الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حقك..  تجاهل المنظمات الدولية يضع مصداقيتها على المحك  .. «مسئولية الغرب».. الملف المسكوت عنه فى غرق المهاجرين غير الشرعيين

حقك.. تجاهل المنظمات الدولية يضع مصداقيتها على المحك .. «مسئولية الغرب».. الملف المسكوت عنه فى غرق المهاجرين غير الشرعيين

قبل يومين، تابع العالم مشهدين يلخصان حالة غياب العدالة والفوارق الرهيبة بين البشر..المشهد الأول غواصة على متنها ملياردير بريطانى مغامر يدعى هاميش هاردينغ، يملك شركة خاصة تدعى OceanGate Expeditions، تعمل على إطلاق رحلات بالغواصة إلى موقع حطام سفينة تيتانيك الأسطورية مقابل 250 ألف دولار للشخص، قرر 5 من الأغنياء المغامرين المشاركة فى الرحلة الخطيرة ودفعوا المقابل.



 

نزلت الغواصة إلى أعماق البحر ثم انقطع الاتصال وعلى الفور بدأت فرق البحث فى التشكل بالتنسيق بين الولايات المتحدة وكندا وقامت فرق الإنقاذ بالبحث فى المحيط عن الغواصة المغامرة فى مساحة ولاية كونيتيكت ولم تعثر على شىء لكنها لم توقف البحث بكل جدية عنهم من أجل إنقاذهم.

المشهد الثانى، مهاجرون ولاجئون من جنسيات مختلفة على متن سفينة هجرة غير شرعية انطلقت من السواحل الليبية قاصدة دول جنوب أوروبا بعدما دفعوا أموالا ضخمة - أغلبهم استدانها - إلى مهربين من أجل نقلهم إلى الشاطئ الآخر حيث أرض الأحلام والفرص والعمل والثراء، تلك الأحلام المزيفة الذى نجحت أوروبا فى ايصالها عبر وسائل الإعلام المختلفة إلى الأجيال الجديدة فى دول الجنوب التى تصارع أشياء كثيرة تتحمل مسئوليتها بالتأكيد لكن الجزء الأكبر يقع على عاتق الغرب.

وصلت المركب حسب الروايات إلى مشارف الجزر اليونانية، وكانت تحمل كالعادة حمولة تزيد على حمولتها وظلت على تلك الحال لمدة 7 ساعات تحت سمع وبصر خفر السواحل ثم بدأت السفينة فى الغرق دون أن يقدم أحد يد العون لهم، وبالفعل غرق عدد وسحبت الأمواج جثثهم إلى الأرض التى حلموا بها ولكن فى حالة تحلل.

كلا المشهدين لمغامرين، لكن الملياردير وأصدقاءه الأغنياء تشكل فرق الإنقاذ من أجل حياتهم أما المهاجر فلا يستحق فى نظر الغرب الحياة طالما اختار الهبوط على شواطئ أوروبا..مأساة مكتملة الأركان وجريمة ضد الإنسانية.  

الأمم المتحدة دعت إلى فتح التحقيق لكشف ملابسات غرق السفينة، وإلى تحرك عاجل لمنع وقوع المزيد من المآسى، وهى دعوة متكرره ولكنها غير واقعية لأن التحقيقات لا تقدم جناة ولا ينتج عنها حساب، ومرتكب الجريمة لا يتأثر، فيما تبلع منظمات حقوق الإنسان الأخرى لسانها وتصمت على جريمة قتل خارج إطار القانون لإنسان ضعيف قرر فى لحظة يأس فى الهرب.

ما حدث مع تلك المركب وغيرها مأساة مكتملة الأركان، لأنه من الصعب تخيل إنسان يتابع فى صمت غرق إنسان هارب ضعيف مغامر دون أن يقدم له يد العون، وربما كان ينتظر تلك النتيجة حتى يتخلص من عبء تقديم المساعدة أو استقبال ذلك الإنسان فى معسكرات اللجوء المنتشرة على السواحل الأوروبية.

أوروبا التى تحاكم دول العالم بموضوعات حقوق الإنسان، تقف عاجزة أمام انتهاك بشع للحق فى الحياة تاج مواد الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، تدوس أحذية خفر سواحلها اتفاقيات اللجوء وتعهدات مساعدة المهاجرين.

لا تخفى أوروبا ذلك فحكومات اليمين المتطرف الحاكمة بنت شعبيتها على رفض المهاجرين، وبعضهم يبحث بجدية شديدة عن دولة ثالثة من أجل شحن المهاجرين والتخلص من عبئهم.

أغلقت أوروبا أبوابها أمام الحالمين، أنزلت شعار حماية حقوق الإنسان ورفعت بدلا منه الراية الحمراء ضد أى اقتراب من شواطئها مهددة المهاجرين غير الشرعيين بالغرق، ورفعت شعار «لا تحدثنى عن حقوق الإنسان حينما يتعلق الأمر بالهجرة».

تمتلئ تقارير المنظمات الحقوقية بحكايات الموت على الحدود الأوروبية وكيف انتهكت دول أوروبية عديدة الاتفاقيات الدولية المعنية باللجوء وتنصلت من التزاماتها الإنسانية تجاه هؤلاء الضعفاء، وتتفق روايات عديدة على أن سفن الصيد والدوريات البحرية الأوروبية حينما تشاهد سفينة مهاجرين فى وضع صعب بعد نفاد البنزين والمواد الغذائية على متنها، لا تقدم أى مساعدة لهم وتترك ركاب السفينة للموت جوعًا وعطشًا.

إحصائيات مفوضية الأمم المتحدة العليا لشئون اللاجئين تتحدث عن وصول عدد الضحايا إلى 10 آلاف قتيل خلال عام 2015 وهو رقم مفزع، لم توجه فيه المنظمات الدولية يد الإدانة للسياسات الأوروبية، لم تفزع أوروبا لموت الإنسان على حدودها، ورغم ذلك لم تتوقف لممارسة الوصاية فى ملف حقوق الإنسان حتى أصبح الأمر مثيرًا للسخرية.

مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين حذرت كثيرا من تفاقم حوادث العنف والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة ضد اللاجئين والمهاجرين على مختلف الحدود الأوروبية، والتى أدى العديد منها إلى خسائر مأساوية فى الأرواح وأكدت أن ما يحدث على الحدود الأوروبية يتناقض مع التزامات الدول بموجب القانون الدولى لحقوق الإنسان وقانون اللاجئين، بما فى ذلك اتفاقية عام 1951 وكذلك القانون الأوروبى.

ورصدت المفوضية الأممية حالات لسوء المعاملة وصد الأشخاص على نحو منتظم عند نقاط متعددة للدخول على الحدود البرية والبحرية، داخل وخارج الاتحاد الأوروبى، وذلك على الرغم من الدعوات المتكررة من قبل وكالات الأمم المتحدة، بما فى ذلك المفوضية والمنظمات الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية، لإنهاء هذه الممارسات.

وسجلت المفوضية حالات إعادة غير رسمية قامت بها دول أوروبية، كما تم الإبلاغ عن حوادث مثيرة للقلق فى وسط وجنوب شرق أوروبا على الحدود مع الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى.

وأشارت المفوضية إلى أن العديد من الحوادث لا يتم الإبلاغ عنها لأسباب مختلفة، لكنها تمكنت من إجراء مقابلات مع آلاف الأشخاص فى جميع أنحاء أوروبا والذين تم إبعادهم، حيث أبلغوا عن نمط مثير للقلق من التهديد والترهيب والعنف والإذلال. فى البحر، أفاد أشخاص بأنهم تركوا هائمين على وجوههم فى قوارب للنجاة أو حتى إنهم أجبروا فى بعض الأحيان على القفز مباشرة إلى الماء، فى دلالة على عدم احترام سافر لحياة الإنسان.

وأكدت المفوضية على فشل الدول الأوروبية ـ باستثناء القليل منها - فى التحقيق فى مثل هذه التقارير، على الرغم من الأدلة الموثوقة والمتزايدة، وبدلًا من ذلك، يتم تشييد الجدران والأسوار على حدود مختلفة، بالإضافة إلى منع الدخول على الحدود، وقالت إنها تلقت تقارير تفيد باحتمال إعادة بعض اللاجئين إلى بلدانهم الأصلية، على الرغم من المخاطر التى واجهوها هناك، والتى قد تتعارض مع مبدأ عدم الإعادة القسرية فى القانون الدولى.

المفوضية أكدت فى رسالتها التحذيرية إلى أن حق اللجوء لا يعتمد التمتع به على طريقة الوصول إلى بلد معين، بل يجب السماح للأشخاص الراغبين فى التقدم بطلب للحصول على صفة اللجوء بالقيام بذلك وأن يكونوا على دراية بحقوقهم وأن يتم توفير المساعدة القانونية لهم.

وأشارت إلى أنه ليس لدى الأشخاص الفارين من الحروب والاضطهاد سوى القليل من الخيارات المتاحة لهم وأن من المستبعد أن تكون الجدران والأسوار بمثابة رادع تجاه حركتهم وأنها تساهم فقط فى التسبب بمعاناة إضافية للأشخاص المحتاجين للحماية الدولية، لا سيما النساء والأطفال منهم، وتدفعهم للتفكير فى طرق مختلفة، غالبًا ما تكون أكثر خطورة، ومن المحتمل أن تؤدى إلى حدوث المزيد من الوفيات.

وشددت المفوضية أن ما يحدث على الحدود الأوروبية غير مقبول من الناحية القانونية والأخلاقية ويجب أن يتوقف، وأنه ينبغى أن يبقى موضوع حماية الأرواح البشرية وحقوق الإنسان وكرامته من أولويتنا المشتركة، وقالت أن هناك حاجة ماسة لإحراز تقدم فى مجال منع حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان على الحدود، ودعت إلى إنشاء آليات وطنية مستقلة وحقيقية للرصد من أجل ضمان الإبلاغ والتحقيق المستقل فى الحوادث.

ما قالته المفوضية ليس جديدًا على انتهاكات حقوق الإنسان المسكوت عنها فى أوروبا، بل إن كثيرًا من القادة فى أوروبا والأحزاب السياسية متهمين بممارسة القمع وانتهاكات حقوق الإنسان ضد هؤلاء الضعفاء الهاربين، وكثيرًا من السياسات تصاغ فى أوروبا تنتهك أبسط حقوق لهؤلاء، وصلت إلى حد غض الطرف عن مأساتهم على الحدود بسبب البرد وانعدام الغذاء والدواء، فضلًا عن تعرضهم للعنف المفرط من جانب المسئولين عن الامن على تلك الحدود.

مأساة يومية حولت الحدود الأوروبية من حلم للمهاجرين إلى جحيم لحقوق الإنسان، تتعامل أوروبا مع الإنسان ببناء الجدران العازلة والترك فى البحر للموت غرقًا وجوعًا، والتجمد فى الشتاء، ورغم هذه المذابح اليومية تتحدث أوروبا عن حقوق الإنسان دون خجل.

تتناسى أوروبا أن ممارساتها غير المحسوبة مع دول جنوب المتوسط وغياب الرؤية السياسية والاهتمام بالشعار على حساب حياة الناس فى الشرق الأوسط تسبب فى تدمير الدولة الوطنية القائمة وتشظيها لصالح الجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة والبخل فى نقل التكنولوجيا وتقديم المساعدات المناسبة للنمو والتطور، ومن ثم انفجرت أزمة اللجوء وأصبح اللجوء إلى أوروبا هدف للضعفاء الهاربين من جحيم انعدام الأمن وانهيار الاستقرار وغياب التنمية الحقيقية.

يموت الإنسان فى جنوب المتوسط مرتين، بالحصار الأوروبى المانع لتدفق الاستثمارات واحتكار التقدم التكنولوجى وغياب العدالة فى توزيع اللقاحات، ثم بالموت على أبواب جنة حقوق الإنسان الزائفة فى أوروبا.. ستظل الأزمة تدور داخل دائرة مغلقة إذا لم يراجع الغرب سياسته الاقتصادية وضغوط البنك الدولى على دول الجنوب والعمل بجدية لايجاد واقع جديد لا ينتج طالبى لجوء أو مهاجرين غير شرعيين.