الأحد 23 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رمضان فى مصر «حاجة تانية»

رمضان فى مصر «حاجة تانية»

رمضان فى مصر حاجة تانية.. والسر فى التفاصيل.



رمضان فى مصر غير الدنيا.. طعمه بطعم النيل.

الكلمات السابقة ليست سوى بعض من جل مما أبدعه الشاعر أمير طعيمة فى أغنيته (رمضان فى مصر حاجة تانية) وشدا بها الفنان حسين الجسمى، كاشفًا من خلالها انفراد المصريين بعادات وطقوس مميزة، تضفى أجواء فريدة من الروحانية والبهجة يستمتع بها كل من يشهد الاحتفال بالشهر الفضيل فى مصر، أجواء تثبت أن سر هذا الشهر الفضيل يكمن فى تفاصيله وطقوسه لدى شعبنا، وتتماثل أيضًا فى صفاتها مع من يردد المقولة المصرية (من شرب من ماء النيل لابد وأن يرجع له) تفاصيل يختص بها المصريون دون غيرهم عن باقى الأمم، ويستعد الكافة لها قبل حلول الشهر بفترة ليست بالقليلة، إذ تضاء الميادين والشوارع والحارات، فيما يحرص الأهالى على تعليق الزينة والفوانيس بتصميماتها المختلفة وألوانها الزاهية على منازلهم وفى الشرفات إعلانًا عن بدء العد التنازلى لحلول الشهر الكريم، ولعل من أبرز التفاصيل التى تميز الشارع المصرى فى رمضان، انتشار موائد الرحمن التى يقيمها البعض من المقتدرين سواء مسلم أو مسيحى، لإفطار من تضطرهم الظروف للتواجد فى الشارع خلال وقت الإفطار، حيث يقوم بالخدمة على هذه الموائد مجموعة من كبار السن أو الشباب، جميعهم يسعون بجهد ودأب لتقديم الخدمة للصائمين، ابتغاء لمرضاة وجه الله.

وبخلاف موائد الرحمن تتجلى صورة أخرى من صور التكافل الاجتماعى المتمثل فى شنطة رمضان التى يقدمها البعض سواء قادر أو غير قادر والتى تحتوى على بعض المواد الغذائية، ليتم توزيعها مجانًا على المحتاجين فى جميع أنحاء البلاد. بالطبع لا يفوت المصريون فى الشهر الفضيل لم شمل الأسرة التى من الممكن ألا تتزاور طوال أشهر السنة، والتى انفرط عقدها فى ظل الموبايل الملعون، ولكن بحلول رمضان تنتهى هذه العقبة (ولو مؤقتًا) حيث يجتمع كافة أفراد الأسرة على مائدة الإفطار، وسط أجواء أسرية مفعمة بالود والمحبة والألفة، تعويضًا عن طول فترات الغياب والتلاقى الناتج عن سرعة وتيرة الحياة، لتوفير سبل العيش الكريم.

ولا يفوت المصريون أيضًا التفكير فى المسحراتى، والذى للأسف انخفض تأثيره أو ذكره بعض الشىء حاليًا، خصوصًا فى الأحياء الراقية، ولكن ما زال له تواجد ولو بسيطًا فى الأحياء الشعبية، بالمناسبة مهنة المسحراتى يمتهنها البعض فى رمضان فقط، وتعتمد على كلمات وأناشيد وطقوس بسيطة لرجل يظهر طوال ليالى الشهر حاملًا طبلًا وعصا يطرق بها، مناديًا بصوت جهورى ليوقظ النائمين لتناول السحور، مرددًا أغانٍ وأناشيد مأثورة، غياب المسحراتى بفعل الزمن والتقدم، عوضته القنوات التليفزيونية بعرضها حلقات عنه تستعين من خلالها بأشعار الكبير فؤاد حداد أشهر من كتب أشعارًا تختص بهذه المهنة، والتى من ضمنها (اصحى يا نايم.. وحد الدايم.. وقول نويت.. بكرة إن حييت.. الشهر صايم)، كلمات تغنى بها الفنان سيد مكاوى فى شهر رمضان منذ عشرات السنين فى الإذاعة والتليفزيون.

من تفاصيل رمضان أيضًا التى ينفرد بها المصريون، زيارة أماكن بعينها تتميز بطقوس وأجواء مختلفة، مثل حى الحسين وخان الخليلى والسيدة زينب، إلى جانب منطقة الأزهر وشارع المعز، فضلًا عن وجود مساجد وبازارات وحوانيت ومقاهٍ قديمة، ومطاعم تقدم وجبات السحور لا تنتهى سوى عند أذان الفجر، طقوس احتفالية تتشابه بشكل أو بآخر مع الفعاليات الثقافية والدورات الرمضانية.

جميعها أنشطة واحتفاليات خاصة لا وجود لها سوى فى مصر، اعتدنا عليها (الغنى أو الفقير) منذ الصغر وتأصلت داخل نفوسنا، تبهجنا وتسعدنا، وتسعد ضيوفنا من أصحاب الجنسيات الأخرى، الذين يفضل بعضهم قضاء شهر رمضان فى مصر، ساهمت الثقافة المصرية بكافة عناصرها (دينية وثقافية واجتماعية) فى تكوينها، أدت فى النهاية إلى أن يكون رمضان فى مصر حاجة تانية، لا يدركها ويتأثر بها سوى من يعلم سر تفاصيله.