الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
إشكاليات صناعة البطل الوهمى

إشكاليات صناعة البطل الوهمى

لدىّ قناعة باتت مع مرور الوقت أكثر رسوخًا مفادها أن ذاكرة كثير من أبناء شعبنا فى العالم العربى قصيرة جدًا ربما لا تتجاوز الأيام، كما أن لدينا خللاً عميقًا فى النظر للوقائع على اعتبار اعتماد كثير منا على المقارنات المشوهة للوصول للمواقف الشخصية من حدث أو قضية أو شخص ما.



قبل أعوام عندما ظهرت صور مُرَكّبة بالفوتوشوب لطاغية العراق صدام حسين وهو يحمل فى أحضانه الطفل السورى «إيلان» الذى غرق على شواطئ تركيا كُتب تحتها على لسان صدام (فقط لو كنت حيًا.. آسف بنى)، وتم تداولها بشكل واسع فى مواقع التواصل الاجتماعى، حينها كتبت مقالًا فى جريدة «الوطن» السعودية أقول فيه إن مَن رسم هذه الصورة حتمًا لا يعى أو ربما تناسَى الآلام والخذلان الذى تسبب بها ذلك الديكتاتور العربى، والذى بفعل غروره وعنجهيته وغبائه السياسى أخذ العالم العربى إلى غياهب التشتت، بَعد أن كان العرب قاب قوسين أو أدنى من تصالح حقيقى.

تساءلتُ حينها؛ هل نسى ذلك العربى الذى نشر وتعاطف مع تلك الصورة بتعليقها الرومانسى كيماوى حلبجة العراقية والمجزرة التى أصابت آلاف الأطفال والنساء والشيوخ أَمْ أنه تجاهل شهداء الكويت وتدمير وطنهم وتشريد شعبهم وتحطيم ما كان باقيًا من حلم اسمه الأمّة العربية، أَمْ أنه فضّل أن يخلق لهذا الجيل ممن لم يعش تلك المآسى واقعًا لا يمت للحقيقة بشىء ولمَن يحن لحُكم الكرباج أن يقدم له صورة تشعره أن سيدهم ما زال بينهم!

قبل أيام عدتُ لهذا الموضوع وتحدثتُ عنه فى إحدى منصات التواصل بعد أن شاهدت لقاء متعدد الحلقات مع أحمد قذاف الدم مبعوث الزعيم الليبى السابق معمر القذافى فتذكرت اللقاء الذى أجرى منذ بضع سنوات مع رغد ابنة الرئيس العراقى صدام حسين، وفى كلا اللقاءين كان الهدف كما فهمه الكثيرون هو إعادة تأهيل تاريخ الزعيمين وتقديم صورة قد لا تشبه حقيقة ما عاشه الناس حينما كانا على قيد الحياة ويحكمان بلادهما بالحديد والنار، فيفتتن الشباب بتضليلهم بصورة صلاح الدين العراقى وخالد بن الوليد الليبى فى حين يتذكر كل ما عاش المرحلة أنهما كانا أشبه بهولاكو وچنكيز خان.

اكتشفت من ردود الأفعال على ما قلته عن صدام أن الإشكاليات التى بدأت بها مقالى هذا ما زالت هى الأسّ الذى يتحكم بمنطق تقييم الأمور عند الكثيرين، فرُغم أنه ما زال هناك كثر ممن ينظرون لتاريخ صدام من واقع تجربتهم المأساوية أو من واقع الحياد المجرد من عاطفة؛ فإن هناك كثر غيرهم ينظرون لصدام من منطلق مشوّه نتيجة المقارنات المغلوطة، فيردد البعض مقولة أن صدام هو الذى كان يحمى البوابة الشرقية للعرب من المَد الإيرانى وأن لو كان صدام بيننا اليوم لما تجرأت إيران فى التمدد كما يحدث الآن، ويتنسّى أو ربما عقله ليس مؤهلًا لاستيعاب أن تمدد إيران اليوم سببه قيام صدام بتفتيت العرب بغزوه للكويت وهو السبب الذى دفع العالم لمعاداته وتدميره، كما أن هناك من يردد مقولة أن الاقتتال الداخلى والفساد الذى يعيشه العراق اليوم لما كان ليحدث لو كان صدام ما زال زعيمًا، وينسى مَن يردد هذا الرأى أن لو كان صدام يحكم اليوم لربما كان هو وبقية عائلته فى المعتقل لمجرد أنه اشتكى من ارتفاع حرارة الطقس أو قد يكون جسده مكوّم فى خندق كجزء من تجنيد إجبارى لحماية الزعيم فى حربه ضد كل العالم!

كون الواقع العراقى الحالى ليس على القدر الذى يتأمله العراقى أو العربى لا يعنى أن الواقع أيام صدام كان بالمجمل أفضل، فهل كان بمقدور أيٍّ منهم أن ينتقد الواقع اليوم كما يفعل فى مواقع التواصل لو كان صدام ما زال يحكم، وهل كان صدام قادر على مواجهة إيران بعد كارثة غزو الكويت لو كان اليوم ما زال يحكم؟، الجواب حتمًا يقع فى خانة الفرضية ولكن مَن يستوعب الواقع من دون عاطفة غالبًا سيصل لنتيجة أنه ربما سيكون مختبئًا فى حُفرة كتلك التى وُجد فيها عند اعتقاله.