الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث.. الإعلام وقت الخطر.. وسقوط الإخوان فى تونس.. وبطولة إجلاء المصريين البحث عن الأيام الستة «البيض» فى «سودان» شوال

الطريق الثالث.. الإعلام وقت الخطر.. وسقوط الإخوان فى تونس.. وبطولة إجلاء المصريين البحث عن الأيام الستة «البيض» فى «سودان» شوال

أنتمى لجيل سميته فى مقال سابق بـ«جيل الصبر»، ممن ولدوا من رحم النصر العظيم فى السبعينيات وقضوا طفولتهم يكتشفون ملامح وطن يلملم أشلاءه بعد معارك ضارية ويضمد جراحه بحثاً عن تنمية واستقرار، جيل اختمرت تجربته الحياتية خلال سنوات الفرص الضائعة فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى، وعندما نضج أبناؤه وتخيلوا أنهم استقروا على شواطئ راسخة فى العقدين الأول والثانى من القرن الحالى، انهارت كل الثوابت وسقطت معها الأوهام القديمة، وانقطعت الصلة بما سبق، فأصبحوا وأصبحنا نقضى «اليوم بيومه»، ومع كل صباح نردد المثل الشعبى الدارج: «إحنا ولاد النهارده».



ولأن رمضان انتهى والعيد خلص، يبحث البسطاء مثلى فى أيام شهر شوال عن «الستة البيض» رغم سواد الأيام وأحزانها على السودان، يتنقلون بين الشاشات بحثًا عن خبر يروى الظمأ وينهى القلق، لكن أخبارنا بخيلة لا تغنى من جوع، وبعد جولة ميمونة فى أحضان الكتب لشحن بطاريات العقل والروح، وقراءات منوعة لآخر التحليلات السياسية، تمحورت الرؤية حول أمور ثلاثة شغلت بالى خلال متابعتى لما يجرى فى السودان خلال الأيام الماضية، السودان الذى فطر قلوبنا فى الأيام الأخيرة من الشهر الكريم وحرمتنا أزمته المشتعلة من فرحة عيد الفطر هذا العام.

 الإعلام فى الحرب

عندما يصبح العالم فى حالة حرب، وتقترب نيرانها من محيطنا الإقليمى فإن «الحياد» خيانة، حتى إن دول العالم المتقدم تتسابق فى حفظ أمنها، ولو اضطرت لاختراع نصوص قانونية تضمن التزام الإعلام بالمعايير الوطنية، واستحدثت لذلك مواد تحكم بالسجن والإعدام على من يرتكب جريمة «الحياد» فى أوقات الخطر.

لهذا، وبعيداً عن الشعارات المراوغة، إذا رفعت الصحافة (أو الإعلام) رايات الخطر «وقت الحروب»، فلا تحاسبها بـ«المهنية»، وثق فى أن محتواها يتلفح بالوطنية.

لا مجال فى أزمات الدول وعند الحديث عن مصائر الشعوب، لاستخدام ثالوث الدجل الصحفى  (الحياد والمهنية والمصداقية)، فقد خدعنا بهم الغرب تحت ستار التحضر الديمقراطى، بينما هم ألوان تدارى قبح سمومهم من الأفكار الاستعمارية الهدّامة التى تم دسها فى سائر المحتوى الإعلامى الذى جرى تصديره لنا فى الشرق على مدى سنوات تجاوزت قرنًا من الهوان هو عمر بلادنا العربية الوطنية المستقلة فى العصر الحديث، استسلمنا فيه لنظرية التعاطى مع إعلام «الخواجة» وكأنه نص ربانى منزّه.

لقد عايشت هذا التأليه والتقديس للإعلام الغربى فى كبريات غرف الأخبار العربية، ورأيت كيف يتم التعاطى مع أخبار الوكالات الأربعة الكبرى بالتزام مطلق، تخضع له أجندة العمل اليومية التى تتشكل وفق رؤية أمريكية AP   أو إنجليزية RUTURES  أو فرنسية AFP أو ألمانية DPA ولا تملك أى وسيلة إعلام القدرة على الفرار من سطوة هؤلاء الأربعة الكبار، إلا بحدود وفى سياق لا يخرجها من سطوة الخضوع الكامل. 

إن الالتزام بهذا الثالوث (غير المقدس) تحت تهديد السلاح، رفاهية ربما يقدر عليها أحياناً بعض ضيوف الاستوديوهات المكيفة، بينما المراسلون تحت القصف وبين جثث الضحايا،  والمحررون فى المخابئ تحت أضواء الشموع تطاردهم صافرات الإنذار، لو أتيحت لهم الفرصة فإنهم سوف يقايضون على مواثيق الشرف الإعلامى بكوب قهوة ساخن أو قطعة خبز شهية بالزبد والمربى أو لحظة أمان بعيدًا عن خطر الموت.

إن الجميع أمام الموت ضعيف، وهذا هو أيضاً حال صاحبة الجلالة الصحافة، أمام الخطر يجب أن تصبح خادمة جليلة لأوطانها، تجفف عرق ملاكها وتنفض عنهم مشاعر الخطر، ترقص لهم وتتشقلب كالبهلوان وتلتزم بنص العنوان، لتكون جسر العبور نحو الاستقرار والأمان.

 مشكلة الحكم

لنتفق أولاً أن لدينا «مشكلة حكم» فى أغلب الجمهوريات العربية، وهى مشكلة سابقة لما سمى بالربيع العربى وممتدة إلى الآن، وبعد سنوات من سقوط أعتى الأنظمة الديكتاتورية فى العالم العربى، نظام عمر البشير فى السودان.

السبب الظاهر للمشكلة هو الصراع بين مشروعين.. الدولة الوطنية والدولة الدينية، وهو صراع انطلق بعد سقوط الخلافة العثمانية فى عشرينيات القرن الماضى، واشتعل بعد استقلال معظم دول المنطقة واتجاهه نحو مشروع الدولة الوطنية المتنامى فى ذاك الزمان، حيث انطلقت سائر الجمهوريات العربية منذ منتصف القرن العشرين وحتى أوائل هذا القرن فى مسارات تنموية، ترنحت فيها بين أحلام ونكسات، وبين حلول ومسكنات، حتى كشف هذا الربيع المأجور عن عورات أنظمة استبدادية متتالية، بدأت طموحة ومثالية وانتهى بها المطاف فى سجون التاريخ.

وستبقى أسماء مثل بن على ومبارك والقذافى وعلى عبدالله صالح والأسد «الأب والابن» وأخيرًا البشير، محل جدل وجدال، رغم الثورة على عروشهم وفساد حكمهم وبطش سلطانهم، إلا أن حنينًا لزمانهم قد تسلل إلى وجدان الشعوب العربية، فيما يشبه التصويت الانتقامى من المشروع الدينى الذى مثلته جماعة الإخوان المسلمين التى خدعت العالم طوال قرن كامل بمشروع وهمى أشبه ببالون فارغ، لم يحتمل «شكة دبوس»، حتى انفجر وتشرذم الإخوان الذين سقطت آخر حصونهم فى مهد الثورات العربية، تونس التى احتفلت قبل أسابيع ببرلمانها الجديد، بعد أن قضت نجمة الربيع العربى 20 شهراً بلا حياة نيابية، أمضتها تعيد ترتيب أوراقها السياسية، لتقتلع أخطر سرطانات السياسة فى العالم العربى، وتبدأ صفحة جديدة ومشوارًا صعبًا على الطريق لبناء حياة سياسية رشيدة.

تكمن أهمية ما جرى لثورة الياسمين، فى أن النموذج التونسى لا يزال ملهماً لمن اختطفت الثورة عقولهم، ولمن غيبهم وهم التغيير عن طريق حشد الجماهير، الطريق الذى رسخته جماعة الإخوان المارقة لتضلل الغاضبين وتدفعهم لإسقاط بلادهم والقضاء بأيديهم على ما تم تشييده من بنيان لدولتهم الوطنية، والذى ضحت أجيال متتالية من أجل تشييده، وبدلاً من استكمال البناء، كان الهدم ولا يزال هدفًا استراتيجيًا للإخوان وكل الجماعات الفاسدة التى خرجت من تحت عباءتهم موصومة بمشروعهم السياسى المؤسس على إسقاط الأنظمة العربية الوطنية والقفز على الحدود لاستعادة دولة الخلافة،المشروع الذى يختطفون على صهوته أحلام العرب من المحيط إلى الخليج، يستنسخون أفكار الصهيونية العالمية ومشروعها الإمبريالى، ويطبقون تعاليم الماسونية وخططها للوصول إلى أستاذية العالم.

 نجاح الدولة المصرية

تجاهد الدولة المصرية وتجتهد أجهزتها المختلفة بحكمة للتعامل مع الوضع المعقد فى السودان منذ اندلاع الأزمة الداخلية فى البلد الجار الشقيق، وتشكلت خلية أزمة ممثلة من الوزارات المعنية الدفاع والخارجية والهجرة والداخلية ومعهم جهاز المخابرات لتأمين ممرات آمنة لوصول آلاف المصريين إلى أرض الوطن سالمين بإذن الله.

ونقل إعلامنا الوطنى ممثلاً فى قناتى «القاهرة الإخبارية» و«إكسترا نيوز» عبر معبر أرقين الحدودى،  على مدار الساعة عمليات الوصول المتتالية لحافلات نقل العائدين، ومنهم جنسيات أخرى تستقبلهم مصر وتوفر لهم سبل الراحة والأمان وفى مقدمتهم الأشقاء السودانيون، كما نقلت القناتان وصول العائدين جوًا أيضًا إلى مطار قاعدة شرق القاهرة، فى ملحمة مصرية كبيرة تعكس حرص القيادة السياسية على كل مواطن مصرى، وتؤكد على أن الدولة المصرية خلف أبنائها فى كل مكان وتتدخل فى الوقت المناسب لحمايتهم.

وتتحرك مصر استراتيجيًا مع هذه الأزمة يدفعها هدف واضح هو حقن الدماء فى السودان والمحافظة على البلد الشقيق من تداعيات هذه الاضطرابات الداخلية فى سياق حماية أمن مصر الإقليمى.

وتواجه السودان معركة مصير والتى لا يعلم منتهاها إلا الله، فالأحداث تتلاحق بصورة يصعب معها التنبؤ بما هو قادم، ندعو الله  أن يحفظ الشعب السودانى الذى يواجه مأساة إنسانية كبيرة فى ظل تراجع حاد فى الخدمات ونقص فى المواد الغذائية وتوقف معظم المستشفيات عن العمل.