الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

رغم التقدم البطىء.. واسترداد بعض الأراضى هل وقعت أوكرانيا فى «الفخ» الروسى؟

فى خطوة غير متوقعة أعلنت أوكرانيا وقف هجموها المضاد على القوات الروسية لاسترداد أراضيها، بهدف إعادة تقييم استراتيجيتها الحربية، وفقًا لمعهد دراسة الحرب (ISW) وصحيفة وول ستريت جورنال، على الرغم من «البروباجندا» الإعلامية المصاحبة لجميع القرى التى استطاعت قوات كييف استردادها منذ بدء الهجوم الأيام القليلة الماضية، وعلى الرغم من أن عدد القرى التى أعلنت أوكرانيا سيطرتها فى الشرق وجنوب البلاد أن ما استطاعت تحقيقه من انتصارات لا يتماشى مع عدد الأسلحة والمعدات العسكرية التى حصلت عليها القوات الأوكرانية من حلفائها فى الغرب، من جهة أخرى نرى روسيا تتعامل مع الهجوم الأوكرانى باستراتيجية مدروسة لإسقاط وتدمير قدراتها العسكرية، وجنودها فى أرض المعركة، فهل وقعت أوكرانيا فى «فخ» الروس على أراضيها؟



تكتيك «السقوط»

كشف تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال» أن الهجوم الأوكرانى المضاد، الذى جمدته كييف قبل أيام، جاء بعد عدة خسائر فادحة فى تعداد القوات وخسارة العديد من الأسلحة الثقيلة للقوات الأوكرانية، الأمر الذى أكد أن الهجوم المضاد الأوكرانى صاحبه تكلفة باهظة، كما أنه كان بطيئًا ولم يقدم أى من الوعود الذى قدمتها أوكرانيا لحلفائها فى الغرب، بل استطاعت كييف فقط استرداد عدد قليل من القرى فى الجنوب والشرق الأوكرانى.

وأوضحت الصحيفة الأمريكية أن أوكرانيا لم تستعد بصورة قوية لشن هجوم مضاد، فوفق الاستراتيجيات العسكرية المعروفة فإن الجيوش فى حالة الهجوم، يجب أن تبدأ القوات بوابل من الطائرات يليها هجوم برى ساحق يتقدم تحت طائرات حربية تحلق،  مضيفة أنّ «أوكرانيا لم يكن لديها هذا الخيار».

وأشارت «وول ستريت جورنال» إلى أن «الانتكاسات المبكرة للأوكرانيين تعد علامة على أن هجومهم سيكون طويلًا ومميتًا».

من جهته، قال روب لى فى معهد أبحاث السياسة الخارجية: «كان الأمر دائمًا صعبًا.. القوات الروسية كانت تستعد منذ فترة طويلة. لقد تعلموا من أخطائهم فى خاركوف».

ولفتت الصحيفة إلى أن «المعركة التى تتكشف الآن هى فى الأساس معركة استعداد»، مشيرة إلى أن «كلا الجانبين يحشدان الأسلحة والقوات والمواقع الدفاعية منذ منتصف العام الماضى».

وأوردت «وول ستريت جورنال»: «فى مواجهة الانتكاسات فى التحقيق فى الهجمات، أوقف القادة الأوكرانيون خلال الأيام الأخيرة فى العديد من الأماكن التقدم لإعادة تقييم التكتيكات»، موضحة أنه «فى ظل غياب التفوق الجوى، سعت أوكرانيا إلى إضعاف قدرة القوات الروسية على القتال من خلال ضرب إمداداتها ومراكز القيادة والسيطرة الخاصة بها بضربات بعيدة المدى».

كذلك، نقلت الصحيفة عن خبراء استراتيجيين قولهم إن «المعارك القادمة ستختصر فى نهاية المطاف أى جانب حقق تفوقًا فى استعداداته».

بدوره، قارن مارك كانسيان كبير المستشارين فى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية فى واشنطن الوضع الحالى بمعركة كورسك فى الحرب العالمية الثانية، وقال: «عندما شنت ألمانيا هجومها، أصبح واضحًا أنها انتظرت طويلاً، وأن السوفييت كانوا يتعززون بشكل أسرع. فازت موسكو فى المعركة التى تلت ذلك، والتى كانت أكبر معركة دبابات فى التاريخ».

وشددت الصحيفة على أن كييف وموسكو عملتا على تحسين مواقفهما خلال الأشهر الأخيرة. لذا، فإن المعركة التى تلوح فى الأفق ستختبر «من الذى يزداد قوة بمعدل أسرع».

من جهة أخرى، نقلت صحيفة «واشنطن بوست» أن الأوكرانيين خسروا كميات هائلة من المعدات الحربية الأساسية، وسيكون من الصعب على القوات الأوكرانية اختراق خط الدفاع الأول الروسى، لأن الأوكرانيين فقدوا بالفعل كميات هائلة من المعدات الحربية الرئيسية.

وأضافت الصحيفة الأمريكية أن «الروس يقاتلون فى مواقع معدة بشكلٍ جيد. وقد جمعوا ما يكفى من ذخيرة المدفعية، إضافة إلى أنهم يملكون كميات كبيرة من الطائرات من دون طيار».

وكان الرئيس الروسى فلاديمير بوتين قد قال إن «القوات الأوكرانية فشلت فى هجومها المضاد، ولم تنجز المهام الموكلة إليها فى كلّ مناطق القتال» وأضاف فى أحد أحاديثه الإعلامية أنه سيتم دعم القوات الروسية «بجميع أنواع الأسلحة والذخائر وتقوية وحدات الاستطلاع ومكافحة استطلاع العدو»، مشيرًا إلى أن «روسيا لديها هدف أساسى هو تأمين وتعزيز التبادل مع المناطق الجديدة ومساعدة المدنيين».

من جهة أخرى وصف الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى الهجوم المضادّ الذى شنته قواته ضد القوات الروسية بعدما أعدت له طوال أشهر بالصعب، مضيفًا: «الطقس ليس مؤاتيًا، فالأمطار تجعل مهمتنا أكثر صعوبة».

 نقاط الضعف

ذكر تحليل نشرته شبكة «سى. إن. إن» الأمريكية أن العمليات الهجومية أسفرت حتى الآن عن مكاسب متواضعة فى المناطق الجنوبية مثل زابوريجيا؛ حيث أثبتت الدفاعات الروسية متعددة الطبقات صعوبة اختراقها. وينظر إلى المنطقة باعتبارها هدفا مهما لأوكرانيا إذ ستعنى كسر الجسر البرى بين شبه جزيرة القرم ودونيتسك الواقعة فى الشرق.

لكن توجد مؤشرات أيضًا تفيد بأن القوات الأوكرانية تتطلع إلى تقليص المكاسب الروسية حول باخموت، واستغلال ما يعتبرونه نقاط ضعف فى أماكن أخرى فى الشرق.

وبدلاً من استعراض القوة الساحقة، يبدو أن أوكرانيا تحاول سحب الوحدات الروسية فى اتجاهات مختلفة، والعمل على ما قد يكون نقاط ضعف، أو استغلال الخطوط الفاصلة بين الكتائب المختلفة.

وقبل الإعلان عن وقف الهجوم المضاد، قال مستشار الرئاسة الأوكرانية ميخايلو بودوليكا، إن الهدف الأول يتمثل فى القضاء على أكبر عدد ممكن من وحدات المجندين الروس، و«زيادة الضغط النفسى على الجيش الروسى»، مضيفًا: «وفى الوقت نفسه»، تجرى الوحدات الأوكرانية «اختبارات لتحديد أضعف المناطق».

وتضمن ذلك عمليات هجومية جديدة حول باخموت مصممة لإجبار الروس على إرسال المزيد من الوحدات للدفاع عن مدينة استغرقوا ستة أشهر للسيطرة عليها.

وقال قائد القوات البرية بالجيش الأوكرانى أولكسندر سيرسكى، إن الروس «يواصلون نقل بعض من أكثر الوحدات جاهزية للقتال باتجاه باخموت».

ويتمتع الجيش الأوكرانى برفاهية اختيار المناطق التى سيشنون هجمات عليها؛ ويتعين على القوات الروسية الدفاع عن الخطوط الأمامية الممتدة لمسافة حوالى ألف كيلومتر، مع بعض الوحدات التى تعرضت للهجمات بالفعل وأعيد تشكيلها.

ورأت «سى. إن. إن» أن هذه لا تزال مهمة شاقة؛ ففى الجنوب تحديدًا مازال يتعين على القوات الأوكرانية توجيه هجوم أمامى ضد مواقع دفاعية مهيئة بعمق، ويفتقرون بشكل حاسم إلى التفوق الجوى.

وكان أمام الروس شهور لتحصين دفاعاتهم هنا، ولم يكن هناك فرصة على الإطلاق لتحقق القوات الأوكرانية نوع التقدم الخاطف الذى تمتعت به فى خاركيف الخريف الماضى.

وقال ماثيو شميدت، الأستاذ المساعد فى الأمن القومى بجامعة نيو هافن: إن هناك أسئلة أكثر من الإجابات فى هذه المرحلة المبكرة، مضيفًا: «هل يتفاعل الروس استراتيجيا؟ هل ينقلون القوات والإمدادات كما لو كانوا يرون أن التركيز الحالى للقتال هو الاتجاه الرئيسى»؟

وأضاف: «حوالى الربع أو ما نحو ذلك فقط من القوات الأوكرانية على ما يبدو مشتبكة، ماذا تفعل البقية؟ هل الروس مرتبكون بشأن أين سيستخدمون»؟

وحتى الآن، يبدو أن النهج الروسى للدفاع عن خطوطهم فى الجنوب قد نجح بشكل جيد نسبيًا، حيث فقد الأوكرانيون دبابات إزالة الألغام ومدرعات أخرى، أصبحت فريسة للمدفعية والهجوم الجوى أثناء محاولتهم اختراق الجبهة.

وتشير مقاطع الفيديو مفتوحة المصدر المتوفرة إلى أن الاستخدام الكبير للذخائر المضادة للدبابات يؤثر سلبًا على الوحدات الأوكرانية بالخطوط الأمامية.

وأقر ضابط أوكرانى بالتحديات، قائلاً إنه: «بينما يمكن تجاوز العقبات بفعالية باستخدام مركبات إزالة الألغام والجرافات وغيرها من المعدات، يصبح من الصعب القيام بذلك مع وجود الطائرات بدون طيار» التى تقدم بيانات بالوقت الفعلى لمدفعية العدو وطيرانه.

وأضاف شميدت أنه بعد الأداء الضعيف حتى الآن، قد تكون القوات الجوية الروسية عاملًا حاسمًا فى الأسابيع المقبلة.

كما نقلت لـ«سى. إن. إن» عن ضابط كبير بالجيش الأوكرانى أوضح، دون الإفصاح عن اسمه، بأن الضربات الجوية الروسية تصعب التقدم، مشيرًا إلى افتقار أوكرانيا إلى الأصول الجوية.

وقال القائد الأوكرانى لـ«سى. إن. إن»: «نحن نتقدم، نخرج العدو من مواقعه، ليس بالسرعة التى نريدها، لكننا نمضى قدمًا».

وأشارت «سى. إن. إن» إلى أن الروس تعلموا بعض الدروس الصعبة بالتأكيد طول فترة الصراع الممتد منذ حوالى 18 شهرًا. وأشاد المدونون العسكريون الروس باستخدام قدرات الحرب الإلكترونية التى عرقلت الاتصالات الأوكرانية والاستهداف، لأن الذخيرة الموجهة بدقة تتطلب إحداثيات دقيقة.

 خطوط الدفاع والمواجهة

وفق تقديرات المواقف نرى أن الهجوم الأوكرانى المضاد قد سبقه حالة من التصعيد من قبل الجانبين برزت ملامحه فى تكثيف روسيا هجماتها ضد أوكرانيا واغراقها بالصواريخ، أو من خلال الهجمات الروسية فى الداخل الأوكرانى، أو عبر تدمير البنية اللوجستية كما هو الحال فى سد «نوفا كاخوفكا»، ما بدا معه أن الطرفين فى مرحلة تشبه التمهيد الذى يسبق الهجوم، لدرجة أن البعض اعتقد أن الهجوم قد بدأ بالفعل رغم عدم الإعلان عنه.

وفى هذا الإطار، نشر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية «CSIS»، تحليلًا بشأن الهجوم الأوكرانى، والتأثير المحتمل للتحصينات التى اقامتها روسيا، وكيف يمكن أن يحقق الجيش الأوكرانى التوازن بين الهجوم والدفاع؟، وما هى العقبات التى قد يواجهها الهجوم الأوكراني؟ وصولًا للانعكاسات المحتملة للهجوم على أوكرانيا وداعميها الغربيين. ويمكننا استعراض أبرز ما جاء فى هذا التحليل على النحو التالى:

وأوضح التحليل أن التحدى الذى يواجه الجيش الأوكرانى والغرب، هو الاستفادة من التكنولوجيا وعوامل الجغرافيا، وتوظيف القوة، والقيادة والدوافع القتالية فى زيادة المكاسب، والحد من تكاليف العملية الهجومية، خاصة أن روسيا تعمل على بناء دفاعات قوية وتوظيف التضاريس فى تقويض الهجمات المضادة الأوكرانية.

وقد صممت روسيا أحد أكبر الأنظمة الدفاعية فى أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وذلك بهدف تحويل ميزان الدفاع والهجوم لصالحها، حيث شيدت نحو 2000 كيلو متر من التحصينات، والتى تمتد من الحدود الروسية مع بيلاروسيا إلى نهر دنيبرو، وتركزت تلك الأنظمة الدفاعية فى زابوريجيا، وخيرسون، ودونيتسك، ولوهانسك؛ بهدف إبطاء الهجوم الأوكرانى.

ووفق تقرير المركز، فإن المعارك قد أثبتت أن الجيش الروسى فشل فى تحقيق العديد من أهدافه فى أوكرانيا، نتيجة ضعف القدرات الدفاعية، وعدم فعالية العمليات المشتركة، وسوء التخطيط والإدارة العسكرية، علاوة على المشاكل اللوجستية، وانخفاض الروح المعنوية للقوات الروسية، ما انعكس على نجاح وتقدم أوكرانيا فى هجمات خاركيف 2022، وذلك بعدما تمكنت من تحقيق مفاجأة عملياتية واختراق للخطوط الروسية. من ناحية أخرى، سلط نشر واستجلاب عناصر فاجنر للخطوط الأمامية شرق أوكرانيا الضوء على ضعف القوات البرية الروسية، والمخاطر السياسية لعملية التعبئة.

 ويمكن استنتاج أن الجيش الروسى رغم تلك التحصينات، فإنه يمكن أن يعانى من صدمات ونقاط ضعف تصب فى صالح أوكرانيا. يضاف لذلك، غياب القدرات العسكرية ذات الكفاءة العالية، فقد تواجه روسيا معضلة تتعلق بتشكيل احتياطى متنقل من القوات، ما يعنى أن روسيا ستتعرض لتحديات شديدة لزيادة القوات اللازمة لملء وسد الفجوات فى الخطوط الأمامية للمواجهة.

وسيتوقف مسار الحرب على قدرة أوكرانيا على استعادة أراضيها عبر الانتقال من حرب الاستنزاف إلى حرب المناورة وتحويل ميزان الهجوم والدفاع لصالحها، فرغم التحصينات الهائلة التى أقامتها روسيا، فإنها تواجه تحديات بما فى ذلك ضعف القوات البرية، وتراجع أداؤها والحاجة للدفاع عن مساحات كبيرة من الأراضى.

كما سيكون الدعم والمساعدات الغربية فارقًا فى استعادة الأراضى ومنع روسيا من الإقدام على عمل عسكرى مماثل فى المستقبل، وهو الأمر الذى تسعى أوكرانيا أن تناله، لكن يبقى التساؤل: هل تمتلك قوات كييف أعدادًا كافية من القوات تستطيع الصمود أمام الجيش الروسى، أم أن تستمر هذه الحرب فى «استنزاف» كلٍ من السلاح الغربى والقوات الروسية؟