الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
بين الرئيس المنتظر والسياسى الدجال

بين الرئيس المنتظر والسياسى الدجال

كثير من المراقبين فى الشأن السياسى الدولى فى العموم والأمريكى على وجه الخصوص قد يتفقون بأن وصول الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب للرئاسة عام 2017 كان بمثابة هزة كبرى فى النمط العام للعلاقات السياسية بين الدول، ابتداءً من تبنيه سياسة الانعزال كركيزة لسياسته الخارجية، مرورًا بتحويل بلاده إلى ملاذ للاسترزاق المالى عبر بيعه للمواقف والاتفاقات لمن يدفع أكثر، ضاربًا عرض الحائط الاستراتيجية الشاملة التى حكمت السياسة الأمريكية لأكثر من نصف قرن والتى تغولت بشكل أكبر بعد أحداث سبتمبر 2011، وانتهاءً بتحديه لقواعد توزيع المسئوليات والنفوذ ضمن لعبة السياسة الداخلية والخارجية الأمريكية.



ليكن واضحًا هنا أن ترامب لم يكن الوحيد الذى باع المواقف وغلَّب المصلحة الحزبية والانتخابية على المبادئ، فهذه هى لعبة السياسة حيث لا صديق للأبد ولا عدو دائم، كما أن ترامب بكل ما يمثله من بلطجة سياسية ليس أسوأ حالًا من الرئيس الحالى «بايدن» الذى وصل لمقعد الرئاسة لا لكفاءته وقدرته على إعادة توحيد الصفوف الداخلية وإعادة الدور الأمريكى دوليًا، بقدر ما كان المخرج الوحيد لجناح منتفع فى الداخل وجد فى ترامب تهديدًا حقيقيًا لموقع أمريكا فى العالم عبر السياسات الأحادية التى تبناها الرئيس السابق وتجاهله وتحديه للركائز التى بنيت عليها بلاده.

اليوم يواجه ترامب من خلال الأجهزة القضائية والقوى الحزبية ملاحقات قانونية ليست جديدة، بل هى اجترار لقضية سبق أن طرحت فى الفضاء السياسى منذ أن كان يقطن فى البيت الأبيض، محاولة لشيطنته واتهامه أخلاقيًا عبر أدلة يجرمها القانون بهدف إبعاده نهائيًا عن أى احتمالية لعودته كمرشح للرئاسة فى انتخابات 2024 والفوز بها خصوصًا إذا ما علمنا أن الحزب الديمقراطى الذى هندس ويدير هذه الحملة المنظمة ضده لا يملك بعد ثلاثة أعوام فى إدارة البلاد أى ذخيرة تطمئن الليبراليين واليسار حيال حظوظهم فى الفوز مجددًا فى مقعد الرئاسة المقبلة، فبايدن أثبت منذ أن وصل للبيت الأبيض أنه غير قادر على الخروج بالبلاد من المآزق المتعددة التى يواجهها أو تسبب بها، والوضع العام للبلاد على المستوى الاقتصادى والسياسة الدولية ينبئ بواقع قد لا تحمد عقباه إذا ما استمر على ما هو عليه.

من المفارقات الغريبة التى أصبحت واضحة اليوم هى أن المحافظين وخصوصًا الإنجيليين واليمينيين منهم باتوا أكثر تعلقًا بترامب حتى بعد توجيه الاتهام له قضائيًا، بل ربما أصبحوا مقتنعين بشكل لا يدع مجالًا للشك لديهم أنه قد يكون المخلص المنتظر الذى سيظهر فى نهاية الزمان، فكونه كان على علاقة مع ممثلة أفلام إباحية لم يعد ينظر لها باعتبارها نقيصة بقدر ما ينظرون لترامب بأنه مثل غيره إنسان خطاء لكنه يفرق عن غيره أنه وقف ضد اليسار المنحل الشاذ جنسيًا والقاتل للأجنة فى بطون أمهاتهم والساعى لهيمنة حكومة بهوى اشتراكى على كل مناحى الحياة فى مجتمع بُنى أساسًا بهدف الانعتاق من سطوة أى حكومة مركزية.

مشكلة الحزب الديمقراطى التى لم يجد بعد طريقة لمعالجتها هى كيف يستطيع أن يصنع من الداخل نجومًا على شاكلة ترامب، فى وقت ينقسم الحزب على نفسه فى أجنحة قد تتقاطع مصالحها وقد تتضاد، فالليبرالى التقليدى بات أقلية داخل الحزب إذا ما قارنته بسطوة ونمو الجناح التقدمى واليسارى الديمقراطى خصوصًا بين الشباب وبين سكان المدن الكبرى، فى وقت نجد أن الحزب الجمهورى المنافس أصبح إلى حد كبير رهينة لخطاب يمينى محافظ واضح الملامح قادر على أن يدغدغ مشاعر جزء كبير من الأمريكيين الذى تم تهميشهم لعقود بسبب ضعف قدراتهم المالية أو انعزالهم فى ولايات الوسط والوسط الغربى، وهم الشريحة الانتخابية التى أحدثت الفرق فى نوفمبر 2016 وأوصلت ترامب للبيت الأبيض.

يبقى أن نقول إن ترامب فى حال تمكن من تجاوز التحديات التى يواجهها اليوم وبعد ذلك تمكن من الفوز بترشيح حزبه وهو أمر شبه محتوم فى حال استمر فى السباق الحزبى ثم الفوز بالانتخابات الرئاسية فى حال مواجهته بايدن أو أى مرشح ديمقراطى من تلك الأسماء التى يتم اجترارها فى كل دورة، فإن ترامب لن يكون الرئيس الذى عرفه العالم فى الفترة من 2017 - 2022، فقد يواجه العالم وحلفاء ترامب التقليديون وأعداؤه حالة من التبدل فى مواقفه تجاه القضايا الدولية ربما تكون فى صالحهم وقد تكون فى مواجهتهم، فالرجل النرجسى والدجال الذكى لن يعود بطموح فترته الأولى ولن يكون ذا الرجل الذى استخف به الناس وانتصر، سيأتى محملًا بأحقاد وأحلام، يبقى فقط أن ننتظر لنكتشف حينها (حاقد على مَن ويحلم بماذا) !