سعياً لإنهاء الصراع مصر تدعو لضبط النفس وإعلاء المصالح العليا للوطن

داليا طه
يعيش السودان أوضاعًا مضطربة منذ سنوات طويلة، إما بسبب مشكلات فى الإدارة وطريقة الحكم، وإما نتيجة للمكوّن القبلى والطائفى الذى يتنامى حضوره فى ظل ضعف سلطة الدولة، وإما بفعل التدخلات الخارجية التى تبحث عن مصالحها بصرف النظر عن حال مواطنى البلد المستهدف.
لم يتوقف نشاط الخارجية المصرية منذ وقوع الأحداث، ففى اليوم الأول لاندلاع الاشتباكات، صدر بيان يدعو «كل الأطراف إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وإعلاء المصالح العليا للوطن». وفى اليوم الثانى، هاتف وزير الخارجية سامح شكرى نظيره السودانى للتعبير عن قلقه من استمرار الاشتباكات، ولتأكيد الموقف المصرى الداعم لوحدة السودان وسلامته.
وكانت القاهرة والرياض، بعد ساعات من توتر الأوضاع داخل الخرطوم، قد دعتا إلى عقد اجتماع طارئ فى الجامعة العربية على مستوى المندوبين الدائمين. وقد طالب مندوب مصر فى الجامعة العربية عبيدة الدندراوى، خلال الاجتماع الذى عُقد الأحد 16 أبريل، جميع الأطراف السودانيين بالوقف الفورى لإطلاق النار وتسوية النقاط الخلافية.
من جانبه، أعرب الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال اتصال هاتفى مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عن قلقه من تطورات الموقف فى السودان، مؤكدًا خطورة التداعيات السلبية للأحداث على استقرار السودان، مطالبًا الأطراف السودانية بتغليب لغة الحوار.
ومع عصر اليوم الثانى من اندلاع الأحداث، أعرب الرئيس السيسى ونظيره سلفا كير رئيس جنوب السودان، خلال اتصال هاتفى جمع بينهما، عن استعداد البلدين للقيام بالوساطة بين الأطراف السودانية، مؤكدين أن تصاعد العنف لن يؤدى إلا إلى مزيد من تدهور الوضع، بما قد يخرج به عن السيطرة.
وجاء الموقف المصرى متناغمًا مع الموقف الأممى، إذ ناشدت مصر الأطراف المتحاربة التوقف فورًا عن إطلاق النار وتغليب المصلحة العامة والحفاظ على أمن البلاد.
وقد صدر بيان من الجيش المصرى دعا فيه إلى الحفاظ على أمن قواته الموجودة فى السودان بغرض إجراء تدريبات مع نظرائها وسلامتهم، وأوضح المتحدث العسكرى أن «التنسيق جارٍ مع الجهات المعنية فى السودان لضمان تأمين تلك القوات».
اشتباكات دامية
فى الآونة الأخيرة، اندلعت اشتباكات دامية بين قوات الجيش السودانى بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان وميليشيا الدعم السريع بقيادة نائب رئيس مجلس السيادة السودانى الجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف أيضًا باسم حميدتى، وذلك بعد تصاعد التوترات بشأن المخطط المقترح لانتقال البلاد إلى الحكم المدنى.
ويفترض أن الرجلين بمنزلة حليفين يديران البلاد منذ هيمنة المكوّن العسكرى على الأوضاع فى الخرطوم فى أكتوبر 2021، لكنَّ الخلاف نشب بينهما حول مخطّط ضمّ ميليشيا الدعم السريع إلى الجيش والشخص الذى سيتولى قيادة هذه القوة الجديدة لاحقًا.
وبين نفى وتأكيد، تبادل طرفا الصراع على مدار الأيام الماضية الإعلان عن السيطرة على المواقع الرئيسية، مثل المطارات والطرق السريعة ومبنى الإذاعة والتليفزيون. وفى الوقت ذاته، كانت التسجيلات المصورة تُظهر الناس فى الخرطوم وهم يفرّون من رصاص المعارك، ويبحثون عن ساتر للاحتماء به، فيما تستمر أعمدة الدخان الأسود بالتصاعد فى المدينة.
وكما يبدو، فرغم إدراك الجميع التوترات القائمة بين برهان وحميدتى، وانتشار ميليشيا الدعم السريع حول العاصمة، لم يكن أحد يتوقع وقوع الاشتباكات واتساعها بهذه الصورة، حتى السكان أنفسهم حوصروا بعيدًا من مساكنهم، مع إغلاق الجسور والطرق وإغلاق العديد من المدارس.
وقالت وزارة الخارجية السودانية: إن قائد الجيش عبدالفتاح البرهان أمر بحل ميليشيا الدعم السريع وإعلانها قوة متمردة. ويأتى ذلك فى أعقاب أزمة ممتدة منذ أيام وأسفرت عن مقتل 97 مدنيًا إثر اندلاع اشتباكات بين الجيش والقوات شبه العسكرية فى أنحاء البلاد.
دعوة أممية لضبط النفس
أدان الأمين العام للأمم المتحدة بشدة اندلاع القتال بين ميليشيا الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية. ودعا الأمين العام قادة ميليشيا الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية إلى الوقف الفورى للأعمال العدائية واستعادة الهدوء وبدء حوار لحل الأزمة الحالية.
وأكد أن أى تصعيد إضافى فى القتال سيكون له تأثير مدمر على المدنيين ويزيد من تفاقم الوضع الإنسانى غير المستقر بالفعل فى البلاد.
ثلاثة رؤساء أفارقة
تخطط الهيئة الحكومية للتنمية (إيقاد) أن ترسل رؤساء ثلاث دول إفريقية إلى السودان فى أقرب وقت ممكن لإجراء مصالحة بين طرفى الصراع هناك.
وقد وافقت «إيقاد» على إرسال قادة كينيا وجنوب السودان وجيبوتى إلى العاصمة الخرطوم. كما دعت إيغاد إلى وقف فورى للأعمال العدائية بين الأطراف المتحاربة فى السودان. ويرى مراقبون أنه ليس من المؤكد بدء تنفيذ أى مبادرة سلام، وذلك فى ظل إغلاق مطار السودان الدولى.
وطلب الرئيس الكينى وليام روتو، من قادة منظمة إيقاد اتخاذ موقف حازم لإعادة السلام إلى الخرطوم.
وقد أدان الرئيس الأوغندى يوويرى موسيفينى، «سوء استخدام القوة» خلال الأزمة السودانية، قائلًا إن «تجدد القتال يقوض كل التقدم الذى أحرز من خلال الحوار أثناء الأشهر العديدة الماضية».
كما قال الرئيس موسيفينى، أثناء مخاطبته الإيقاد: «لا يمكننا الاستمرار فى التغاضى عن أخطاء تتراكم عامًا بعد الآخر بسبب السياسات غير القائمة على المبادئ، وإن الوقف غير المشروط والفورى للأعمال العدائية لإيقاف المأساة التى تتعرض لها أفريقيا ذو أهمية قصوى».
وفى سياق متصل، أعلنت جامعة الدول العربية استعدادها للعمل والتنسيق مع الأمم المتحدة بهدف التوصل إلى وقف فورى للاشتباكات المسلحة المستمرة بين الجيش السودانى وميليشيا الدعم السريع، لحقن الدماء والحيلولة دون المزيد من تدهور الأوضاع.
البيت الأبيض
وقال متحدث باسم البيت الأبيض إن الولايات المتحدة قلقة بشدة من تطورات الوضع فى السودان وتدعم كافة الجهود التى تقود إلى وقف التصعيد، وبدء حوار سياسى لحل الأزمة الحالية.
وأضاف البيت الأبيض «ندعم كافة الجهود التى تقود إلى وقف التصعيد فى السودان، وبدء حوار سياسى لحل الأزمة الحالية».
ودعا وزيرا الخارجية الأمريكية والبريطانى إلى «وقف فوري» للعنف فى السودان، حيث خلفت اشتباكات بين الجيش وميليشيا الدعم السريع 97 قتيلًا.
وقال وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن بعد اجتماع مع نظيره البريطانى جيمس كليفرلى إن هناك اتفاقًا على الحاجة إلى «وقف فورى لإطلاق النار والعودة إلى المحادثات».
وأضاف: «ثمة قلق عميق مشترك بشأن القتال والتهديد الذى يشكله على المدنيين وعلى السودان والذى قد يشكّله على المنطقة».
ولفت إلى أنه تمت مناقشة الوضع فى السودان مع حلفاء فى الشرق الأوسط وإفريقيا وهناك اتفاق مشترك «حول ضرورة أن يعمل العسكريون على ضمان حماية المدنيين وغير المقاتلين وكذلك مواطنين من دول أخرى».
وتابع على هامش اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع فى كارويزاوا اليابانية أنه تم التوصل إلى الاتفاق على «الحاجة لوقف فورى لإطلاق النار والعودة إلى المحادثات».
وقال كليفرلى إن ما سيحصل «فى المستقبل القريب يكمن فى أيدى الجنرالات المشاركين فى هذا القتال»، مضيفًا: «ندعوهم إلى وضع السلام أولًا وإنهاء القتال والعودة إلى المفاوضات. هذا ما يريده شعب السودان وهذا ما يستحقه شعب السودان».
وفى بروكسل، دعا مسؤول السياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى جوزيب بوريل القوى السودانية إلى وقف العنف فورًا، محذرًا من أن التصعيد لن يؤدى إلا إلى «تفاقم الوضع».
وبينما حث رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقى موسى فكى القوى المتقاتلة على الوقف الفورى «لتدمير البلاد وترويع سكانها»، حذرت الهيئة الحكومية للتنمية (إيقاد) من أن تصاعد الأحداث سيتسبب فى «انتكاسة» وسيؤدى إلى انعدام الأمن بشكل خطير، وعدم الاستقرار فى السودان والمنطقة كلها.