الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حواديت.. لم يكتمل انتصار مصر على الهكسوس إلا بهزيمتهم داخليًا أحمس والطابور الخامس داخل البلاد

حواديت.. لم يكتمل انتصار مصر على الهكسوس إلا بهزيمتهم داخليًا أحمس والطابور الخامس داخل البلاد

لا تتعجب عزيزى القارئ من طرح مصطلح حديث لوقائع مضى عليها أربعة آلاف من الأعوام وبالتحديد أثناء حروب التحرير التى خاضها أحمس وأبوه سقنن رع وأخوه كاموس لطرد الهكسوس من مصر.. فمن لم يكن التاريخ له واعظًا فلا واعظ له، وتاريخنا يزخر بالكثير من الأحداث التى يمنحنا التحليل المنطقى لها القواعد المناسبة للتعامل مع تلك الظروف فى المستقبل وتفادى آثارها السلبية قدر المستطاع.



رغم عبء إجلاء الهكسوس عن مصر عسكريا إلا أن الخطر الأكبر الذى واجه أحمس كان الطابور الخامس المكون من أهالى الهكسوس والذين ظلوا فى مصر وانتهزوا فرصة غياب أحمس وتعقبه لجيش الهكسوس فى آسيا فثاروا وأشاعوا الفوضى والسلب والنهب فى مصر وتحالفوا مع الزنوج السود فى الجنوب لإسقاط مصر وهزيمتها وكان من الممكن أن ينتصروا، وبالتالى يتغير تاريخ مصر حرفيًا بسبب ذلك.

ماهو الطابور الخامس

ظهر هذا المصطلح للمرة الأولى خلال الحرب الأهلية الإسبانية (1936 حتى 1939) عندما كان فرانشيسكو فرانكو يهاجم قوات الجمهورية المحاصرة داخل العاصمة مدريد بأربعة طوابير عسكرية فتشكل طابور خامس سرى داخل المدينة مؤلف من أنصار فرانكو مهمته بث روح الهزيمة وإضعاف الثقة فى نفوس أنصار الجمهورية، وذلك عن طريق نشر الشائعات المختلفة فضلاً عن القيام بأعمال تخريبية وبالتالى فهو تعبير سياسى يرمز إلى الخونة والمخربين داخل المجتمع لصالح عدو خارجى فى حالة حرب أو عداء مع الوطن والقيادة السياسية فيه.

وفى عصرنا الحالى رأينا أشكالاً متعددة من الطابور الخامس وكان فى مقدمتها الإعلام وما قامت به فضائيات مدعومة من أجهزة مخابرات بدور كبير فى هدم دول واحتلالها مثل قناة الجزيرة وما فعلته أثناء حرب الخليج الثانية ومساعدتها الولايات المتحدة فى احتلال العراق.

ومن الأشكال الأخرى للطابور الخامس اللاجئون وما يفعلونه فى الدول التى لجأوا إليها وبدلاً من رد الجميل لها نجدهم يسعون إلى نشر روح الإحباط بين أبنائها والعمل على توطين بنى جلدتهم والتسبب فى ارتفاع نسب البطالة بين أبناء الوطن الجديد وما خفى كان أعظم!

صفات التفرد

للأبطال المتفردين فى التاريخ صفات خاصة لا تتوافر فى غيرهم مهما علا شأن الآخرين، وكان من هؤلاء المتفردين الملك أحمس الأول (1580–1558ق.م) فهو شجاع وطنى غيور على بلده تهذّب أخلاقيًا على يد سيدتين الأولى جدته لأبيه «تتى شيرى» والثانية أمه «إياح حُتب»، وبالتالى أظهر الكثير من الاحترام والتبجيل للمرأة فكانت زوجته أحمس نفرتارى هى أول امرأة فى التاريخ تقود فرقة عسكرية وتنتصر فى الحروب بجانب زوجها.

وقد كان المؤرخ المصرى القديم «مانيتون» مُحقًّا عندما جعل «أحمس الأول» فاتحة ملوك الأسرة الثامنة عشرة، على الرغم من أنه سليل الأسرة السابعة عشر التى كانت تسيطر على جزء كبير من البلاد، ولكن بحكم هذا الفرعون طُوِيت صفحة سيئة من تاريخ مصر اتسمت بالذل والاستعباد للشعب لمدة قرن ونصف القرن من الزمان.

وقد بدأ أحمس حياته بمتابعة حروب تحرير مصر من حكم الهكسوس والتى بدأها أبوه وأخوه ولم تمضِ أربع أو خمس سنوات على بداية هذا النضال العنيف حتى أفلح «أحمس» فى طرد الهكسوس من البلاد جملةً، بل سار بجيشه حتى بلاد «زاهى» (فينقيا)، حيث يُحدِّثنا «أحمس» عما أحرزه من انتصار، وبعد أن تمَّ له الفوز فى آسيا جاءته الأنباء بشأن اندلاع ثورات عنيفة فى مصر من بقايا الهكسوس وتجرؤ الزنوج فى الجنوب على حدود مصر ومهاجمتهم لها، فعاد أحمس إلى مصر وقد نقش على جدران قلعة «سمنة» ما فعله من تأديب السود حيث (أعمل السيف فيهم فى مذبحةٍ عظيمة).

والتفت أحمس إلى ثورات هكسوس الداخل وكانتا ثورتين متتابعتين قام بهما «أتا»، ثم «تتاعان» وكان يجرى فى عروقهما الدم الهكسوسى فقام بهزيمة كلٍّ منهما فى ثورته هزيمة منكرة واستأصل جذورهم من مصر.

مكانته بقلوب المصريين

فى السنة الثانية والعشرين من حكمه، أقام «أحمس» لوحة عظيمة بمعبد «الكرنك» تكشف لنا عن نواحٍ عدة من نشاطه، وألقابه والتى منها (ابن آمون رع من جسده ومحبوبه ووارثه، ومَن أعطى له عرشه، الإله الطيب حقيقة، قوى الساعد والذى لا يشوبه مين، وإنه أمير يشبه الإله «رع» وتوأم ولدى «جب» (إله الأرض) ووارثه الذى يتمتع بالسرور)، وقد حفر أحمس اسمه بحروف من نور داخل قلوب المصريين على مدار الزمن ووضعه شعبه فى مصاف الإله، حيث كانوا يرهبونه ويحترمونه ويحبونه وكان جديرًا بكل مراسيم الاحترام، وآيات الحب والإعظام؛ لأنه هو الذى خلَّصَ البلاد من ذُل العبودية الأجنبية.

إصلاحات أحمس

ليس من السهل استتباب الأمن داخل البلاد وخارجها بعد الأحداث العظيمة التى شهدتها خلال السنوات الأولى من حكم أحمس، ولكنه استطاع تحقيق ذلك، بل هيأ لمن جاء بعده من الفراعين الشجعان إقامة إمبراطورية مترامية الأطراف تمتد من الشلال الرابع جنوبًا فى السودان إلى أعالى نهر دجلة والفرات شمال شرقى مصر، وأصبحت فى عهد تحتمس الثالث أول إمبراطورية فى عالم التاريخ القديم وكانت المثل الذى احتذت به الإمبراطوريات الغربية العظيمة قديمها وحديثها فى تأسيس ملكها ومد سلطانها.

ووجه «أحمس» اهتمامه وعنايته نحو إصلاح ما أفسده الدهر من آثار إلهه العظيم «آمون»، الذى هيَّأَ له النصر على الأعداء، هذا فضلًا عن أنه كان إله الدولة، وحامى حماها، فأمر بصنع أوانٍ جديدة لمعبده «بالكرنك»، معظمها من خالص النضار والفضة، والأحجار الغالية على يد مَهَرَة الصنَّاع، ومن أوصاف تلك الأوانى وحدها يمكننا أن نعرف ما وصل إليه الفن المصرى من الدقة والإتقان، وحسن الذوق فى زمنه، ولا بد من أن الذهب كان يوجد بكثرة فى مصر حينئذ، وبخاصة بعد أن أخضع بلاد النوبة التى كانت أكبر مصدر لهذا المعدن الكريم، وكذلك نجد أن هذا الفرعون قد صنع سفينة الإله «آمون» التى كانت تجرى فى النيل بين «الكرنك» و«الأقصر»، تحمل تمثالَ الإله فى عيد رأس السنة من خشب الأرز الجديد. وفى وصف هذا الخشب بالجديد فوز جديد ﻟ «أحمس» الأول، إذ إنه قد أحضره من الجبال الواقعة على شاطئ «لبنان»، ممَّا يبرهن على أن هذه الجهات قد أصبحت فى قبضة يده، كما يدل على ذلك النص المصرى.

مبانيه 

ومما يؤخذ على أعمال أحمس أنه اهتم بإنشاء الكماليات مثل صنع الأوانى والحلى الخاصة بمعبد «آمون»؛ ورغم اتجاهه وعنايته لإعادة بناء المعابد المهمة فى عاصمة الملك، ولكن ظلت عاصمة البلاد وأهم مركز دينى بدون إصلاح ما خرب منها، وكان ذلك أكبر دليل على ما كانت تحتاج إليه البلاد من تنمية الثروة الضرورية لنهوض البلاد من كبوتها المادية الطويلة الأمد.

على أن المبانى التى أُقِيمت فى هذا العهد فى «طيبة» و«منف» قد ابتلعتها التغيُّرات التى حدثت فى مبانيهما فى الأزمان التى تلت، والتخريب الذى لحق بهما على يد الأجانب، ولكن لحسن الحظ قد حفظت لنا الوثائق التى تحدَّثنا عنها فى محاجر «طرة» أن «نفربرت» حامل خاتم الفرعون ورفيقه، قد نقش لوحتين مؤرَّختين بالسنة الثانية والعشرين من حكم «أحمس»، وقد سجل عليهما فتح محاجر لقطع الأحجار اللازمة لبناء معبد «بتاح» بمنف ومعبد «آمون» بطيبة، ونجد قبل النص فى أعلى اللوحة ألقابَ الملك «أحمس»، ثم ألقاب زوجه «أحمس نفرتاري» بصورة بارزة تفوق ألقاب زوجها.

المصادر 

1 - المؤرخ الأستاذ «إدورد مير» فى مؤلَّفه التاريخ القديم.

2 - دكتور سليم حسن موسوعة مصر القديمة الجزء الرابع