الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث..  فى عشرية «30 يونيو»: «مشاهدات مراسل أجنبى فى مصر» بين عامى 2012 و2013......(2) نهاية حكم الإخوان بدأ فى جمعة «عيون الحرية»

الطريق الثالث.. فى عشرية «30 يونيو»: «مشاهدات مراسل أجنبى فى مصر» بين عامى 2012 و2013......(2) نهاية حكم الإخوان بدأ فى جمعة «عيون الحرية»

وكما أشرت فى مقالى السابق، انطلقت معركتى الفكرية مع مشروع «الإخوان» الرجعى، قبل أن يصل مرسى إلى الاتحادية، وظفت فيها سلاح «السخرية» عبر التدوين الإلكترونى و«السوشيال ميديا» بالتزامن مع نشر المقالات فى عدد من المواقع الإلكترونية الجديدة، مستفيدًا بمستحدثات العصر الإعلامية، وطوفان ما سمى بعد ذلك بـ «Media New». ثم فكرت أن أستفيد أيضًا من «الصحافة المطبوعة» واخترت منازلة الجماعة عبر منبر الأزهر،بعد أن جاءتنى دعوة كريمة من رئيس تحرير صحيفة «صوت الأزهر» فى ذاك الوقت، واتسعت شجاعته إلى حد سبعة مقالات متتالية نشرت خلال شهرى نوفمبر وأكتوبر من عام 2012..



 

 مثلت حجر الزاوية فى المشروع الفكرى الذى تبلور فى كتابى «مشكلة الإسلام» الذى نشر فى عام 2020، ولكنى سبقت هذا التاريخ بنشر هذه المقالات السبعة فى كتاب «حركة شباب: مشاهدات مراسل أجنبى فى مصر»، والذى نستكمل فى «الحلقة الثانية» نشر بعض فصوله.

 ديمقراطية دينية مزيفة

مثلت قصة صعود الجماعة المارقة نقطة مفصلية فى تاريخنا المعاصر، بعد نجاحها فى الاستيلاء على حكم مصر رغم ماضيها السياسى الملوث، وعبر انتخابات بدت للعالم أنها يمقراطية نزيهة، رغم تزييفها للوعى الجمعى بغطاء الدين، وتحت هذا الغطاء الساحر ارتكبت الكثير من مخالفات والخطايا، ابتلعتها ذمة «الجماعة» الواسعة، فى سياق مبدأ «التقية» الإخوانى الشهير. 

وقد استدعى ما جرى مراجعات شاملة للفكر الدينى فى مصر والعالم العربى، وهى رحلة ممتدة ظنى أنها تستدعى جهدًا جمعيًا أكثر تنظيمًا، وأقوى تأثيرًا، كى نجنى ثمارًا حقيقية تستدعيها ضرورات إنضاج العقل المصرى والعربى، وإخراجه من الكهف المظلم، الذى تسجنه فيه مثل هذه التيارات السياسية التى توظف الدين لتحقيق أغراضها.

 المسجد السياسى

فى 12 أكتوبر 2012، نشرت مقالًا بعنوان «المسجد السياسى»، كان أبرز ما جاء فيه: 

أرى أنه على المجتمع أن يعيد التفكير فى هذه القضية ويقننها بشكل يتناسب مع احتياجاته، خاصة بعد أن أصبحت أمرًا واقعًا.. فكل مساجد مصر أصبحت منابر سياسية تعبر عن قوى إسلامية تمارس السياسة، وحتى يحدث هذا التقنين يجب أن يتواصل حوار ناضج بين التيارات المختلفة.. نناقش فيه قضية السياسة داخل المسجد، وأيضًا داخل الكنيسة، والجامعة، والمدرسة، وكل مؤسسات الدولة التى يمكن أن تستثمر من بعض القوى الحزبية لممارسة عملها السياسى، مع ضرورة أن نضع فى الاعتبار تجارب الماضى فى المنع والسماح بدخول السياسة إلى هذه المؤسسات وتأثيراتها السلبية والإيجابية على المجتمع وتماسكه».

وربما يكون «المسجد السياسى» هو الأكثر إلحاحًا فى هذه اللحظة، خاصة بعد أن تنامت شجرة الإسلام السياسى وتضخمت فروعها وتنوعت ثمراتها.. ورغم التحالف الظاهرى بين هذه الفروع فى مواجهة التيار المدنى، فإن بوادر الاختلاف والانقسام والتصارع بدأت تلوح فى الأفق، وهو نذير شر علينا أن نتجنبه.. كما أن ممارسة السياسة فى دور العبادة ستسمح لإخواننا الأقباط بأن يفعلوا المثل فى كنائسهم.. فهل يحتمل المجتمع ذلك؟ لا أدرى، وليست لدى إجابات مجهزة عن هذه المعضلة.

 نبوءة البنزين

وفى أعقاب ما سمى بـ «جمعة الشريعة» فى 9 نوفمبر 2012، كتبت مقالًا تحت عنوان «نبوءة البنزين»، أنشره كاملًا لأهمية ما جاء فيه، والذى رسم صورة مسبقة لما حدث فى مصر بعد ذلك بشهور قليلة، ولكن رسالتى لم تصل للأسف، وكان هذا نصه:

«أكملت جمعة الشريعة حلقة جديدة من حلقات مسلسل «مصرى» ينفذ على الطريقة «التركية» من حيث طول العمل الدرامى، لكن بجودة رديئة من حيث سوء المستوى الفنى الذى يجعلها لا تصلح حتى للتسويق المحلى. ولمن يعشقون هذه النوعية المملة من الدراما -المنتشرة- على الفضائيات العربية، أبشره بأن هذا العمل ستتم «دبلجته» - إن شاء الله - قريبًا باللهجة السورية»!!!

يا بنى مصر، إنا لمقبلون على دم.. 

والذبائح هذه المرة من المراعى المصرية.. 

أفيقوا قبل النحر.. رحمكم الله. 

هذه ليست نبوءة عراف يخبركم بالطالع، ولا تخمين من يدعى لنفسه قدرة استشراف المستقبل.. إن التصعيد والشحن الدينى المتبادل بين كل الأطراف، الذى وصل إلى التنابز بـ«التكفير» هى «ملامح على الطريق» المراد لنا أن نخوض فيه.. لقد غرقت مصر فى بنزينها - رغم طوابير البحث عنه - وتنتظر من يشعل عود الثقاب الأخير لتحترق.

اقرأوا هذه العناوين لتدركوا أين وصلنا: 

 

«نعم نحن حطمنا تماثيل بوذا فى أفغانستان، وإننا مكلفون بتحطيم الأصنام، وسنحطم تماثيل (أبو الهول) و(الأهرامات) لأنها أصنام وأوثان تعبد من دون الله». من حوار للشيخ مرجان سالم الجوهرى القيادى بالسلفية الجهادية مع الإعلامى القدير وائل الإبراشى على قناة «دريم».

«لا يجوز لمسلم أن يشارك فى احتفال بإنهاء عهد الخلافة الإسلامية»، الحديث للشيخ ياسر برهامى نائب رئيس الدعوة السلفية تعليقًا على حضور مساعد رئيس الجمهورية الدكتور عماد عبدالغفور حفل العيد القومى للسفارة التركية لدى مصر.

>«بعد مناقشات بين مشايخ الجبهة السلفية.. تلقينا نصائح من عموم مشايخنا الكرام بعد أن تأكد لهم أن تنصيب البطريرك أمر دينى يتعلق باعتقادات أهل ملته فيه، وهذا لا يعتقده ولا يرضاه مسلم لمخالفته لديننا». بيان الدعوة السلفية حول حضور حفل تنصيب البابا الجديد للكنيسة المصرية.

هذه بعض الأقوال القليلة من «كثير» تكتظ بها وسائل الإعلام بشتى أنواعها، وكلها يؤكد مدى صحة كلامى، ويبشرنا بما نحن مقبلون عليه بفضل الإخوة اللاعبين فى بورصة «الدين»، الذين بفضلهم تحول إلى تجارة رائجة - بدلًا من أن يكون عبادة رائجة - شيدت من أجلها «دكاكين الهواء».

 عيون الحرية

ثم كان الإعلان الدستورى الذى أطلقه مرسى، وفجر بركان الغضب ضد الجماعة ومندوبها الفاشى فى قصر الاتحادية، فخرجت المظاهرات الوطنية الحاشدة فى جمعة «أخرى» من نوفمبر أعقبت الجمعة (الدينية) السابقة، شاركت فيها كإعلامى يسعى إلى عمله، وقبلها كمواطن مصرى قرر أن يؤدى فريضة المواطنة التى كانت غائبة واستدعتها «الضرورة»، لتنطلق إرهاصات الثورة على مشروع الإخوان من هذه المظاهرة التى كانت الميلاد الحقيقى لفجر 30 يونيو. 

فكان مقالى الساخر عيون الحرية: «برتقال فريش»، الذى رصدت فيه أجواء جمعة الغضب فى 23 نوفمبر 2012، والذى لم تتحمله طبيعة جريدة الأزهر المحافظة، فاستضافنى موقع إلكترونى كان قد أسسه الزميل الصحفى الراحل محمد حمدى، رحمه الله، وأعيد نشر هذه الأجزاء من المقال العاصف.

كل شىء فى هذه الجمعة كان بحق (فريش).. الثورة طازجة.. والشباب الثائر طازج.. والقوى السياسية الحقيقية متوحدة وطازجة، بعيدًا عن قطعان الدينيين من إخوان وسلفيين.. كل شىء فطرى.. الحشود انتظمت والآلاف تجمعوا فى ميادين التحرير.. بلا أوتوبيسات الأقاليم.. وجو مظاهرات «المعازيم» على الطريقة البلتاجية العريانة.

مصر تجدد ثورتها.. وتجدد حلمها.. وتحلق ذقنها..

هذه هى جمعة 23 نوفمبر بإيجاز شديد..

حدث ذلك، بعد أن أدخلنا الرئيس المنتخب فى معركة وهمية حول النائب العام، وحمّله كل الفساد الماضى وكل الكساد الحالى.. وأصدر إعلانًا دستوريًا و3 قوانين كلها يصب فى نهر الديكتاتورية الذى يجلس مرسى على شاطئه ومن خلفه جماعته.. وقد ذاقوا لذة ماء الحكم المطلق.. الذى لا يروى ولا يُشبع.. وهم لن يرتووا!!

وهذا ما يخشاه كل العقلاء فى مصر.

المسخرة الحقيقية، كانت فى تبريرات الإخوان وحديثهم عن أن هذه «الديكتاتورية» مؤقتة ولن تزيد على شهور معدودة، وعندما تسألهم عن الضامن لذلك.. يحدثونك بكل ثقة على «كلمة شرف»، مغفلين أنه فيلم أبيض وأسود شاهدناه مائة مرة مع هذه الجماعة «الكاذبة».. التى وصفها الرئيس الأمريكى أوباما بـ«البراغماتية»، بحسب صحيفة «نيويورك تايمز».

والأمثلة كثيرة.. ففى انتخابات الرئاسة مع «إسهال» الوعود الانتخابية التى أطلقها محمد مرسى - المرشح الرئاسى وقتها - فى وجه مجموعة من المثقفين والقوى السياسية الذين أيدوه وانتخبوه - وندموا بعد ذلك وتبرأوا منه - فيما سمى فى حينه «اتفاق فيرمونت»، الذى حنث الرئيس المنتخب به وبكل وعوده، مثلما حنث بوعود المائة يوم.. ومثلما اختفى مشروع النهضة وطائره.. وبقى لنا فقط «بلبله»، ومثلما حنثت جماعته بنسبة مرشحيها فى برلمان الثورة.. وفى عدم ترشحها للرئاسة، وفى كل ثوابتها الأيديولوجية وأهمها العلاقة مع أمريكا وإسرائيل.. وهناك قائمة طويلة كشفتها المرحلة الانتقالية التى أكدت بهلوانية «الإخوان» واستعدادهم لعمل أى شىء ليصلوا ويحافظوا على هدفهم الوحيد.. وهو السلطة وبأى ثمن. ونكمل الأسبوع القادم إن شاء الله.