الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

109 أعوام على ميلادهما مصطفى وعلى أمين التوأم الذى أعاد الهيبة لصاحبة الجلالة

كان شهر فبراير قبل 109 أعوام على موعد مع ميلاد اثنين من عمالقة الصحافة والأدب والسياسة أيضا.. بميلادهما وبدء حياتهما العملية كانت مهنة (البحث عن المتاعب) على موعد هى الأخرى مع مرحلة جديدة فى صناعتها وهيبتها.. هما (مصطفى وعلى أمين) التوأم الأشهر فى بلاط صاحبة الجلالة.



ولأنهما استحقا لقب العملاقين، فالكتابة عن سيرتهما يجب أن تتعاقب من جيل إلى جيل، فى 21 فبراير 1914، كانت مصر على موعد مع ميلاد أحد أهم قطبى الصحافة فيها فيما بعد، هما التوأم مصطفى وعلى أمين، أبناء المحامى الكبير أمين أبو يوسف، والأم ابنة أخت الزعيم سعد زغلول، لتكون النشأة فى رحم بيت الأمة، ويتأثرا بشكل كبير بالحياة السياسية التى تابعا أهم محطاتها هناك. حصل مصطفى أمين على درجة الماجستير فى العلوم السياسية من جامعة جورج تاون بالولايات المتحدة، ودرس العلوم السياسية، وحصل على درجة الماجستير فى 1938، وعاد إلى مصر.

 بداية العمل الصحفى

بدأ مشوار الشقيقين مع الصحافة قبل هذه التواريخ بسنوات طويلة، فالارتباط بالمهنة جاء فى سن ثمانى سنوات، عندما قدما مصطفى وعلى أمين معا مجلة «الحقوق» والتى اختصت بنشر أخبار البيت، وفى عام 1928، أى فى سن 14 عاما، أصدرا مجلة «التلميذ»، وقاما فيها بمهاجمة الحكومة وانتقاد سياساتها، بتأثر واضح بالنشأة فى بيت الأمة، حتى واجها أول أزمة فى حياتهما الصحفية بتعطيل إصدارها، لكنهما لم يستسلما وقاما بإصدار مجلة «الأقلام» والتى تم إغلاقها أيضا.

كان مصطفى أمين صحفيا بارعا، ومميزا بشكل ملفت لكل أساتذته فى مهنته التى اختارها منذ الصغر، حتى إنه عندما عين فى «روزاليوسف» عام 1930 لم يلبث أن عمل فيها لمدة عام واحد حتى تم تعيينه نائبا لرئيس تحريرها وهو لايزال طالبا فى المرحلة الثانوية، وشهدت المجلة أول باب ثابت حرره بعنوان «لا يا شيخ»، ومنها انتقل للعمل بمجلة «آخر ساعة» والتى اختار اسمها بنفسه رغم أن مؤسسها محمد التابعى، وفى عام 1946 اشترى رخصتها من أستاذه.

 ميلاد أخبار اليوم

قبل 1946 بعامين، كان ميلاد أحد أكبر المؤسسات الصحفية المصرية على أيدى التوأم، وهى «أخبار اليوم»، والتى اعتبرها مصطفى حلما سعى إليه منذ أن اختار احتراف الصحافة، فمنها تمنى أن يصنع تجربة على غرار دور الصحف الأوروبية، وبالفعل ذهب إلى أحمد باشا رئيس الوزراء ووزير الداخلية ليتحدث معه فى الصحيفة الجديدة، وطلب منه ترخيصا لإصدار صحيفة سياسية باللغة العربية باسم «أخبار اليوم»، وبدأ فى اتخاذ الإجراءات القانونية لإصدار الصحيفة فى 22 أكتوبر 1944، وجاء يوم السبت 11 نوفمبر ليشهد صدور أول أعدادها، وقد حققت انتشارا هائلا.

كانت حياة مصطفى أمين تحديدا، مليئة بالمواجهات المباشرة مع السلطة، والتحديات التى دفعت به فى عام 1939، إلى صدور حكم عليه بالسجن لمدة ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ بتهمة «العيب فى ذات الأمير محمد على» ولى العهد، وقد ألغى الحكم عام 1942 فى عهد وزارة مصطفى النحاس باشا، وفى يوم ثورة يوليو عام 1952 اعتقلا التوأم، ولكن لم توجه لهما السلطة الجديدة أى اتهام، وفى مساء يوم 26 يوليو عادا ليمارسا العمل فى أخبار اليوم، إلا أن الأزمة الكبرى فى حياتهما كانت عندما ساءت العلاقات بينهما وعبدالناصر، بتحريض ضدهما دفع السلطة فى النهاية لمحاكمتهما بتهمة تسليم معلومات إلى مندوبين أمريكيين، رغم أنهما تحركا فى الأساس بأمر من القيادة التى طلبت منهما توزيع الصور على كبرى صحف العالم لفضح العدوان الثلاثى من إنجلترا وفرنسا وإسرائيل.

 سجن مصطفى أمين

صدر الحكم بالسجن 9 سنوات، قضاها مصطفى أمين فى السجن وقضاها على أمين خارج مصر، حتى قام المدعى الاشتراكى الدكتور مصطفى أبو زيد، فى 29 سبتمبر عام 1970 بدراسة القضية مجددا وانتهى إلى: «أن الحكم ضد مصطفى أمين بنى على أدلة باطلة، وأن مصطفى أمين تعرض لإكراه بدنى ومعنوى لا طاقة للبشر باحتماله»، وصدر قرار جمهورى نشر فى الوقائع المصرية يقضى بإسقاط الحكم الذى صدر ضده، وتم الإفراج عنه وأصدر عدة كتب منها «سنة أولى سجن» سجل فيه ما تعرض له.

 العمود الصحفى «فكرة»

أصدر «السادات» بعد ذلك قرارا بتعيين على أمين رئيسا لمجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم، وتعيين مصطفى أمين رئيسا لتحرير أخبار اليوم، فى هذه الفترة، بدأ مصطفى أمين مرحلة جديدة فى حياته، فرغم وفاة توأمه عام 1976، إلا أنه لم يتوقف عن ممارسة مهامه الصحفية بجانب الإنسانية، حيث ترى طابورا طويلا ينتظره من الجماهير فى الصباح وهو يدخل على أخبار اليوم، ويتسلم منهم الشكاوى ليعرض بعضها فى عموده الشهير «فكرة»، وقد سبق هذا العديد من النشاطات الخيرية والاجتماعية، أبرزها المشروع الخيرى «ليلة القدر» عام 1954، كما كان الشقيقان صاحبى الفضل فى ابتكار فكرة عيد الأم وعيد الأب وعيد الحب كما أنشئت جائزة مصطفى وعلى أمين الصحفية.

كانت هناك صداقة قوية تجمع مصطفى أمين بـ «كوكب الشرق» أم كلثوم، والفنان عبدالحليم حافظ، وكان الأخير ينظر له نظرة الأب والأستاذ، ويستشيره فى كل شىء سواء فى أغانيه أو فى حياته الشخصية.

تزوج مصطفى وأنجب ابنتين هما «رتيبة» والتى أسماها على اسم والدته، و«صفية» وأسماها على اسم السيدة صفية زغلول، والتى كان يعتبرها بمثابة الأم الثانية له حيث نشأ وتربى هو وشقيقه فى منزلها «بيت الأمة».

 روايات وقصص أدبية

وقدم مصطفى أمين العديد من الروايات والقصص ومنها رواية (الآنسة كاف) وصدرت أولى طبعاتها فى 1985، وعرض فيها الكاتب لانعكاس معارك الحرب العالمية الثانية على الحياة السياسية والعسكرية والاجتماعية على مصر المكبلة بمعاهدة 1936 مع إنجلترا. وتقود الأحداث المهندس «عادل»، المغرم بنساء الأوساط الراقية، إلى وقوعه فى غرام الأميرة «فضيلة» ابنة عم الملك، وتقاسمها غرامه فتاة دميمة «قسمت شاهين» ابنة شاهين باشا سكرتير عام ملجأ المتسولين. ويراوح عادل بين الاثنتين فى مفارقات لافتة.

رواية «لا» كتبها مصطفى أمين من وحى السجن، ويعنى بـ «لا» رفض التبعية والخنوع، وراويها قابع بزنزانة ثلاثة أمتار فى مترين، ويحلق فى دنيا بلا حدود باتساع حلم الحرية، وقدم كذلك «سنة أولى حب» التى يطلعنا من خلالها مصطفى على أسرار السياسة المصرية فى ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين بأسلوب صحفى وقصصى، يتسم بسلاسة وتشويق. ويتبعها بـ«سنة أولى حب» لتحكى قصة حب وكفاح وصراع وعذاب ومتعة، وتتشكل صور يلمح القارئ من خلالها صورة المجتمع المصرى فى ذلك الوقت بصراع طبقاته. قصة حب يحمِّلُها مصطفى أمين الكثير مما أراد الحديث عنه من هموم السياسة فى ذلك الوقت.

 وقدم مصطفى أمين كذلك رواية «صاحب الجلالة الحب» تدور أحداثها فى عمارة قاهرية أثناء حرب فلسطين عام 1948، عمارة تجمع شقة الضابط المتفانى الذى فقد أصابعه العشرة من أجل تحرير فلسطين، مع جرسونيرة المسئول الكبير، وشقة موظف يعرف أخبار البلد من صفحة الوفيات، وغيرهم من أطياف مجتمع ما قبل الثورة، مجتمع ما قبل الثورة هذا كان الهدف الأول الذى يوجه له «مصطفى أمين» سهامه الأدبية، وكان يراه سببا فى الهزيمة بحرب فلسطين.

كتب أيضا (الآنسة هيام) تدور حول هيام التى أشعلت مشاعره التى تصور أنها انطفأت تماما منذ زمن بعيد، ويعيش معها كل المتناقضات.

 وفاة التوأم

توفى مصطفى أمين فى 14 أبريل سنة 1997، ولم يفترق التوأم منذ ميلادهما إلا بالرحيل حيث شاءت إرادة الله أن يعيش مصطفى عشرين سنة بعد رحيل شقيقه على الذى توفى عام 1976 بعد صراع مع المرض.

وقد كان لتوأم الصحافة العديد من النشاطات الخيرية والاجتماعية، فنفذ الشقيقان أمين مشروعًا خيريًا أطلقا عليه «ليلة القدر»، كما كانا صاحبا الفضل فى ابتكار فكرة «عيد الأم وعيد الأب وعيد الحب»، كما أنشئت جائزة مصطفى وعلى أمين الصحفية.