الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حواديت.. المرأة المصرية.. الحارسة الأبدية المقيمة على أبواب كيميت العظيمة..  ثلاث ملكات مصريات كنَّ السبب الرئيسى فى الانتصار على الهكسوس

حواديت.. المرأة المصرية.. الحارسة الأبدية المقيمة على أبواب كيميت العظيمة.. ثلاث ملكات مصريات كنَّ السبب الرئيسى فى الانتصار على الهكسوس

تظل المرأة المصرية سندًا وظهيرًا أبديًا لبلادها ضد أى هجمات تهدد وجودها منذ فجر التاريخ وحتى قيام الساعة، ففى الوقت الذى أباحت فيه العادات والتقاليد بالعالم وأد الفتاة أو بيعها فى سوق النخاسة مثلها مثل أى سلعة؛ كانت المرأة المصرية رفيقًا وسندًا لزوجها فى بناء الدولة القديمة والحديثة سواء كانت ملكة أو فلاحة، فكلتاهما كانت لها وجود ودور مؤثر فى تاريخ بلادها، وقد برز دور المرأة المصرية ومشاركتها الحكم بشكل كبير بداية من الأسرة السابعة عشرة وازداد رسوخًا مع السنوات حيث أصبح للمرأة نصيب فى حكم البلاد، فكان للملكة حاشيتها الخاصة وأملاكها وموظفوها، وقد عظم سلطان الملكات حتى كُنَّ يعيِّنَّ أصحابَ الحظوة عندهن فى أعلى مناصب الدولة.



مما يستلفت النظر فى تاريخ الأسرة السابعة عشرة ذلك النفوذ الكبير الذى كان لسيدات هذه الأسرة، وهو ما تكشفه لنا النعوت والأوصاف اللائى تم وصفهن بها وما كان يقوم به الملوك لتخليد ذكراهن . وقد سطرت ثلاث نساء من تلك الأسرة حروف أسمائهن من نور حيث لعبن دورًا كبيرًا فى حرب الاستقلال من احتلال الهكسوس وبعث روح المقاومة فى العائلة.

الملكة تيتى شيرى

هى أم الملك الشهيد سقنن رع الملك الثامن من ملوك الأسرة السابعة وعشرة، وكان لها دور بارز فى مساندة ابنها لحرب الهكسوس وتربية ابنيه كامس وأحمس تربية عسكرية حتى يستطيعا استرداد مصر من بين أنياب الاحتلال، وعندما استُشهد الملك كامس أثناء حربه مع الهكسوس كانت آخر كلماته لأخيه أحمس أن يُبلغ الجدة العظيمة «تيتى شيرى» أنه لحق أباه ومات ميتة سقنن رع الشجاعة.

وقد أقام لها أحمس هرمًا ومحرابًا فى جبانة (العرابة المدفونة) بأبيدوس وغرس الأشجار حولها وخصَّص لها كهنة جنائزيين ومرتلين، يعرف كلُّ واحد منهم واجباته وعندما تم الانتهاء من البناء جاء الملك أحمس ومدَّ ذراعيه، وأحنى رأسه (إجلالًا)، ونطق لها بصيغة دعاء القربان الملكى،  وقدَّمَ قربانًا للإله «جب» (إله الأرض) ولتاسوع الآلهة العظام، ولتاسوع الآلهة الصغار، وللإله «أنوبيس» فى محرابه المقدس، ومقدمًا آلافًا من القربان من الخبز والجعة والثيران، والإوز والماشية إلى روحها.

الملكة إيعح حتب 

أو كما يطلق عليها المصريون (إياح حتب) هى أول أمراة فى التاريخ يتم منحها أرفع وسام عسكرى تقديرًا لدورها فى حرب التحرير ضد الهكسوس وهى زوجة الملك سقنن رع ووالدة الملكين كامس وأحمس وقد منحها الأخير وسام (الذبابة الذهبية) تقديرًا لشجاعتها وصلابتها واعترافًا بدورها الكبير فى هذا النصر، وهو أعلى وأرقى وسام عسكرى فى الدولة حينذاك؛ حيث كان يمنح لمن قام بأداء دور بطولى فى المعارك العسكرية، وبذلك أصبحت إياح حتب أول امرأة تتقلد هذا الوسام إلى جانب إهدائها المشغولات الذهبية والأساور الفريدة.

ويتجسد دور إياح حتب فى صمودها بعد استشهاد زوجها الملك سقنن رع فى حربه مع الهكسوس، حيث أصبحت وصية على العرش وساندت ابنيها كامس وأحمس فى مواصلة الحرب حيث كانا لا يزالان حديثى السن عند استشهاد أبيهما وتحالفت مع ملوك جزر بحر ايجة وكريت ضد الهكسوس وكان لذلك التحالف دور كبير فى القضاء على المحتلين وقد أطلق عليها ابنها أحمس العديد من الألقاب منها لقب سيدة الأرض (أى مصر)، وأميرة شواطئ «حايونبوت»، وكلمة «حايونبوت» كناية عن جزر البحر المتوسط. 

وقد لخص أحمس ما قامت به أمه من دور عظيم فى اللوحة التى أقامها فى معبد الكرنك تخليدًا لأعماله وأعمال والدته حيث قال (قدِّموا المديح لسيدة البلاد، وسيدة جزر «بحر إيجة»، فاسمها رفيع الشأن فى كل بلد أجنبى،  فهى التى تضع الخطة للجماهير، زوج الملك، وأخته الملكية، لها الحياة والسعادة والصحة، وهى أخت ملك، وأم ملك، الفاخرة والحاذقة التى تهتم وتضطلع بشئون مصر، ولقد جمعت جيشها، وحمت هؤلاء، فأعادت الهاربين، وجمعت شتات الذين هاجروا، وهدأت روع الوجه القبلى (أيْ مملكة طبية)، وأخضعت عصاته، الزوجة الملكية، «أعح حتب» العائشة . 

حيث يوضح أحمس أن أمه هى التى أنشأت مصر الجديدة، وأنها الروح الذى أقال مصر من عثرتها، وكتب لها النجاح، وكان لها نشاط ملحوظ خارج بلادها؛ إذ كان لا يمكنها أن تحمى الهاربين وتجمع شتاتهم إلا فى البلاد الأجنبية، ومن الواضح أن الهكسوس قد وقعوا بين مخالب مملكة «طيبة» وجزيرة «كريت» التى أصبحت حليفتها، وبهذا أصبح من السهل حصار عاصمتهم «أواريس» والتغلُّب عليها؛ وذلك بسبب فضل وذكاء الملكة إياح حتب ونجد فى هذه الأنشودة الملكية فضلًا عن ذلك ما يُثبِت ذلك، فطبقات الشعب الثلاث تقول عن أحمس «إنه سيدنا». ويقول أهل «حايونبوت»: نحن فى ركابه. والأراضين تقول: نحن ملكه. وفى استطاعة الإنسان أن يميِّز بوضوح ثلاث طوائف مختلفة؛ الرعية المصرية، وأهل «كريت» حلفاء مصر، وهم الذين يقومون لها بالمساعدة الحربية، ثم سائر العالم (أيْ سوريا وبلاد السودان)، وهى الأراضى التى يظلها سلطان مصر.

الملكة أحمس نفرتارى 

هى زوجة الملك كامس ثم زوجة الملك أحمس بعد استشهاد زوجها وهى أول ملكة وسيدة مصرية تقود فرقة عسكرية حربية فى معركة التحرير وقاتلت بكفاءة شديدة والظاهر أنها عاشت مدة طويلة بعد وفاة زوجها الأول الذى مات فى سن الأربعين، حيث عاشت فترة حكم زوجها أحمس ثم ابنها أمنحوتب الأول ثم حفيدها تحتمس الأول، ومن المدهش تقديس المصريين لنفرتارى أكثرَ من زوجها، واستمر ذلك على مر السنين أكثرَ من أى ملك آخَر، منذ أواخر الأسرة الـ18 وحتى الأسرة 21 فقد وجِدت آثارٌ تدل على ذلك حتى عهد الأسرة الواحدة والعشرين. 

والواقع أنها كانت تُعَدُّ فى نظر المصريين إلهةً مثل آلهة طيبة العظام، وأقاموا لها معبدًا فى طيبة وجعلوا منها ومن ابنها أمنحوتب الأول إلهين حاميين للجـبـانـة، وكانوا يرسمونها على جدران كثير من مقابرها وكان لها طائفة خاصة من الكهنة تقوم على خدمتها، كما كان لها محراب مقدَّس يُوضَع على سفينة مقدَّسة، يُحمَل على الأكتاف فى الاحتفال بالأعياد العظيمة، وقد كان القوم يدعونها بصيغة القربان المعروفة، وتُلقَّب على الآثار بالابنة الملكية، والأخت الملكية، والزوجة الملكية العظيمة، والأم الملكية، والحاكمة العظيمة، وسيدة الأرضين؛ فهى بذلك تضارع الملكة «أعح حتب» أم «أحمس» الأول فى نفوذها؛ فإذا سألوك عزيزى القارئ عن المرأة المصرية فقل «هى الحارسة الأبدية المقيمة على أبواب كيميت العظيمة».

المصادر 

 دكتور عبد الرحيم ريحان، مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بمناطق آثار جنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار.

 موسوعة مصر القديمة الجزء الرابع لدكتور سليم حسن