الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث.. فى عشرية «30 يونيو»: «مشاهدات مراسل أجنبى فى مصر» بين عامى 2012 و2013...... الحلقة (3) .. «حرنكش» فى مواجهة إعلان مرسى «المكمل»

الطريق الثالث.. فى عشرية «30 يونيو»: «مشاهدات مراسل أجنبى فى مصر» بين عامى 2012 و2013...... الحلقة (3) .. «حرنكش» فى مواجهة إعلان مرسى «المكمل»

تسبب تعبير «مراسل أجنبى» فى إحداث بعض الارتباك لدى البعض، وعدم الفهم أحيانًا، وللتذكير والتأكيد أوضح مرة أخيرة أن هذه الحلقات التى تظهر على صفحات مجلتنا العريقة «روزاليوسف» بمناسبة عشرية ثورة يونيو المجيدة، هى مشاهداتى الشخصية عن زمن حكم الإخوان المسلمين ما بين عامى 2012 و2013، ووقتها كنت أوصف رسميًا من قبل هيئة الاستعلامات المصرية بالمراسل الأجنبى، كانت هذه صفتى الصحفية بحكم عملى فى صحيفة أجنبية هى صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، وهو أمر لا علاقة له بجنسيتى، وانتمائى لوطنى الغالى مصر.



 

وكما أشرت سابقًا، فإن هذه المشاهدات تم جمعها فى كتابى «حركة شباب» الصادر عام 2019، فيما عدا المقطوعة الزجلية «حرنكش يا مرسى» موضوع حلقة اليوم، فقد سبق نشرها فى هذا الكتاب (وهو ظهورها الثالث)، ظهور خاص فى ديوانى الثالث الذى حمل اسمها والصادر فى عام 2013 فى أوج الثورة المصرية، بينما كان ظهورها الأول على «السوشيال ميديا»، عندما نشرتها على صفحتى بـ «فيس بوك» بعد ساعات من الإعلان الدستورى الذى أصدره الرئيس الأسبق محمد مرسى فى نوفمبر 2012، وقام بعدها العديد من الأصدقاء بإعادة نشرها على صفحاتهم، فتم تداولها بصورة كبيرة فاقت توقعاتى، وكان أبرز من أعاد نشرها هو الصديق العزيز والنائب السابق المهندس باسم كامل، واحد من أنبل وأخلص القيادات الشابة فى ثورتى يناير 2011 ويونيو 2013، وهو حاليًا الأمين العام للحزب المصرى الديمقراطى حاليًا.

 ليلة الخميس

نشرت السطور التالية فى 28 نوفمبر 2012، بعد أيام من صدور «إعلان مرسى الدستورى»، ثم نشر «حرنكش يا مرسى»، وفى هذا المقال شرحت قصة قصيدتى الساخرة، التى حظيت برواج وانتشار غير مسبوق، والتى تنتقد الحماقة القانونية التى ارتكتبتها الجماعة المارقة والتى يمكن وصفها بجريمة «غباء سياسى» مكتملة الأركان، وإليكم نص المقال.

الصدفة وحدها منحت الرئيس المصرى محمد مرسى شرف ليلة «الخميس» مع مصر، «الخميس» الذى ما زال يحمل مذاقا خاصا فى المخيلة الشرقية بما له من شهرة جنسية لا يباريه فيها يوم آخر من أيام الأسبوع.

 

الصدفة أيضا هى ما جعلت «غزة» بمثابة قرص «فياجرا» سياسية منح مرسى قوى مضاعفة، جعلته يحطم السلطة الوحيدة الباقية خارج سيطرته وهى سلطة القضاء، ليقبض على حكم مصر كأنه ينفرد بعشيقته بعد أن تخلص من غريمه – المفترض أنه النائب العام عبدالمجيد محمود – ليدخل عليها فى ليلة الليالى.. ليلة الخميس.

سيطرت على هذه الهلوسة الفكرية والصورة الذهنية الهزلية، خلال متابعتى لفيلم الإعلان الدستورى الملعون الذى شرخ الوطن وقسمه بشكل نهائى، والذى كان المسمار الأول فى نعش هذه الجماعة الكئيبة التى تلهث للسيطرة على أركان الدولة المصرية، فتتسرب وتتوغل بشبق 80 عاما للهيمنة على مصر، ولكن: «ويَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين» - الأنفال (30).

 قصة الحرنكش

فجأة شعرت بالغثيان، وتذكرت «الحرنكش» وأنا أكاد أتقيأ ما فى جوفى أثناء مشاهدة خطاب من كان رئيسا لمصر، أكيد سوف تسأل فى فضول عن سبب ظهور الحرنكش فى هذه اللحظة «المؤرفة»، هنا سأضطر أن أحكى القصة كاملة..

خلال سنوات تعليمى بمدرسة شبرا القومية وهى مدرسة خاصة (ابتدائى وإعدادى) - يعنى عيال ولاد ناس وكده - كنت ألمح كل يوم أثناء خروجى فى نهاية اليوم الدراسى من بوابة المدرسة، رجلا يقف أمام عربة قذرة يضع أمامه كومتين واحدة «للحرنكش» والثانية «للدوم»، ورغم قذارة المنظر خاصة مع وجود الذباب، بقيت رغبتى فى خوض تجربة هذين الصنفين الغريبين من المأكولات.

وذات يوم أجبرنى الجوع وقد نسيت ساندوتشاتى الشهية التى تعدها لى أمى، فى أن أتجرأ وأشترى حرنكش فقد كان منظره أكثر لطفا من الدوم، وبعد أن التهمت قرطاسا كبيرا منه بفضل الجوع القاتل، فجأة أصابنى موعان نفس رهيب وحالة من الغثيان زادت بعد أن ركبت سيارة المدرسة القديمة والمتهالكة والتى ظلت تتمخطر بى يمينا ويسارا، حاولت التماسك أملا أن تصل بى إلى منزلى، وقبل أن أصل إلى المنزل بفمتو ثانية، انفجرت ماسورة من فمى فى قفا زميل مسكين كان يجلس أمامى.

من يومها، اتخذت قرارا بأن الحرنكش من الممنوعات، خاصة بعد أن اكتشفت حقيقته فهو لا يصلح أن يتنمى للفاكهة ولا للخضراوات، فهو مسخ، وكمان لا هو حلو ولا حادق، ولا تعلم موسما واضحا له وتشعر أنه شىء فائض عن حاجة المجتمع، من الآخر هو حاجة للتسالى ملهاش لازمة وطعمها سخيف ولونها باهت ومايع.. كما رئيسنا الميمون.. مرسى.

الذى عاد لدوره بعد إعلانه الحرنكشى، وأمسى فقط مندوبًا لجماعة الإخوان فى قصر الاتحادية، وبهذا خسر منصبه كرئيس لكل المصريين، وبما أنه أصلا كان مرشح «استبن»، وربنا كرمه بالرئاسة، ولما كرمه ما صانش النعمة وقرر يرجع «استبن» تانى، وقتها انفجرت ماسورة الكتابة من دماغى.. وولدت حرنكش.

حرنكش يا مرسى ودومك كتير.. فخفخ يا ريس واشرب عصير

حرنكش بذمة وحلى بفطير.. حرنكش يا مرسى واخطب كتير

حرنكش يا مرسى أمرك مطاع.. مسبسب ف دقنك وناسى الرعاع

حلاوتك يا نهضة، حمامتك تطير.. حرنكش بذمة سمعنا الشخير

مزمزت غزة  وركبت الأوباما.. وليلة الخميس عملت القيامة

وهيلارى جنبه تهز السرير.. حرنكش يا مرسى وهز بضمير

بتلعب قانون هالعب لك جيتار.. تغش الميزان هاكون لك نهار

تدلدل دقون ى «جيكا» المصير.. بتقتل يا مرمر وتكدب كتير

حرنكش وماسخ زى الخيار.. لا فاكهة ينفع ولا يشبه خضار

مركوب بمرشد وعامل أمير.. حرنكش يا مرسى وربك كبير

عندما يضيع الوطن.. تفقد كل الأشياء قيمتها ومعناها، وفى هذه المرحلة الفارقة والمارقة والتى بدأت بالإعلان الدستورى ولم تنته بصدور دستور مرسى وجماعته، انفجرت أشياء كثيرة فى حياتى، واتخذت عددا من القرارات المصيرية التى ستؤثر على مستقبلى الشخصى والمهنى.

 الثورة مستمرة

لقد أدركت فى هذا اليوم المشئوم الذى أصدر فيه مرسى إعلانه، أن مصر فى طريقها للضياع وأن مستقبلى ومستقبل أولادى فى خطر، فما أصعب أن تعيش فى وطنك تحت حكم يمارس الديكتاتورية الدينية، ويرتكب كل الأساليب القمعية ليجعله وطنا طاردا.

هدفهم أصبح واضحًا، ونيتهم باتت مفضوحة، إما أن تنضم للقطيع وتصبح «خروفا» وإما تترك لهم البلد وترحل.. ذاقوا هم مرارة التهجير القسرى فى عهد عبدالناصر - وما أدراك ما الستينيات - فلماذا لا يجربه بقية المصريين الذين عاشوا واستمتعوا بدفء الوطن طيلة ستين عاما من حكم الجيش، إنه منطق انتقامى واضح، وستكشفه الأيام القادمة، لو أحكموا قبضتهم أكثر.

وقتها أدركت أن الثورة قادمة.. وأنها مستمرة..

وتبدلت علاقتى مع الحرنكش..  فأصبح عدوى الأول.. 

ونكمل الأسبوع القادم إن شاء الله.