هناء فتحى
عكس الاتجاه.. «دى نيرو» فيلم بلا جماهير
لم يحدث أن اشترك «روبرت دى نيرو» فى فيلم طوال عمره المديد ولاقَى مثل هذا الهجوم الثنائى الساخر من الصحافة ومن الجماهير معًا؛ مثلما حدث مع فيلمه الأخير، الفيلم الذى قد يختتم به مسيرته الإنسانية الحافلة، الفيلم الوثائقى والواقعى والأحب إلى قلبه، والخاص بإنجابه طفلة وهو فى الثمانين من العمر من صديقته «تيفانى شين» الصبية الصغيرة التى يقترب عمرها من سِنّ أحفاده والتى تربطها معه علاقة عاطفية منذ أغسطس 2021.
قد يفاجئك أو يصدمك أن يصل الهجومُ على أعظم فنانى جيله والسخرية اللاذعة والجليطة فى التناوُل الصحفى حتى من كبريات الصحف الغربية الرصينة، ليس فقط حين تجاوزت عناوينها باختراق حياته الجنسية؛ بل حين استطاعت بعضها بسهولة الوصول إلى أدق المعلومات حول حجم ثروته بالمليم وبالسحتوت وبالسنت الأمريكانى؛ بل وعدد الكريديت كارد التى يملكها ويحتفظ بها فى محفظة جيب بنطلونه الخلفى ونسبة إنفاقه اليومى المعيشى، والكلام عمّا تبقى له من العمر ليربى طفلته السابعة الرضيعة ومتى سينفق هذه الثروة الطائلة، وهكذا تحوَّل الساحر العظيم محبوب جماهير العالم فى نهاية عمره إلى مسخرة ومادة للنميمة وقِلة القيمة.
«دى نيرو» الذى لم يدعِ يومًا أنه ناشط حقوقى ولا بَطل قومى ولا فيلسوفٌ ولا سفير للنوايا الحسنة، وُلد بحىّ مانهاتن بمدينة نيويورك ويعيش كإنسان نيويوركى يسكن شقة تطل على حديقة (سنترال بارك) الشهيرة بوسط المدينة ويمشى فى الشوارع بين الناس ويُشاهَد وهو يحمل شنطة مَدرسة ابنه، ولديه سبعة أبناء أحدهم مصاب بالتوحد، رَجُل طبيعى يتزوج وينفصل ويحب، ولم يتكبر أو يتعالى أو يستعرض سياراته وبيوته، ويعتز بصداقته بـ«آل باتشينو» ولم يخض يومًا فى سيرة أحد، صار لقمة سائغة فى أفواه صحف وجماهير لم تُعِرْ موهبته أو شهرته أو قيمته أىّ قيمة أو خصوصية.
المفاجأة الأكثر إثارة للاندهاش هى ما كتبته واحدة من مَواقع المجلات الرياضية الشهيرة التى تُعنى بالمشاهير فى هوليوود ولعبة كرة القدم وباقى الرياضات، وجزمت Marcs بأن ثروة «دى نيرو» الحاصل على الأوسكار والمولود فى 17 أغسطس عام 1943 تبلغ 500 مليون دولار!- هل نصف مليار دولار يُعتبر مبلغًا كبيرًا يحسدونه عليه؟!- فخمسمائة مليون دولار صار أجر شباب من فنانى هوليوود عن فيلمين أو ثلاثة! وادّعت المجلة أن بطل God Father وTaxi Driver والحاصل على الأوسكار بفيلم Raging Bull من إنتاجه وإخراج «مارتن سكورسيزى» بأنه يمتلك 135 بطاقة ائتمان ما بين فيزا وكريديت كارد، أضف إلى ذلك امتلاكه لسلسلة مطاعم شهيرة فى كل شوارع أمريكا تُسمَّى Tribeca Grill، وتُورد أيضًا وجبات للمستشفيات فى نيويورك وولايات عدة، و«دى نيرو» هُوّ أحد مؤسّسى وممولى مهرجان Tribeca Film ومقرّه نيويورك ويُعَد أحد أشهَر مهرجانات سينما الولايات المتحدة الأمريكية.
لم تكتفَِ الصحف والمجلات بالخوض فى سيرته المالية؛ بل اتجهت مباشرة إلى علاقاته النسائية وحالته الجنسية، ولم يخرج «دى نيرو» ليرد ولم يُعَلق على صفحاته بوسائل التواصُل ولم يجعلها عاركة ولا تريند بل اكتفى بالخروج فى شوارع نيويورك حاملاً على ذراعه طفلته السابعة، ولم تعبأ حبيبته ووالدة طفلته «ستيفانى تشى» الفنانة والحاصلة على عشرات الميداليات الذهبية فى الفنون العسكرية والمولودة فى أسرة رياضية شهيرة بأبطال الكونغفو، لم تعبأ لا بالصحف ولا بالميديا كلها فهى حفيدة الصينى بطل الكونغو «Wiliam C.C Chen» ومدرب ومُدرس اللعبة وصاحب أكبر مَدرسة تضم مئات الطلبة بمدينة نيويورك.
الصحف والمجلات ووسائل التواصل الاجتماعى وعشاق «دى نيرو» الذين أجمعوا على أن بطل Killers of The Flower Moon قد فقد عقله حين أنجب فى الـ 79 عامًا لم يقولوا ذلك على «رود ستيوارت» الذى أنجب فى السادسة والستين، وكذا «ريتشارد جير» و«جورج لوكاس» اللذان أنجبا مولودَيْن فى عمر التاسعة والستين، وأيضًا «مايك جاجّر» الذى صار أبًا للمرّة الثامنة فى عمر الثالثة والسبعين.
ستكتشف وأنت حزين ومصدوم كيف أن جماهير الفن وعشاق النجوم وبعض الصحف والمجلات العالمية فى كل مكان قد فقدت لياقتها.