الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الرياض اختارت توقيت الإعلان  ليواكب الاحتفالات بيوم العَلَم  الاتفاق «السعودى - الإيرانى» سلام بارد أَمْ هدنة مؤقتة؟

بعد مضى أسبوع على الإعلان عن توصل السعودية وإيران برعاية صينية إلى اتفاق ينهى القطيعة التى استمرت بينهما لنحو سبع سنوات، ويهيئ الأجواء لاستئناف العلاقات الدبلوماسية وعودة السفراء إلى كل من الرياض وطهران، وتنفيذ اتفاقيات التعاون الأمنى والاقتصادى الموقعة قبل أكثر من 20 عامًا فى غضون شهرين، مازال الجدل يدور فى محاولة لفهم عنصر المباغتة المدوية التى من المتوقع أن تلقى بتأثيراتها الجيوسياسية لتتجاوز جغرافية منطقة الشرق الأوسط لتشمل معها كل دول منظمة أوبك التى تضم فى عضويتها السعودية وإيران.



 

ولاتزال الأسئلة الكثيرة المطروحة فى انتظار المستقبل للإجابة عن بعض مضامينها، فهل ينهى الاتفاق السعودى الإيرانى حالة الاستقطاب المزمنة فى المنطقة؟، وهل رعاية الصين للاتفاق هى ضمانة للالتزام بتنفيذ بنوده؟، وما  مصير الميليشيات التى تحكم قبضتها على  عدد من العواصم العربية؟، وهل هذا النجاح الصينى يعد إزاحة للنفوذ الأمريكى فى منطقة الخليج؟، وما الذى يرمز إليه اختيار السعودية لتوقيت إعلان الاتفاق؟

الجميع فى منطقة الشرق الأوسط وخارجها ينظر إلى الاتفاق الذى وصفه البعض بالزلزال من منظور حسابات الأرباح والخسائر التى يجنيها أو يتكبدها كل طرف جراء توابع هذا الاتفاق الذى «إن تم» سوف يؤسس لمرحلة جديدة تنعم بها المنطقة بالهدوء وتذوب فيها الميليشيات داخل بوتقة برامج التنمية، وتنخرط العسكرة فى معسكرات عمل تحتاجها اليمن وسوريا والعراق ولبنان لإعادة الإعمار واللحاق بركب التنمية، وتحقيق الاستقرار والنماء، وتتحول هذه البلدان التى أنهكتها الحروب، والصراعات الطائفية إلى ملاذات لفوائض الأموال الخليجية التى تبحث عن فرص ومناطق للاستثمار الآمن، وسوف يؤذن بعصر سعودى وخليجى ممتد يعم فيه الخير على المنطقة بأسرها.

رغم أن العديد من الكتاب والمفكرين والمحللين السياسيين وصف الإعلان عن الاتفاق السعودى الإيرانى بالمفاجأة، إلا أنه فى نظر المراقبين والمتابعين كان متوقعًا نظرا للمحادثات المباشرة التى استضافتها كل من جمهورية العراق فى عهد رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمى، وسلطنة عمان قبل أكثر من عامين، والتى أخذت منحى سريعًا بعد الزيارة التاريخية التى قام بها الرئيس الصينى إلى العاصمة السعودية الرياض فى ديسمبر الماضى، وأعقبتها الزيارة التى قام بها الرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسى إلى بكين منتصف شهر فبراير الماضى، ما يعنى أن المسرح السياسى كان يعد ويتهيأ للاتفاق الذى اختير توقيت الإعلان عنه بذكاء وعناية وهو أن يكون مواكبًا ليوم العلم الذى احتفلت به المملكة العربية السعودية للمرة الأولى فى تاريخها يوم السبت الموافق 11 مارس الماضى.

ينظر البعض إلى الاتفاق بين الرياض وطهران على أنه فرصة لتحقيق سلام دائم فيما يراه البعض الآخر هدنة مؤقتة، بينما ترى أوساط خليجية إنه من المبكر تقييم الاتفاق بين السعودية وإيران أو الحكم على مدى تأثيراته على المنطقة، لكن من وجهة نظر آخرين أن هـــذا الاتفاق يشكل حافزا قويا لإعادة تشـــكيل العلاقة بين طهران والدول الخليجية، ومعالجة الخلافات السائدة بينهما، كما أنه يعد إنجاز تاريخى للصين التى فاجأت العالم وفرضت لنفسها واقعا جديدا فى المنطقة والعالم.

ترى أوساط خليجية أن الاتفاق بين السعودية وإيران سيفسح المجال أمام دول الخليج لمعالجة خلافاتها العالقة مع إيران بشرط أن تبدى طهران إرادة حقيقية فى تفعيل الاتفاق واستكمال بنوده، والمضى فيه قدما لتشجيع كل من الكويت والإمارات لإبرام اتفاق يؤدى إلى ترسيم الحدود مع إيران، كما يشجع البحرين التى تشكو من التدخلات الإيرانية فى شئونها الداخلية، ويرى المراقبون أن فترة الشهرين التى تـــم تحديدها لعودة العلاقات تبدو مهلة سعودية لإيران لإظهار نوايا جدية حيال المصالحة، ولاسيما فى الضغط على الحوثيين من أجل تقديم تنازلات، خصوصا أن إيران تتخذ من الصـــراع اليمنى ورقة ضغط لابتزاز السعودية والضغط عليها، ويرى محللون سعوديون أن الملف اليمنى سيكون محددا رئيسيا لمدى إرادة طهران فى المضى قدما نحو تطبيع حقيقى مع الرياض، وفى وقت سابق أكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعانى، إلى أن الوضع فى اليمن سيكون على قائمة أولويات طهران، مضيفا أن الاتفاق مع السعودية ستكون له تأثيرات إقليمية إيجابية أخرى، بما فى ذلك العلاقات بين إيران والدول الأخرى، وتطرق كنعانى إلى احتمال أن يؤدى الاتفاق مع السعودية إلى تحسين العلاقات بين إيران والبحرين، مؤكدا وجـــود ترتيبـــات جارية لعقـــد اجتماع بين وزير الخارجية الإيرانى ونظيره السعودى الأمير فيصل بن فرحان.

ولم تمض سوى بضعة أيام قليلة على الإعلان عن الاتفاق السعودى الإيرانى وأعلنت الكويت يوم الاثنين الماضى عن استئناف المفاوضات مع إيران لترسيم حدودهما البحرية، (بعد أن كانت قد توقفت منذ أكثر من عشر سنوات)، وسط تأكيدات بأن هذه المفاوضات تجرى بالشكل الذى يتوافق مع قواعد القانون الدولى. 

وأفادت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية بأن اللجنة القانونية المشتركة بين البلدين عقدت أعمالها الاثنين فى العاصمة الإيرانية طهران، وترأس الجانب الكويتى بالاجتماع نائب وزير الخارجية السفير منصور العتيبى، فى حين ترأس الجانب الإيرانى نائب وزير الخارجية للشئون القانونية والدولية السفير رضا نجفى.

وبحسب الوكالة الكويتية بحث الجانبان مسألة ترسيم الحدود البحرية بــين الدولتين، والتأكيد على ضرورة حسم هذا الأمر بالشكل الذى يتوافق مع قواعد القانون الدولى.

وكان العتيبى بحث أيضا مع نائب وزير الخارجية الإيرانى السفير على باقرى سبل تعزيز العلاقات وتطويرها، خلال جلسة المشاورات السياسية بين البلدين، ومن شأن الاتفاق على ترسيم الحدود بين البلدين أن يفتح المجال لاستغلال ثروات الطاقة فى المنطقة المتنازع عليها.

ومن جانبها أعلنت الخارجية الإيرانية الاثنين الماضى أن بلادها مستعدة للبناء أكثر على التقارب الوليد مع السعودية، عبر إصلاح العلاقات مع مملكة البحرين. 

وقال الناطق باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعانى علينا أن نثق بالطرق الدبلوماسية وأن نتخذ خطوات فى هذا الاتجاه، مشددا على الأجواء الإيجابية فى المنطقة. 

سواء صمد الاتفاق أمام رياح التراكمات والتجاذبات العاتية، أم انهار تحت ركام الزلازل التى تتهدد المنطقة فإن الرابح الأكبر من جراء هذا الاتفاق التاريخى هى دولة الصين التى رسخت من أقدامها فى المنطقة، ليس فقط على مستوى النفوذ الاقتصادى، ولكن على المستويين السياسى والدبلوماسى لتزاحم بذلك الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة النفوذ التاريخى فى المنطقة، والتى جاء رد فعل إدارتها مرتبكًا بفعل الصدمة القوية التى باغتتها بها الصين ومزاحمتها الناجحة لها فى المنطقة، كما أن انخراط السعودية فى حوار مع إيران، يقضى على ورقة الضغط الأمريكية على دول الخليج بالتخويف من الخطر الإيرانى.

الصين الدولة العظمى التى تتهيأ لسيادة العالم تتحرك من أجل مصالحها مع عدم الإضرار بمصالح الدول الأخرى بعكس أمريكا التى أنهكت كل شركائها وأضرت بكل الدول التى تحالفت معها باستثناء إسرائيل، بكين التى تتحلى بحكمة الصينيين القدماء، فى صمت ودون ضجيج باغتت العالم لكى تحافظ على مصالحها الحيوية لأنها تدرك أن الخليج تنبع من باطن أراضيه عناصر سيادة العالم، والتحكم فى مفاصله، الصين تستورد نصف احتياجاتها البترولية من المنطقة، فهى تستورد مليونى برميل يوميًا من السعودية وحدَها، والرقم قابل للزيادة، كما أن الصين تعد الشريك التجارى الأول للسعودية خلال السنوات الخمس الأخيرة، حيث بلغ حجم التجارة البينية نحو 309 مليارات ريال فى 2021، بزيادة قدرها 39 % عن العام 2020، تشمل 192 مليار ريال صادرات سعودية إلى الصين، بما فى ذلك صادرات غير نفطية بقيمة 41 مليار ريال، وتتميز الصين إنَّها الدولة الوحيدة فى العالم التى تمتلك تأثيرًا لدى كل من السعودية والصين تمكنها من ضمان نجاح الاتفاق مع إيران، فى الوقت الذى لا تستطيع فيه الولايات المتحدة أو روسيا ضمان الوعود الإيرانية. السبب الثانى أنَّ للصين مصلحة كبيرة فى إنهاء النزاع السعودى - الإيرانى، والتوصل إلى أمن إقليمى يحمى مصالحها، وفى النهاية لم يجدَ السعوديون والإيرانيون صديقًا مشتركًا مثل الصين، يمكنهما الوثوق به.