الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

كيف واجهت الدولة التحدى الوجودى الأخطر الذى يواجه العالم؟ رؤية «مصر» لمواجهة تغيُّر المُناخ

أعاصير ورياح عاتية.. أمطار وفيضانات جارفة.. حرائق غابات وجفاف وموجات حَر مدمرة.. تداعيات غير مسبوقة تزداد حدتها عامًا تلو الآخر مع تفاقم أزمة التغيُّر المُناخى، التى ضربت جميع دول العالم.



ورُغْمَ مواجهة الدولة المصرية عددًا من التحديات خلال عقد كامل؛ فإنها لم تنسَ- بالطبع- تداعيات التغيُّر المُناخى؛ حيث أطلقت «مصر» طوال عشر سنوات تحذيرات عديدة من تغيُّر المُناخ كونه يظل التحدى الوجودى الأخطر الذى يواجه العالم، رُغْمَ أن «مصر» من الدول الأقل إسهامًا فى انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى عالميًا، فيما تصدرت وشاركت الدولة المصرية فى العديد من المبادرات والمَحافل الدولية، التى تهدف لاتخاذ إجراءات للحد من تداعيات التغيُّر المُناخى.

   قمة «ميثاق التمويل العالمى الجديد»

لعل أحدث تحرُّك فى هذا الصدد؛ هو مشاركة الرئيس «عبدالفتاح السيسى» فى العاصمة الفرنسية «باريس»- منذ أيام- فى القمّة الدولية «ميثاق التمويل العالمى الجديد»؛ حيث طرحت «مصر» خلال المائدة المستديرة الآليات الجديدة فى شراكات النمو الأخضر، ورؤيتها بتطوير سياسات وممارسات بنوك التنمية متعددة الأطراف لتعظيم قدرتها على منح التمويل.

وركزت القيادة المصرية فى تلك القمة على أهمية تعزيز الجهود الدولية؛ من أجل تيسير نفاذها إلى التدفقات المالية المطلوبة، فى ظل ما تعانيه هذه الدول من تحديات؛ نتيجة الأزمات العالمية المتصاعدة، بالإضافة إلى تأكيد ضرورة تقديم المساندة الفعالة لها فى سعيها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، بما فى ذلك التزام الدول المتقدمة بتعهداتها فى إطار اتفاقية باريس لتغيُّر المُناخ، مع إلقاء الضوء فى هذا الصدد على مَحاور الرئاسة المصرية للقمة العالمية للمُناخ بشرم الشيخ (COP 27)، وأهم الإنجازات التى تحققت فى هذا الصدد.

قال الرئيس السيسى فى اليوم الأول من انعقاد المؤتمر، إن الواقع الجديد يفرض على الجميع التكاتف.. موضحًا أن مصر أطلقت برنامج «نوفى»، من أجل توفير التمويل اللازم لدفع العمل المُناخى.. مشددًا- فى الوقت ذاته- على أن تمويل التنمية المستدامة ضرورى لمواجهة التغيُّرات المُناخية.

وأكد الرئيس «السيسى» أن الدولة تواصل جهودها لحماية وتنمية البيئة.. مشيرًا إلى اتخاذ «مصر» خطوات جدّيّة؛ من أجل مكافحة تداعيات تغيُّر المُناخ فى وقت مبكر.

جدير بالذكر، أن القمة تأتى استجابة لتعهدات قطعها الرئيس الفرنسى «إيمانويل ماكرون» فى مؤتمر الأمم المتحدة للتغيُّر المُناخى (COP 27)، الذى عقد فى «مصر»، ما أسفر عن عدد من القرارات لمواجهة عدد من القضايا، لا سيما ما يتعلَّق بتأثير التغيُّر المُناخى على الدول النامية والأقل نموًا.

وفى ظل تسليط الإعلام الفرنسى الضوء على مشاركة الدول والحكومات بقمة باريس لبحث ميثاق مالى، يهدف إلى تحقيق توازن جديد بين الشمال والجنوب؛ أشارت صحيفة «ليزيكو» الفرنسية إلى الاتفاق، الذى أبرم فى مؤتمر شرم الشيخ للمناخ (COP 27)، لإنشاء صندوق لتمويل الخسائر والأضرار، من أجل معالجة الدمار الناجم عن الاحتباس الحرارى فى البلدان المعرضة للخطر للغاية.. مضيفة إن ما يتبقى، هو كيفية تنفيذ هذه الآلية، وهو ما تسعى الدول فى قمة باريس لتوجيه تدفق التمويل العالمى لصالح بلدان الجنوب؛ من أجل تلبية مَطالب العمل المُناخى بشكل أفضل.

مؤتمر الأطراف (COP 27)

تعاملت «مصر» مع قضية التغيُّرات المُناخية باهتمام كبير، كونها أحد المتأثرين- أيضًا- بظاهرة التغيُّرات المناخية. 

وكانت السياسات المصرية فى هذا الملف واضحة، تتجه إلى رفض أى التزامات إجبارية على الدول النامية لمواجهة آثار هذه الظاهرة.. مؤكدة على المسئولية المشتركة والمتباينة بين الدول المتقدمة والنامية فيما يتعلق بمسئولية الجهات المعنية بالتلوث فى تحمُّل تكلفة التلوث، والتأكيد على الدول المتقدمة بالوفاء بالتزاماتها، لنقل التكنولوچيا، والتمويل، وبناء القدرات للدول النامية، وعدم التنصل من هذه الالتزامات؛ بسبب الأزمات المالية العالمية، وهو ما أبرزه الرئيس «السيسى» خلال أعمال قمة المُناخ فى «جلاسكو» عام 2021، وقمة (COP 27) فى «مصر».

كانت الدورة السابعة والعشرون لمؤتمر الأطراف (COP 27)، الذى عقد فى مدينة السلام «شرم الشيخ» فى نوفمبر 2022؛ أبرز دليل على اهتمام «مصر» بقضية التغيُّر المُناخى، إذ أعطت دول العالم، وتحديدًا النامية، بارقة أمل على صعيد تعبئة العمل الدولى نحو تحويل الوعود إلى تنفيذ فعلى على الأرض، والوصول إلى توافق دولى لمواجهة الكوارث الناجمة عن التغيُّرات المُناخية.

فجمع مؤتمر (COP 27) أكثر من 35 ألف شخص، بما فى ذلك: ممثلو الحكومات، والمراقبون، والمجتمع المدنى للتوافق حول رؤية؛ من أجل مواجهة التحديات التى تقف أمام مكافحة تغيُّر المُناخ. 

وتضمنت الأحداث البارزة فى الاجتماع حينها، إطلاق التقرير الأول لفريق الخبراء رفيع المستوى المعنىّ بالالتزام بصافى الانبعاثات الصفرى للكيانات غير الحكومية.

كما أعلنت الأمم المتحدة- أثناء المؤتمر- عن خطة عمل الإنذار المبكر للجميع، والتى تدعو إلى استثمارات أولية مستهدفة جديدة بقيمة مليارين و100 مليون دولار بين عامى 2023 و 2027.

ومن الأحداث البارزة الأخرى التى حدثت فى المؤتمر، ما سُمّى بالخطة الرئيسية لتسريع إزالة الكربون من خمسة قطاعات رئيسية، وهى: (توليد الكهرباء، وسائل النقل، صناعة الصلب، قطاع الزراعة، وإنتاج الهيدروچين)، وقد قدمتها الرئاسة المصرية لـ(COP 27). 

كما أعلنت القيادة المصرية إطلاق مبادرة الغذاء والزراعة، من أجل التحول المستدام أو (FAST)؛ لتحسين كمية ونوعية مساهمات التمويل المُناخى لتحويل النظم الزراعية والغذائية بحلول عام 2030.

كما كان (COP 27)، أول مؤتمر أطراف يخصص يومًا للزراعة، وهو القطاع الذى يُساهم فى ثلث انبعاثات الاحتباس الحرارى، وينبغى أن يكون جزءًا مُهمًا من الحل.

حازت القمة العالمية للمُناخ بشرم الشيخ (COP 27) على إشادة دولية واسعة من قِبَل مسئولى المنظمات المتنوعة، والمسئولين الحكوميين، والأممين، ووسائل الإعلام، وفى مقدمتهم، الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو جوتيريش» الذى عَلق على (COP 27) بأنه خطوة مهمة نحو العدالة، وذلك بعد سماع أصوات الموجودين فى الخطوط الأمامية لأزمة المُناخ.. معربًا عن ترحيبه بقرار إنشاء صندوق الخسائر والأضرار وتفعيله فى الفترة المقبلة.

قمة المناخ فى «باريس» 2016

قبل القمة العالمية للمُناخ (COP 27) التى عقدت فى «مصر»؛ حرصت الدولة على المشاركة فى كل الفعاليات التى تخص قضايا مكافحة تغيُّر المُناخ، ومنها مشاركة الرئيس «عبدالفتاح السيسى» فى أعمال قمة المُناخ فى «باريس» 2016، والتى دعا- خلالها- للوصول إلى اتفاق عادل وواضح فيما يتعلق بالحفاظ على المُناخ، وضرورة التوصل لاتفاق دولى، يضمن تحقيق هدف عالمى يحد من الانبعاثات الضارة. 

كما طالب الرئيسُ «السيسى» المجتمعَ الدولىَّ بدعم جهود «مصر» فى مساهمتها الطموحة لمواجهة التغيُّر المُناخى والتركيز على الدول النامية فيما يتعلق بتغيُّرات المُناخ. 

جديرٌ بالذكر أن «مصر» كانت من الموقّعين على اتفاقية «باريس للمُناخ» ضمن 194 دولة أخرى قامت بالتوقيع.

 جهود الدولة فى مكافحة تغيُّر المُناخ مَحليًا

قبل التطرق لجهود الدولة محليًا لمواجهة التغيُّر المُناخى؛ يُذكر أن (رؤية مصر 2030) أعطت أهمية لمواجهة الآثار المترتبة على التغيُّرات المُناخية، من خلال وجود نظام بيئى متكامل ومستدام، يعزز المرونة والقدرة على مواجهة المَخاطر الطبيعية.

وفى (مؤتمر الشباب) الذى عُقد بمدينة «شرم الشيخ»، عُرض خلاله أهم المشاريع التى أنجزتها الدولة منذ «قمة باريس للمناخ»، ومنها: مشروع لاستبدال وسائل النقل القديمة بأخرى حديثة تعمل بالغاز الطبيعى، وترشيد الطاقة وأبرزها استخدام الغاز فى الأوتوبيسات بدلاً من البنزين، ومراجعة قانون البيئة لاستحداث التغيُّرات المُناخية. 

كما أُعلن خلال المؤتمر نفسه؛ أن المستخدم من مصادر الطاقة اللازمة للكهرباء من الطاقة الجديدة سيرتفع إلى 42% بحلول عام 2035.

فى سياق مشابه؛ أطلقت الحكومة المصرية فى 19 مايو 2022 (الاستراتيچية الوطنية لتغيُّر المُناخ فى مصر 2050)، كأحد أركان ضمان جودة واستمرار مشاريع التنمية، والنجاة من كوارث المُناخ.

وتتكون (الاستراتيچية الوطنية لتغيُّر المُناخ فى مصر 2050) من 5 أهداف رئيسية، تنبثق منها أهداف أخرى فرعية، وهى: تحقيق نمو اقتصادى مستدام وتنمية منخفضة الانبعاثات فى مختلف القطاعات، بناء المرونة والقدرة على التكيف مع تغيُّر المُناخ، والتخفيف من الآثار السلبية المرتبطة بتغيُّر المُناخ، تحسين حوكمة وإدارة العمل فى مجال تغيُّر المُناخ، تحسين البنى التحتية لتمويل الأنشطة المُناخية، والترويج للأعمال المصرفية الخضراء المحلية، وتعزيز البحث العلمى، ونقل التكنولوچيا، وإدارة المعرفة والوعى؛ من أجل مكافحة تغيُّر المُناخ، وتسهيل نشر المعلومات المتعلقة، وإدارة المعرفة بين المؤسّسات الحكومية والمواطنين، وزيادة الوعى بشأن تغيُّر المُناخ بين مختلف أصحاب المصلحة.

جهود الحكومة لتعزيز الاقتصاد الأخضر

على صعيد آخر؛ تبنت الحكومة وضع أطر السياسات، وتسهيل انتقال استثمارات كل من الحكومة والقطاع الخاص نحو الاقتصاد الأخضر، إذ قامت بإطلاق دليل معايير الاستدامة البيئية؛ بهدف جعل الخطة الاستثمارية خضراء. 

كما أطلقت «مصر»- كأول دولة فى منطقة «الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا» (سندات خضراء) لتمويل المشروعات الخضراء؛ خصوصًا فى مجال النقل النظيف.

من جانبه؛ شارك الصندوق السيادى المصرى فى استثمارات بمشروعات تعزز الطاقة المتجددة؛ وبخاصة الهيدروچين الأخضر، وإدارة الموارد المائية، وإدارة النفايات، بما يتسق مع مبادرة صناديق الثروة السيادية «الكوكب الواحد»، فضلاً عن تشكيل لجنة وزارية لصياغة مجموعة من الحوافز الاقتصادية، من أجل تعزيز التحول الأخضر للقطاع الخاص فى مصر.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ بل تم تنفيذ عدة مشاريع لتعزيز قدرة «مصر» على التكيف مع تغيُّر المُناخ، منها: مشروعات حماية السواحل الشمالية من ارتفاع منسوب البحر.

كما قامت الحكومة بإطلاق «تعريفة التغذية للطاقة المتجددة»؛ من أجل تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار فى هذا القطاع المهم. 

هذا؛ وتضم «مصر»- الآن- أكبر محطة للطاقة الشمسية فى العالم فى «بنبان» بمحافظة «أسوان»، كما تستضيف الدولة المصرية- أيضًا- إحدى أكبر محطات الرياح فى العالم بخليج السويس «جبل الزيت|، بسعة 300 توربين تغطى 100 كيلومتر مربع، وتولد طاقة إجمالية تبلغ 580 ميجاوات.  

إن جهود الدولة المصرية المتواصلة فى مجال مكافحة أزمة التغيُّر المُناخى؛ لم تكن لتظهر إلا بإرادة سياسية حكيمة، انتبهت للأزمة وتداعياتها الداخلية والخارجية على حد سواء، وأصرت على ألا تتوقف مكتوفة الأيدى، إذ ظهر- جليًا- حرص «مصر» ليس فقط على المشاركة فى المحافل الدولية التى تهتم بقضايا التغيُّر المُناخى المباشرة وغير المباشرة؛ بل عبر اتخاذ خطوات إيجابية تكافح- بدورها- تداعيات هذه الظاهرة.