الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية (وَأُمَّهَاتُكُمْ اللاَّتِى أَرْضَعْنَكُمْ): محرمات الرضاعة.. فى الزواج! "64"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



 

الأمُّ هى التى تحمل وتضع طفلها وتقوم بإرضاعه، ولذلك هى الأكثر رعاية بالطفل، كما توجد الأم التى حملت ووضعت طفلها، وقامت امرأة أخرى بإرضاعه، وتصبح المرضعة أُمًّا للطفل مع الأم التى حملته وولدته.

ويتعرف الطفل على الأم من خلال رائحتها وصوتها، ويكتمل جسده من لبنها، والأم المرضعة هى التى حرام أن يتزوجها ابنها الذى رضع منها مدة الرضاع التى اكتمل بها جسده، كما تحرم عليه بناتها لأنهن أخوات له. قال تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِى أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ)، النساء 23، فالتحريم هنا خاص بالأم من الرضاعة، والأخوات من الرضاعة، ولم يقل تعالى «والنساء اللاتى أرضعنكم»؛ لأنه بذلك تحرم كل امرأة أرضعت طفلاً رضعة أو رضعتين، مع أن كلمة «النساء» تكررت مرتين فى نفس الآية؛ لكن فى تحريم المرضعة تم وصفها بالأم لتحديد كمية الرضاعة التى تحرم وتصير بها المرضعة أُُمًّا، فالرضيع يلازم المرضعة فترة الرضاعة، وبعد أن يكبر وينفصل عنها تظل محفورة فى وجدانه على أنها أمّه من الرضاع.

ولذلك جعل تعالى هذه المرضعة حرامًا على ذلك الابن، وجعل ابنتها وبناتها حرامًا عليه، وإذا كانت الرضيعة بنتًا فإن أولاد المرضعة الذكور يحرمون عليها، بشرط أن تكون الرضاعة كاملة من الولادة إلى الفطام.

 فترة الرضاعة:

وترتبط فترة الرضاعة بفترة الحَمْل، وبَعدهما ينفصل الطفل عن أمّه: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ)، لقمان 14، أى أن فترة الرضاعة للمولود عامان كاملان.

وتأتى المشاكل للرضيع عندما تنفصل أمّه عن أبيه، لكن التشريعات تلزم الأب بنفقة الرضيع سواء كان يرضع من أمّه أو من مرضعة مستأجرة، وعلى الأب أن ينفق على المرضعة بالغذاء والكسوة مدة الرضاعة، وعلى القضاء تحديد مقدار النفقة لتكون بالمعروف دون مشقة على الأب ودون إضرار بالأم، وإن كان الأب متوفيًا فعلى من يرثه أن يحمل المسئولية.

وإذا أراد الوالدان فطام الرضيع فيكون ذلك عن تشاوُر وعن تراضٍ بينهما، وإذا اتفقا على استئجار مرضعة فيجب أن تأخذ حقوقها كاملة: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، البقرة 233.

طبيًّا الرضاعة هى عامل محفز لإفراز هورمون «الأوكسيتوسين» فى الحليب الذى يرضعه الطفل من المرضعه، مما يساعد الرضيع على الشعور بالاطمئنان النفسى؛ لأنه الهورمون المسئول عن الترابط الاجتماعى الوجدانى.

لا يوجد لبن للرضاعة إلا من امرأة وضعت حَملها حديثًا، ولن يرضع شاب أو كبير من امرأة لم تحمل ولم تلد مثل امرأة أبى حذيفة فى رواية رضاعة الكبير.

الرضاعة بَعد الكبر:

فى الموطأ للإمام مالك، كتاب الرضاع، باب ما جاء فى الرضاعة بَعد الكبر: «حَدَّثَنِى يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ، فَقَالَ أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَكَانَ، مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَكَانَ تَبَنَّى سَالِمًا الَّذِى يُقَالُ لَهُ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِى حُذَيْفَةَ كَمَا تَبَنَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَأَنْكَحَ أَبُو حُذَيْفَةَ سَالِمًا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ ابْنُهُ أَنْكَحَهُ بِنْتَ أَخِيهِ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ وَهِيَ مِنْ أَفْضَلِ أَيَامَى قُرَيْشٍ فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِى كِتَابِهِ فِى زَيْدِ بْنِ حارثة، قَالَ:‏‏ رُدَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أُولَئِكَ إِلَى أَبِيهِ فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَبُوهُ رُدَّ إِلَى مَوْلاَهُ فَجَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ وَهِيَ امْرَأَةُ أَبِى حُذَيْفَةَ وَهِيَ مِنْ بَنِى عَامِرِ بْنِ لُؤَىٍّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنَّا نَرَى سَالِمًا وَلَدًا وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَىَّ وَأَنَا فُضُلٌ وَلَيْسَ لَنَا إِلاَّ بَيْتٌ وَاحِدٌ فَمَاذَا تَرَى فِى شَأْنِهِ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَيَحْرُمُ بِلَبَنِهَا، وَكَانَتْ تَرَاهُ ابْنًا مِنَ الرَّضَاعَةِ فَأَخَذَتْ بِذَلِكَ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَنْ كَانَتْ تُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنَ الرِّجَالِ فَكَانَتْ تَأْمُرُ أُخْتَهَا أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَبَنَاتِ أَخِيهَا أَنْ يُرْضِعْنَ مَنْ أَحَبَّتْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنَ الرِّجَالِ وَأَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَقُلْنَ لاَ وَاللَّهِ مَا نَرَى الَّذِى أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ إِلاَّ رُخْصَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى رَضَاعَةِ سَالِمٍ وَحْدَهُ لاَ وَاللَّهِ لاَ يَدْخُلُ عَلَيْنَا بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ أَحَدٌ.. فَعَلَى هَذَا كَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِى رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ».

فى الرواية سهلة بنت سهيل امرأة أبى حذيفة ترضع شابًا خمس رضعات ليكون ابنها من الرضاعة، ويدخل عليها مثل ابنها، وقيل أن السيدة عائشة أمرت بذلك كل مَن أحبت أن يدخل عليها من الرجال: «فَكَانَتْ تَأْمُرُ أُخْتَهَا أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَبَنَاتِ أَخِيهَا أَنْ يُرْضِعْنَ مَنْ أَحَبَّتْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنَ الرِّجَالِ».

وهذا أمر آخر؛ بأن مَن رضع من امرأة تحرم عليه عمّتها وخالتها، ويأتى الاختلاف فى تكملة الرواية؛ لأن بقية نساء النبى رفضن ذلك، يقول الإمام مالك: «وَأَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَقُلْنَ لاَ وَاللَّهِ مَا نَرَى الَّذِى أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ إِلاَّ رُخْصَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى رَضَاعَةِ سَالِمٍ وَحْدَهُ، لاَ وَاللَّهِ لاَ يَدْخُلُ عَلَيْنَا بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ أَحَدٌ.. فَعَلَى هَذَا كَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِى رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ»، ولم يقل لنا الإمام مالك رأى النبى عليه الصلاة والسلام فى رفض زوجاته لهذه المسألة.

 اختلاف الآراء:

وفى موضوع «رضاع الكبير» يمتد التحريم من الطفل إلى الشيخ إذا رضع من ثدى المرضعة فتكون أمّه، والأصل وجود خلاف بين الفقهاء حول امتداد تحريم الرضاع للطفل إذا رضع بَعد الحولين.

وفى رواية أخرى: «وَحَدَّثَنِى عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ رَجُلاً، سَأَلَ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ فَقَالَ إِنِّى مَصِصْتُ عَنِ امْرَأَتِى، مِنْ ثَدْيِهَا لَبَنًا فَذَهَبَ فِى بَطْنِى فَقَالَ أَبُو مُوسَى لاَ أُرَاهَا إِلاَّ قَدْ حَرُمَتْ عَلَيْكَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ انْظُرْ مَاذَا تُفْتِى بِهِ الرَّجُلَ فَقَالَ أَبُو مُوسَى فَمَاذَا تَقُولُ أَنْتَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ لاَ رَضَاعَةَ إِلاَّ مَا كَانَ فِى الْحَوْلَيْنِ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى لاَ تَسْأَلُونِى عَنْ شَىْءٍ مَا كَانَ هَذَا الْحَبْرُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ».

هنا اختلاف بين رأيين، يرى أبو موسى الأشعرى أن رضاعة الكبير تحرم، ويخالفه عبد الله بن مسعود، ويوافق أبو موسى على رأى ابن مسعود، مما يعنى أن الرواية المنسوبة للنبى عليه الصلاة والسلام فى رضاعة الكبير مختلف عليها.

كما جاء عن الإمام مالك روايات تنفى رضاعة الكبير: «وَحَدَّثَنِى عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، كَانَ يَقُولُ لاَ رَضَاعَةَ إِلاَّ لِمَنْ أُرْضِعَ فِى الصِّغَرِ وَلاَ رَضَاعَةَ لِكَبِيرٍ».

ورواية: «وَحَدَّثَنِى عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ، يَقُولُ لاَ رَضَاعَةَ إِلاَّ مَا كَانَ فِى الْمَهْدِ وَإِلاَّ مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَالدَّمَ».

 التمام والكمال:

وعن الفرق بين التمام والكمال فى القرآن الكريم، التمام هو فعل الشىء دون انقطاع: (وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ)، البقرة 187، أى أن الصوم من الفجر إلى الليل باستمرارية ومن دون انقطاع.

أمّا الكمال فهو إنهاء الفعل مع انقطاع على مراحل، مثلاً فى الحج من يأثم عليه صيام: (فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِى الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ)، البقرة 196، بمعنى وجود انقطاع بين الثلاثة والعَشرة.

وجاء التمام والكمال فى آية واحدة: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)، البقرة 233، فعملية الرضاع متقطعة، وعندما يبلغ الرضيع سنتين فإن الرضاعة تتم، مما يعنى أن إرضاع الكبير لا وجود له ﻷنه بَعد بلوغ السنتين، ومَهما رضع الإنسان فهذا الرضاع ﻻ يبنى عليه أى حرمة، أى أنه ﻻ يعنى أى شىء ﻷن الرضاع تم فى أول سنتين من حياة الإنسان ولا رضاع بعدهما.