الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

إشكاليات الخطبة من رد الشبكة إلى استرداد ثمَن الورود والشيكولاتة «هاتو الفلوس اللى عليكو»

«هاتو الفلوس اللى عليكو» على طريقة الفنان حمادة هلال استيقظت مواقع التواصُل الاجتماعى على واقعة صنّفها البعضُ على أنها واقعة كوميدية، والبعضُ الآخر اعتبرها مؤشرًا خطرًا لمستقبل غير واضح المعالم للشباب المصرى؛ خصوصًا بَعد تدهور الأوضاع الاقتصادية.



حيث قام أحد الشباب المصرى بعمل قائمة تشبه قائمة المنقولات تضم كل ما قام بإنفاقه على خطيبته منذ اليوم الأول للتعارف من هدايا وذهب وفُسَح، وقام بعمل محضر يطالب فيه برد المَبلغ كاملاً الذى بلغ ما يزيد على 10 آلاف جنيه بعد فُسَخ الخطبة، وهو ما استدعى سخرية الكثيرين على مواقع التواصُل الاجتماعى من تصرف الشاب، ولكن كان لا بُدّ لنا من التوقف هنا قليلاً لأن تلك الواقعة ليست الأولى من نوعها، لكنها واقعة متكررة وسبق لها الحدوث.

ففى العام 2019 قام رواد مواقع التواصُل بتداوُل صورة لورقة مدونة بخَط اليد لعريس فَسَخ خطبته من عروسته وطالبها بكل تكاليف الخطبة والهدايا بداية من شبكتها وصولاً لأدق التفاصيل من أكياس اللب وكروت الشحن.. لتقرر خطيبته إعادة المال له منعًا للمشاكل بحسب ما ورد فى وسائل الإعلام آنذاك.

علاوة على عشرات دعاوَى رد الشّبْكة التى أقيمت لرد شَبْكة العُرس والتى يقوم فيها العريس باتهام عروسه بالاحتيال عليه بعد الحصول على الشبكة بمبالغ طائلة وفُسَخ الخطبة والهروب، وكان أبرز تلك الدعاوَى دعوى الشاب العام الماضى الذى طالب خطيبه السابقة برد مبلغ مليون ومائة ألف جنيه هدايا وشبكة، ففى يناير من العام الماضى قام شاب برفع دعوَى على خطيبته يطالبها برد الشبكة بقيمة 500 ألف جنيه وهدية عبارة عن سيارة بقيمة 600 ألف جنيه والتى قدّمها لها خلال خطبتهما التى استمرت 12 شهرًا، مؤكدًا تعرضه للنصب واكتشافه بعد شهور تخطيطها للسفر والهروب برفقة شقيقها لإحدى الدول العربية وسلب حقوقه ورفضها رد الشبكة رُغْمَ أنها هى مَن رفضت الاستمرار فى اتمام إجراءات الزواج.

ولم تقتصر تلك الفكرة على الشباب داخل مصر؛ وإنما تردد صداها عالميًا، ففى العام الماضى نشرت وسائل إعلام صينية أخبارًا عن شاب قام بإعداد قائمة بكل ما قام بصرفه على صديقته السابقة وطالبها برد أمواله التى بلغت قيمتها 60 ألف يوان، فيما قامت سيدة من ماليزيا بنشر صورة لمحادثة بينها وبين خطيبها السابق يطالبها فيها برد أمواله التى أنفقها عليها حين كانا مخطوبين قبل عدة سنوات.

وهو ما دفعنا للبحث حول أسباب تلك الواقعة، وهل يمكن اعتبارها ظاهرة مجتمعية، وهل تمثل إنذار خطر وسببًا من الأسباب المؤدية للطلاق فى وقت لاحق، وما هى أبرز الإشكاليات التى تحدث حول موضوع الخطبة، وما هى أبرز الحلول التى يمكن تقديمها لتلاشى مثل تلك الوقائع؟؟.

«روزاليوسف» تفتح ملف الخطبة وإشكالياتها وتحاول الوصول لإجابات.. سنتعرف عليها خلال السطور التالية.

 أسباب وحلول

من جانبها تقول د.إيمان عبدالله معالج أسرى ورئيس مجلس مؤسّسة الإيمان للإرشاد النفسى: «هناك العديد من الأسباب التى تدفع الشباب لمثل هذه التصرفات؛ أولاً وجود جزء انتقامى لديه وعدم تقبُّله لفكرة الرفض، وهو ما يمكن أن يتطور فى شكل لاحق لجرائم مثل ما رأينا مؤخرًا فى العديد من الجرائم التى تحدث على الساحة، لكن انتقامه هنا ظهَر فى شكل المطالبة بكل ما قام بإنفاقه كنوع من أنواع التنفيس الانفعالى، وأيضًا انعدام الثقة فى نفسه؛ فهو لا يثق فى استمرار تلك العلاقة، فقد تكون صورته الذاتية عن نفسه متدنية وعند فسخ الخطبة زادت الفجوة الداخلية فى نفسه أنه مرفوض فكان يعوِّض عدم الثقة أو نقصًا فيه بإغراقها بالهدايا المادية، وهو عبارة عن تنفيس انفعالى كان يقوم به من اليوم الأول لشعوره أن العلاقة لن تكتمل من البداية، فهو مفتقد للأمان العاطفى يعوّضه بالأمان المادى، فهو لديه نقص فى المهارات الاجتماعية.. وقد يرجع السبب أيضًا لتدنّى الحالة الاقتصادية لديه، وهو ما يجعله يشعر بأن كل ما يقوم بإنفاقه يسبب له مشاكل ضخمة.. الرفض أحيانًا يجعل الإنسان يتصرف تصرفًا مخالفًا لسلوكه ويكون لديه حالة من التنبؤ أنه يمكن ألا يستطيع استكمال الخطبة لأنه أدرى بعيوبه ومميزاته ومدَى قبول الآخرين به، ولذلك يكون متمسكًا بالجانب المادى الذى يرفع من قدره أمام الآخرين. علاوة على أن الشخص فاقد الثقة يمكن أن يتعامل مع وضع الفَسْخ ويتكيف معه؛ لكنه لا يستطيع الاستغناء عن الشق المادى لأنه يكون محدودًا، وبالتالى يريد ضمان الجانب المادى لأنه سيوفر له خوض تجربة جديدة طالما الماديات معه.

 حالة فردية

وبناءً على كل ما سبق؛ لا يمكن اعتبار ما حدث ظاهرة اجتماعية؛ لأن الظاهرة توضع تحت بند مقاييس معينة ونحن ليس بأيدينا عدد أو إحصائيات تقول إنها ظاهرة، لكنها حالة فردية، وما يمكن أن يؤخذ عليه هو تناول الموضوع بشكل فاضح. والشريعة الإسلامية حسمت الأمرَ أنه على المخطوبين حال الفسخ استرداد الخطيب كل مستحقاته سواء كانت هدايا أو شَبْكة لأنه يعتبر تمهيدًا للحياة الزوجية بينهما، ولكن لا يجوز طلب ما لا يجبرك عليه أحد من شيكولاتة ووَرد، ولكن عليك خلال الخطبة أن تتوخى الحذر وتتصرف حسب إمكانياتك المادية.. فالمطالبة بما لم يجبرك عليه أحد ليست من الذوق العام. بالطبع الحالة الاقتصادية أجبرت الشباب على حساب مصاريفهم، وبالتالى لا بُدّ من توخى الحذر طول فترة الخطبة تعطى إشارات إذا كانت ستكتمل أَمْ لا.. فإن كانت هناك هدايا أو شبكة ليس هناك داعٍ لوجودها مع الخطيبة لأنها ترمز لوجود مشاعر بين طرفى الخطبة أو مواقف أو مكان وعلى الطرفين إرجاع الهدايا لأن تلك الهدايا تكون بعد الزواج تذكرنى بالمواقف الجميلة بيننا.. ويكفى أن يقتصد الشاب فيما يقدمه من هدايا ويقتصر الأمر على الهدايا العينية، بحيث إنه لا يرهق نفسَه ماديًا.. فمن حق الشاب استرداد شبكته لأن الحالة الاقتصادية ربما لا تسمح للشباب شراء شبكة جديدة حال الارتباط مرّة أخرى، لكنه لا يحق له استرداد ما قام بإنفاقه من الهدايا الاستهلاكية، فكل هذه الأشياء كانت رمزًا لاستمرار العلاقة والعلاقة بترت فلا بُدّ من رد رموزها.. وحال حدوثها هذا سيتسبب فى شيئين المجتمع سيسىء فهمه والناس ستكون حذرة منه حال دخول بيت أسرة جديدة. فعلى النهايات أن تكون كالبدايات، فمجرد فَسْخ الخطبة ليست إعلان الحرب على الآخر. فهى كانت علاقة بين أسرتين، والهدايا خسرت قيمتها وزهوتها بمجرد الفَسْخ وعلى الفتاة بالتالى إرجاع الهدايا، فلا داعٍ لوجود ذكرَى تذكرنى بارتباطى بهذا الشخص، هناك أيضًا نظرية لدينا تُعرَف بنظرية الحاجات التكميلية، فقد تكون تلك الخطيبة لم تجد فى ذلك الشاب ما تحتاج لكى تكمل به حياتها مع هذا الشخص، وبالتالى لا بُد من إنهاء العلاقات بشكل راقٍ، فإذا كانت العلاقة ليست تبادلية .. فشلت وليست متكافئة وليست متوافقة.. كل الاحترام للأسرتين، ولنخرج بكل الإيجابيات التى نخرج بها سواء نتعلم معنى العلاقة، الهدايا التى يمكن أن نقدمها أو لا نقدمها الأشياء التى استنفدتنى اقتصاديًا لا أكررها، فالخطبة هى علاقة إذا لم تكن مكتملة الأركان ولا يوجد بها توافق نفسى واجتماعى وتعليمى وسيكون بها مشاكل. الفَسْخ دون إعلان الحرب فلا نريد التطرق لجرائم بسبب عدم موافقة الشابة على الشاب والهدايا شىء رمزى يمكن ردها وتمنى للطرف الآخر حياة سعيدة وعلى الشاب تقديم اعتذار للخطيبة والاكتفاء باسترداد ما هو قيّم حتى لا تكون صورته الاجتماعية والذهنية والنفسية إنه شخص مادى وبخيل ومتدنٍ وعليه الخروج بكل لباقة والفَسْخ لا يعنى وجود عيب فى أى طرف؛ وإنما يعنى عدم قدرة الطرفين على التكيف. وأرجو أن تكون النهايات فى منتهى الرحمة يُراعى فيها نفسية الآخر والحالة الاقتصادية للطرفين.

يخل بالمروءة وليس من عُرفنا

أمّا عن الجانب الدينى للخطبة وأحقية الخطيب باسترداد كل ما قام بإنفاقه على خطيبته خلال فترة التعارف فيقول د.محمود الصاوى وكيل كلية الدعوة والإعلام السابق بجامعة الأزهر بالقاهرة: «الخطبة هى مجرد وعد بالزواج وعليه فما يقدمه الخاطب لخطيبته قبل العقد أحد أمرين؛ إما أن يكون جزءًا من المَهر أو مجرد هدية من الهدايا والفيصل فى ذلك هو العُرف أو التصريح بذلك، فإذا حصل فَسْخُ الخطوبة مثلاً فكيف يكون التصرف؟ إن كانت الأشياء التى قدمها الخاطب لخطيبته جزءًا من المَهر وتأكدنا من ذلك تصريحًا أو عرفًا فإنها تعود للخاطب عند فَسْخ الخطوبة أيًا كان سبب الفَسخ منه أو منها فى حالة ما إذا كانت الأشياء التى حصلت عليها الفتاة جزءًا من المَهر. 

وإذا كانت الأشياء التى حصلت عليها الفتاة مجرد هدايا قدّمها لها خطيبها فثمة خلاف بين الفقهاء؛ إن كان الخاطب هو سبب الفسخ فليس له أخذ هذه الهدايا، وإن كان السبب هو المخطوبة فله المطالبة بالأشياء التى قدمها لها نفس الأشياء أو قيمتها. أمّا فيما يتعلق بالهدايا الوقتية أن يكون قد عزمها مع (مُحرمها) على غداء أو عَشاء مثلاً أو حلويات أحضرها لها شيكولاتة وخلافه... من مثل هذه الأشياء الوقتية ليس له الرجوع فيها أو طلبها هذا مما يخل بالمروءة وليس من عُرفنا نحن المصريين.. فلو استمرت الخطبة لسنوات وزادت كلفة الهدايا على الشخص ثم انتهت بالفَسْخ بسبب المخطوبة أو أهلها هو أمرٌ يجعل الخاطبَ مستفزًا، ولكن نوصيه بأن يكون أكرم منهم حتى لو رفضوه ولا يتوقف على الأطعمة والأشربة والشيكولاتة ويطلبها منهم.

 إشكاليات الخطبة

وفيما يتعلق بالشق القانونى يقول أ.عبدالفتاح يحيى المحامى ومدير الوحدة القانونية بمؤسّسة قضايا المرأة المصرية، عند الحديث عن إشكاليات الخطبة والتى لا بُد من الإشارة إلى تواجدها بشكل كبير ومتكرر لا بُد من الإشارة إلى خلو الناحية التشريعية فيما يتعلق بمشكلة الخطبة. فلا يوجد أى قانون ينظم تلك الإشكالية. أبرز الحالات التى تمر علىَّ فى تلك المشكلة تكون فى مسألة استرجاع الذهب وغالبًا ما يكون الذكر هو مَن يطلب الذهب والفتاة لا ترغب فى رده ولا يتم الوصول فى النهاية لأى حلول، والمحكمة تحكم فى النهاية برفض الدعوَى لعدم وجود قانون يحكم الأمر. وتنتج إشكاليات الخطبة فى حالة عدول أحد طرفى الخطبة عنها. ويعتبر البعض أن الهدايا التى قدمت هى تعويض للفتاة على فسخ الخطبة وفى بعض الأحيان تحسب على أساس قيمة الرفض ومن يتحمل النسبة الأكبر من الضرر والعزوف من جانبها أَمْ من جانبه، وكل تلك الإشكاليات لا يوجد ما ينظمها فى القانون، وهناك العديد من الحوادث التى قد تصل للمحاكم والرأى العام بسبب ذلك. 

فى الوقت الحالى يُحكم الأمر حسب رغبة القاضى والمحكمة التى ترجعها للعُرف وجارى الأحوال. والآن يتناول البرلمان المصرى مشروع قانون جديد للأحوال الشخصية يحتوى على 3 مواد تنظم مسألة الخطبة يتناول فيها كل الجوانب المادية والنفسية، ففى حالة عدول أى طرف من الطرفين عن الخطبة عندها ستقوم المحكمة بالرجوع إلى الطرفين ومعرفة من المخطئ، وعندها تقرر من الذى أضر بالآخر بعد التحقيقات على أن يتم رد الهدايا وخلافه بناءً على القيمة، فكل ما هو مستهلك ليس له مردود. ويهتم القانون الجديد بالجانب النفسى مثلما يهتم بالجانب المادى، فإذا كان هناك ضرر قد وقع على أى من الطرفين سيتم أخذ هذا فى الاعتبار بعد الفحص والرجوع للمختصين، ومن الجدير بالذكر أن القانون الحالى لا يأخذ بالجانب المادى لأن الفلسفة التشريعية له منذ عام 1920 وعندها لم يكن معمولاً بالجانب النفسى، وفقًا لقانون الأحوال الشخصية الحالى فإن دعوى رد الشبكة تقوم على أساس المطالبة برد أعيان الشبكة أو قيمتها، وذلك عبر إرفاق أصل فاتورة الشراء المدون بها المصوغات الذهبية. وتُعتبر الشبكة من الهدايا فيسرى عليها ما يسرى على الهبة ويكون من حق الخاطب استردادها وفقًا للمادة 500 من القانون المدنى.