الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد تآكل مخزون الترسانات العسكرية تهافت الدول الأوروبية للاحتماء بمظلة الناتو ارتفاع الإنفاق العسكرى العالمى 7 %.. وتسليح الغرب يصاب بـ«الأنيميا»

أدت الحرب الروسية- الأوكرانية إلى إحداث تغيرات عالمية فى شتى المجالات، اقتصاديًا، وسياسيًا واجتماعيًا، وأيضًا تغيرات عسكرية، حيث كشفت تقارير غربية أن الحرب ألحقت خسائر كبيرة بمخزونات الأسلحة العالمية مما دفع دولًا أخرى إلى رفع إنفاقها الدفاعى لمستويات غير مسبوقة.



ورصد «المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية»، وهو مؤسسة بحثية بريطانية، تغيرات عسكرية كبيرة بشأن التوازن العسكرى لعام 2023، إذ قال فى تقريره، إن بياناته الجديدة تهدف إلى تحديد مسار هذه التغيرات فى القوات العسكرية فى جميع أنحاء العالم.

 

كما أوضح معهد ستوكهولم الدولى لأبحاث السلام SIPRI، أن الإنفاق العسكرى عالميًا ارتفع بمقدار 7 % فى عام 2021 ليبلغ 2.113 تريليون دولار، وبهذا فقد تخطى حاجز التريليونين لأول مرة. ويمكن بسهولة الافتراض بأن هذا الرقم سيزيد كثيرًا بسبب استمرار الحرب هذا العام أيضًا. ومن الدول التى أعلنت زيادة فى الإنفاق: أمريكا، والصين، والهند، وتايوان، واليابان، وبريطانيا، وروسيا، وأوكرانيا، وبولندا، وألمانيا، وفرنسا، والزيادة فى كثير من هذه الدول كبيرة جدًا، وسنشهد تدافعًا للحصول على الموارد والمنتجات الحربية على مدار أعوام قادمة، فى حال استمرار هذه الحرب.

 الإنفاق الدفاعى

أكدت الحرب الروسية الأوكرانية منذ بدايتها فى فبراير الماضى، على عودة ظهور التهديدات التى تأتى من جانب الدول. والدول بطبيعة الحال تملك من الموارد السياسية والاقتصادية والعسكرية أكثر بكثير مما تملكه أعتى الجماعات الإرهابية، ومواجهة تهديداتها تقتضى استراتيجيات مختلفة وحشدًا مكثفًا للسلاح والعتاد.  

وعليه، فإن الزيادة فى التهديدات القادمة من دول نتيجة للحرب التى شنتها روسيا على أوكرانيا، وفى أجواء احتدام الوضع بين الصين وتايوان، عملت دول كثيرة على زيادة إنفاقها الدفاعى بقدر كبير. وفى ظل التهافت الجديد على حيازة السلاح والعتاد، فإن المخزون المتوفر من شتى أنواع القذائف والأسلحة، سواء فى ترسانات روسيا أم الغرب، يتآكل بوتيرة سريعة فى أوكرانيا؛ ما أوجد طلبًا إضافيًا عاجلًا على السلاح وسبّب مشكلات استراتيجية أوسع أيضًا.

  وقد أسفرت عن تداعيات مهمة خاصة فيما يتعلق بالتجهيزات العسكرية والحربية للدول وبالأخص فى أوروبا، حيث أعلنت 20 دولة تقريبًا فى القارة العجوز فى عام عن زيادة الإنفاق الدفاعى بشكل فورى، أو تعزيز امتثالها إلى أهداف الإنفاق على المدى البعيد، كما ارتفعت وتيرة التسليح لدى الدول بصورة كبيرة، حيث رفعت موسكو إنفاقها العسكرى بنسبة 2.9 %، بينما قفز الإنفاق الأوروبى بمعدل 19 %، فى حين أقرت طوكيو مراجعة جذرية لسياستها الدفاعية.

وفى 16 ديسمبر الماضى أدخلت اليابان تعديلات غير مسبوقة على استراتيجية الأمن القومى الراسخة فى البلدان منذ الحرب العالمية الثانية، حيث قررت زيادة إنفاقها العسكرى والتخلى بشكل نسبى عن سياسات التقيد العسكرى المتبعة منذ عقود، من أجل امتلاك القدرة على تنفيذ هجوم مضاد حال وقوع أى استهداف لأراضيها.

كما وافق مجلس النواب الأمريكى على مشروع قانون يمهد الطريق لوصول ميزانية الدفاع إلى مستوى قياسى يبلغ 858 مليار دولار العام المقبل، بزيادة 45 مليار دولار عن الميزانية التى اقترحها الرئيس جو بايدن.

وفى مارس 2022، أعلنت الصين زيادة إنفاقها العسكرى وسط تصاعد التوتر العالمى حيث كشفت وزارة المال الصينية زيادة الميزانية العسكرية بـ 7.1 % عند افتتاح الدورة السنوية العامة للجمعية الوطنية الشعبية.

وعلى خط الحرب، قالت حكومة بولندا إنها ترغب فى زيادة إنفاقها الدفاعى إلى 3 % من الناتج المحلى الإجمالى فى 2023 وستبدأ برنامجًا مكلفًا للغاية للتوسع فى هيكلة الجيش وإعادة تسليحه على مدار الأعوام الخمسة المقبلة.

ويُعتبر التحول فى الإنفاق العسكرى فى ألمانيا، الأكثر دراماتيكية، حيث وعد المستشار الألمانى أولاف شولتس بزيادة الإنفاق فوق اثنين فى المئة من الناتج الاقتصادى للبلاد، وهو مستوى لم يتم الوصول إليه منذ أكثر من ثلاثة عقود. وشمل التعهد ضخًا فوريًا لمبلغ 100 مليار يورو (111.5 مليار دولار) فى القوات المسلحة بالبلاد.

كذلك أعلنت إستونيا عن زيادة إنفاقها العسكرى إلى 2.5 % من الناتج المحلى الإجمالى، فى السنوات المقبلة، كما أعلنت بلجيكا وإيطاليا وبولندا ولاتفيا وليتوانيا والنرويج والسويد -وهى دولة محايدة عسكريًا وليست جزءًا من الناتو- عن زيادات فى ميزانياتها الدفاعية. 

وقال نيكولاى سيوكا، رئيس الوزراء الرومانى، «من مسئوليتنا اتخاذ تدابير لحماية أنفسنا». وأضاف «لا أحد يعرف إلى متى ستستمر الحرب فى أوكرانيا، لكن علينا إعادة التقييم والتكيّف مع ما قد يحدث فى المستقبل، وعلينا أيضًا أن نكون مستعدين لما هو غير مُتوقّع».

وعلى الصعيد نفسه، فقد أوضح تقرير معهد SIPRI إن الحرب الروسية منحت حلف شمال الأطلسى (الناتو) هدفًا متجددًا، مُضيفًا أنه دفع فنلندا والسويد إلى تقديم طلب للانضمام إلى الحلف، كما دفع دولًا فى أوروبا الشرقية إلى زيادة التركيز على الإنفاق الدفاعى.

وأضاف التقرير أن المساعدات المُقدمة إلى أوكرانيا، سلطت الضوء على أهمية مخزونات الذخيرة والقدرات الصناعية فى أوكرانيا، وروسيا، وكذلك فى الدول الغربية.

ولا يزال التحديث العسكرى الصينى مصدر القلق الرئيسى لواشنطن، حيث رفعت الصين ميزانيتها الدفاعية بنسبة 7 % على أساس سنوى فى عام ميزانية عام 2022.

 أنيميا الأنظمة الدفاعية

وفق تقرير للكاتب البريطانى، د.باتريك بيرى، وهو محلل سابق فى الناتو ونقيب سابق بالجيش البريطانى، أوضح أن الغرب لم يكن مستعدًا لمثل هذه الحرب، فخلال الخمس وعشرين عامًا الماضية ومنذ انتهاء الحرب الباردة، اتجهت الجيوش الغربية إلى تطوير الأنظمة اللوجيستية المتطورة سعيًا لتقليل النفقات. وقد أصبحت هذه الأنظمة اللوجيستية أقل مناعة وأدنى تحملًا للصدمات الاستراتيجية رغم كونها أكثر كفاءة. وما أثر على التجهيزات الحربية تغير شكل الاحتياجات العسكرية فى الحملتين على العراق وأفغانستان.

وفى المحصلة فإن قاعدة الصناعة العسكرية الأمريكية والأوروبية لم تكن مستعدة لفقدان مخزونها بهذه السرعة. وتقول تحليلات صدرت مؤخرًا إن مخزون الجيش البريطانى من الذخيرة سينفد فى غضون أسابيع لو أنه تعرض لهجوم كثيف كالذى تعرّضت له منطقة دونباس الأوكرانية فى الصيف. وثمة قلق مماثل فى الولايات المتحدة، حيث انتقد محلل سياسات الأمن القومى أوستن دامر «قدرة القاعدة الصناعية العسكرية» الأمريكية وقال إنها «تعانى من الأنيميا»، إذ إن تجديد مخزون صواريخ (HIMARS) للمدفعية، وصواريخ جافلين يتطلب سنتين منذ تقديم الطلب، وهو يقدر أن 45 % من مخزون جافلين ربما يكون قد أرسل إلى أوكرانيا. وهو يشير أيضًا إلى أن إعادة ملء المخازن الأمريكية من هذه الأسلحة ستتطلب الاعتماد على شركة لوكهيد المنتجة لها، ما يعنى أن تلبية الشركة لطلبيات أخرى تعد أكثر فاعلية فى صراع من نوع آخر سيتراجع على سلم الأولويات.

 خسارة التسليح

وفيما يتعلق بالخسائر على أرض المعركة، فقد تكبدت كلا الدولتين خسائر متعددة، حيث تغير قوام أسطول روسيا من المركبات المُدرعة، إذ يُعتقد أنَّ موسكو فقدت 50 % تقريبًا من القوام الذى كان عليه أسطولها من دبابات «تى - 72 بى 3» و«تى- 72 بى 3 إم» قبل الحرب، بالإضافة إلى العديد من دبابات «تي-80-». ونتيجة لذلك، اضطرت روسيا إلى إعادة تشغيل المُعدات القديمة كبدائل.

وتكبدت القوات الجوية الروسية والأوكرانية خسائر كبيرة فى الحرب، حيث فقدت روسيا نحو 3.4 % من مقاتلات الهجوم الأرضى فى عام 2022. ولكن الخسائر فى بعض الأنواع الأخرى من المقاتلات لم يتضح بسبب الحجم الكلى للأسطول. وفقد أسطول مقاتلات «سو - 34» 15 % من قوامه، وفقًا للتقرير.

على الجانب الآخر، كانت أوكرانيا تمتلك عددًا أقل بكثير من المقاتلات قبل الحرب، لكن خسائرها كانت أكبر نسبيًا، حيث فقدت 28 % من مقاتلاتها، بما فى ذلك 44 % من عدد مقاتلات «ميج-29-» الذى كانت تمتلكه أوكرانيا قبل الحرب.

ووفق تقرير معهد ستوكهولم الدولى لأبحاث السلام، أنه فى أواخر عام 2022، لجأت روسيا إلى إيران لتزويدها بطائرات مُسيرة مُسلحة وذخائر هجوم مباشر، ما أدى بدوره إلى تعزيز التعاون الصناعى الدفاعى بين موسكو وطهران.

وتطلب دفاع أوكرانيا عن أراضيها استخدام كميات كبيرة من مخزوناتها من المعدات والموارد التى تعود إلى الحقبة السوفيتية، ولكن اعتماد كييف على أنظمة الأرض الغربية وإمدادها بالدبابات التى تعود إلى الحقبة السوفيتية من دول أوروبا الشرقية، عزز قدراتها ومخزوناتها، حسبما جاء فى التقرير.