الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

فى قلب «الضفة الغربية» من «جنين» مدينة فلسطينية رفضت الاحتلال

فى يوم ليس جديدًا على الأراضى الفلسطينية المحتلة أن يستيقظ سكانها على أصوات الرصاص، وطنين المروحيات والمدرعات، وجنود احتلال يهدمون على الأرض كل ما هو أخضر ويابس، تحت حماية قناصة يعتلون أسطح المنازل.



«جنين» عروس «فلسطين» القابعة فى «الضفة الغربية»، كانت على موعد يوم الاثنين الماضى مع مواجهات عنيفة، واشتباكات واسعة، قتل خلالها جيش الاحتلال عددًا من الفلسطينيين، بينهم أطفال؛ فيما أصيب عشرات آخرون؛ وذلك بعد اقتحام جنود الاحتلال المخيم، الذى أصيب خلاله خمسة جنود إسرائيليين فى تفجير عبوة ناسفة أثناء الاقتحام.

 

«جنين»، تلك الأبية التى رفضت - تاريخيًا - الانحناء للمحتلين، تتعرض منذ نحو 15 شهرًا للاعتداءات الإسرائيلية المكثفة، وكان آخرها هذه الحادثة، التى شاركت فيها مروحيات حربية إسرائيلية، أطلقت وابلا من النيران على المدينة؛ وكأن الهجوم مجرد باب فُتح على مصراعيه أمام تصعيد سريع الوتيرة فى أنحاء الضفة وحولها.

فكان أول رد فعل على حادث «جنين»، هو تنفيذ هجوم على محطة للوقود فى مدخل مستوطنة «عيلي»، ما أودى بحياة 4 مستوطنين، وأصاب 4 آخرين بجروح؛ ليأتى رد من الجانب الآخر خلال ساعات تمثل فى هجوم مستوطنين إسرائيليين على قرى فلسطينية، ليحرقوا عشرات المنازل، والسيارات، ويطلقون النار عليها، ومنها  قرية «ترمسعيا» الفلسطينية قرب «رام الله»، التى دخلها مستوطنون مسلحون وحرقوا كل ما تقع عليه أيديهم.

كما أفادت مصادر أمنية، بأن عددًا من المستوطنين تجمعوا فى عدة مناطق بمحيط محافظة «رام الله»، فى كل من: «عين أيوب»، ومفترق بلدة «الطيبة»، ومدخل قرية «كفر مالك»؛ بينما اندلعت مواجهات بين المواطنين الفلسطينيين وقوات الاحتلال الإسرائيلى على مدخل بلدة «سلواد» شرق «رام الله».

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل قالت مصادر أمنية فلسطينية وشهود عيان، إن المستوطنين هاجموا منازل المواطنين الفلسطينيين على أطراف بلدة «حوارة» بجنوب «نابلس» بشمال «الضفة الغربية»، حيث وفرت قوات الاحتلال الإسرائيلى الحماية لهم. 

عين إسرائيلية على الضفة الغربية

يبدو أن  (مزيدًا من الاستيطان)، هى كلمة السر وراء التصعيد الأخير، فلم تتوان الحكومة الإسرائيلية لحظات لتعلن عن عزمها بناء ألف وحدة سكنية فى مستوطنة «عيلي» بالضفة الغربية المحتلة.. حيث قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو»، إن هذا القرار جاء بحجة الرد على عملية إطلاق النار بالمستوطنة؛ فيما دعا وزير المالية الإسرائيلى «بتسلئيل سموتريتش» إلى إدخال القوات الجوية والدروع؛ بينما تعهد وزير الدفاع الإسرائيلى «يوآف جالانت» الاستمرار فى اعتماد سياسة هجومية.

جدير بالذكر، أنه منذ تولى حكومة «نتنياهو» اليمينية المتطرفة السلطة فى يناير الماضى، ازدادت وتيرة التوسع الاستيطانى بصورة غير مسبوقة أقلقت المجتمع الدولى.

رد فعل دولى واسع

منذ اللحظات الأولى للتصعيد الأخير فى «الضفة الغربية»، وانهال وابل من الإدانات على الاعتداءات الإسرائيلية على المواطنين الفلسطينيين.

ولم تتأخر الجارة الغربية المباشر «مصر» عن إدانة الاعتداء، الذى شنته القوات الإسرائيلية على مدينة «جنين» بالضفة الغربية المحتلة، وما واكب ذلك من عمليات قصف جوى، وإطلاق نار ضد المدنيين، أسفر عن وقوع  ضحايا ومصابين.

وشدد بيان صادر عن وزارة الخارجية على رفض «مصر» الكامل لهذا العدوان، الذى يتعارض مع جميع أحكام القانون الدولى، ومقررات الشرعية الدولية؛ محذرةً من مخاطر استمرار التصعيد ضد الشعب الفلسطينى.

  وأشارت -أيضًا- إلى أن مثل هذه الاعتداءات لا تؤدى إلا إلى تأجيج الأوضاع، وتنذر بخروجها عن السيطرة، وتقويض مساعى خفض التوتر فى الأراضى المحتلة.

من جانبها، أدانت الجارة الشرقية «الأردن»، التصعيد الإسرائيلى فى الأراضى الفلسطينية، وتحديدًا العدوان على مدينة «جنين»، منذرة من استمرار دوامة العنف التى سيدفع الجميع ثمنها. 

ودعت الخارجية الأردنية لوقف الاقتحامات المستمرة للمدن الفلسطينية، وحمايتها من الاعتداءات المتكررة عليها، ووقف التصعيد الذى يمثل انتهاكا للقانون الدولى الإنسانى؛ مؤكدة ضرورة تحرك المجتمع الدولى بشكل فورى وفاعل لوقف هذا العدوان، وتوفير الحماية للشعب الفلسطينى فى الأراضى المحتلة كافة.

وفى غضون  ساعات،  توالت الإدانات العربية والعالمية، وحتى الأممية على اعتداءات الاحتلال الإسرائيلى على «جنين»، وغيرها من المدن والقرى الفلسطينية؛ فيما تزايدت حدة المعارضة لحملة الاستيطان الواسعة التى تهرع الحكومة الإسرائيلية على تنفيذها فى أراضى «الضفة الغربية»، وغيرها من الأراضى الفلسطينية.

فحض الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو جوتيريش» إسرائيل على وقف القرارات المقلقة بشأن النشاط الاستيطانى فى «الضفة الغربية» المحتلة والعدول عنها؛ معربًا عن انزعاجه من قرار الحكومة الإسرائيلية بمنح تصاريح لبناء آلاف المستوطنات الجديدة. 

وقال نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة «فرحان حق»، إن الأمين العام يكرر أن المستوطنات انتهاك صارخ للقانون الدولى، كما أنها عقبة رئيسية أمام تحقيق حل على أساس دولتين قابل للاستمرار، وسلام عادل ودائم وشامل؛ مضيفًا إن توسيع هذه المستوطنات غير الشرعية محرك رئيسى للتوتر، والعنف، ويزيد الاحتياجات الإنسانية بشدة.

من جانبه، أعرب «الاتحاد الأوروبي» عن قلقه البالغ إزاء الأحداث الأخيرة فى «جنين»، والتى أدت إلى استشهاد عدد من المدنيين؛ لافتًا إلى قلقه من خطط الحكومة الإسرائيلية المعلنة بإقامة أكثر من 4 آلاف وحدة استيطانية فى «الضفة الغربية» المحتلة نهاية يونيو الجارى. 

ودعا «الاتحاد الأوروبى» الحكومة الإسرائيلية إلى وقف خطتها؛ مؤكدًا معارضته القوية ومنذ فترة طويلة لسياسة الاستيطان الإسرائيلية، لأن المستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولى، وتشكل عقبة أمام السلام، وتهدد قابلية تطبيق حل الدولتين.

الحكومة الإسرائيلية ترفض المطالب الأمريكية

فى هذا السياق، جددت «الولايات المتحدة» معارضتها لمخطط الحكومة الإسرائيلية بالموافقة على آلاف تصاريح البناء فى «الضفة الغربية»؛ مشيرة إلى رفضها الإجراءات أحادية الجانب، التى تضع العراقيل أمام حل الدولتين، وتحقيق السلام!!

المعارضة الأمريكية جاءت بالتزامن مع دعوة أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية «حسين الشيخ»، «الولايات المتحدة» بالضغط على إسرائيل، من أجل وقف الإجراءات الأحادية كافة؛ فيما طالب رئيس الوزراء الفلسطينى «محمد اشتية» الإدارة الأمريكية باتخاذ إجراءات جادة لحماية حل الدولتين بشكل ثنائى، بما فيها الاعتراف بدولة فلسطين، فى ظل تعنت الحكومة فى إسرائيل للجهود المبذولة.

ورغم ضغوط «واشنطن»؛ فإن الحكومة الإسرائيلية رفضت الدعوات الأمريكية، حيث قال وزير المالية الإسرائيلى، إن: «الحكومة ستواصل البناء وتنمية المستوطنات لتعزيز السيطرة الإسرائيلية على الأرض، ولن تقبل مواعظ الدول الأخرى». 

وأضاف إن خطط الموافقة على بناء 4 آلاف و560 وحدة سكنية فى مناطق مختلفة من الضفة الغربية أدرجت على جدول أعمال المجلس الأعلى للتخطيط الإسرائيلى هذا الأسبوع.

على كل.. لا تمر ساعات على الأراضى الفلسطينية المحتلة، دون تصعيد من قوات الاحتلال الإسرائيلى.

فيبدو أن «الضفة الغربية»، ومن قلبها فى «جنين» أمام تحدٍ جديد عايشته الأراضى الفلسطينية -تاريخيًا- فى مواجهة المحتلين، ليبقى منقذها الوحيد، هو ذلك الذى اعتمدت عليه دائمًا، وهو «الصمود».