الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حقك.. اعتراف البيت الأبيض بمد أوكرانيا  بأسلحة محرمة دوليا انتهاك جديد لحقوق الإنسان من يحاسب القوى العظمى؟

حقك.. اعتراف البيت الأبيض بمد أوكرانيا بأسلحة محرمة دوليا انتهاك جديد لحقوق الإنسان من يحاسب القوى العظمى؟

فى كثير من الأحيان ما توجه انتقادات شديدة وغليظة للنظرية الميكافيلية للفيلسوف الإيطالى نيكولا ميكافيلى والقائمة على فكرة الغاية تبرر الوسيلة، باعتبارها نظرية غير أخلاقية وتسحق المبادئ الإنسانية من أجل تحقيق الأهداف، خاصة من تيار الصوابية السياسية المتحكم حاليًا للحزب الديمقراطى فى الولايات المتحدة ويقدم نسخة أكثر تشددًا من الليبرالية قائمة على أن حقوق الإنسان هى محرك تخطيط الإدارة الأمريكية والمرجع الأعلى لقرارات الولايات المتحدة إلا أن الإدارة الأمريكية الحالية بدأت وبشكل علنى التراجع عن ذلك والاعتذار للفيلسوف الإيطالى الأشهر وتطبق نظريته فى خضم معركتها من أجل هزيمة روسيا على الأراضى الأوكرانية وتعترف بإرسال أسلحة محرمة دوليا للجانب الأوكرانى متجاهلة تمامًا كل الانتقادات والتحذيرات الصادرة من حلفائها الأوروبيين أو منظمات حقوق الإنسان الدولية.



 

بالتأكيد هى ليست المرة الأولى التى ترتكب فيها الولايات المتحدة جريمة ضد الإنسانية فقائمة جرائمها طويلة تبدأ بضربتها النووية فى هيروشيما ونجازاكى فى اليابان، لتصبح أول دولة فى العالم تستخدم السلاح النووى الفتاك، ثم ارتكاب مجازر إنسانية فى فيتنام ثم العراق وأفغانستان، مرورًا بدعم الجماعات الإرهابية فى أفغانستان خلال قتال قوات الاتحاد السوفيتى السابق، وربما أكثر ما علق فى ذاكرة الأجيال الجديدة هو مشاهد التعذيب الأمريكية للسجناء العراقيين فى سجن أبوغريب، فى المرات السابقة كانت الميديا الأمريكية تسوق المبررات لتبرير الانتهاكات والتقليل من شأنها وطمس ملامحها حتى لا تخسر الولايات المتحدة وجهها الإنسانى البراق، لكن هذه المرة كان الاعتراف مباشرًا وصادمًا ومتجاوزًا لفكرة التخوف من العقاب، بل بصيغة «سنفعل ولن يوقفنا أحد».

وبعيدًا عن تطورات الصراع الروسى الأوكرانى وفشل أى طرف حتى اللحظة فى تحقيق أهدافه، إلا أن ابتعاد الصراع عن الأكواد الأخلاقية المتعارف عليها فى الحروب يهدد بشكل غير مسبوق الأمن والسلام العالمى، وقد تخرج الأمور عن السيطرة فى لحظة معينة تضع خطورة على حياة سكان الكوكب، فالقوى العظمى سواء الساعية للمزاحمة فى إدارة شئون العالم أو المتحكمة فيه تجرفهم الحماسة لسحق كل منهم للآخر دون أى اعتبار لعالم يتأذى من أوضاع اقتصادية تزداد صعوبة بسبب طول الصراع وتطوره، وسيعانى أكثر بسبب ابتعاد الحرب عن المبادئ الإنسانية والأخلاقية لأى نزاع مسلح.

ومع الأسف تتحرك القوى العظمى لتحقيق أهدافها على حساب المبادئ الإنسانية وأنا لا أختص الولايات المتحدة وحدها، ولكن القوى العظمى بمفهوم Great Power الأكاديمى ويضم دولاً مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا، ويدور بينهم صراع بالوكالة عبر الأراضى الأوكرانية منذ أكثر من 500 يوم دون أفق لحل الصراع وتطور أحداث يتجه فيه كل طرف إلى فرض إرادته على الآخر حتى وصلنا إلى محطة الأسلحة المحرمة دوليا، فالذخائر العنقودية مجرمة بموجب المادة 51 من البروتوكول الإضافى لاتفاقية جنيف 1949 والمتعلقة بحماية ضحايا النزاعات المسلحة دوليا لأنها ذخائر تصيب ضحايا مدنيين من غير العسكريين، لأن كثيرًا منها لا ينفجر وقت الإطلاق على الهدف ويبقى كثير منها فى مناطق القصف لتنفجر فى وقت لاحق واستخدامها حاليًا خرق واضح لاتفاقية أوسلو الموقعة فى ديسمبر عام 2008 والتى تحظر استعمال الذخائر المعرّفة بأنها عنقودية وإنتاجها وتخزينها ونقلها، ويبلغ عدد الدول الأطراف فيها اليوم 106 دول. 

وتندرج اتفاقية أوسلو فى دينامية نزع السلاح التى انطلقت منها اتفاقية أوتاوا بشأن الألغام المضادة للأفراد، وتنصّ على ما يلى:

حظر استعمال معظم الذخائر العنقودية وإنتاجها ونقلها وتخزينها. وتوجد استثناءات تبعاً لقدراتها أو وزنها أو وجود آلية للتعطيل الذاتى أو التدمير الذاتى، وتطهير المناطق الملوثة فى غضون مهلة عشر سنوات قابلة للتجديد فى بعض الحالات المعقّدة؛ وتدمير الذخائر العنقودية المحظورة فى خلال مهلة ثمانى سنوات قابلة للتجديد أيضاً؛ مع وضع آليات متقدمة فى مجال التعاون الدولى ومساعدة المتضرّرين. 

وبحسب موقع الخارجية الفرنسية فإن عدد الدول الأطراف عام 2019 وصل إلى 106 دول، بالإضافة إلى 16 دولة موقّعة وأن معظم الدول الكبيرة من حيث حيازة هذه الذخائر وإنتاجها، مثل: الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والهند وإسرائيل وباكستان والصين وكوريا الجنوبية، ما زالت ترفض الانضمام إلى الاتفاقية بحجة الضرورات العسكرية للذخائر العنقودية. 

عصف القوى العظمى بالاتفاقيات الدولية وتجاهلها بذلك الشكل وهى بالأساس تحمى حقوق الإنسان يضعنا أمام سؤال كبير بلا إجابة محددة وهو: من يحاسب القوى العظمى على مثل تلك الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولى وخاصة اتفاقيات حظر استخدام الأسلحة المحرمة دوليًا؟

فى عام 2009 سألت الكاتب الصحفى الأمريكى الكبير بوب وودورد مفجر قضية ووترجيت فى مقر الخارجية الأمريكية بالعاصمة واشنطن سؤالاً عن عدم ملاحقة جورج بوش الابن بجرائم الحرب فى أفغانستان والعراق رغم أن بوب كان قد وثقها فى 3 كتب ضخمة تناولت إدارة بوش الابن وحروبه ذات الصبغة العنصرية ضد الشرق الأوسط عقب تفجيرات 11 سبتمبر، وكانت إجابة بوب الحاسمة ليس وحده هو المدان، للأسف، هناك مؤسسات أخرى مثل الكونجرس وافقت على قراراته وتشاركه الجريمة، فهى مسئولية جماعية.

ومع اتساع معارك القوى العظمى وعدم تقييد حركتها بأى التزامات أخلاقية أو تعهدات دولية أصبحنا أمام جرائم دولية تمر دون عقاب، بل إنها صنعت تيارًا كبيرًا فى العالم يرى أن صراع القوى العظمى دمر مصداقية الآليات الدولية ووضعها فى موقف لا تحسد عليه، وهناك من ينتظر تجاهل محكمة العدل الدولية لاعتراف إدارة الرئيس بايدن بإرسال أسلحة محرمة إلى أوكرانيا حتى يشكك فى مصداقية ملاحقة المحكمة للرئيس الروسى فلاديمير بوتين، ومن ثم يشكك فى كل قراراتها وفى فكرة العدالة الجنائية الدولية التى قد تكون قوية ورادعة لدول متوسطة وصغيرة، أما الدول الكبرى فهى فوق القانون الدولى.

أخطر ما فى اتساع النزاع الروسى الأوكرانى أو بالأحرى نزاع روسيا مع دول حلف الناتو هو فقدان الحرب لقواعدها الإنسانية وخرقها للاتفاقيات الدولية بما يعرض منظومة العدالة الدولية للخطر ويضع المبرر لكل دول العالم فى استخدام الأسلحة المحرمة دوليًا من أجل حسم معاركها وإخضاع خصومها أو لفت الانتباه لقضايا أخرى بعيدًا عن خسائرها.

التطورات الأخيرة تضع العالم أمام وضع خطير يهدد الأمن والسلم الدوليين ويضع العالم أمام خيارات صعبة مع اتساع استخدام الأسلحة المحرمة دوليًا، ويضع مصداقية منظومة حقوق الإنسان وحديث القوى العظمى عن حمايتها لتلك المبادئ حول العالم على المحك، بل يدفع أى دولة للتشكيك فى ذلك التوجه، ولدينا فى تراثنا العربى مقولة خالدة تؤكد ذلك وهى أن فاقد الشىء لا يعطيه.