاف : فى المقابل ليس لدى بكين اعتراض على التبادلات الطبيعية والتعاون المتكافئ والمتبادل المنفعة بين الدول المعنية وجزر جنوب المحيط الهادئ مثل بابوا غينيا الجديدة. ولطالما أيدت الصين أن يولى المجتمع الدولى مزيدًا من الاهتمام ودعم التنمية الاقتصادية وتحسين معيشة شعوب الدول الجزرية، والقيام بالمزيد من الأشياء التى تؤدى إلى السلام والتنمية والاستقرار فى المنطقة، والتفاوض والتوقيع على أى وثيقة تعاون يجب أن تكون ضرورية. تساعد فى تحقيق هذا الهدف. ومع ذلك، يجب أن نكون يقظين بشأن ألعاب القوة الجيوسياسية باسم التعاون، ونعتقد أيضًا أن أى تعاون يجب ألا يستهدف أى طرف ثالث. أنا شخصياً أعتقد أن توقيع الاتفاق الأمنى ​​بين الولايات المتحدة وبابوا غينيا الجديدة وتوسيع نفوذ إدارة بايدن على جزر جنوب المحيط الهادئ لهما نية واضحة لاستهداف طرف ثالث، وهو ما لا يؤدى إلى السلام والتنمية و الاستقرار فى المنطقة.

 فالولايات المتحدة تريد الحفاظ على هيمنتها العالمية. لذلك، فهى تحاول توسيع النفوذ فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ وتسعى إلى ترسيخ ميزة مطلقة، لتكون القوة المهيمنة فى المنطقة. والصين لا تسعى للهيمنة فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ ولا على الصعيد العالمي. وقد أعلنت الصين مرارًا وتكرارًا أنها لن تسعى أبدًا إلى الهيمنة. تلتزم الصين دائما بمبدأ المنفعة المتبادلة والتعاون المربح للجانبين، وتأمل فى الحفاظ على علاقات تعاون جيدة مع جميع البلدان. وتستند مساعدة الصين لجزر جنوب المحيط الهادئ أيضًا على اعتبارات التعاون متبادل المنفعة، لذلك لا يوجد ما يسمى بالمنافسة الجيوسياسية أو منافسة التأثير.