الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث.. فى عشرية «30 يونيو»: «مشاهدات مراسل أجنبى فى مصر» بين عامى 2012 و2013...... الحلقة (5) الرسالة الأخيرة إلى أول «مدنى» منتخب

الطريق الثالث.. فى عشرية «30 يونيو»: «مشاهدات مراسل أجنبى فى مصر» بين عامى 2012 و2013...... الحلقة (5) الرسالة الأخيرة إلى أول «مدنى» منتخب

«أنا مش عايز أبقى (نوتى) زى حسن رامبو اللى بيشرب الشامبو»، صدمتنى كلمات ابنى الأكبر مصطفى وقطعت شرودى وأنا غارق فيما يجرى لى ولأسرتى ولبلادى خلال عامين من عمر ثورتها الميمونة، فقد انتبهت أنى مؤخرًا فكرت أكثر من مرة فى اقتناء «طبنجة» أو «سنجة» أو «فرمنش»، لأضع أى منها فى سيارتى ربما أستطيع الدفاع عن نفسى فى دولة الفوضى التى أصبحنا نعيش فيها.



راقبت نفسى وتصرفاتى فى الشهور الأخيرة، فاكتشفت أننى أصبحت ميالا للعنف أكثر من «رامبو» الذى حكيت عنه لابنى، راقبت أصدقائى ورفاقى وزملائى من العقلاء المهذبين فوجدتهم أكثر سوءا منى، الكل يتأهب ويستعد لمعركة حتمية أصبحنا جميعا نشعر باقترابها وتتشكل ملامحها فى أفق وطننا التائه. 

 

فالعداء بينك وبين أقرب الناس إليك يزداد، حالة من كراهية الآخر تتأجج بداخلك.. ربما تكون وصلت إلى كراهية نفسك، إنها بشائر كارثة ننزلق لها جميعا بقصد أو دون قصد ليس هذا مهما، المهم أننا كلنا شربنا الشامبو.. بدل ما نستحمى بيه ونغسل خطايا 30 عامًا مع حكم مبارك.

 حسن رامبو

السطور السابقة جزء من مقال كتبته بعنوان «حسن رامبو» ونشرته فى آخر شهر مارس 2013، منبهًا فيه لما يحدث فى مصر وما يتنامى داخل المصريين من عنف مكتوم، محذرًا من انفجار قريب، لكن للأسف لم ينتبه أحد من أهل الحكم لخطورة اللحظة. 

وكنت قد بدأت المقال أشرح فيه كيف اخترعت شخصية «حسن رامبو» الخيالية كى أنافس بها شخصيات أسطورية أجنبية سيطرت وهيمنت على عقل ابنى مصطفى الذى كان وقتها (عام 2013) فى عامه السادس من عمره، وكتبت قائلًا: 

قررت فى لحظة تجلٍ درامى أن يكون اسم بطل حكاياتنا أنا مصطفى هو «حسن رامبو.. اللى بيشرب الشامبو»، وإمعانا فى الجاذبية قلت لصغيرى إن حسن رامبو سيلتقى فى حدوتة قريبة مع «BEN10» على سبيل الدعاية لشخصيتى الجديدة لعلها تستحوذ على اهتمامه أكثر، وهو ما كان. ونجحت الخطة وأصبح ابنى كل يوم يتشوق إلى مغامرة جديدة من حكايات الولد «النوتى» حسن رامبو الذى يرتكب حماقات وأخطاء كارثية ويأكل ساندوتشات زملائه فى الفصل ويضربهم جميعا وهو يصرخ فى وجوههم بحركات«Power Ringers»، وتبلورت أكثر شخصية حسن دراميًا وحملتها بكل سلبيات الأطفال فى هذه المرحلة العمرية التى تشبه عمر مصطفى، وأصبح حسن رامبو النموذج السيئ الكريه الذى يتحاشى ابنى الصغير أن يصبح مثله أو أن يرتكب أخطاءه.

لكن مع تردى الأوضاع فى مصر، غيرت موقفى وعكست نصيحتى لمصطفى، فكتبت قائلًا له: عشان تعيش فى مصر يا ابنى لازم تبقى حسن رامبو.. ومن النهارده مش هاحكى لك حواديت خلاص.. أنا هاخدك تتفرج على بلدك من المقطم للاتحادية، ومن التحرير لميدان الشهداء.. من النهارده مفيش «سبايدر مان» و«باور رينجرز» و«بن تن»، فى إخوان و«حازمون» وجبهة وتيار شعبى.. وفى مسلم ومسيحى.. وفى «الألتراس» بكل فرقه وفصائله.. فى بدو ونوبيين.. فى سنة وشيعة.. فيه عندنا حتى المسلمين السنة منقسمون لجهاد وجماعة إسلامية وقاعدة ودعوة سلفية وغيره من تفكيكات الإسلام السياسى، الإسلام يا ابنى اللى جمع القلوب فى عهد أشرف الخلق، عليه أفضل الصلاة والسلام.. هو اللى تحت رايته النهارده هتسيل دماء مصر والمصريين فى حرب أهلية قادمة لا محالة.

 الرسالة الأخيرة 

وفى الخامس من يونيو عام 2013، كتبت هذه الرسالة بعلم الوصول إلى الدكتور محمد مرسى، مندوب جماعة الإخوان الحاكمة فى رئاسة الجمهورية، ثم اتخذت موقعى بين صفوف الجماهير، من اعتصام المثقفين أمام وزارة الثقافة إلى ميدان التحرير، حتى لاح فجر يوم 30 يونيو العظيم، وتوجهت مع جموع المصريين إلى قصر الاتحادية، وبقيت طوال السنوات التالية لا أفهم سر غباء هذه الجماعة، التى ما خيرت بين أمرين إلا واختارت الأسوأ.. وإلى نص الرسالة. 

وبعد،، ولأن «كل الكلام اتقال»، وغلبنا وغلب حمارنا معاك ومع كل الإخوة الذين لا ينظرون إلا من ثقب إبرة «المرشد»، وتحت أقدامهم فقط، فإن رسالتى هذه هى آخر الكلام، وبعدها لا نملك إلا أن ننتظر قضاء الله.

اخترت أن أكتب إليك فى هذا اليوم متعمدًا، فهو الخامس من يونيو، ذكرى نكسة 1967، التاريخ الذى لن ينمحى من ذاكرة هذه الأمة، وسيظل درسه عِظَةً وعبرة خالدة فى نفوس كل المصريين، وأنت منهم، ومُرشِدُك، وشاطرك، وكل الإخوة التابعين وتابعيهم ليوم الدين.

 أخ مرسى.. 

لقد بدأ العد التنازلى ليوم الحشد العظيم 30 يونيو 2013، يوم سيثبت الشعب المصرى لك وللعالم أنه هو من صنع ثورته فى 25 يناير 2011، وأنها لم تكن تمويلًا ولا تمثيلًا ولا تهويلًا بفعل مواقع التواصل الاجتماعى وسحر الإعلام الجديد، سيثبت الشعب المصرى أن رحلة الكفاح مستمرة وأن هناك جيلًا جديدًا وُلِدَ من رحم الثورة سيجعلها مستمرة حتى يتحقق بها ويحقق كل أحلامه فيها، سيثبت الشعب المصرى أن «الإخوان» لحقوا بالثورة ولم يصنعوها، وأنهم أخذوا أكثر مما يستحقونه، وأنهم خدعة كبيرة عاشتها مصر والمنطقة العربية طوال ثمانين عامًا، وحان وقت تقييمها ووضعها فى حجمها الحقيقى كجماعة ماسونية فاشية، تدعو إلى أفكار رجعية عفا عليها الزمن (وتبوَّل وتبرَّز)، وأنها حقَّقَتْ رقمًا يستحق أن يُخلد فى موسوعات الفشل العالمية، كأسرع جماعة سياسية تفشل فى امتحان الحكم.

وبعدين،، فهذا قولى (على رأى شاعرنا القدير الراحل صلاح عبدالصبور).. فانفجروا أو موتوا.. وقولى هو: عايزك تقف يوم 30 منه فى بلكونة الاتحادية وخلِّى المدام تشبَّرلك قلتين وتعطرهم لك بمية الورد.. وشوف لك شمسية حلوة من بتوع العُمرة عشان الشمس ما تلسعكش.. وقيِّم الموقف.. لقيت البلد لسه فيها رجالة وهاتلاقى طبعًا.. وتشوف بعينك حشود بالملايين فى كل الميادين، خاف بقى على نفسك وعلى جماعتك، هاتقولى: يعنى أعمل إيه؟ 

هاقول لفخامتك: ادعُ فورًا إلى استفتاء فورى وعاجل وبإشراف قضائى ودعم من القوات المسلحة ورقابة دولية كاملة، ويكون موضوع الاستفتاء أمرَيْنِ منفصِلَيْنِ؛ الأولُ هو شخصك الكريم، أما الثانى فهو دستوركم اللئيم الباطل.. وتخلى صيغة السؤالين يا ناصح كالتالى: 

1 - هل توافق على أن ينهى محمد مرسى العياط فترة حكمه لجمهورية مصر العربية فورًا؟

 نعم  - لا

2 - هل توافق على العودة بالعمل بدستور 1971 بتعديلاته المقررة فى استفتاء 19 مارس 2011، حتى يتم الانتهاء من إعداد دستور مصر الجديدة؟   نعم - لا

إذا ربنا أكرمك والشعب قال: لا (يعنى تكمل مدتك بدستورك) أقترح عليك التالى، وهذا إذا كنتَ تريد أن تلمَّ شمل الأمة وتبنى مستقبلها وتؤدى الأمانة التى فى عنقك أمام الله:

1 - تشكيل مجلس رئاسى فورى يشاركك رسميًّا فى إدارة البلاد.

2 - إقالة حكومة هشام قنديل، وتكليف الدكتور محمد البرادعى بتشكيل حكومة إنقاذ وطنى تشرف على انتخابات البرلمان المقبلة.

3 - الدعوة إلى انتخابات مجلس النواب فى موعد أقصاه نهاية أكتوبر 2013، على أن ينتهى مجلس الشورى الحالى من القوانين اللازمة فى أسرع وقت ممكن، وأن تكون الانتخابات بنظام القائمة الموحدة على مستوى جمهورية مصر العربية، ويُجَمَّد بعدها مجلس الشورى الباطل ويمتنع عن إصدار أى قانون حتى يُنتخب مجلس النواب.

بهذه الخطوات يمكنك أن تستعيد ثقة معارضيك، وتوحِّد الصف الوطنى وترمم الشرخ الكبير الذى أحدثته بأخطاء عامٍ من حكمك، عام قضيتَه فى اغتيال أحلام هذا الشعب. 

أما إذا ربنا أكرمنا وأكرمك وتحقَّقَت المعجزة، وجاءت نتيجة الاستفتاء بـ«نعم»، فأتمنى أن تختفى من الوجود ولا تظهر مرة ثانية فى الحياة العامة، حتى لا يحدث لك ما لا يُحمد عقباه. اللهم بلَّغت.. اللهم فاشهد.