الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
تواصُل أجيال

تواصُل أجيال

استكمالًا لمَقالنا السابق فى ذكرَى الشاعر الكبير «عبدالرحمن الأبنودى» عن دور العظيم «صلاح جاهين»- والذى نحتفل بذكرَى وداعه فى 21 إبريل- الذى دعمه وسانده فى رحلته الإبداعية؛ بل هو مَن اكتشفه حينما أعجب بقصيدة له فنشرها فى مجلة «صباح الخير» فى زاوية بعنون «شاعر جديد يعجبنى».. وهى الزاوية التى قدّم من خلالها أصواتًا جديدة مختلفة من ديوان العامية المصرية.. وكان هدفه من ذلك- كما أشار الكاتب الكبير «صلاح عيسى»- تحطيم ذلك الوَهْم الشائع بأن ما يُكتب بالعامية ليس شعرًا لكنه زجلٌ أو فنٌ أدنَى درجة مما يُكتب بالفصحى مع أن كليهما كان يستند إلى نفس الأسُس.. وينبع من نفس الأبحر التى قننها «الخليل بن أحمد» ويلتزم بالقافية الموحدة.. ويدور حول الأغراض التى عرفها الشعر التقليدى من المرح إلى الهجاء.. ومن الوصف إلى الغَزَل ومن الرثاء إلى التهانى.. ومع أن أمير الشعراء أحمد شوقى نفسه قد كتب بالعامية قصائده التى لحنها وغناها الموسيقار محمد عبدالوهاب ومنها «النيل ماجاشى» و«فى الليل لمّا خلى».. لكنّ ناشرى أجزاء «الشوقيات» فى حياته أو بعد رحيله لم يَعتبروا ما كتبه بالعامية قصائد لا تليق بمكانته أو يضمها «ديوان شعر» أو مجلدات أعماله الكاملة وتعاملوا معها باعتبارها خطيئة زجلية ارتكبها «أمير الشعراء»، وبذلك تكون دلالة مصطلح «شعر العامية» الذى صكه «جاهين» تعنى أنه صاحب الفضل فى استرداد مكانة العامية كأداة كتابة الشعر؛ بل أيضًا ترتبط بحركة التجديد فى شعر الفصحى التى حطمت عامود الشعر التقليدى والقافية.. ومن جهة أخرى؛ فإن موقف صلاح جاهين بتشجيعه للأبنودى والشعراء من شباب الموهوبين فى تلك الفترة تعكس سعيه الحميد لتحقيق نوع من تواصُل الأجيال، ذلك التواصُل الذى نفتقده كثيرًا فى هذه الأيام.



وكمثال آخر على هذا التوجه النبيل والروح الطيبة ما فعله «عباس العقاد» فى الأربعينيات وكان يسميه وقتها «سعد زغلول» بـ«الكاتب الجبار».. مع شاب هو «طاهر الجبلاوى» الذى جاء من دمياط وقَصَدَه فى مقهى يجلس إليه مع صديقه الأثير الأديب «المازنى» وطلب منه على استحياء أن يقرأ أشعارًا كتبها فى كشكول معه ليبدى رأيَه فيها.. وإذا ما كانت ترتقى إلى مستوى النشر.. فطلب منه «العقاد» أن يستمهله إلى الغد.. ثم إذا به يفاجئه فى اليوم التالى برأيه الذى يمدحه فيه مدحًا رائعًا على هيئة أبيات من الشعر كتبها فى الصفحة الأولى من «الكشكول».. لم يصدّق الشابُ عينيه وهو يقرأ أبيات مدح «العقاد» بخَط يده واستأذنه أن تكون بمثابة أيقونة الديوان عند طبعه.. بل إن العقاد تأكيدًا لإعجابه به سأله عن عمله فقال له أنه موظف بسيط فى أحد دواوين الحكومة بدمياط.. استنكر العقاد ذلك وأخبره أنه سوف يسعى إلى نقله للقاهرة ليكون فى بؤرة الضوء.. فلما لمّح له الشاب بضيق ذات اليد لمواجهة أعباء المعيشة والسكن بالقاهرة؛ هوَّن عليه الأمر واستضافه فى منزله.