الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حواديت.. مكثوا 150 عامًا وأخافهم أمراء طيبة الهكسوس.. التحذير الأبدى لخطورة الأغراب بالوطن

حواديت.. مكثوا 150 عامًا وأخافهم أمراء طيبة الهكسوس.. التحذير الأبدى لخطورة الأغراب بالوطن

لم يكره الشعب المصرى غازيًا محتلا لبلاده قدر كراهيته للهكسوس فقد كانوا أول المحتلين وأذاقوا المصريين مرارة الذل والهوان فى عهدهم الذى استمر نحو 150 عامًا تقريبًا، لهذا كان انتقام المصريين منهم على قدر ما أحسوه من مرارة، وظلت هذه المرارة فى نفوسهم لم يقض عليها الزمن حتى فيما كتبه عالم المصريات مانيتون عنهم بعد مرور نحو 1300 عام على طردهم، بل حتى الآن مازال المصريون يلعنونهم، كما لعنهم أجدادهم، كلمـا مـروا فى دراستهم للتاريخ القديم بهذه الفترة من تاريخ بلادهم.. فمن هم الهكسوس؟ ومن أين أتوا وهل كانوا أمة أم شراذم تجمعوا وانتهزوا فرصة ضعف مصر فقاموا باحتلالها؟  أسئلة كثيرة سيتم الإجابة عنها خلال السطور التالية.



عصور الظلام بمصر

مرت مصر بثلاثة عصور ظلام، الفترة الأولى والتى بدأت مع نهاية الأسرة السادسة واستمرت حتى الملك الخامس من الأسرة 11 واستمرت 344 عامًا. وجاءت الفترة الثانية مع نهاية الأسرة 12 وبداية الأسرة 13 عام 1778 قبل الميلاد حتى نهاية الأسرة الـ 17 وظهور الملك أحمس قاهر الهكسوس وموحد مصر وبداية عهده فى عام 1570 أى أنها استمرت 208 أعوام.

أما الفترة الثالثة فتشمل من الأسرة 21 وحتى الأسرة 25 أى من حوالى عام 1085 وحتى عام 663 ق.م أى أنها استمرت 422 عامًا.

وحديثنا اليوم عن عصر الظلام الثانى الذى خيم على مصر عام 1778 ق.م بتولى الأسرة الثالثة عشرة الحكم وما تبع ذلك من ضعف فى أمور الحكم وتفكك فى أوصال الدولة وانتهى باحتلال الهكسوس مصر عام 1730 قبل الميلاد.

 أسباب الانهيار

تساءل كثيُر من المؤرخين عن أسباب انهيار الدولة بعد الازدهار الذى شهدته خلال الأسرتين الـ11 و الـ12 ولم يتمكنوا من إيجاد نصوص مصرية لتفسير ذلك، ولذلك قاموا بالافتراض وكان أول هذه الافتراضات أن ملوك الأسرة الـ12 جاءوا وكانت مصر محكومة بحكام أقاليم أقوياء فحاربوا بعضهم وهادنوا أو حـالفـوا البعض الآخر، ولكن بقى للكثيرين منهم الجاه والثروة فى أقاليمهم فانتهزوا فرصة الضعف الذى انتاب البلاد بعد أمنمحات الثالث واسـتـعـادوا سلطانهم القديم، خاصة أنه منذ بدء الأسرة الـ12 كانت الخلافات والحزازات الداخلية فى العائلة تقطع أوصالها، وكانت المؤامرات فى البيت المالك سببًا من أسباب انهياره. 

وإلى جانب هذين الفرضين توجد حقيقة مهمة ربما هى أقوى الأسباب، وهى أنه منذ عام 2000 ق.م. تقريبًا بدأت بعض الشعوب الهندو - أوروبية (وهم الكاسيون) تأتى من الشرق والشمال من موطنهم الأصلى فى أواسط آسيا لتستقر فى بلاد الرافدين وفى سـورية. وترتب على هذه الهـجـرات اضطراب فى تلك الولايات، وقد حاربت بعض هذه القبائل سكان البلاد الأصليين وأجلتهم عنها، كما استقرت قبائل أخرى مع السكان وعاشوا فى وئام، ونظرًا لأن هذه الهجرات لم تتخذ طابع الغزو المنظم، وإنما جاءت هذه الشعوب تباعًا فى طلب العيش، لذلك لم يمض غير قرنين من الزمان حتى أصبح منهم أمراء يحكمون البلاد.

 هجرة السوريين إلى مصر

ولم تكد مصر مع بداية الأسرة الـ 13 تحاول النهوض من كبـوتـهـا حـتى اضطرتها ظروف أخرى خارجية إلى التعثر ثانية، فقد بدأت شعوب بلاد الرافدين وسورية وما جاورها عصرًا مضطربًا,فقد ظهر شعب أجنبى ويسمى «الحريين» جاء أيضًا من الشرق ولم يلبث إلا قليلاً حتى صار له نفوذ كبير فى البلاد، واتجهت أنظارهم نحو الجنوب الغربى فهـاجـمـوا بعض المدن هناك وكانت من بينها مدينة آلالاخ عاصمة مملكة يمخاض (شمال غرب سوريا)، وتلا ذلك اضطراب عام فى جميع البلاد السورية نشأ عنها هجرات جماعية تدفقت على مصر واستقروا فى شرق الدلتا وما إن ضعفت السلطة الحاكمة فى مصر حتى ساعدوا الهكسوس فى احتلال مصر وتدمير مدنها وكانوا يطمعون باستمرار فى محو الشعب المصرى وهو ما يوضح خطورة اللاجئين على أى دولة.

 من هم الهكسوس؟

فى البداية فإن كلمة الهكسوس هى كلمة مصرية وهى كلمة مركبة من «حقاو خاسوت» أى حاكم البلاد الأجنبية وهو لقب معروف منذ الأسرة الثانية عشرة، وكان لقبًا يطلقه المصريون على زعماء القبائل البدوية التى كانت تعيش فى شرقى مصر وتم تحريفه ليصبح هكسوس، ولا جـدال فى أن هؤلاء الهكسوس جـاءوا من طريق فلسطين وربما كانت جـحـافلهم المختلطة مستقرة هناك قبل مجيئهم إلى مصر فلما ضغط عليهم غيرهم هاجروا إلى وادى النيل وحملوا معهم كثيرًا من عاداتهم ومظاهر ثقافتهم ولا ينحدرون من شعب واحد وإنما من شعوب متعددة، ورغم انتشار الأسماء السامية بينهم فإن فيهم عناصر غیر سامية لا شك أن بعضها «كاسى» والبعض الآخر «حرى» وكلا الجنسين من أصل هندو – أوروبى نزل من أواسط آسيا.

 حكم الهكسوس فى مصر

مع ضعف البيت الحاكم ومظاهر التفكك التى سادت مصر فى بداية الأسرة الـ13 غزا الهكسوس مصر وأحرقوا مدنها دون رأفة، وهدموا معابد الآلهة من أساسها وعاملوا جميع الأهالى بعداء قاسٍ، فذبحوا البعض وأخذوا نساء وأطفال البعض الآخر ليكونوا إماء وعبيدًا لهم.

وأخيرًا عينوا واحدًا من بينهم اسمه «ساليتيس» ليكون ملكًا عليهم فأقام فى منف وفرض الضريبة على مصر الشمالية والوسطى وكان يترك دائمًا الحاميات فى أكثر من موقع، ويزيد مانيتون على ذلك بأن ساليتيس بنى حصنًا فى أواريس فى شرقى الدلتا واحتفظ ولاة الصعيد بمقاطعاتهم وقبلوا دفع الجزية للهكسوس.

 ظهور الأسرة الـ17 

بدأ أمراء طيبة يتحالفون مع جيرانهم شمالاً وجنوبًا، ولكنهم ظلوا يدفعون الجزية لملوك الهكسوس. وجاء اليوم الذى رأى فيه هؤلاء الأمراء أنهم أصبحوا ذوى حول وقوة، وأن قوة أعدائهم فى الشمال أخذت فى الانحلال فلم يترددوا فى اعتبار أنفسهم ملوكًا لإقليمهم، وبدأوا يكتبون أسماءهم فى خانة ملكية مسبوقة بألقابهم التقليدية بأنهم ملوك الوجهين القبلى والبحرى، وهؤلاء هم ملوك الأسرة السابعة عشرة الذين كانوا معاصرين للمتأخرين من ملوك الهكسوس فى الدلتا.

 أفراس النهر وبداية التحرير

واستشعر ملوك الهكسوس خطرًا قادمًا من أمراء طيبة، ومن هنا بدأ الاحتكاك بينهم وقد ثبت من إحدى البرديات أن الملك سقنن رع من الأسرة الـ17 كان يعترف بسيادة ملك الهكسوس، وقد استقبل رسول هذا الملك بحفاوة عندما جاءه ليبلغه بأن أفراس النهر فى مياه طيبة تقلق نوم الملك الهكسوسى وهو فى قصره فى الدلتا، ولهذا فهو يطلب منه إسكاتها، وأن يهجر أفراس النهر ذلك المكان، وذلك إلى جانب طلبه الآخر وهو ضرورة عبادة الإله سوتخ. فجمع سقنن رع رجاله لاستشارتهم، واستقر الرأى على رفض طلب الملك وبداية النضال لتحرير مصر من احتلالهم.

  بطولات سقنن رع وكامس

بدأت المعارك بين سقنن رع والهكسوس وقد أجبرتهم انتصاراته على الاعتراف باستقلال الجنوب وقد استُشهد سقنن رع أثناء إحدى المعارك نتيجة إصابته بجراح كثيرة فى صدره ورأسه وتولى من بعده ابنه كامس.

لم ينتظر كامس أى سبب لبدء المعارك مرة أخرى مع الهكسوس لطردهم من مصر، بل بادر بذلك وكانت أولى معاركه فى إقليم الأشمونين (مركز ملوى بالصعيد) وكان حاكمها مواليًا للآسيويين وجعل إقليمه مركزًا لهم وانتصر كامس عليه وعلى حامية الهكسوس المتمركزة لديه. 

وقد ترك الأجداد لوحة (اكتشفها الأثرى كارنرفون) يتحدث فيها كامس عن انتصاره العسكرى فى معركة جرت أحداثها على صفحة النيل واستيلائه على غنائم كثيرة منها ثلاثمائة سفينة مصنوعة من خشب الأرز، كانت تفيض بمحتوياتها من الذهب واللازورد والفضة والفيروز وفئوس القتال المصنوعة من النحاس، والكثير من زيت الزيتون والبخور والدهن والعسل والكثير من أنواع الأخشاب الثمينة. 

ويذكر كامس على هذه اللوحة أنه تم القبض على رسول كان يحمل رسالة مكتوبة من ملك الهكسوس وموجه إلى أمير كوش (بالسودان) يحثه فيها على مهاجمة جنوب مصر أثناء انشغال كامس بحربه مقابل أن يتقاسم معه مدن مصر بعد هزيمة كامس، وقد خشى كامس أن يحدث هجوم عليه من طريق الواحات فأرسل حملة من رجاله احتلت الواحات البحرية؛ لأنها على رأس الدروب الموصلة إلى مصر الوسطى.

وقد سجلت اللوحة وجود جنود من النوبيين الحاميين من سكان شرقى السودان والصحراء الشرقية بين رجال كامس، مما يدل على أن الملك سقنن رع ومن بعده ابنه قد استعادوا صلتهم بعض الشىء بالجنوب. 

توفى كامس فى أثناء حربه مع الهكسوس عام 1540 ق.م على مشارف مدينة (أمبوس) بعد أن كان دخلها منتصرًا فجاءته ضربة الغدر من أحد جرحى الهكسوس فوافته المنية.

  أحمس قاهر الهكسوس

شن أحمس حربًا لاهوادة فيها ضد الهكسوس حتى تم له النصر وأجلى العدو عن مصر كلها. وقد ذكر أحد قواده اسمه «ابن إبانا» فى نقش على مقبرته كيف سقطت أواريس عاصمة الهكسوس فى شرقى الدلتا بعد حصارها وكيف فر الهكسوس إلى مدينة شـاروهن فى جنوبى غزة، حيث حاصرها المصريون لمدة ثلاث سنوات حتى سقطت فتم لهم النصر على أعدائهم، ثم جاءت حروب تحتمس فقطعت دابرهم، ومـحـتـهم مـحـوًا تامًا من صفحات التاريخ كقوة حربية أو كأمة لها كيانها وعودة إلى أحمس الذى وجه بصره نحو جنوب مصر بعد أن اطمأن تمامًا إلى سحق أعـدائه، وذلك لإعادة تنظيم بلاده وقد بدأ عهده فى عام 1570 قبل الميلاد واعتبره مانيتون مؤسسًا للأسرة الـ 18، حيث شهدت مصر فى عهده مزيدًا من الازدهار والقوة.

المصادر:

- موسوعة مصر القديمة للدكتور سليم حسن الجزء الرابع

- كتاب مصر الفرعونية للدكتور أحمد فخرى