الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الاضطراب النفسى فى العمل الرسمى

الاضطراب النفسى فى العمل الرسمى

مع تزايُد أمراض المجتمع ومع تسارُع وتيرة الأخبار التى تصلنا كل يوم والتى تتعلق إمّا بقرار إدارى أو حدث اجتماعى أو بيان سياسى يعتبره البعضُ تجسيدًا لفصول من روايات «ألف ليلة وليلة» أو لمَشاهد من مسرحيات شكسبير وتحقيقًا لنبوءة أبيات من قصائد مظفر النواب وجماعته من ثوار الكلام والتعابير الصادمة؛ أجد نفسى حائرًا، أتساءل عن حقوق الأشخاص المضطربين، وأسترجع قليلاً بعضَ العبارات التى تعلمناها فى المدارس حول الأمانة والمسئولية فى الحقوق والواجبات وكل المعانى العظيمة والتى لم يبقَ منها مع الأسف إلا تعابير نظرية يندر لها وجود فعلى فى هذا العالم المتأزم بذاته.



عندما أسأل عن هؤلاء المضطربين هنا فإنى لا أقصد هؤلاء الذين ينزلون المستشفيات أو المراكز النفسية؛ بل هؤلاء الذين يعيشون بيننا فى مكاتب التنفيذ وأروقة القضاء ودهاليز التوجيه.. هؤلاء الذين يقول عنهم المطبلون بأن اضطرابهم نابع من جنون عظيم، وهو أمر وفق تحليلهم الخارق لا يمكن لنا كأفراد وعامة أن نستوعبه، فنحن ليس لدينا المقدرة العقلية ولا الروحية فى تفهم تلك الدُّرَر التى يخرجها هؤلاء؛ حيث إن مخرجاتهم تفوق مقدرتنا على فهم الأفكار المجردة والتى لا تنبع عن أى هوًى؛ بل هى تجسيد لقدسية فكرهم وتفعيلٌ لإرادة العدل فى مجتمع جُلّ مكوناته الشعبية صفوف مائلة.

المضطربون- وفق تعريفى هنا- هم هؤلاء الذين يقررون ويصدرون أحكامًا وقرارات لا تتواءم مع معطيات الزمان ولا تبنى على حيادية المنطق وظروف المكان، ومن أكثر المنغّصات التى لا أجد عندى المقدرة على تجاوزها أو تفهمها هى تلك التى تتعلق بتصرفات وقرارات وتصريحات بعض المسئولين التى يكون فحواها ومنطقها تأكيدًا لحالة اضطراب نفسى أو تشنج عقلى ربما يعلمون عنه وربما لا يعلمون، فتجدهم يقومون بتقديم تبريرات لأخطائهم بطريقة لا يمكن اعتبارها إلا كالعُذر الذى كان أقبح من الذنب، فيقوم بإعطاء الوعود مستخدمًا تعابير سطحية وعامة مُصرحًا للإعلام بجُمَل استطرادية فيها من العبارات الرنانة ما يعجب السامعين ويتعاطف معها فؤاد كل ساذج.

إذن؛ ما هى الطريقة المُثلى للتعامل مع هؤلاء المضطربين فى ظل هذا الازدحام الكبير من المنغصات اليومية والتساؤلات المتراكمة والتعابير الرمزية التى تحاول أن تقول دون أن تقول خوفًا من لوم مضطرب أو عتاب صديق أو توبيخ مسئول.. الجواب فى تقديرى وبعيدًا عن أى اضطراب قد أتهم به أقول، يجب نزع الهالة المصطنعة عن أى مشتغل فى العمل العام وأن يتم التعامل معه وفق أسُس الضوابط والتوازنات (checks and balances) وأن تكون هناك مؤشرات أساسية للأداء تكون أساس التقييم والجزاء والثواب، وأن تدعم ماليًا وبشريًا كل المحركات الرقابية الرسمية وغيرها؛ وذلك بهدف التأكد من عدم ظهور دلائل ومؤشرات الاضطراب لدى ذلك المسئول أو ذاك، فمن الصعب الاستمرار بالتغاضى عن تبريراتهم السقيمة ببيع الأوهام الناتج عن أخبار مذكرات التفاهم السطحية وعقود التنفيذ الوهمية لتلك الجهات التى تهدف من ذلك الدعاية وكسب الوقت، أو قبول قيام جهات وشخصيات رسمية بطرد الصحفيين من الفعاليات العامة أو الرد عليهم بتهكم دون التعاطى مع استفساراتهم.

إن كنا نريد أن نحارب الفساد ونجتثه من أعماقه فعلينا أن ننظر للأمور أيضًا كأطباء نفسيين؛ وذلك لنفهم أن الفساد هو اضطراب أخلاقى قبل كل شىء ينتج عن قناعة الفاسد بأنه فوق القانون أو ربما أذكى منه، وهو الشعور الذى يتزاوج كاثوليكيًا مع فكرته باستغفال الناس وبيعهم الوهم بكلمات أصدق ما فيها أنها تجسيد حى لكلمة الكذب والخداع.