الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حقك.. ملحمة مصرية لدعم الأشقاء السودانيين من معبر أرقين إلى القاهرة مصر والسودان.. لنقتسم خبزنا معًا

حقك.. ملحمة مصرية لدعم الأشقاء السودانيين من معبر أرقين إلى القاهرة مصر والسودان.. لنقتسم خبزنا معًا

 يمر السودان الشقيق بظروف صعبة ومعقدة، لم تبدأ بالاشتباكات الحاصلة حاليًا، وإنما تسبق ذلك بسنوات طويلة من الانقسامات والصراعات والتورط فى أزمات دولية وضعت السودان فى غير مكانه الطبيعى ووصل الحال بالبلد الطيب إلى الاقتتال الداخلى وتعريض أمن واستقرار المنطقة بأسرها للخطر.



 

وحينما نقول إن العلاقة بين مصر والسودان تحكمها الأخوة والعيش المشترك لا نبالغ، فرغم كل المهاترات الموجودة على صفحات السوشيال ميديا والمحاولات الدائمة لصناعة الفتنة بين الشعبين فإن ذلك لم يؤثر على متانة وقوة الروابط التاريخية بين البلدين الشقيقين، فلا أحد يستطيع أن ينزع من كتب التاريخ تاريخهم المشترك أو يقترب مما حددته الجغرافيا ورسمته الطبيعة من تلاصق جغرافى يجعل المصير واحدًا.

ولذلك كانت مصر حاضرة وبقوة منذ بداية الأحداث فى محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وقررت أن تقف على مسافة واحدة بين كل الأطراف، وتؤكد أنها ملتزمة بسياسة عدم التدخل فى شئون الآخرين وأن تعرض وساطتها من أجل الوصول إلى حل سياسى سلمى يصب فى مصلحة السودانيين، بل ألزمت نفسها بحماية الأشقاء الراغبين فى اللجوء إليها والإقامة فيها لحين انتهاء الأزمة وانقشاع الغمة. 

وفتحت مصر أبوابها راضية للأشقاء فى مشهد إنسانى غير مستغرب على الأرض التى وعد فيها الخالق عز وجل فى أديانه السماوية بأن تكون أمنًا وأمانًا لكل من يلجأ لها، بل قدمت مفهومًا وتجربة خاصة فى توفير كل سبل المعيشة الكريمة للاجئين دون فتح معسكرات إيواء قد تعرضهم لشعور بالعزل أو الفصل، وهو مشهد يؤكد احترام التزام السياسة الخارجية المصرية بقضية حقوق الإنسان والاهتمام باللاجئين وأنها تحولت مع اتساع التجربة إلى التزام مصرى تجاه حقوق الإنسان.

ومع اشتعال الوضع فى السودان تحولت حدود مصر إلى خطوط من نار تضيف أعباء جمة مضافة إلى التضخم والأزمات الاقتصادية المستوردة، وهو ما يضع صانع القرار تحت ضغط الخيارات الصعبة وتضيف أعباء عديدة على كاهل الدولة المصرية ويدفعها للمشاركة بجدية للوصول إلى حل سلمى للأزمة يساهم فى تخفيف تلك الأعباء.

إلا أن الوضع المشتعل على الأرض والجهود المبذولة من جانب الدولة المصرية لتسهيل الإجراءات أمام الأشقاء السودانيين القادمين، ومحاولة مصر حماية مواطنيها داخل السودان فى وضع عسكرى معقد وظروف قاسية والتعامل الحكيم من جانب المؤسسات المصرية ممثلة فى وزارة الدفاع والمخابرات العامة والخارجية ووزارة الداخلية والجهد الاحترافى المبذول، كل ذلك لم يمنع مشعلى الحرائق من العمل وصناعة الفتن وضرب الأسافين بين مصر وأشقائها فى السودان، وهي محاولة محكوم عليها بالفشل دفعتنى لإعادة قراءة مقال قديم لى كتبته فى موقع «مبتدأ» فى مارس 2018 كتبت فيه عن تحركات مصر من أجل استعادة زخم علاقتها بالسودان وأن أى محاولة لضرب تلك العلاقة التى كتبها التاريخ وحفرتها الجغرافيا محكوم عليها بالفشل.

كتبت بالنص وهو نص أتصور أنه صالح لتوصيف الوضع الحالى، قلت: تصنع السياسة فى أوقات كثيرة الخلاف بين الأشقاء، تضع الموانع والعقبات، تدمر التعايش والتاريخ المشترك، ويختفى الحب تحت تأثير المصالح الضيقة، تغتاله فى الكواليس.

يحكم شيطان الخلاف ما بين السطور ليكتب فصولاً حزينة فى تاريخ علاقة أبدية تجمع شعبين لم يفترقا منذ فجر التاريخ.. مصر والسودان.

ما يربطنا بالسودان أكبر وأعمق من خلاف يتصاعد أو مؤامرة تُحاك فى الظلام، سحابة الصيف كان يجب ألا تطول بين الأشقاء، أو تشعل النيران فى العلاقات الأزلية.

يُحسب للرئيس عبدالفتاح السيسى، تحركه العقلانى لإطفاء النيران، يلتقى الأشقاء فى منتصف الطريق، ليضع خارطة طريق جديدة للعلاقات المصرية السودانية والإثيوبية، حفاظًا على تاريخ وحاضر ومستقبل شعوب لا يمكنها العيش وحدها، وضع الرئيس أساس واقعٍ جديدٍ من التعاون، يغلق به الطريق على من يريدون تحويل مجرى النهر الخالد من ساحة تكامل وبناء، إلى ساحة صراع بلا منتصر.

تحتفظ مصر بعلاقات متوازنة مع الجميع شمال وجنوب السودان، قررت التعالى على كل المنغصات وتصحيح المفاهيم المغلوطة، تفتح الطريق أمام المجتمعات للتعارف بالثقافة والفن، أن يكون للمجتمع المدنى دور فى تقريب الشعوب، ودعت الإعلام إلى الالتزام فيما يعرض من معلومات عن البلدين، القيادة المصرية تعلم جيدًا أن 90 % من الأزمة صنعها الإعلام، والتناول المغرض فى كثير من الأحيان لما يدور فى البلدين، حان الوقت لإغلاق الطريق أمام المتربصين ومحترفى الصيد فى الماء العكر.

نجحت الإدارة الهادئة للأزمة فى تحويل التراشق إلى حوار لتعزيز التعاون الإقليمى وإنشاء صندوق ثلاثى للمشاريع التنموية، وتحسين البنية التحتية، مصر تريد الخير لأشقائها، ولن تقف أمام رغبتهم فى التنمية، بل وضعت إمكانياتها الكبيرة فى مجال الطاقة على المائدة، ودعت إلى التعاون فى مجالات الطاقة والربط الكهربائى والنقل البرى والجوى والبحرى، فضلاً عن زيادة التعاون العسكرى والأمنى بين البلدين.

فتحت مصر ذراعيها للأشقاء، طرحت التعاون فى كل المجالات، ولا أبالغ لو قلت لاقتسام رغيف الخبز الواحد مع الشقيق السودانى، كما كنا فى الماضى وسنكون فى المستقبل.

قد لا يعلم الكثيرون أنه بخلاف الدم الواحد والروابط الإنسانية والعائلية، هناك حالة حب خاصة ربطت المصريين بالسودان، وربطت السودانيين بمصر، عبّر عنها شاعر الرومانسية الصوفية وابن مدينة أم درمان، التجانى يوسف بشير الذى قال عن مصر:

إنما مصرُ والشقيق الأخ السودان كانا لخافق النيل صدرًا

حفظا عهده القديم وشادا منه صيتاً ورفَّعا منه ذكرًا

فسلوا النيل عن كرائم أوسعنا دراريَّها احتفاظًا وقدرًا

كيف يا قومنا نباعد من فكرين شدا وساندا البعض أزرًا

كيف قولوا بجانب النيل شطاهُ ويجرى على شواطئ أخرى

كلما أنكروا ثقافة مصرٍ كنت من صنعها يراعًا وفكرًا

نضّر الله وجهها فهى ما تزداد إلا بعدًا على وعسرًا

يا ابن مصر وعندنا لك ما نأمل تبليغه من الخير مصرًا

قل لها فى صراحة الحق والحق بأنْ يُؤثرَ الصراحةَ أحرى

وثقى من علائق الأدب الباقى ولا تحفلى بأشياء أخرى

كل ما فى الورى عدا العلم لا يُكبِّر شعبًا ولا يُمجّد قُطرًا لن تجد أروع من هذه الكلمات عن مصر من سودانى لتذكرنا جميعًا بمصيرنا المشترك، الذى هو أعلى وأسمى من كل الخلافات أو المهاترات التى يمكن أن تتفجر بين الأشقاء.

انتهى ما كتبته فى 2018.. وأتمسك به 2023 حتى يعود السودان لاستقراره وازدهاره. 

كلمة أخيرة.. مرحبًا بالأشقاء السودانيين فى بلدهم مصر.. لنقتسم خبزنا معًا.