الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حقك.. لأول مرة فى مصر.. مراكز إصلاح وتأهيل  بلا غارمين ولا غارمات العدالة الإصلاحية عنوان حقوق المحتجزين فى الجمهورية الجديدة

حقك.. لأول مرة فى مصر.. مراكز إصلاح وتأهيل بلا غارمين ولا غارمات العدالة الإصلاحية عنوان حقوق المحتجزين فى الجمهورية الجديدة

تخبرنا العلوم السياسية أن القرار السياسى يحمل دائما إشارات وملامح تدل على شخصية صانع القرار، وإذا دققنا النظر فى قرار الرئيس عبد الفتاح السيسى بالعفو عن الغارمين والغارمات وإعلان وزارة الداخلية عن إخلاء مراكز الإصلاح والتأهيل من الغارمين والغارمات فى الاحتفال بيوم المرأة المصرية وقبل حلول شهر رمضان الكريم، نكتشف أن البعد الإنسانى واختيار التوقيت المناسب من سمات القرار السياسى المصرى، وأن هناك إرادة سياسية لإنفاذ مبادئ ومفاهيم حقوق الإنسان خاصة للمحتجزين.



لم يكن قرار إخلاء مراكز الإصلاح والتأهيل من الغارمين هو الوحيد، بل تبعه الإعلان عن افتتاح ثلاثة مراكز إصلاح وتأهيل فى ثلاث محافظات هى مركز الإصلاح والتأهيل بالعاشر من رمضان ومركز الإصلاح والتأهيل فى 15 مايو ومركز للإصلاح والتأهيل بمدينة أخميم بسوهاج لينضموا إلى سلسلة مراكز الإصلاح والتأهيل الجديدة والتى تستبدل فيها مصر السجون القديمة بمراكز إصلاح وتأهيل تتوافق مع المعايير العالمية لمراكز الاحتجاز واتفقت عليها آليات الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية.

القرار السياسى يؤسس بقرار الإفراج عن الغارمين والغارمات وافتتاح المزيد من مراكز الإصلاح والتأهيل لفلسفة جديدة تؤكد أن ملف حقوق الإنسان من الملفات المهمة وعلى رأس ملفات العمل الوطنى والتى حققت فيها إنجازات مهمة خلال الفترة الأخيرة.

هذه الفلسفة تنطلق من شعار أطلقته إدارة الحماية المجتمعية بوزارة الداخلية وهو العدالة الإصلاحية وبحسب اللواء طارق مرزوق مساعد وزير الداخلية ورئيس قطاع الحماية المجتمعية الذى أعلن إغلاق 15 سجنًا تقليديًا والعمل على استكمال باقى تلك السجون خلال المرحلة الثالثة القادمة.

وتعتمد العدالة الإصلاحية على برامج متكاملة تبدأ بإنشاء سجل لكل نزيل يتضمن بحثاً شاملاً عن حالته من النواحى الاجتماعية والنفسية وما يطرأ عليها من متغيرات مع مراعاة الاحتفاظ بالسرية التامة لتلك الأبحاث فى إطار حماية سرية البيانات، فضلاً عن دراسة شخصية النزيل دراسة شاملة لمعرفة ميوله واتجاهاته تمهيداً لتحديد الأسلوب الملائم لتقويم سلوكه ومفاهيمه بالاستعانة بخبراء علم النفس والاجتماع وعلماء الدين بما يؤهله للتآلف مع المجتمع بصورة إيجابية عقب الإفراج عنه.

وتتضمن برامج إعادة التأهيل والإصلاح عددًا من المحاور أهمها التعليم وتصحيح المفاهيم والأفكار وضبط السلوكيات وتعميق القيم والأخلاقيات وتوظيف الطاقات فى المهن والحرف المتوافرة داخل المراكز، فضلاً عن ممارسة الأنشطة الرياضية المتنوعة وذلك فى إطار إعادة صياغة شخصية المحكوم عليهم.. وتأهيلهم لإعادة الاندماج بصورة إيجابية مع المجتمع عقب انقضاء مدة العقوبة تم استحداث برامج علمية مدروسة لتنمية المواهب وتنوعها ورفع المستوى الثقافى وإتاحة الفرصة للنزلاء لإطلاق طاقاتهم الإبداعية فى مجالات الفنون المختلفة ومنها الرسم والنحت والموسيقى بما ساهم بشكل ملحوظ فى الارتقاء بالمستوى السلوكى والأخلاقى للنزلاء وتعزيز القيم الإيجابية لديهم.

وتراعى مراكز الإصلاح والتأهيل التوزيع الجغرافى المتوازن لأماكن الاحتجاز والاستجابة الإنسانية لمتطلبات أسر النزلاء فى تيسير زياراتهم لذويهم من المحكوم عليهم، وقد كان لى حظ المشاركة فى الافتتاح التجريبى لمركز العاشر من رمضان واطلعت على أوجه الرعاية الطبية للنزلاء وتابعت تزويد المرافق والمنشآت بأحدث الأجهزة المناسبة للتعامل مع النزلاء من ذوى الإعاقة.

ولقد أثبتت التجربة بعد مرور عام ومن خلال المؤشرات الإحصائية والدلائل الرقمية  التى أعلنتها وزارة الداخلية عن نجاح برامج الإصلاح التى تم تطبيقها فى تحقيق نتائج متميزة فى إعادة تقويم شخصية النزيل وتحصينه من الانحراف مرة أخرى بمعدلات كبيرة.

وقد أشار اللواء مرزوق إلى مساهمة المراكز الطبية المتكاملة والمجهزة بأحدث التجهيزات الطبية بمركزى إصلاح وتأهيل (وادى النطرون وبدر) فى تقديم العديد من الخدمات الطبية سواء الوقائية أو التشخيصية أو العلاجية، حيث تم إجراء عدد (1270) عملية جراحية خلال عام 2022 منها عمليات ذات مهارة خاصة تم إجراؤها بمعرفة أطباء قطاع الحماية المجتمعية مع الاستعانة باستشاريين فى التخصصات الطبية الدقيقة بالإضافة لإجراء عدد (27088) تحليلا وأشعة مختلفة خلال ذات الفترة كما روعى إنشاء وحدات طبية مركزية متخصصة فى تلك المراكز منها وحدة جراحة المخ والأعصاب وجراحة القلب والصدر بالمركز الطبى بوادى النطرون ووحدة صحة المرأة بالمركز الطبى ببدر ووحدة للعناية بالحروق بالمركز الطبى بــ 15مايو ووحدة الأورام وتجهيز العلاج الكيماوى بأخميم بسوهاج وكذا وحدة للأمراض المعدية والمتوطنة بطاقة استيعابية 13 سريرًا بالمركز الطبى بالعاشر من رمضان وذلك بهدف توفير أفضل خدمة طبية متكاملة للنزلاء».

وقد تم استحداث مشروعات إنتاجية جديدة صناعية وحيوانية وداجنة وزراعية بمراكز الإصلاح الجديدة لتحقيق منظومة إنتاجية متكاملة تسهم فى تلبية احتياجات مراكز الإصلاح وتوفير مصدر دخل للنزيل ومنحه حرية التصرف فيه، فضلاً عن طرح تلك المنتجات عبر منافذ قطاع الحماية المجتمعية بأسعار مخفضة إسهاماً فى تخفيف الأعباء عن كاهل أهلنا من محدودى الدخل ودعما للدخل المادى للنزيل.

تنتمى مبانى مراكز الإصلاح والتأهيل الجديدة فى مصر للجيل الخامس من مؤسسات التأهيل والتى تعطى مساحات واسعة لتنفيذ مشروعات إنتاجية وتأهيل مهنى ومستشفى ومساحات لممارسة الرياضة، بالإضافة إلى معاهد تعليمية ومكتبة ودور عبادة، حيث تم تخصيص أماكن للكنائس داخل مراكز الرعاية والتأهيل وهى تطور لافت فى تطبيق معايير المواطنة داخل مراكز الاحتجاز.

وتنص المعايير الدولية لأماكن الاحتجاز على ضرورة أن يكون الموقع قريبًا أو ذا وسيلة وصول سهلة إلى بعض المبانى المتعلقة بالسجن كالمحكمة. وألّا يكون قريبًا من المناطق السكنيّة، فيمكن وضعه فى مناطق حكومية أو فى مناطق صناعية، كما أنّ وضع السجن فى منطقة ذات ضجيجٍ مرتفعٍ تقلّل من السيطرة على وسائل المراقبة السمعيّة فتزيد حالات الهروب.

والحقيقة أن ما يحدث من تطوير داخل أماكن الاحتجاز تقف وراءه إرادة سياسية قررت أن تغير الواقع المعاش داخل مراكز الاحتجاز وتغيير الصور النمطية فى الغرب عن أماكن الاحتجاز المصرية، وبالفعل كان تغيير الواقع إلى الأفضل هو أفضل رد على حملات التشكيك التى لا تتوقف وهدفها الرئيسى ليس حماية حقوق الإنسان، بل تسييس تلك الحقوق وتلوينها لاستخدامها فى الضغط على الدولة المصرية.

وكانت إشارة الرئيس عبدالفتاح السيسى واضحة بأن المحتجز يجب عدم معاقبته مرتين، وأنه يستحق فرصة أخرى للحياة وأن مراكز الإصلاح والتأهيل هى المنوط بها تطبيق تلك الاستراتيجية والتجربة المصرية فى رعاية المحتجزين والتى بالفعل بدأت فى لفت أنظار العالم والسعى إلى استلهام تلك المنظومة المتكاملة وتطبيقها.

وفق المعايير الدولية، فإن العالم ينظر إلى أماكن الاحتجاز باعتبارها مرآة عاكسة للمجتمع وللقيم التى يعززها، وفى الحالة المصرية هى مرأة عاكسة للجمهورية الجديدة القائمة على توفير الحياة الكريمة لكل شعبها وكفالة حقوقهم الإنسانية.

لقد ودعت مصر بتلك الطفرة فى أماكن الاحتجاز والتأهيل صورة السجون النمطية، وما نسجته حولها الدراما والتقارير الحقوقية «المسيسة» من صور قاسية ومخيفة، وتنتقل إلى آفاق أخرى تحترم المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

وتتخطى تلك المعايير، لتصنع نموذجًا مصريًا معبرًا عن فلسفة عقابية جديدة تتبناها الدولة المصرية فى سياق تنفيذها للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، والتى أطلقها الرئيس السيسى، وعبرت عن انحياز الجمهورية الجديدة لحقوق الإنسان بمفهومها الشامل والمستمد من قيم المجتمع المصرى.

لم تحمل مركز الإصلاح والتأهيل الجديدة الموازنة العامة للدولة أية أعباء مادية، لا سيما أن القيمة الاستثمارية لمواقع السجون العمومية المقرر غلقها تفوق تكلفة إنشاء تلك المراكز، وهى نظرة معتبرة من جانب الدولة لإنجاز تلك المراكز بهذه الجودة العالية دون إزهاق الموازنة العامة.

وعلى المستوى التشريعى، قررت الدولة التخلص من عبء مسمى أو مصطلح السجون إلى مركز للإصلاح والتأهيل، بل تعديل مسمى قطاع السجون ليصبح «قطاع الحماية المجتمعية»، وهى إشارة بالغة الدلالة على عزم الدولة المصرية على ترسيخ قيم ومبادئ حقوق الإنسان، بل تقدمت وزارة الداخلية بمشروع قانون لتعديل بعض أحكام قانون السجون والقوانين ذات الصلة لتحويل السجون إلى مراكز الإصلاح والتأهيل المجتمعى.

لتلك التعديلات أهمية كبيرة فى تأسيس السلام الاجتماعى وتقليل المخاطر الأمنية على المدى الطويل، وتتخلص مصر من فكرة أن تتحول فترة السجن الصعبة إلى مفرخة للمجرمين عقب الخروج والعمل، على تمكين النزلاء من الاندماج الإيجابى فى المجتمع عقب قضائهم فترة العقوبة من منطلق أحقية المحكوم عليهم بألا يعاقبوا على جرمهم مرتين حتى لا تتوقف الحياة بهم وبأسرهم عند ذنب اقترفوه.