الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حقك.. معاناة «حنان» فتحت الباب لتعديل قانون الميراث  .. (تحت الوصاية).. دراما «المتحدة» تحرّك المياه الراكدة

حقك.. معاناة «حنان» فتحت الباب لتعديل قانون الميراث .. (تحت الوصاية).. دراما «المتحدة» تحرّك المياه الراكدة

عزّز نجاح مسلسل (تحت الوصاية) من إنتاج المتحدة للخدمات الإعلامية من مقولة إن النجاح لا يأتى صدفة؛ بل إن نجاح أى عمل درامى مبنى بالأساس على قربه من الناس وعلى صُنع علاقة خاصة جدًا بين الدراما والمشاهد بداية من اختيار موضوع واقعى يمس بيوت غالبية المصريين وتحديدًا أزمات الأرامل مع أهالى أزواجهم المتوفين فى حالة وجود أطفال قصّر معها ، وهى أزمات متكررة لا يخلو منها بيت مصرى.



نجاح المسلسل فتح البابَ مرةً أخرى للحديث عن تعديلات مطلوبة فى قانون الميراث ووصاية المجلس الحسبى على أموال القصّر، وهى تفاصيل نقلها السيناريو الرائع لخالد وشيرين دياب من الواقع إلى الدراما، ثم تجسيد الفنانة منى ذكى لمأساة حنان ببراعة شديدة كامرأة قوية قررت أن تحمى أموال أولادها وتتحدى واقع الأرامل وتعقيدات القانون وتقرر قيادة مَركب زوجها لصيد الأسماك وتعمل مع الرجال من أجل حماية مستقبل أطفالها من استغلال أسرة زوجها الراحل.. 

أزمة القانون تنكشف بعدم قدرة الأم على نقل قيد ابنها من مدرسته بالإسكندرية إلى مدرسة أخرى بالقرب من المنزل فى «عزبة البرج»، إلا بعد اللجوء إلى أسرة زوجها الراحل ولا تستطيع التصرف فى أمواله للإنفاق على أطفالها إلا بعد اللجوء إلى المجلس الحسبى.

قدّم المسلسل الواقعَ المؤلمَ للأرامل مع المجلس الحسبى الذى حرمها من حقها كأم مسئولة عن الطفلين وحوّل الوصاية إلى رحلة عذاب يومية تخوضها الأرملة من أجل أطفالها فى ظل تحكم الجد أو العم فى قرارات أسرتها.

التعاطف الكبير مع شخصية حنان فى المسلسل فتح البابَ أمام تفاعُل عدد من أعضاء مجلس النواب ودفعهم إلى المطالبة بتعديل قانون الأحوال الشخصية وتغيير القوانين التى تحرّم الأمَّ من حقها فى إدارة شئون أطفالها، وهو ما طالبت به النائبة ريهام عفيفى عضو مجلس الشيوخ؛ بضرورة إجراء تعديلات على قانون الولاية على المال والصادر منذ خمسينيات القرن الماضى.

النائبة أشارت- فى تصريحاتها الصحفية- إلى أن قانون الولاية على المال والجارى العمل به يواجه العديد من القصور التشريعى، الأمر الذى يتطلب المعالجة السريعة؛ لاسيما أن الكثير من الأمهات الأرامل يعانين الأمَرّين بعد وفاة الزوج للحصول على مستحقات أبنائها سواء من الجد أو العم؛ لاسيما أن الأخير فى الغالب ليس له نصيب فى هذا الإرث حال وجود ابن ذكر.

وأشارت النائبة إلى أنها تعكف حاليًا على إعداد طلب مناقشة موجَّه إلى المستشار عمر مروان وزير العدل سيتم تقديمه عقب إجازات الأعياد يتضمن ضرورة تعديل قانون الولاية على المال والصادر فى عام 1952؛ خصوصًا أنه لم يعد يتناسب مع هذا العصر،ولا يراعى حقوق المرأة الأم فى انتقال الولاية لها على أبنائها حال وفاة الزوج وما ينتج عن ذلك من مشاكل وقضايا تضر فى المقام الأول الأبناء وتهدد مستقبلهم.

وفقًا للقانون الحالى؛ فإن الولاية على المال تكون للأب ثم للجد الصحيح إذا لم يكن الأب قد اختار وصيًا للولاية على مال القاصر وعليه القيام بها ولا يجوز له أن يتنحى عنها إلا بإذن المحكمة.

النائبة رانيا الجزايرلى، عضو مجلس النواب، قدمت أيضًا اقتراحًا برغبة إلى المستشار حنفى جبالى رئيس المجلس بشأن النظام المعمول به فى المجلس الحسبى وأنه يَعتبر الأم شخصًا غير مؤتمن أو غير كامل الأهلية، وتسألت النائبة هل فى هذا الوقت والتوقيت الحرج الذى تتكون فيه المرأة والأسرة مرارة الفقد وثقل المسئولية التى ألقيت على عاتق الأرملة فجأة بعد وفاة زوجها، فهل تحتاج إلى مزيد من التكدير بعدم قدرتها على الإنفاق على أولادها من أموال والدهم؟ وهل يجوز أن يتحمّل الأبناء ذل العوز؛ وبخاصة لو كانوا فى حياة والدهم يعيشون فى مستوى اجتماعى مرتفع؟!.

وطالبت النائبة بإلغاء نظام المجلس الحسبى على المرأة الأرملة وجعله اختياريًا يتبع إدارة وتقدير الزوج فى قرار له يكتبه ويفوّض فيه المجلس الحسبى بدلاً من الزوجة.

نجاح مسلسل (تحت الوصاية) فى تقديم الأزمة ودفع نواب البرلمان إلى البحث عن حل يدفعنا إلى الحديث عن قدرة الدراما على تغيير الواقع؛ خصوصًا أن المسلسل يستعيد ذاكرة واحد من أهم أفلام سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، وهو (أريد حلاً) والذى أطلق جرس إنذار بضرورة الاهتمام بقضايا المرأة المصرية والعربية وحرّك المياه الراكدة لقرون حول حقوق المرأة ودفع بها إلى أولويات العمل البرلمانى والحكومى كما هو حاصل الآن فى مصر ودول عربية أخرى.

الحالة التى صنعها مسلسل (تحت الوصاية) ستواجه بشراسة من جانب التيارات الدينية المتشددة، وهو أمر يجب الانتباه إليه، فتلك التيارات المعادية لحقوق المرأة لها سجل سيئ فى الالتفاف على أى تحرُّك من أجل دعم المرأة المصرية، ربما نسترجع حملة جماعة الإخوان الإرهابية عبر مجلتهم «الدعوة»، ضد فيلم (أريد حلاً) وتصويره على أنه مؤامرة ضد الشريعة، بينما الفيلم انتصار لصحيح الدين قبل أن يخضع للمؤثرات الاجتماعية والتقاليد الموروثة.

الأمر نفسه تكرّر العام الماضى مع مسلسل (فاتن أمل حربى) ويتكرر مع مسلسل (حضرة العمدة) وهى كلها دراما تسعى للمطالبة بحقوق المرأة وتدعمها فى مواجهة مشاكلها الاجتماعية المبنية بالأساس على التشريعات القديمة التى لا تعتبر المرأة إنسانًا كامل الأهلية.

أتصور أن الدعوة لتعديل قانون الميراث لا تقتصر فقط على نواب البرلمان وأن الأمر يحتاج إلى حوار مجتمعى تشارك فيه مكونات المجتمع سواء مجالس وطنية مثل المجلس القومى لحقوق الإنسان والمجلس القومى للمرأة والمؤسّسات الحقوقية الفاعلة بالإضافة إلى فقهاء القانون ورجال الدين من أجل الوصول إلى صيغة تسمح بعدم تكرار مأساة «حنان» وتعطى الفرصة للأرملة أن تربى أطفالها بحُرية ودون الخضوع لابتزاز أهل الزوج المتوفى.

دراما المتحدة نجحت هذا العام فى تحريك المياه الراكدة بموضوعات مختارة تعبّر عن المجتمع وعن ألم ومعاناة النساء وأيضًا عبّرت عن النماذج الناجحة منهن وقدرتهن على القيادة فى (حضرة العمدة) دون خوف من هجمات التيارات المتشددة وانتصرت لقيمة الفن ورسالته الهادفة فى مواجهة طيور الظلام.