الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

ما الذى فعلته «30 يونيو» فى جيلى؟ حين قامت الثورة.. كان عمرى 15 سنة

بينما تمر الذكرى العاشرة لثورة 30 يونيو؛ أتذكر وقت أن قامت الثورة. وقتها كان عمرى 15 سنة؛ طالب حصل على شهادته الإعداداية ويستعد لنقل أوراقه ليبدأ أولى سنوات المرحلة الثانوية. 



ربما السؤال الذى يطرح علىَّ وعلى قارئ هذه السطور: وما الذى يعرفه طالب يسكن بعيدًا فى مدينة دكرنس بمنتصف الدلتا عن ثورة 30 يونيو؟!

 

والحقيقة أن هذا السؤال بالتحديد هو الذى شجعنى على الكتابة الآن. كل من وثَّقوا وكتبوا شهادتهم عن الحدث الأهم فى تاريخ مصر إما كانوا مشاركين فى الحدث أو قريبين منه أو حتى سكان العاصمة. وفى ظنى أن أى حدث تاريخى كبير توثيقه مهم من جميع الزوايا؛ حتى تكتمل الصورة كقطعة البازل الكبيرة. والأكيد أن لكل مصرى حكاية مهمة مع الثورة تكمل المشهد وتضيف له.

 وهنا أذكر تجربتي. أروى الحدث من زاوية رؤيتى وقتها، لا أدعى شرف المشاركة فى الأحداث. ولا أقول أننى كنت «ولد سابق سنه» وأعرف خطر الإخوان أو أتوقع رحيلهم. والأهم أننى لا أحكم على ما حدث بأثر رجعى. فقط أروى ما رأيت ورأينا جميعًا. 

فى مدينتى بمحافظة الدقهلية، لم تكن وظيفة كشك الجرائد مقتصرة على بيع المجلات والكتب فقط، إذ كان أشبه بمنصة تبادل الآراء فى منتصف المدينة، يجتمع عنده الناس باختلاف رؤيتهم وآرائهم من أقصى اليمين إلى اليمين إلى أقصى اليسار، الكل يقول كلمته ويرحل. كنت أسمع وأشارك وأشاغب رغم رؤيتى المحدودة.

فى سنة حكم الإخوان؛ كانت رأسى تشبه كرة التنس فى مباراة لا نهاية لها. بين من يكره الإخوان ويسوق كل الأسباب لضرورة رحيلهم حتى لا تدخل مصر فى نفق مظلم. وآخر يقول: «وماله ما نديهم فرصة». بينما ثالث يؤكد أن مصر سيعمها خير عظيم بعد أن دخلت عصر الحكم الإسلامى بوصول مرسى للقصر. وشباب بلدنا من طلبة الجامعات يؤكدون أن الثورة سرقت.

الحديث لا يزال دائرًا أمام كشك الجرائد وعلى مقاهى بلدتنا. فيما يزداد عدد ساعات انقطاع الكهرباء كل يوم. والحصول على أنبوبة بوتوجاز أمر أصبح يحتاج إلى واسطة!

فى الجوامع كان «الهوى» يحكم المنابر، فشيخ يرى ضرورة أن نستغل فرصة الحكم الإسلامى لفرض الحجاب على النساء. وآخر يؤكد أن انقطاع الكهرباء سببه كثرة ذنوبنا. وهناك من يطالب «الوالي» أن يضرب بقبضة حديدية على البارات والحانات؛ رغم أن مدينتنا ليس فيها أى بار أو حانة! 

حالة من الاضطراب الشديد على مستوى الأحداث، فكل جمعة هناك دعوة إلى مظاهرة. وعلى مستوى الرؤية فالكل تائه لا أحد يعرف «بكرة مخبيلنا إيه».

 

البعض اختار الحل السهل وأعلن دعمه للجماعة، التى اكتشفنا وجود كثيرين من أعضائها -التنظيمين- بيننا. لكن الأغلب راهنوا على رحيلهم. والكل كان ينتظر برنامج «البرنامج» كل أسبوع بعدما صنفوا تحركات مرسى وجماعته كـ«هم يضحك» فى انتظار الفرج من الله. 

 

أتابع الجرائد بانتظام وما استطعت إليه فهمًا من التحليلات والبرامج التليفزيونية، رغبة فى تحديد موقف يخصنى: ما خطورة هذه الجماعة؟ أليسوا هم الأكثر جاهزية للحكم بعد سعيهم له طوال 80 سنة؟ لماذا لا نعطى مرسى فرصة؟

أسئلة كثيرة.. خضت رحلة بحث صغيرة فى تاريخهم للإجابة عليها عملا بقول على بن أبى طالب: «استدل على ما لم يكن بما قد كان فان الأمور أشباه». فكشف التاريخ عن عمالتهم للاحتلال الإنجليزي. وكشفت المذكرات عن كيان غريب عن جسد المجتمع الذى عرفته. وتوقفت عند رسالة «حسن البنا» فى المؤتمر الخامس سنة 1939 والتى أعلن خلالها نية التنظيم دخول غمار السياسة.

 هذا ما أريد معرفته بالضبط.. ما هو المنهج الذى وضعه مؤسس الجماعة وملهمها لدخول السياسة؟ 

لأجد أنه فى نفس المؤتمر أعلن «البنا» نيته لإنشاء النظام الخاص أو الذراع العسكرية للجماعة. تلك الرسالة التى دونها أتباعه وتفسر ما يحدث الآن فى ميادين مصر. تفسر الجملة التى قالها لى أحد المدرسين لى فى سنة حكم الإخوان: «هييجى وقت الكل هيبقى إخوان بمزاجه أو غصب عنه» وقت أن كنت أناقشه -ولا أعلم انتماءه لهم- فيما يحدث.

نصحنى أحدهم بالتعرف على سيد قطب لمعرفة سماحة الإسلام والرؤية الصالحة للإخوان.. قلت لنفسى: «أكيد هلاقى عند سيد قطب كلام مختلف ده راجل أديب وصاحب تفسير فى ظلال القرآن».. لكن كانت المفاجأة؛ وجدت نفسى كافرا أستحق الاستتابة أو القتل على مذهب سيد قطب! 

لا يرى «قطب» فقط أن المجتمع كافر ولكن حتى الصلاة فى جوامع المدينة غير صحيحة فيقول بالنص فى تفسيره للآية الكريمة فى سورة يونس واجعلوا بيوتكم قبلة: «وهنا يُرشدُهم الله إلى اعتزالِ معابدِ الجاهلية –يعنى مساجدها!– واتخاذِ بيوتِ العصبة المسلمة مساجد تحسُّ فيها بالانعزالِ عن المجتمعِ الجاهليِّ». وقتها دونت هذا النص فى مفكرتي. وقررت بشكل قاطع أننا أمام جماعة «معزولة» عن المجتمع تتعامل معنا كعدو وكفار ويجب «عزلها» فعلا.

زادت حالة القلق فى أغسطس 2012 بعد خبر «تعيين اللواء أركان حرب عبد الفتاح السيسى وزيرا للدفاع بعد ترقيته إلى رتبة فريق أول» إذ صاحبه حديث الناس والإخوان أنفسهم عن انتمائه لهم، وبهذا تكون الجماعة تمكنت من الجيش والدولة كلها. ورغم عدم وضوح الرؤية وقتها للجميع لا أنسى جملة أحد رواد كشك الجرائد وقتها: «اللى ما دخلش الجيش ما يعرفش حاجة.. السيسى هو اللى هيخلص مصر منهم» وقتها رد عليه آخر ينتمى للجماعة: «انت ما تعرفش حاجة السيسى مننا».

مرت الأيام والاضطراب مستمر والأمور تنتقل من سيئ إلى أسوأ. إلى أن جاء الإعلان الدستورى وثار الجميع. وقتها كانت استمارات تمرد قد بدأت الانتشار فى الشوارع، الكل يحذر من المواجهة. والإخوان يؤكدون: «لن يستطيع أحد إزاحتنا من الحكم». 

حتى جاء اليوم المنتظر «30 يونيو». نتابع على الشاشات الهتافات: «يسقط.. يسقط حكم المرشد». «يسقط الإخوان.. يسقط كل عميل وجبان». فى الوقت نفسه بيانات الجيش تؤكد: «القوات المسلحة تعى جيدًا المخاطر التى تتربص بمصر». هل سيرحل الإخوان؟!.. ماذا سيحدث بعد المهلة التى أعلنها الجيش «48 ساعة لكل القوى السياسية للاتفاق على مخرج من الأزمة السياسية التى تعصف بمصر»؟

يوم 2 يوليو.. نتابع على المقهى خطاب مرسى الطويل الذى ذكر فيه كلمة شرعية 57 مرة. وتحدى الجميع برفض مطالب الشعب بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. انتهى خطاب الشرعية اللانهائى بعد سباب لانهائى من رواد المقهى. لأشاهد فى بلدنا مظاهرة فى الشوارع للمرة الأولى فى حياتي.

وفى اليوم التالى الكل كان فى انتظار البيان التاريخى «3 يوليو» الذى تعلن فيه مصر «الانتصار». شوارع المدينة امتلأت بالفرحة والأعلام والترقب أيضا مما ستيفعله الإخوان.

لا يغيب عن رأسى مشهد بعد شهور قليلة على ثورة يونيو وأنا فى أول أيام الدرسة فى الصف الأول الثانوى. أقدم الإذاعة المدرسية أقول: «نبدأ عامنا الدراسى بعد ثورة 30 يونيو والانتصار على الإخوان». فيقول لى أحد المدرسين: ليست ثورة!

وقتها كان قد مرت أسابيع قليلة على فض اعتصام رابعة. البعض يقول أن «30 يونيو ليست ثورة أصلا» وآخرون يصفونها بأنها استكمال وتصحيح مسار لثورة يناير. 

 

أريد أن أنتقل من هذا المشهد فى 2013 إلى اليوم فى 2023.. حيث نحتفى بـ10 سنوات على ثورة يونيو. قبل 7 سنوات دخلت مجلة روزاليوسف وأنا طالب فى عامى الجامعى الأول. وعرفت هنا معنى الدولة أدركت قيمة مؤسساتها.

وفى ظنى أن «30 يونيو» اكتسبت شرعيتها المطلقة من شرعية الإنجاز الذى تحقق على أرض مصر طول عقد كامل ولا يزال مستمرًا. ليست شرعية الفعل الثورى الذى حدث فقط.

ربما ما يختلف فى رؤية جيلى عن كل الأجيال السابقة هى أننا عاصرنا فى سنين وعينا حركة إنجاز مستمرة وديناميكية واضحة بين المجتمع والسلطة. نختلف ونتفق ونناقش. أو كما قال لى صديق يسبقنى بـ20 عامًا: «إحنا قعدنا 30 سنة كان افتتاح كوبرى فى محافظة حدث بيتم الاحتفاء بيه». 

هناك تغيير كبير واختلاف كبير فى رؤية الأجيال وطموحها. فى مؤتمر الشباب قبل أيام بالإسكندرية يسأل الرئيس السيسي: «كل اللى بيتكلم عاوز الحد الأقصى فى كل حاجة. عاوز المثال فى كل شىء.. وده مش غلط ولكننى أحب ألقى الضوء عليه»، الرئيس رصد ما حدث من تغيير بين الأجيال بدقة. فى ظنى أن ما حدث من إنجاز حقيقى على الأرض طوال 10 سنوات وما شاهدنا من أحداث كبيرة محلية وعالمية تجعلنا جيل بطموح لا ينتهى أبدا إلى الأفضل. وتجعلنا جيلًا من الصعب أن يكون راضيًا مهمًا كان الإنجاز كبيرًا. 

هذا ما تعلمته وعرفته من ثورة 30 يونيو التى قامت وكان عمرى حينها 15 سنة.