الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

لوبوان الفرنسية: ما هى استفادة حلف الناتو وتركيا من عضوية السويد؟

بعد موافقة تركيا مؤخرا على إحالة طلب السويد الانضمام لحلف شمال الأطلسى الناتو إلى البرلمان للتصديق عليه تساءل متتبعون عن الاستفادة الاستراتيچية التى ستتحقق للحلف من وراء هذه الخطوة. وقالت مجلة لوبوان Le Point الفرنسية فى تقرير لها إن استفادة السويد من الانضمام للناتو واضحة إذ ستدخل ضمن الحماية النووية للناتو بحسب ما تنص عليه المادة الخامسة من ميثاق الحلف والتى عززتها المادة 42 من اتفاقية لشبونة الأوروبية وتساءلت فى المقابل ما الذى سيستفيده الحلف من انضمام السويد؟



 ونقلت المجلة عن چان پيير مولنى المدير العام المساعد لمعهد العلاقات الدولية والاستراتيچية قوله إن السويد وعلى الرغم من أنها كانت دولة محايدة فإنها تشتهر بصناعتها المتطورة فى مجال الأسلحة كما تصل ميزانيتها فى الدفاع إلى 9 مليارات يورو. وتخصص السويد 1.3 % من ناتجها المحلى الإجمالى للدفاع مقابل 2 % بالنسبة لأعضاء الحلف ومن أهم صناعاتها العسكرية مقاتلات جريپن (Gripen) والغواصات. وتشارك السويد منذ تسعينيات القرن الماضى فى مهام عسكرية وتدريبات مشتركة مع قوات الناتو وقد قامت بتقوية العلاقات بين الجانبين بشكل كبير منذ سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم عام 2014. ووفقا للوبوان الفرنسية فإن دمج السويد يسمح بالسيطرة على بحر البلطيق، حيث أصبحت جميع الدول التى شواطئُها على حدودها باستثناء روسيا أعضاء فى الناتو. كما تضمن السويد وفنلندا الوصول إلى الشمال الكبير نظرا لأنهما يقابلان شبه جزيرة كولا حيث يتمركز جزء من الأسطول الروسى. وتضيف المجلة الفرنسية فى تقريرها أن قبول انضمام السويد كان خبرا سعيدا لكل من ليتوانيا وإستونيا لأنهما كانتا شبه معزولتين عن دول الحلف. وصرحت الباحثة السياسية إميلى زيما للوبوان بأن دخول السويد وفنلندا للناتو يعطى الحلف عمقا استراتيجيا مهما يزيد من عزلة روسيا. لكن تقرير لوبوان أشار إلى وجود شكوك حول استمرار انضمام السويد لحلف الناتو بعد نهاية حرب أوكرانيا إذ إنها ظلت منذ 200 عام محافظة على عقيدة الحياد وبعد اندلاع حرب أوكرانيا تراوحت نسبة السويديين الراغبين فى الانضمام للناتو ما بين 33 % و55 % مما جعل محللين يتساءلون عن مصير هذا الانضمام إذا ما انتهت الحرب وعادت المياه إلى مجاريها. ومن ناحية أخرى، فإن قمة ثلاثية جمعت الرئيس التركى رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء السويدى أولف كريسترسون والأمين العام للناتو ينس ستولتنبرج على هامش قمة الناتو، وبعد عام من المفاوضات والممانعة التركية لانضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسى الناتو) وافقت أنقرة أخيرا على طلب الدولة الإسكندنافية بعدما قالت إنها حصلت على تعهدات من ستوكهولم والغرب بتحقيق شروطها. وبعد قمة ثلاثية جمعت الرئيس التركى رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء السويدى أولف كريسترسون والأمين العام للناتو ينس ستولتنبرج على هامش قمة الناتو فى فيلنيوس بليتوانيا أعلن ستولتنبرج أن أردوغان وافق على إحالة بروتوكول انضمام السويد إلى مجلس الأمة التركى فى أقرب وقت ممكن والعمل عن كثب مع المجلس لضمان التصديق عليه.

فى المقابل نقلت وكالة بلومبيرج عن مسئول تركى قوله إن مسئولى الاتحاد الأوروبى وافقوا على تسريع مفاوضات عضوية أنقرة فى التكتل الأوروبى وإن المفاوضات تشمل تحديث الاتحاد الجمركى الذى يضم تركيا والاتحاد الأوروبى ورفع التأشيرات عن المواطنين الأتراك.

وبعدما وافقت تركيا منذ أشهر على انضمام فنلندا إلى الناتو ظلت هى والمجر الدولتين الوحيدتين فى الحلف اللتين تعارضان عضوية السويد، رغم إعلان ستوكهولم أنها قامت بما يتوجب عليها بموجب اتفاق مدريد الثلاثى بما فى ذلك تعديل دستورها واعتماد قانون جديد لمكافحة الإرهاب وتسليم مطلوبين لأنقرة إلا أن الأخيرة ترى أن تعديل القوانين لا يكفى.

وبعد تمسك الرئيس التركى بموقفه من عضوية السويد فى الناتو حتى اللحظات الأخيرة وافق فى قمة فيلنيوس على المطلب الذى يدعمه الغرب فما المكاسب التى حققتها تركيا من العملية التى استغرقت حوالى عام؟

وتركيا استطاعت أن تحصل على الحد الأعلى مما يمكن تحصيله فى مثل هذه الظروف بعدما شكلت عملية انضمام السويد إلى حلف الناتو فرصة ذهبية لأنقرة للمناورة فى عدة اتجاهات أسفرت عن العديد من المكاسب. وعلى رأس هذه المكاسب إظهار تركيا كدولة تعانى من الإرهاب وتحاربه والتسليم بذلك من قبل الدول الأوروبية والناتو. وأصدرت كل من تركيا والسويد والناتو بيانا ثلاثيا مشتركا عقب القمة الثلاثية تعهدت فيه السويد بمحاربة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره وعدم دعم التنظيمات التى تصنفها تركيا على قوائم الإرهاب وخاصة وحدات الحماية الكردية فى سوريا، فى خطوة تم اعتبارها إقرارا من الناتو ومعه أوروبا وأمريكا بوجهة نظر تركيا تجاه هذا التنظيم بعد نزاع بشأنه.

وأشار البيان الثلاثى إلى أن تركيا والسويد اتفقتا على مواصلة التعاون فى إطار كل من الآلية الثلاثية المشتركة الدائمة التى أنشئت فى قمة الحلف بالعاصمة الإسبانية مدريد عام 2022 وآلية أمنية ثنائية جديدة تشكل مجموعات عمل مناسبة وتجتمع سنويا على المستوى الوزارى. وأشار البيان إلى أن السويد ستقدم فى الاجتماع الأول للجنة الأمنية خارطة طريق للتنفيذ الكامل لجميع بنود المذكرة الثلاثية بما فى ذلك المادة 4 كأساس لمكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره. ورغم أن مدى تطبيق هذه الالتزامات سيكون محل نقاش، فإن ما تم التوصل إليه يبقى نصرا سياسيا ودبلوماسيا كبيرا لتركيا مما يمكنها من فرض آلية أمنية مشتركة مع الدول الأوروبية ليس بالأمر السهل. وبعدما ربط الرئيس التركى بين فتح الباب أمام عضوية تركيا فى الاتحاد الأوروبى والموافقة على ضم السويد إلى الناتو نص البيان الثلاثى على تعهد السويد بدعم جهود إعادة إحياء مسار عضوية تركيا فى الاتحاد فى خطوة ذكرت أنقرة من خلالها بمظلوميتها فى هذا الصدد، مقرا بأن المكاسب هنا قد تقتصر على إجراءات مثل تحرير التأشيرات أو على الأقل الحصول على تسهيلات كبيرة.

أما على صعيد مطالب تركيا الأخرى، فقد حققت نصرا كبيرا بالحصول على تعهد أمريكى بتمرير إدارة الرئيس چو بايدن صفقة بيعها طائرات إف-16 الحديثة بعد مماطلة طويلة وهو تعهد أن يكتسب قوته من أن بايدن يملك صلاحيات اتخاذ قرار فى هذا الموضوع بدون الرجوع إلى الكونجرس. وكان اتفاق فيلنيوس حول تركيا من موقع الدولة المحاصرة والمنبوذة إلى الدولة المرنة والإيجابية الحريصة على مصلحة الناتو وخاصة أن بعض الدول فى الحلف كانت تطالب منذ سنوات بإخراجها من الناتو وبذلك عادت تركيا لتحتل مكانها فى صدارة الدول الرئيسية فى الحلف التى لا يمكن الاستغناء عنها.

وعلى الرغم من أن هذه المكاسب جاءت فى إطار تعهد مكتوب من قبل السويد فى البيان الثلاثى إلا أنه لم يحدث تطور جديد فى هذا. وتركيا طرحت نفس الشروط التى طرحتها سابقا فيما وافق الجانب السويدى والأمريكى كالعادة على هذه الشروط نظريا. أما تركيا من جهتها وافقت على مطلب ضم السويد، لكن موافقتها مشروطة وتستدعى خطوات عملية على الأرض واستشهد بالجملة التى قالها أردوغان وهو يصافح كريسترسون وستولتنبرج أمام الصحفيين حين قال إذن المرحلة القادمة هى مرحلة تطبيق بنود مسودة المذكرة التى وصلنا إليها.. مفهوم؟ وعندئذ ابتسم سكرتير الناتو وأومأ رئيس الوزراء السويدى برأسه فى إشارة إلى أنه فهم قصد أردوغان. وقرار ضم السويد سيتطلب تمريره فى البرلمان التركى بعد 45 يوما وفقا للمادة 37 من النظام الداخلى للمجلس التى تنص على أن طرح مسودة قرار وقبوله فى البرلمان من الممكن أن يستغرق هذه المدة وهو ما يشير إلى أن أنقرة ستختبر مدى صدق نية الغرب بتطبيق بنود المعاهدة خلال المدة المذكورة.

وفى حوار أجراه موقع ديموكراسى ناو وهو المنظمة غير الحكومية الأمريكية قال المؤرخ الأمريكى جراى أندرسون إنه على الرغم من أن الغرض المعلن لحلف شمال الأطلسى الناتو هو الدفاع المشترك فإن دوره الحقيقى هو منح الولايات المتحدة السيطرة على أوروبا. وأكد فى مقابلة مع موقع ديموكراسى ناو أن الحرب فى أوكرانيا عززت سلطة الناتو وواشنطن فى القارة الأوروبية. وفى سؤال حول رأيه فيما حدث فى قمة الناتو فى ليتوانيا قال: أعتقد أن تنازل تركيا عن معارضتها عضوية السويد أو تأجيل ضم أوكرانيا إلى الحلف ليسا خبرين مفاجئين بشكل مدوى فقد كانا متوقعين بالنسبة لأى شخص تابع القصة منذ بدايتها.

وسأله الموقع هل تستطيع الحديث بصورة محددة عن أهمية انضمام السويد فقال أعتقد أن عضوية السويد لن تغير كثيرا من المشهد، إذ إنها فاعل مع الحلف فى العديد من الأوقات حتى من الناحية العسكرية حيث شاركا فى مناورات مشتركة. واحتمال وضع خطة واقعية للدفاع عن هذه الحدود الطويلة للغاية مع روسيا يبدو غير واقعى فى التخطيط العسكرى للحلف.

وطلب منه الموقع أن يوضح ما قاله فى مقالة له مع الكاتب توماس مينى فى صحيفة نيويورك تايمز بعنوان: الناتو وظيفته ليس كما يدعى هو اشرح لنا ما تقصده وما هو الناتو فقال : نعم ادعى  حلف الناتو تاريخيا أنه يمثل ثلاثة أشياء وفق ما أعتقد الأول هو منظمة للدفاع الجماعى أى تحالف عسكرى والثانى تحالف القيم والثالث تحالف النظم الديمقراطية ولكن من الواضح تماما من تاريخ الحلف أن السمة الديمقراطية للدول الأعضاء كانت قابلة للتفاوض أو ربما الخرق. والبرتغال كانت من الدول المؤسسة، واليونان فى ظل حكم الچنرالات كانت علاقتها طيبة مع الحلف. وأما فيما يتعلق بالدفاع المشترك فأعتقد أنه أيام الحرب الباردة كانت مزاعم الحلف بتشكيل دفاع تقليدى عن أوروبا غير محتملة ولهذا يمكن القول إن الناتو ليس كما يدعى.

وفى سؤال آخر قلت فى مقالتك إن الناتو يعمل بعد الحرب الباردة وفق خطط واشنطن لجعل أوروبا معتمدة على القوة الأمريكية وإن الناتو يضمن السيطرة الأمريكية فى أوروبا بتكاليف قليلة فسر لنا كيف أن وجود الناتو يمكن واشنطن من الدفاع عن مصالحها فى أوروبا عن طريق إضعاف سيادة الدول الأوروبية عن تحقيق أهدافها الدفاعية والاقتصادية، فقال صورة ملموسة للغاية فعندما تم فرض نظرية وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت فى تسعينات القرن الماضى والتى تفيد بأن الناتو من خلال علاقته مع أوروبا يحظر أى ازدواجية فى القدرات الأمريكية من قبل الأوروبيين وأى فصل للأمن الأوروبى عن المصالح والأهداف الأمريكية وأى تمييز من جانب الأوروبيين ضد الأعضاء غير الأوروبيين فى الناتو وأحد آثار نظرية أولبرايت ملموس للغاية وهو جعل الأوروبيين معتمدين على العقيدة الأمريكية وعلى العتاد والأنظمة والقيادة الأمريكية.

وفى سؤال آخر، استشهدت فى مقالتك بالرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون عندما قال إن حلف الناتو فى حالة موت دماغى وكان ذلك قبل أربع سنوات هل بسبب حرب أوكرانيا تم إنعاش الحلف أو فى الواقع تقويته؟ فقال نعم أعتقد أن جزءا من ذلك يرجع إلى الحرب على الرغم من أن المرء يميل إلى النظر نحو الخلف أكثر، فمنذ عام 2014 ومع بداية أزمة أوكرانيا وضم روسيا شبه جزيرة القرم شهدنا نفقات أكبر على الدفاع من قبل الأوروبيين وهو نوع من إعادة تأكيد دور أمريكا فى القارة. ومر ذلك خلال فترات صعود وهبوط وخلال تاريخ الناتو تعرض لأزمات عديدة ولكننى أعتقد أنه ليس هناك جدال على أنه خلال العام الماضى تمت تقويته بشكل كبير وأن يد أمريكا فى أوروبا تعززت أيضًا.