النسوية الإسلامية فهم معانى القرآن: جهود المرأة.. فى التفسير! "52"

محمد نوار
يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.
مازالت قضايا المرأة تشغل اهتمام العقل المسلم، خاصة إذا أدركنا ما تمثله المرأة فى واقعنا من مكانة تفرض ضرورة الانتباه لدورها، حيث الإسلام قد أعلى مكانة المرأة وأنصفها، إلا أن المرأة غابت أو تم تغييبها عن أعمال كثيرة.
كريمة بولخراص، أكاديمية جزائرية بجامعة وهران، حاصلة على دكتوراه فى الكتاب والسنة عام 2014م، وعضو بالمجلس العلمى واللجنة العلمية لقسم العلوم الإسلامية، لها كتابان «نظرية المقام تأصيلًا وتنزيلًا»، و«مقامات الخطاب فى القرآن الكريم، الترغيب والترهيب أنموذجًا»، إضافة إلى أبحاث ومقالات عدة.
وترى أنه تاريخيًا لا يمكن تقييم جهود المرأة فى تفسير القرآن الكريم، إلا من خلال ما نقلته المدونات عن هذه الجهود، سواء من حيث تدوين النساء اللواتى اشتغلن بالدرس القرآنى بشكل عام أو بالتفسير على وجه الخصوص، فنحن لا نكاد نجد فى كتب التراجم أو التاريخ أو حتى المدونات التى عملت على إحصاء أعلام التفسير والمشتغلين فى الدراسات القرآنية، إلا أسماءً تعد على الأصابع.
وهو أمر لا يمكن حصره فقط فى الدراسات القرآنية بل يمكن تعميمه على مستوى الكثير من الدراسات الشرعية، وإن كان غياب المرأة فى جانب التفسير أوضح، وذلك لعوامل وأسباب عدة أدت لهذه الندرة، منها الظروف الاجتماعية وتوجهات واهتمامات المرأة فى كل مرحلة، ولعل أهمها طبيعة التكوين التى كانت سائدة.
وإذا ما اطلعنا على ظروف تكوين أى عالم تدون اسمه فى المدونات التفسيرية، ظهر لنا صعوبة تحققها عند المرأة فى تلك المراحل، فقد كانت طبيعة التكوين تتطلب السفر للبحث عن المعلومة وتنويع مصادر المعرفة، التى لم تكن متوفرة فى مكان واحد أو لم تكن كافية لعقلية عالم.
هذا فضلًا عن عدم وجود مؤسسات تهتم بتكوين المرأة فى موطنها، بما جعل التكوين عند المرأة منحصرًا فى الأسرة إن كانت عالمة، وطبعًا يستحيل فى ظل هذه الظروف ظهور مفسرة للقرآن الكريم، مع طبيعة القرآن الكريم وما يتطلبه من شروط لتفسيره.
فلما تغيرت هذه الظروف، وفتح الباب أمام المرأة للتعلم والبحث، ظهرت لنا أسماء لنساء فسرن القرآن الكريم، إما تفسيرًا كاملًا أو جزئيًا مثل عائشة بنت الشاطئ، وزينب الغزالى، وحنان اللحام، وغيرهن.
وعن دور المرأة فى واقعنا الراهن، لا أحد يستطيع أن يُهمل أو يُهمّش دور المرأة فى واقعنا، مما يفرض عليها تحمل مسئولياتها تجاه قضاياها وقضايا الواقع عمومًا. لقد حان الوقت أن تخرج المرأة من دائرة التوظيف والاستعمال، حتى تتمكن من إنتاج فكر نابع من ذاتها يراعى طبيعتها واحتياجاتها، بما يجعلها مدركة لمقتضيات الواقع ومتطلباته، وفى الوقت نفسه، قادرة على التمييز بين الثوابت والقيم المتجذرة فى الإنسان وبين ما يمكنه التغيير والتجديد. وعن تفسير دوران العقل المسلم فيما يخص المرأة فى مجموعة قضايا، وعدم تجاوز ذلك إلى الواقع الحقيقى الذى تعانيه، أو إلى الدور المأمول منها، الحرية والمساواة من القضايا التى يحتفى بها الإنسان المعاصر، ويعتبرها مظهرًا مهمًا لما حققته الإنسانية اليوم من إنجازات، وهو ما يجعل البحث فى قضايا المرأة فى الشريعة بحثًا خصبًا، وهذا ما يدفع الفكر إلى محاولة القضاء على أى مظهر من مظاهر التمييز أو التقييد من الحرية.
كتابة القرآن:
ويعتبر البعض أن تلقى القرآن كان بالسماع الصوتى من النبى عليه الصلاة والسلام للوحى، وسماع صوتى من كتبة الوحى للنبى، وأن كتابة القرآن ليست هى الأصل.
ولكننا نجد أهمية لكتابة القرآن كما فى قوله تعالى: (وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) العنكبوت 48، نلاحظ ارتباط التلاوة والتدوين، مع ملاحظة الفارق الكبير بين صياغة القرآن ومنهجه وطريقة كتابته والتى تختلف عن غيره من الكتب، وقوله تعالى: (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِىَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا) الفرقان 5، فالنبى عليه الصلاة والسلام حسب كلام المشركين أنه (اكْتَتَبَهَا) لم يكتب فقط بل اكتتب دليل على تكرار فعل الكتابة وأن هناك من يملى عليه ذلك صباحًا ومساءً.
الكتابة القرآنية لها خصوصية تختلف أحيانًا عن الكتابة العربية المتعارف عليها، على سبيل المثال حرف الألف يكتب أحيانًا واوًا، فى كلمات مثل الصلاة، الزكاة، الحياة، النجاة، فتُكتب الصلوة، الزكوة، الحيوة، النجوة، مع وضع حرف الألف صغيرًا فوق حرف الواو لتنطق ألفًا وليس واوًا، وذلك فى آيات كثيرة منها البقرة 3، البقرة 43، البقرة 85، النساء 114، غافر 41.
وكلمة بسطة تُكتب مرة بحرف السين فى سورة البقرة 247، ومرة بحرف الصاد بصطة فى سورة الأعراف 69، مع وضع حرف السين صغيرًا فوق حرف الصاد لتنطق سين وليس صادًا، وكلمة الأيكة تُكتب مرة الأيكة فى سورة الحجر 78، ومرة لئيكة فى سورة الشعراء 176، لذلك لابد من الالتزام بالرسم القرآنى للكلمات.
والأمثلة كثيرة مما يدل على أهمية رسم خط كلمات القرآن الكريم، وأنها تمثل نفس أهمية السماع الصوتى لنطق الكلمات.
قال تعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) ص 29، فالقرآن كتاب رب العالمين أنزله وحفظه كما وصل إلينا، ولا يمكن بأى شكل من الأشكال أن يوجد فيه أى تدخل بشرى لا قديمًا ولا حديثًا، لكى يقرأه الناس ويتدبروا آياته بما ينفعهم فى دينهم ودنياهم. وقراءة القرآن بالحق من خلال التلاوة السليمة هى دليل الإيمان بالقرآن، قال تعالى: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) البقرة 121، وهى القراءة التى تراعى المعنى عند التلاوة إذا كان الخطاب للتقرير أو التبشير أو الإنذار، وكذلك إذا كان للحوار وضرب الأمثلة وغيرها.
الترادف:
القول بالترادف اللغوى فى المعنى بين الألفاظ المتشابهة فى القرآن الكريم، يعنى اشتراك لفظين فى أداء نفس المعنى، والقرآن الكريم يخلو من الترادف لدقة تراكيبه ومعانيه وتفرده بمعجمه الخاص، فنجده فرق مثلًا بين الإسلام والايمان: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا) الحجرات 14، وبين الرسول والنبى: (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمًا) الأحزاب 40، وبين الرؤية والنظر:
(وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ) الأعراف 143، وبين جاء وأتى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ) آل عمران 81.
فالقائلون بالترادف اللغوى فى ألفاظ القرآن الكريم أضاعوا الفرق بين الألفاظ المتشابهة، وجعلوا آيات القرآن الكريم مثلها مثل أبيات الشعر التى لا يعيبها الترادف، واعتبار مثلا أن الناقة لها خمسين اسما دلالة على ثراء اللغة العربية، إنما هو فى الحقيقة يمثل بدائية اللغة ومرحلة ماقبل التجريد، فالقرآن الكريم خال من الحشو واللغو والزيادة، ولا يمكن حذف كلمة من القرآن الكريم دون أن يختل المعنى، ولا يمكن تقديم أو تأخير أى من كلماته وألفاظه دون أن يفسد النظم الحامل للمعنى.
والقرآن الكريم يحوى المصداقية والأهمية، فعندما يقول تعالى: (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلا مَا تُؤْمِنُونَ) الحاقة 41، فهذا خبر صادق، ويبقى السؤال عن أهميته وفائدته، لأن كل من عاش مع النبى على مدى أربعين عامًا قبل الرسالة يعرف أنه ليس بشاعر، وتتضح الأهمية فى خطابه تعالى للمشركين ممن زعموا أن القرآن شعر فيقول لهم إن النبى ليس بشاعر وكذلك القرآن ليس بشعر ولذلك يجب تصديقه.
ويخاطب المؤمنين ليحذرهم من التعامل مع القرآن بنفس الطريقة التى يتعاملون بها مع الشعر، فالشعر وهم والقرآن واقع، والشعر كاذب والقرآن صادق، والشعر يتبعه الغاوون والقرآن يتبعه المؤمنون، وإلى الآن يتم اللجوء إلى الشعر فى تفسير القرآن الكريم، واعتبار أن القرآن تحدى الشعراء فى البلاغة، وهذا غير صحيح لأن القرآن الكريم تحدى كل أهل الأرض وليس الشعراء فقط.
إن إرساء أسس النحو والبلاغة جاء لاحقًا للقرآن الكريم، مثلًا إذا قال سيبويه إن الفعل يجب أن يماثل الفاعل فى الإفراد والتثنية والجمع، وفى قوله تعالى: (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا) الحج19، فهذا لا يعنى أن القرآن أخطأ فى القواعد، بل يعنى أن سيبويه حين أسس لقواعده لم يحكم ما أسسه على ما ينبغى، وهذا يفسر لنا خلافات مدارس النحو فى الكثير من المسائل.
قال تعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) ص 29، ويقول تعالى: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) القمر 17، وتتكرر الآية فى سورة القمر فى الآيات 22، 32، 40، ويقول تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) محمد 24.
فالقرآن كتاب رب العالمين لكى يقرأه الناس ويتدبروا آياته لما ينفعهم فى دينهم ودنياهم.