الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث.. تعطلت خطط تعميرها عبر العصور.. والسيسى يعيدها كاملة إلى مصر العمل فى سيناء.. عبادة

الطريق الثالث.. تعطلت خطط تعميرها عبر العصور.. والسيسى يعيدها كاملة إلى مصر العمل فى سيناء.. عبادة

 طاردتنى كلمات وأفكار وأحلام وزير التعمير الراحل حسب الله الكفراوى، وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية (1977: 1993)، خلال متابعتى لزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى مدينة الإسماعيلية  وتفقده اصطفاف المعدات المشاركة فى تنمية وإعمار سيناء،  والتى كانت إعلانا عن انتقالها من الحرب على الإرهاب إلى معركة العبور الجديد، بالتنمية الشاملة التى تعيدها بشكل فاعل كجزء أصيل من خطط وطموحات الدولة المصرية للمستقبل.



 

لقد صدق جيلى الطيب (جيل الصبر فى مصر) من مواليد سبعينيات القرن الماضى، أن بلادنا قد استردت سيناء بالحرب والسلام، وترعرع أبناؤه مرددين مع المطربة البهية شادية  كلمات الشاعر الكبير عبد الوهاب محمد، مقطع أغنيتهما الشهيرة «سينا رجعت كاملة لينا.. ومصر اليوم فى عيد»، حتى قامت ثورة يناير 2011، وما تبعها من فوضى وتراجع سلطة الدولة وصولا لحكم الإخوان فى عامهم المشئوم، ليفاجأ الجميع بأن سيناء لم تعد كاملة إلى مصر.

وهذا ما فطن إليه الرئيس المصرى مبكراً، فقرر فى سنوات حكمه الأولى أن تستعيد مصر كامل أراضيها، وتبسط الدولة سيطرتها على كل «شبر» من أرض مصر، وانطلقت على أرض الفيروز معركتان بالتوازى: الحرب على الإرهاب، ومعركة التنمية التى كان محورها الحيوى هو التنمية العمرانية،  وكان أبرز إنجازاته فى رأيى: إعادة ربط سيناء بكافة المحافظات المصرية من خلال شبكة طرق عصرية، اشتملت على  5 أنفاق تحت قناة السويس أضيفت للنفق الوحيد الذى كان متواجدا وهو نفق الشهيد أحمد حمدى فى السويس، بالإضافة إلى 7 كبارى عائمة، ومجموعة هائلة من شبكات الطرق التى تم تنميتها فى سيناء والتى تجاوزت 3 آلاف كم.

استوقفنى أمران فى شرح الدكتور مصطفى مدبولى وعرضه خطة حكومته المعنونة بـ «سيناء العبور الجديد» والتى عرضها فى حضور الرئيس على الرأى العام المحلى والدولي، أولهما يتعلق باستشهاده بأحدث تطبيقات الذكاء الصناعى (شات جى بى تي) فى مستهل كلمته، مستدلا بمعلومات هذا التطبيق المدهش عن إقليم سيناء، وهى لفتة تحمل قدراً كبيراً من الذكاء، فهو يخاطب بها الأجيال الشابة التى تستهدفهم رحلة العبور الجديد، وتراهن مصر عليهم فى إنجاز هذه المهمة، وتمهد لهم الطريق لمستقبل أفضل انطلاقا من أرض الفيروز التى تحمل الكثير من كنوز مصر وخيراتها.

أما الإشارة الثانية والمتعلقة بالماضى، سواء الماضى البعيد والذى لم يحمل لسيناء أى رؤية أو خطة تستفيد بإمكانياتها وتوظف قدراتها لصالح الوطن، وهو تأخر مثير للاهتمام ويستحق مزيدًا من الدراسات، فيما كان حظها أفضل مع الماضى القريب خاصة بعد أن اختطفتها  إسرائيل لست سنوات منذ نكسة 1967 وحتى نصر 1973، ثم عادت أراضيها كاملة بجولتى الحرب والسلام اللتين كان بطلهما الرئيس أنور السادات، والذى كان شغوفا بسيناء وعاشقاً لها، واستعان مبكراً بالوزير حسب الله الكفراوى وحمله أمانة تعميرها، ويحكى الكفراوى (رحمه الله) عن ذلك فى حوار له مع جريدة «المصرى اليوم» فى إبريل 2013، قائلاً: «بدأ الحلم بينى وبين الرئيس السادات بعد الحرب مباشرة وكان الحلم كبيراً وكنت أحب السادات لأنه رجل وطنى فعلاً ومخلص لوطنه، وأنا كنت رئيس جهاز التعمير فى منطقة القناة بعد حرب 73 ولم نكن استلمنا كل الأرض وقتها وكنا نعمل فى مناطق الإسماعيلية وبورسعيد والسويس والقرى التابعة لها وكان كلما يذهب إلى موقع يجدنى هناك، كان هدفه الأول هو إعادة المهجرين من أهالى سيناء والقناة عام 77، وأوكل لى المهمة واستطعت أن أنهيها قبل المدة المقررة». ويكشف الوزير الراحل عن أول أحلام السادات فى سيناء قائلاً: «كان لديه حلم توطين 4 ملايين مواطن فى سيناء وتعمير القطاع الأوسط، وراعينا فى تصميم القرى أن تكون المنازل مناسبة للطابع البدوى وأن تكون مدناً دفاعية فى الوقت نفسه، وهو الذى فعلناه بالفعل فى بئر العبد وبالوظة وبعض القرى الأخرى».

وكرر الوزير الكفراوى والملقب بـ«أبو المدن الجديدة»، فى أحاديث صحفية متعددة أعقبت ثورة يناير 2011، ضرورة أن تصبح «سيناء عقيدة كل مصري»، وطالب أن تكون هناك حملة شعبية لتنمية سيناء، واعتبر أن ما تحتويه سيناء من كنوز وموارد طبيعية وثروات وأراض صالحة للزراعة تبعث مصر من جديد وتعظم من ثرواتها، ومن ثم يصبح تنميتها واجباً وطنياً، مردداً: «إن العمل فى سيناء عبادة»، ومؤكداً أن سيناء كانت ولا تزال مطمعاً للآخرين، مشيراً إلى أنه حاول كثيرا مع الرئيس الأسبق حسنى مبارك لإقناعه باستكمال أحلام السادات فى سيناء، لكنه قابل خططه بفتور، أرجعه الكفراوى إلى أنه ربما يكون قد تعرض لضغوط خارجية حول هذا الأمر، فآثر السلامة وأضاع فرص التنمية.

وخلال 30 عاما حكم فيها مبارك مصر، لا شك أنه قد تحقق تطوير واضح فى العديد من القطاعات فى سيناء، خاصة فى قطاع السياحة، فصارت فى عهده مدينة شرم الشيخ قبلة سياحية عالمية، ولكنها كانت تنمية (هشة)، تتراجع كل حين بفعل النشاط الإرهابى المتكرر الذى استهدف العديد من منتجعاتها الشهيرة فى عمليات نوعية أربكت هذا القطاع الحيوى منذ مطلع التسعينيات فى القرن الماضى وحتى نهاية حكمه.

وفيما حمل حديث الدكتور مصطفى مدبولى إشارة إلى مشروعين فى التسعينيات لم يستكملا، هما: مشروع شرق التفريعة، ومشروع الاستصلاح الزراعى لتنمية شمال سيناء، اجتهد موقع «اليوم السابع» قبل سنوات فى مناقشة الأمر متسائلاً: «لماذا تخلت الحكومة عن المشروع القومى لتنمية سيناء»؟، وأجاب التقرير الإخبارى الذى نشره الموقع الشهير كاشفاً قصة سيناء مع مبارك موضحاً: «فى 13 أكتوبر 1994 أقر مجلس الوزراء استراتيجية شاملة لتنمية سيناء، وأصبح المشروع أحد مشروعات خطة التنمية الشاملة، وفى سبتمبر 2000 تم إعادة رسم استراتيجية التنمية الشاملة لسيناء؛ لتضم محافظات القناة. وبلغت التكلفة الاستثمارية الجديدة 110.6 مليار جنيه حتى عام 2017، منها 64 مليار جنيه لشمال سيناء و46.6 مليار جنيه لجنوب سيناء، وكان يهدف المشروع لتوطين 3 ملايين مواطن فى سيناء، وفى 2006 أقرت الحكومة الإسراع بتنفيذ الخطة الشاملة لتنمية سيناء، التى تتضمن مشروعات عديدة فى مجالات البنية الأساسية والخدمات، وقيام وزارة الصناعة بإنشاء هيئة خاصة للتنمية الصناعية بسيناء تتولى إنشاء 7 مصانع جديدة، بالإضافة إلى قيام وزارة البترول بإنشاء شركة قابضة لتنمية الثروة البترولية والمعدنية فى سيناء، وقيام وزارتى الرى والزراعة باستصلاح 400 ألف فدان جديدة بشمال سيناء، وزيادة فرص توطين الخريجين».

لم يتحقق شيء ذو قيمة من هذه الخطة بل أن سيناء تحولت إلى مكان طارداً لأهله، وتشير إحصائيات إلى تناقص عدد سكانها بشكل ملحوظ وصولاً إلى عام 2011، وبعد يناير استيقظت أرض الأحلام على كابوس التطرف الدينى وتحولت إلى بؤرة جاذبة لتنظيمات التطرف الإقليمية، وامتدت الحرب معها سنوات حتى تحقق النصر الكامل، ولم تغفل الدولة خلال هذه السنوات عن العمل المستمر فى وضع اللبنات الأولى للتنمية الشاملة، وأنجز الكثير فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، ولا يزال الحلم مستمراً معه لتحقق سيناء عبورها الجديد الذى يليق بمصر وأحلامها نحو المستقبل فى جمهورية جديدة.. سعيدة إن شاء الله.