الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد العودة إلى نصوص التراث العالمى والشعبى: المسرح يرفع شعار.. «من فات قديمه تاه»

منذ سنوات يطالب صنّاع المسرح بتقديم نصوص جديدة خارج إطار القصص المكررة التى يتناولها المسرح المصرى، وعلى الرغم من أن المسرحيات التى تم افتتاحها مؤخرًا بالبيت الفنى للمسرح لم ترتكز على أفكار جديدة إلا أن صنّاعها استطاعوا أن يقدموا نفس القصص المأخوذة عن التراث الشعبى أو العالمى بشكل مختلف وجذاب.



 

 افتتح البيت الفنى للمسرح مؤخرًا مسرحيتين هما (سيدتى أنا) المأخوذة عن نص (MY FAIR LADY) للكاتب العالمى «جورج برنارد شو». والثانية (ياسين وبهية) المأخوذة عن قصة التراث الوطنى الشعبى للكاتب «نجيب سرور».

والجدير بالذكر أن أغلب العروض التى تقدم على خشبة المسرح حاليًا يجمع بينها فن الغناء والاستعراض والذى امتاز بشكل كبير وجعل لكل عرض مذاقه الخاص.

(سيدتى أنا).. بين الشارع الإنجليزى والثقافة المصرية

بداخل صرح المسرح القومى العريق تم افتتاح مسرحية (سيدتى أنا) والتى تشكل تحديًا كبيرًا لبطلتها «داليا البحيرى»، التى تعود للمسرح بعد عامين.. وليس أى مسرح، ففكرة الوقوف على خشبة القومى وتقديم مسرحية استعراضية وغنائية تعد اختبارًا صعبًا لأى فنان.

منذ الإعلان الأول عن المسرحية فى يناير الماضى تم التربص للعرض لإقامة مقارنة بينه وبين المسرحية الشهيرة (سيدتى الجميلة) والتى قدمها الفنانان «فؤاد المهندس وشويكار» فى ستينيات القرن الماضى. ولكن صناع هذا العرض كانوا أكثر ذكاءً وحرصًا على عدم الوقوع فى تلك المقارنة.. فتم الاستعانة بالنص الأجنبى الأصلى والذى تدور أحداثه فى شوارع العاصمة الإنجليزية لندن.. من خلال صراع الطبقة الاجتماعية الفقيرة والغنية.

ولمزيد من البهجة وكسر الحاجز بين الجمهور، الذى ملأ صالة العرض من مختلف الطبقات الاجتماعية، تم كتابة نص وأغانى العرض بالعامية مع دمج النص بمصطلحات وأمثلة مصرية أصيلة مثل «الكنافة» و«الكلسون» وغيرهما من الأشياء غير المتعارف عليها فى الثقافة الإنجليزية.

ورغم أن مدة العرض تصل لأربع ساعات كاملة إلا أن سرعة الأحداث وعدم المط بها جعلها تمر خفيفة على المشاهد، كما استطاع المخرج «محسن رزق» الدمج بين الأغانى والحوار بحيث ينقسم المشهد الواحد بين الحوارات والمونولوج والاستعراض.. كما تميز أبطال العرض جميعًا بالخفة فى الحركة مع تصميمات مميزة للملابس والديكورات والاستعانة بالشاشات المتحركة بخلفية المسرح مما منح العرض روحًا لما وراء الأحداث وعكست نبض شوارع لندن القديمة.

ومن حيث الدراما والمشاهد المميزة كان للفنان «فريد النقراشى» لقطات مميزة حيث قدم دور الأب الذى يبحث عن المال والمتعة فى مقابل إهماله لابنته.. كما جمعه بابنته التى تقوم بدورها «داليا البحيرى» حوارات ثرية مليئة بالمشاعر المتخبطة ما بين حب الأب لابنته وسعيه خلف ملاذه.

تجربة المسرحية ككل مبهجة ولكن توجد مشاهد درامية عميقة، تتطلب تركيزًا كبيرًا من الفنانين الذين قدموها، فاستطاع الفنان «نضال الشافعى» أن يستحوذ على تركيز واهتمام الجمهور منذ بداية ظهوره بالعرض، بينما قدم عزفًا منفردًا بمشهد مواجهته لنفسه مع تمثال حبيبته السابقة.. فكان المشهد مليئًا بالمشاعر المتضاربة ما بين العيش فى الماضى ومحاولة نسيانه وعدم مقدرته على الاستسلام للحب الذى وقع فيه بالفعل.. لا يستطيع أن يتخلص من ماضيه ليعيش بسلام فى حاضره.

استطاعت «داليا البحيرى» بطلة العرض الخروج من المقارنة المحتملة مع الراحلة «شويكار»، فكانت تحاول ضبط الأداء ما بين تلقائية الشخصية وخفة ظلها، لكن مع وجود مبالغات كوميدية فى بعض الأحيان.. ومنذ بداية العمل كانت «البحيرى» مميزة عن باقى أبناء طبقتها الاجتماعية، فهى أكثرهم ذكاءً وتطلعًا لأن تصبح ذات علم وقيمة.. وأهم مميزاتها أنها لا تعترف بالفروق الاجتماعية مما جعلها أكثر جرأة فى التعامل مع الطبقة الأرستقراطية حتى أنها أسرت ملكة بريطانيا العظمى بأسلوبها ولباقتها. > (ياسين وبهية).. شهداء الأرض والعِرض «مصر يامة يا بهية يام طرحة وجلابية».. بهذه الكلمات تبنى صناع مسرحية (ياسين وبهية) على عاتقهم تحدى هذا النص الثقيل والذى كتبه الراحل «نجيب سرور». ورغم أن هذا العمل تم تقديمه عشرات المرات على خشبة المسرح وفى الدراما التليفزيونية والإذاعية أيضًا.. إلا أن عرضه حاليًا على المسرح العائم التابع لمسرح الشباب يختلف شكلا ومضمونًا. هذا العرض يعتبر أول عرض احترافى من إخراج «يوسف مراد منير» ويُشارك ببطولته مع عدد كبير من نجوم المسرح الشبابى المتميزين كل منهم لامع بدوره ويقدمه بلا مبالغات. حيث يًشارك ببطولة العرض كل من «حازم القاضى، إيمان غنيم، آية أبو زيد، ليل مراد، كريم طارق وبهاء سليمان».

استطاع صنّاع العرض نسج السرد الخاص بالرواية فى جمل باللغة العربية الفصحى، بينما ينتقل كل منهم لتأدية الحوار باللهجة العامية، وتم المزج بين دور الراوى والممثلين فكل منهما يقوم بدور الراوى لجزء من القصة، مع ثبات أبطال القصة الحقيقيين خلفه وكأنهم توقف بهم الزمن حتى ينتهى الراوى من حديثه كاملا. 

كما أن العرض رغم أنه صعب أدبيًا إلا أن أسلوبه كان بمثابة كلام مبسط غلبت على نصفه الأول الكوميديا والرومانسية من خلال مشاهد «ياسين وبهية» معًا، ومراقبة أهل القرية لهما خاصة الشباب الذين يتمتع كل منهم بدور متميز وشخصية مختلفة. كما تم استخدام عدد كبير من الأغانى والمواويل المصرية القديمة مثل (يا حنة، يا بهية وخبرينى ويا وابور الساعة 12) وغيرها من الأغانى التراثية.

على الرغم من جو البهجة والكوميديا الذى يسود الجزء الأول من المسرحية إلا أن معاناة شباب القرية تظهر من أول المشاهد التى يتجمعون فيها فى الليل يدخنون المخدرات لمحاولة نسيان السجن الكبير الذى يعيشون فيه.. فهم يعانون من طغيان «الباشا» والذى امتلك أغلب أراضى القرية ويعمل الفلاحون لديه بالسخرة ويسرق محصولهم بنهاية الموسم بالاتفاق مع الاحتلال الإنجليزى آنذاك.

 الباشا يطمع فى «بهية» وفى كل صبية.. فلا يمكن لرجال البلدة السكوت عن اغتصاب الأرض والعرض.. لم يتم تقديم مشاهد المواجهة بشكل مباشر ولكن تم التحضير لها بمشاهد وأغانٍ لإظهار زيادة الذل والانكسار ومنها مشهد والد «بهية» الحزين على ابنته ومواجهة «ياسين» لنفسه وحلم «بهية» الغامض، وأيضًا مشهد عمل الرجال بالسخرة وقد تملك الغضب منهم.. وغيرها من المشاهد التى أدت لانفجار أهل القرية.

العمل استعراضى غنائى متميز وتميز بالديكورات البسيطة التى تبرزها الإضاءة الخافتة مما يعطى انطباعًا للظلم والظلام الذى كان يعيش به أهل القرية.>