الأحد 7 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
الاستثمار فى السلام

لماذا يجب أن تصنع مصر بيديها ما يحفظ أمنها

الاستثمار فى السلام

 جذبتنى أجنحة معرض الصناعات الدفاعية والعسكرية (إيديكس 2025) فى نسخته الرابعة، التى عقدت الأسبوع الماضى بالقاهرة، للحد الذى قادنى لتفحص والتعرف على ما تحتويه من نماذج لأنظمة حديثة وقطع تسليح متطورة، رغم عدم امتلاكى المعرفة الكافية بعالم السلاح والتسليح، غير أن أكثر ما لفت الانتباه التطور فى تكنولوجيا تلك «الصناعة» فى مصر، واستخدامات أدوات الذكاء الاصطناعى فى المنظومات الدفاعية.



حينما ذهبت لحدث تدشين وافتتاح الرئيس عبدالفتاح السيسى، لنسخة معرض «إيديكس»، بمقر انعقاده فى مركز مصر للمعارض الدولية «المنارة»، حضرتُ باحثًا عن إجابات لتساؤلات لدىّ، تتعلق بأهمية انعقاد هذا المعرض؟، ودلالات ورسائل توقيت انعقاده، بالنظر إلى تطورات الواقع الإقليمى والدولى؟، وما الجديد الذى سيقدمه، غير ما تضمنته النسخ السابقة له من تكنولوجيا التسليح والمنظومات الدفاعية؟.

 واقع الأمر، ليست هذه المرة الأولى، التى أتفقد فيها نسخة معرض الصناعات الدفاعية «إيديكس»، منذ تدشين هذه المنصة العالمية لنظم التسليح ومنظومات الدفاع قبل نحو سبع سنوات، فقد شاهدت من أرض الواقع، ما تضمنته النسخ الثلاثة السابقة من تقنيات وتطور، لكن ما يلفت الانتباه، تلك الدروس التى تضمنتها النسخة الأخيرة، التى تستدعى التوقف والتمعن أمامها، بما تقدمه من رسائل وإجابات مهمة عن حدود «القدرة» التى تمتلكها مصر، وأهميتها وضروريتها.

لماذا نشترى السلاح؟

كانت الرسالة الأولى والأهم واضحة فى حدث افتتاح معرض «إيديكس»، حينما استعان الفيلم الوثائقى للمعرض وتنظيمه، بمقطع للرئيس السيسى، يؤكد فيه، على أن «أى إضافة جديدة تُمكن وتزيد من قدرة القوات المسلحة المصرية، (لازم نمتلكها)»، وصيغة الحديث هنا تفيد بحتمية وضرورية امتلاك وتطوير قدرات القوات المسلحة المصرية الدفاعية وتعزيز منظومتها التسليحية.

هذا الحديث، يفند بعضا مما كان يبثه «أهل الشر»، طوال السنوات الماضية، من تساؤلات تبغى الفتنة والتشكيك، من بينها مثلًا، هل كان مطلوبًا تطوير الدولة لمنظومتها التسليحية؟، هكذا كان حديث «الإفك»، مع كل خطوة تضيفها الدولة المصرية، لقدرات أفرع القوات المسلحة، بشراء أسلحة جديدة، مثل «الميسترال»، وطائرات «الرافال»، والفرقاطات، وغيرها من أنظمة التسليح، بشراكات متعددة.

 

 

 

ربما كانت الإجابة عن مثل هذه التساؤلات، قدمتها اضطرابات المنطقة والإقليم خلال الأعوام الماضية، والتى وصل معها الإدراك العام، بمدى استراتيجية وحكمة القرار الاستراتيجى، بتعزيز قدرات القوات المسلحة المصرية، وهذا المعنى ربما توقف أمامه الرئيس السيسى، فى الندوة التثقيفية للقوات المسلحة فى احتفالات أكتوبر 2024، حينما أشار إلى أن «أهمية تعزيز تسليح القوات المسلحة خلال السنوات العشرة الماضية، والأمر لا يرتبط فقط بالحرب على قطاع غزة وتداعياته، وإنما بضرورة الحفاظ على قوة الدولة الشاملة العسكرية والاقتصادية والثقافية»، وتلك هى الفلسفة التى تتبناها القيادة السياسية.

الهدف هنا ليس امتلاح السلاح، ولكن حتمية وضرورة امتلاك القدرة وتعزيز الصناعة الوطنية لتطوير المنظومة الدفاعية داخل أراضيها، من هذا المنطلق، جاء الاتجاه الاستراتيجى للدولة، بوضع خطة للإنتاج، وإقامة خطوط إنتاج مصرية، والتحول من التدريب إلى التنفيذ، حتى تصنع الدولة بيديها ما يحفظ أمنها، لتبقى قادرة ومستعدة، وصانعة للأمن.

وامتلاك القدرة هنا، تتجاوز أهميته حدود الردع أو حماية الأمن، وليمتد إلى ما أبعد من امتلاك أدوات وضمانات الأمن القومى، إلى تعزيز «استقلال» القرار الوطنى، وحماية السيادة، ذلك أن تعزيز الدولة لقدراتها فى الإنتاج الدفاعى، يعزز من استقلالية قرارها السياسى، ويحميه من الضغوط الخارجية المرتبطة بالاعتماد على الآخرين، كما يحافظ على سياسة مصر الخارجية القائمة على «التوازن الاستراتيجى» فى علاقاتها الدولية.

استثمار فى السلام

 إذا كنا نتحدث عن امتلاك الدولة لقدراتها فى صناعة ما يحفظ أمنها، فإن أبلغ تقدير لاستراتيجية تطوير الدولة لمنظومتها الدفاعية والتسليحية، قدمه وزير الدفاع والإنتاج الحربى، الفريق أول عبدالمجيد صقر، فى افتتاح المعرض، حينما تحدث فى كلمته، عن أن امتلاك مصر لمختلف عناصر القدرة، «هو استثمار فى السلام الحقيقى»، والمعنى هنا أن جزءا من صناعة السلام والحفاظ عليه، هو امتلاك الدولة لقدرة عسكرية وأمنية، تمكنها من حماية السلام، بجانب حماية أمنها وسيادتها.

ومن منطلق أن خيار الدولة المصرية الاستراتيجى هو السلام، فجزء من تحصين هذا القرار، هو امتلاك القوة والقدرة العسكرية، لذلك، ومن هنا وضّح وزير الدفاع فى كلمته الأمر، حينما أشار إلى أن «الدول القوية تُحترم إرادتها، وتُصان حدودها»، وفى نفس الوقت، «كانت القوات المسلحة المصرية وستبقى دائمًا، قوة حكيمة ورشيدة، تحمى ولا تهدد، تبنى وتعمر».

 

 

 

هكذا صاغ وزير الدفاع تقدير الموقف، الخاص بحتمية تعزيز القدرات الدفاعية للقوات المسلحة، وذلك من منطلق أن الدولة القوية التى تمتلك أدواتها وما يحفظ أمنها، بلا شك «ستُحترم إرادتها»، وستحمى أمنها وحدودها وسيادتها، طالما أنها تمتلك «قوة الردع» لأى تحد محتمل.

معانٍ تعبر عن عقيدة القوات المسلحة المصرية الراسخة، فى تعاطيها مع كل تحد محيط، وكل مهدد للأمن القومى، خصوصا أن نسخة معرض إيديكس الرابعة، والتى أظهرت إلى أى مدى وصلت القدرات المصرية فى التصنيع العسكرى والمنظومات الدفاعية، جاءت فى توقيت تشهد فيه المنطقة والعالم تحولات متسارعة وصراعات متشابكة، مما يُحتم «الاستعداد الدائم لمواجهة المخاطر والتهديدات»، وهى مسألة وصفها الفريق أول عبدالمجيد صقر، «واجبًا لا يحتمل التهاون».

فى تقديرى، تجاوز معرض إيديكس حدود المنصة التى تستعرض التسليح والمنظومات الدفاعية، بل هى منصة، تقدم صورة من صور قوة مصر الحديثة، ويعكس حرصها على مواكبة التطورات العالمية فى مجال التسليح وتعزيز القدرات العسكرية.

وبالتالى فإن معرض إيديكس، ليس مجرد حدث لعرض أحدث الأسلحة، بل هو محرك استراتيجى لطموحات مصر الوطنية فى تحقيق الاكتفاء الذاتى وتوطين التكنولوجيا العسكرية المتقدمة. كما أنه يمثل جسرًا حيويًا يربط بين الصناعات الدفاعية فى إفريقيا والشرق الأوسط وبقية العالم، مما يعزز التعاون ويسهم فى مواجهة التحديات الأمنية المشتركة.

لماذا يجب أن نصنع سلاحنا؟

يبقى السؤال الذى يفرض نفسه، وهو لماذا يجب أن تُصنع مصر سلاحها وما يحفظ أمنها، فى ظل استراتيجية تنويع شراكات التعاون العسكرى خارجيًا؟، والواقع أن هذه قضية محورية فى مسألة حماية السيادة واستقلالية القرار الوطنى، ذلك أن دروس الماضى القريب، تجعل من قضية تعزيز قدرات الدولة الشاملة، بما فى ذلك، قدراتها الأمنية والعسكرية، وتحقيق الاكتفاء الذاتى فى توطين هذه الصناعات مسألة لا غنى عنها، واستثمار شراكات التعاون المتعددة فى ذلك.

هنا يجب أن نتوقف مع بعض هذه الدروس، بداية من التحدى الذى واجهه الجيش المصرى، فى حرب فلسطين عام 1948، حينما قررت الحكومة وقتها مشاركة قوات مصرية فيها، وكانت معضلة توافر السلاح من التحديات الأساسية، لتضطر الحكومة إلى إبرام صفقات تسليح مع شركات وسماسرة سلاح، بشكل عاجل، ثم تبيّن فيما بعد أن هذه الخطوة شابها «مخالفات»، وهى القضية التى سبق أن فجرتها مجلة روزاليوسف، تحت ما يسمى قضية «الأسلحة الفاسدة»، وقتها، ونجحت وقتها المجلة فى تكوين ضغط شعبى كبير بسبب مخالفات صفقات الأسلحة فى حرب فلسطين.

 

 

 

كان هذا التحدى حاضرًا بعد ثورة يوليو 1952، التى تبنت فى أحد مبادئها، إقامة جيش وطنى قوى يعتمد على صناعة حربية وطنية، ومع تولى قيادة وطنية إدارة البلاد، حيث اتجهت وقتها لتطوير صناعة الأسلحة والطائرات محليا، وتوج هذا التوجه بافتتاح الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، «مصنع 27» للإنتاج الحربى، الذى أنتج أول طلقة مصرية الصنع، فى أكتوبر 1954.

وحينما رفض الاتحاد السوفيتى تزويد مصر بأسلحة حديثة عقب العدوان الثلاثى عام 1956 (حرب واجهت فيها مصر قوات إسرائيلية وبريطانية وفرنسية) قرر الرئيس جمال عبدالناصر عام 1960 إنشاء هيئة التصنيع الحربى.

ومع التحدى الذى واجه الرئيس الراحل أنور السادات، قبل حرب أكتوبر 1973، فى تحديث منظومة التسليح لخوض المعركة، وصعوبات الحصول على «السلاح الروسى» قبل المعركة، إلا أن ملحمة الانتصار فى أكتوبر، أكدت أيضا حتمية الاعتماد على صناعة السلاح الوطنى، وهو ما اتجهت له القيادة وقتها، بإنشاء الهيئة العربية للتصنيع عام 1975.

مع التحدى الوجودى الذى واجهته الدولة المصرية فى 2011 وما بعدها وصولًا لثورة 30 يونيو 2013، تبنت الدولة المصرية والقيادة السياسية، استراتيجية التطوير والتحديث الشامل لقدراتها العسكرية والأمنية، مع توطين تكنولوجيا التصنيع المتطورة، مع توسيع قاعدة الإنتاج المحلى فى الصناعات الدفاعية، هذا التوجّه أصبح خطة تنفيذية واضحة مرتبطة بعقود تحديث منذ عام 2014، مع الاستمرار فى التعاون مع شركاء خارجيين لسد الفجوات التقنية الضرورية.

خطت الدولة خطوات ملموسة فى هذا الاتجاه، لتوسيع دور وزارة الإنتاج الحربى، والهيئة العربية للتصنيع كمحور للتعاون الصناعى، وشركات التصنيع الوطنية، وأيضا شركات التصنيع المدنية، وعزز ذلك، استضافة مصر لمعرض إيديكس، الخاص بعرض أحدث نظم التسليح الوطنية، بداية من عام 2018، مع الحفاظ على دورية انعقاده كل عامين.

مفاجأة تنظيم المعرض

نقطة التوقف الأخرى، تتعلق بالحدث نفسه و«التنظيم» وهذا فى حد ذاته كان مفاجأة، ذلك أن النسخة الرابعة للمعرض، جاءت بتنظيم مصرى خالص، دون الاعتماد على «شريك أجنبى» تولى تنظيم النسخ الثلاثة السابقة، وهذه واحدة من الأبعاد التى لفتت الانتباه أثناء تفقد أجنحة المعرض، وتنظيمها المبتكر فى العرض، والهوية التى تعكس قدرات كل شركة مشاركة فيه.

حينما بدأت مصر المشاركة فى إقامة المعارض الدفاعية، كجزء من استراتيجيتها الوطنية، بتنظيم معرض «إيديكس»، أسندت هذا التنظيم إلى شركة AWE الدولية الرائدة فى تنظيم الأحداث الدولية الكبرى، بالتعاون مع وزارة الدفاع ووزارة الإنتاج الحربى والهيئة العربية للتصنيع، وتولت ذلك فى نسخ المعرض أعوام  «2021،2018، 2023» إلا أن النسخة الرابعة تصدت المؤسسات الوطنية لعملية التنظيم بنفسها، فى تحد واختبار يعكس امتلاكها قدرة جديدة على تنظيم منصة عالمية بهذا الحجم.

والشاهد هنا، حديث الأرقام فى نسخة المعرض الرابعة، من حيث عدد الشركات المشاركة، التى تصل إلى 500 شركة، إلى جانب الوفود الرسمية من نحو 112 دولة، وعدد الزائرين الذى يصل إلى أكثر من 40 ألف زائر، وكلها أرقام استثنائية، تفوق ما جرى فى النسخ الثلاثة السابقة، وتعكس فى نفس الوقت النمو المطرد لمنصة «إيديكس» كأحد أهم الفعاليات فى أجندة الدفاع العالمية.

المقارنة هنا واجبة أيضا، ففى النسخة الأولى من المعرض، شاركت أكثر من 350 شركة عارضة من أكثر من 40 دولة، جذب المعرض وقتها نحو 30 ألف زائر، وفى نسخته الثانية، ورغم تحديات جائحة كورونا، حققت نسخة 2021، نموا ملحوظًا بمشاركة 407 شركات من 42 دولة، ووصل عدد الزوار لنحو 34 ألفًا، وعدد الوفود الرسمية نحو 78 وفدًا رسميا، فى حين واصلت النسخة الثالثة تطور هذه المنصة، بعد مشاركة أكثر من 400 شركة، من نحو 46 دولة، بمشاركة نحو 108 وفود رسمية، فى مؤشر يعكس تزايد الأهمية الاستراتيجية لهذا المعرض.

والاحترافية فى تنظيم المعرض، طالت كافة قطاعاته، بما فى ذلك، إدارة التغطية الإعلامية له، من خلال المركز الصحفى للمعرض، واحترافية التعامل مع مختلف وسائل الإعلام المصرية والأجنبية، لتسهيل كل ما يتعلق بتغطيات مختلف فعاليات المعرض.

شراكات وعلاقات استراتيجية

نقطة التوقف الأخرى، تتعلق بالشراكات الاستراتيجية، التى يقدمها معرض إيديكس، فى إطار رؤية استراتيجية قائمة على التنوع والتعدد فى التعاون العسكرى والدفاعى، وربما ما يعكس ذلك، هذا الكم من الشركات المشاركة والتى تصل إلى 500 شركة من مختلف دول العالم، إلى جانب التطور التكنولوجى الذى تقدمه فى المعرض.

والواقع أن هذا التنوع والتعدد، كان حاضرًا فى أجنحة المعرض المختلفة، ما بين شركات أمريكية تركز على الصناعات العسكرية الثقيلة، وأيضا الشركات الصينية التى تركز على تقنيات متقدمة، والطائرات الصغيرة والروبوت المقاتل، وأنظمة الاتصالات الذكية.

كان لافتًا فى المعرض، مشاركات دول بشركات ناشئة تمتلك صناعات صغيرة ومتوسطة فى منظومات الدفاع، منها مثل الشركات التركية، وأيضا الحضور الكورى بما يقدمه من تكنولوجيا متطورة، إلى جانب مشاركات عربية مثل الإمارات والأردن.

أما ما لفت انتباهى هذه المرة فى معرض «إيديكس»، فهو ذلك التطور فى تكنولوجيا التصنيع المصرية، وعدد الشركات المشاركة فى المعرض، حيث قدمت مصر تشكيلة متكاملة من معداتها العسكرية، تشمل قطعًا بحرية وأجهزة كهروبصرية، وكاشفات ألغام، وراجمات صواريخ، خصوصا «ردع 300»، و«ردع 200»، والمركبات المدرعة، إلى جانب تطور القدرة على صناعة الطائرات المسيرة، خصوصا الطائرة «جبار 200» التى لفتت الأنظار.

من بين المفاجآت التى تضمنها الجناح المصرى، كان المنظومة الدفاعية المتكاملة لمواجهة المسيرات بالذكاء الاصطناعى، إلى جانب تصنيع أجزاء من الطائرة «الرافال» فرنسية الصنع، وصولا إلى المدفع الكورى الذى قامت مصر بتصنيعه بتكنولوجيا كورية «k9 A1 EGY».

الخلاصة، أن من يملك قوت يومه يعيش، وحاليًا ومع التحديات التى تصل إلى مستوى «الوجودية» التى تجابهها الدول بما فى ذلك قوى دولية كبرى، أصبح أيضا، من «معه سلاحه سيبقى»، تلك هى الرؤية التى تطبقها الدولة المصرية، لضمان جاهزيتها واستعدادها المستمر، فى التعاطى مع أى تحد محتمل.