الجمعة 27 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
الكتابة والتحرر من معتقلات الذات

الكتابة والتحرر من معتقلات الذات

عندما قررت قبل دقيقتين أن أسطر مقالى الأسبوعى هذا لم أكن أعلم بعد ما الذى أريد أن أكتبه، وربما وأنا أكتب لكم هذه الكلمات الآن ما زلت لا أعلم، إلا أن كل ما أعرفه هو أنى أريد أن أكتب، ولأكون أكثر دقة أعرف أنى أريد أن أعبر عن صرخة فى داخلى وقد تكون ابتسامة لم تتحدد ملامحها أو أسبابها أو دوافعها، مجرد كلمات تتسرب منى على صفحة بيضاء فى هدوء محيطى وسط ليل ممتلئ بضجيج التفكير ونزاع الأفكار فى كل شىء وفى اللا شىء.



الكتابة تعنى التحرر والانعتاق من معتقلات الذات، تلك التى تراقب كل فكرة وتعاتب كل شطحة وتبتز كل تمرد على محرمات الأنا، هى التجلى الذى به نخرج من أرواحنا لنراها ماثلة أمامنا دون رتوش الخوف والنفاق والضمير الرقيب، فأنا الحقيقى ليس ما يراه غيرى فينى بل ما أراه أنا فى ذاتى وأحاول كبته غالبًا عن التجلى خارجى.

أسأل دائما لماذا يجب أن أعيش واضعًا نصب عينى كلام الناس ورأيهم فىّ، لماذا نحرص أن نظهر كملائكة كاملين ونحن ناقصون لدرجة أننا لا نملك حتى قرار الاعتراف بأنفسنا أمام أنفسنا، نسعى بكل قوتنا فى المزايدة على الغير وشيطنتهم وكأن كمالنا لا ينبع إلا بنقص غيرنا.

نحن ناقصون، كلنا يا رفاق الأرض ناقصون، ليس فينا كامل ولا نصف اكتمال، أفراد يكذبون من أجل لقمة العيش وحكومات تسرق من أجل جيوب الأقلية وقادة يبطشون ليستمر الكذب وتستمر السرقة، هذا هو واقع عالمنا الحقيقى، صحيح أن بإمكان أى واحد منا أن يجمل الصورة ويرسم ملامح العظمة فى فرد أو شعب أو قائد أو دولة أو حتى فى جبل ومبنى وشجرة إن أحب، إلا أن كل ذلك ما هو إلا هروب من مواجهة شاشة بيضاء وكتابة أحرف دون رتوش نصرخ فيها بصدق ونبكى منها بأمانة وقد نضحك عليها أحيانا وقد نغضب منها أحيانًا لصراحتها المؤلمة.

هل تعلم لماذا نكتب؟ وليكون سؤالى أكثر شمولًا، هل تعلم لماذا نعبر؟ هل تعلم لماذا كتاباتنا وتعابيرنا التى تظهر للعالم لا تشبهنا فى غالب الأحيان؟ الجواب ببساطة لأننا نسعى لقبول الآخر بفعل ما فينا من نفاق شخصى واجتماعى، نبحث عن أن نضمن موقعنا وسط الجماعة، ألم يقل المثل بأن «الموت مع الجماعة رحمة»، نتعطش للتصفيق والثناء لنغذى به نقصنا وكبرياءنا المرضى، نرمى أن يشار لنا بالبنان بكل أوصاف التكريم والتبجيل لنشعر بقيمتنا وسط الجموع، فهذا هو العبقرى وذاك هو المثقف والآخر هو الوطنى الحقيقى وطبعًا لا أنسى ذاك الذى يجب أن يوصف لأجل السلامة الشخصية بأنه الهمام نعمة الله على عباده، كلها من أجل نوازع أنانية ومصلحة ذاتية وسعى للبقاء، نادرًا من ستجد فينا أحدًا يعبر ليريح نفسه ويظهر للعالم كما هو، يعلن دون خوف بأن ما تسمعه أو ما تراه أو ما تقرأه منى هو أنا بلا رتوش، هذا أنا الناقصة بلا حرج وبلا فخر وبلا تواضع كذاب، والأندر أن تجد أحدهم يقول لك بوضوح بأنه من حقى كإنسان أن أكون كما أنا دون أن يكون لك أنت قرار تقرير ما يجب أن أكون.