الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
المجتمع وصندوق ذخيرة أفكاره

المجتمع وصندوق ذخيرة أفكاره

المجتمعات التى تمر بمرحلة النمو والتطور لا بد لها أن تعيش فى أجواء من الحرية الفكرية تسمح بطرح كل الآراء والأفكار لتخلق منها حاضنة مجتمع فكرية للابتكار والحلول والآليات، ففى ظل غياب الحرية فى الطرح والتفكير خارج الصندوق فإن غالب الابتكارات والحلول والآليات ستبقى فى بوتقتها السابقة وتكون التغييرات شكلية ومؤقتة لا تعالج بالضرورة العديد من التحديات والمعطلات المستقبلية.



ولا يمكن أن يكون هناك حرية فى طرح الأفكار دون ضمانات قانونية تحمى أصحاب الأفكار من الملاحقة السياسية أو الشيطنة الأمنية وكذلك تحميها من سرقة حقوقها الفكرية وتجيير تلك الأفكار لصالح أشخاص أو جهات دون وجه حق.

صرح الأفكار بحرية لا يمكن أن يتحقق دون توفر بيئة محمية قانوينًا وواسعة الأفق للتعبير والنقاش، بحيث تصبح كل الأفكار متاحة للتداول دون معوقات وخطوط حمراء تحد من الانطلاق الفكرى أو الحدود الهلامية التى يسهل بها تجريم أى خارج عن المألوف، فالتفكير خارج الصندوق هو فى أصله خروج عن الأنماط المتبعة فى السياقات الماضية لمجتمع يمر فى مرحلة التغيير، ولذلك فحماية الطرح غير المألوف يصبح أهم العوامل لازدهار البيئة الفكرية والإبتكارية والذى لا يمكن أن يعمل إلا فى أجواء من الأريحية والحماية القانونية والحرية.

تخضع الأفكار والآراء المطروحة لإختبار المنطق والفائدة والتأثير الإيجابى والقبول الشعبى باعتبار تلك الأفكار انبعاثًا جديدًا لمجتمع يسعى للتطور فإما أن تصمد وتتحول بفعل الآليات الصحيحة للتنفيذ لواقع معاش او تسقط فى مكانها، وليس لمقصلة الحدود الكهربائية ومتطلبات الساعين للتغيير وفق المنهج الذى يقبلونه فقط، فالتغيير المحدد سلفاً ليس تغييرًا بقدر ما هو تعديل قد لا يتوافق مع الطموح الذى يوصل للتغيير الإيجابى طويل الأجل.

يجب التعامل مع الأفكار التى تنشأ فى البيئة الحرة التى تتمتع بحماية كاملة باعتبارها ذخيرة اجتماعية تغنى الروح الجماعية للمجتمع رغم التضاد والتنافر الذى قد يظهر بينها فى كثير من الأحيان، فصندوق الأفكار والحلول والآليات التى قد لا تناسب مرحلة ما قد تكون مناسبة لفترة لاحقة، لذا فإنه ليس هناك أفكار غير صالحة بالمطلق، فقط هناك أفكار قابلة للتنفيذ فى مرحلة ما وأخرى تقبل التنفيذ فى مرحلة قادمة، وعليه فكل الأفكار الفاعلة التى ينتجها العقل الحر تعد ذخيرة لعقل جمعى لمجتمع يسعى للتطور والتغيير تماشياً مع متغيرات الظروف التى تحيط به.   

المجتمع الذى يسعى للتطور يجب أن ينطلق من قاعدة مثبتة لا يشكك فيها أى عقل يعى حقيقة حركة المجتمعات، وهى أنه لا يوجد فى أى مجتمع شخص أو جهة أو تكوين اجتماعى لديه كل الحلول أو الأفكار الناجحة بمفرده، الإيمان بذلك يعنى أننا ننظر لتلك المكونات باعتبارها خارقة للطبيعة، والمجتمعات فى عالم الواقع لا يوجد فيها الخارق للطبيعة، لذلك فإن الصواب والخطأ قد يؤخذ به وقد يرد عليه، وفى عالم الأفكار ليس هناك احتكار فى الحق وعليه فإن فرض ميزان العدل والمنطق ومصلحة المجتمع طويلة الأمد فى تناول الأفكار يعد المطلب الأساسى فى التقييم وفى التعامل مع تلك الأفكار الناشئة.

التغيير والتطور يأتى بتلاقح الأفكار المتناقضة والمتضادة المطروحة للنقاش بحرية، فكل الصور الكاملة فى هذا العالم لا تتكون من بهتان لونى أو عبارات مجترة، بل على العكس، كل ما كانت اللوحة غنية بالألوان كلما وصفت بأنها جميلة وعظيمة، وكلما كانت القصائد تحمل توصيفات مبتكرة كان الشاعر أعظم وقصيدته خالدة.