الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث.. إعادة اكتشاف «الزواج» فى دراما رمضان 2023 خمس عادات لتحقيق حلم «الأسرة السعيدة»

الطريق الثالث.. إعادة اكتشاف «الزواج» فى دراما رمضان 2023 خمس عادات لتحقيق حلم «الأسرة السعيدة»

الزواج بطل رئيسى على مائدة الدراما الرمضانية فى كل عام، لأنه كالملح والتوابل أساسى فى كل مطابخ الحكايات، لكن ظنى أن موسم رمضان 2023 دراميًا كان «موسم الزواج فى الدراما المصرية»، فلقد تعددت الأعمال الدرامية على مختلف الشاشات المصرية والعربية التى اختارت الزواج خطًا رئيسيًا للدراما، تم خلاله تفكيك هذا المشروع المركب وربطه بتصاعد الأحداث وتطورها، ليصل كل عمل إلى النهاية المتسقة مع تصوراته لدور الفن ورسالته، وكان فى مقدمة هذه الأعمال مسلسلا «مذكرات زوج»، «الهرشة السابعة»، اللذان جذب قطاعًا كبيرًا من المشاهدين بفضل متانة الرؤية وبراعة التنفيذ.



 الإيجابى يكسب

إن الزواج وسنينه.. وحنينه وأنينه.. مرورًا بجنينه، يحتاج إلى مئات المسلسلات والتى لن توفِ هذا المشروع المحورى فى حياة كل البشر، حقه.. ولن تنجح فى أن ترصد وتلم بكل تلابيبه، فالزواج بحوره كثيرة ودهاليزه مريرة.. وشعبيته خطيرة، لهذا حظى المسلسلان بنسبة كبيرة من المشاهدة والاهتمام الجماهيرى، خاصة مع تماسك مستواهما الفنى، وإن كان مسلسل «مذكرات زوج» قد اختار المنهج الإيجابى الذى جعل مشاهدته تمثل متعة خاصة تمنح المتعثرين من الأزواج بعض الطاقة ليصلحوا بها علاقاتهم العائلية وينقذوا أسرهم من هوة الفشل السحيق الذى يحدثه الطلاق، رغم أن قطار حلقات المسلسل ينطلق من محطة الملل الزوجى الذى يصيب علاقة زواج ظاهرها النجاح وباطنها التعاسة، إلا أنه يصل إلى محطة النهاية السعيدة.

بينما كانت الشكوى المتكررة من متابعى «الهرشة السابعة» من المبالغة فى التوتر وتزايد الضغط العصبى والنفسى الذى يحدثه المسلسل لجمهوره من المشاهدين خلال متابعة الأحداث التى ترصد بعضًا من يوميات زوجين شابين خلال رحلتهما من الزواج إلى الطلاق فى السنة السابعة من زواجهما. والمقارنة بين العملين تصلح مدخلًا لمناقشة دور الدراما بين الترفيه والتأثير، كركيزة فى فهم دورها فى العصر الحالى، وربما نناقش هذا فى مقالات قادمة إن شاء الله، بينما نكمل فى هذا المقال حديثنا عن الأسرة، تاج مشروع الزواج ودرة عقده.

 نواة المجتمع

إن ما قدمته الدراما المصرية هذا العام عن «الزواج» يعد مدخلًا مثاليًا لتجديد الحديث عن أهمية الأسرة، التى توصف دائمًا بأنها نواة المجتمع، صلاحها وتماسكها ونجاحها، ركائز لأى تقدم بشرى، وربما يساعدنا على اكتشاف قيمتها من جديد أن نتأمل قليلًا أحد الأقوال المأثورة والمشهورة للأديب والفيلسوف الروسى فيودور دوستويفسكى (مؤلف الجريمة والعقاب والإخوة كارامازوف) والتى قال فيها: «كانت أمى تقول لنا دائما: اضحكوا فى وجه أبيكم عندما يعود إلى البيت فالعالم فى الخارج موحش يحطم الآباء»، والكلام فى ظنى يرصد فى إبداع أدبى شكل العلاقة بين أفراد أسرة أصيلة، تمثل نموذجًا للأسرة الشرقية العريقة، كما يكشف النص الأدبى بشكل واضح الفارق الجوهرى فى العلاقات داخل الأسرة بين الماضى والحاضر، ويجعلنا نتنبأ بالمستقبل الذى سوف نصل إليه مع تنامى الصراع بصورة مرعبة بين طرفى العلاقة الزوجية.. الزوج والزوجة. 

 إضعاف متعمد

إن العالم فى سنواته الأخيرة شهد حالة تمييعًا وإضعافًا متعمدًا لدور الأسرة فى سائر المجتمعات، وتغييبًا كاملًا لدورها فى تكوين ثقافة الفرد وتشكيل وعيه وإكسابه الخبرات اللازمة لخوض غمار الحياة، حيث تم بتر جذور الانتماء التقليدية وتعطيل التواصل بين أفراد الأسرة، وخلق أنماط بديلة للأسر الواقعية، مثل الحواضن الافتراضية العصرية والتى أصبحت مصادر المعرفة ومظلة الحماية الإنسانية والمرجعية الفكرية لمعظم الأفراد، وسهلت التكنولوجيا الحديثة فرض هذا النمط بصورة جهنمية، وفى زمن قياسى.

وفى عالمنا العربى والإسلامى يبدو الأمر أسوأ وأكثر تعقيدًا، ربما يرجع ذلك بسبب التأخر الطبيعى عن المجتمعات الغربية، ويظهر من أبرز ملامحه: غياب الوعى بالمخاطر المحيطة سواء من الدولة أو الأفراد، والسلبية الرسمية فى التعامل مع ظواهر فاضحة تنذر بأزمات كبيرة فى القريب، ومن ذلك على سبيل المثال، الارتفاع الكبير فى حالات الطلاق، وخاصة بين المتزوجين حديثًا، ففى مصر مثلاُ، وخلال السنوات الأخيرة: كشف الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، ارتفاعًا كبيرًا فى حالات الطلاق المسجلة فى البلاد، وقال الجهاز إن حالات الطلاق وصلت إلى 237.7 ألف حالة، بمعدل حالة طلاق كل دقيقتين.

 انتشار الطلاق

ويؤكد علماء النفس أن «خطورة ارتفاع معدلات الطلاق وانتشاره بصورة تجعله أمرًا عاديًا وليس نادرًا كما كان فى أجيال سابقة، يجعل الأجيال الحالية والقادمة أقل تقديسًا لمؤسسة الزواج وأكثر استهانة بالطلاق وتبعاته»، وكشفت دراسة سابقة عن أسباب الطلاق المبكر أجراها المركز القومى للبحوث الاجتماعية، أن أبرز الأسباب هو تدخل الأهل فى الزواج سواء بالإجبار على الزواج أو التدخل بين الزوجين، ويليه أسباب أخرى مثل اختلاف الطباع بين الزوجين أو الخلافات المالية وقضاء أوقات طويلة على الإنترنت، باعتبارها تفتح الباب أمام الخيانة الزوجية والانفصال العاطفى بين الزوجين.

عوامل كثيرة شكلت المشهد الذى نعيشه، أخطاء متراكمة وعوامل مستحدثة، وفشل حكومى مزمن فى صياغة عقد اجتماعى جديد، يعيد تشكيل مجتمعاتنا العربية والإسلامية ويحصنها من طوفان التغييرات الاجتماعية والثقافية التى زلزلت كيانها وهدمت أركانها، وتستبيح ما قدر على البقاء رغبة فى الإطاحة به، ولا يليق بنا أن نكتفى بدور المشاهد، علينا بذل ما نستطيع لإعادة التماسك للأسرة المصرية واستيعاب أهميتها، وتنظيم الأفكار وترتيب الأهداف لتصحيح أوجه الخلل وسد النواقص، وأرى أن الدور الأكبر يقع على المؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية، ويستدعى ذلك تطورًا فكريًا ونوعيًا فى مهارات التواصل مع الأفراد، وإدراكًا كاملًا لمفردات العصر، وأولوياته.

 الأسرة السعيدة

يجب أن يتبنى كل منا حلم «الأسرة السعيدة»، كهدف يسعى إليه الجميع من خلال خطط يسهل تطبيقها، مثل ما ذكرته صحيفة «التايمز الهندية» قبل سنوات، حيث أوضحت فى تقرير لها أن الترابط الأسرى والسعادة بين جميع أفراد الأسرة يمكن تحقيقها ببساطة من خلال اتباع  خمس عادات هي:

- الاجتماع على مائدة الطعام على الأقل مرة يوميًا.

- تبادل التحية والحوار بين أفراد الأسرة مصحوبًا بابتسامة.

- تفضيل الحديث الأسرى عن مشاهدة التليفزيون أو استخدام المحمول.

- انتظام العطلات العائلية والرحلات الجماعية بصورة دورية.

- الصدق المطلق وعدم إخفاء أى أسرار.

وأختم بخير الكلام وموجزه، لمن يتدبر ويتعقل، ونتذكر معًا قوله تعالى فى سورة الروم: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَجًا لِّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآياتٍ لِّقَوْم يَتَفَكَّرُونَ». صدق الله العظيم.