الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث.. ألغام السياسة تعطل تدفق مساعدات الإغاثة إلى منكوبى زلزال «شرق المتوسط» معضلة إنقاذ سوريا  عبر «باب الهوى»

الطريق الثالث.. ألغام السياسة تعطل تدفق مساعدات الإغاثة إلى منكوبى زلزال «شرق المتوسط» معضلة إنقاذ سوريا عبر «باب الهوى»

 يمنحنا معبر «باب الهوى» على الحدود (السورية التركية) إشارة واضحة من اسمه، حول آلية وصول المساعدات الإنسانية إلى الشمال السورى،  كما يضعنا على أعتاب الطريق إلى فهم الأزمة السورية الممتدة منذ 12 عام، والتى جدد الزلزال الأخير أوجاعها وأحزانها، وأعاد صورتها إلى صدارة المشهد الإعلامى بعد تراجع اقترب من الأعوام الثلاثة استحوذ فيها وباء كورونا لأكثر من عامين على كل الإعلام، ثم تبعته الحرب الروسية الأوكرانية التى اختطفت اهتمام أطراف الصراع بعيداً عن الجسد السورى الممزق، مما ساعد على ثبات الوضع على الأرض بين النظام الحاكم والمعارضة التى تقتسم معه أجزاء من الخريطة السورية، وفتح هذا الوضع نوافذ الأمل حول إمكانية حدوث تحرك إيجابى لملف الأزمة، ساهمت فيه دولة الإمارات الشقيقة ودول إقليمية آخرى، وعكسته المحادثة الهاتفية الأولى التى أجراها الرئيس السيسى مع بشار الأسد لتعزيته فى ضحايا الزلزال وتقديم دعم مصر الكامل للأشقاء فى سوريا. 



 

أين الإغاثات؟

ومع استمرار تداعيات كارثة زلزال سوريا ومعاناة الضحايا فى المناطق المنكوبة، استمر أيضاً إخفاق المجتمع الدولى وكبرى الدول الغربية فى التعامل مع هذه المأساة الإنسانية، وزاد صعوبة المشهد المؤلم فى سوريا، تعثر وصول مساعدات الإغاثة بسبب إغلاق المعابر الحدودية وتسييس الأمر وتجدد الصراع بين روسيا وأمريكا على الشأن السورى،  فيما استمر تدفق المساعدات العربية على الأراضى السورية من كل الدول العربية، دون تأكيد واضح على وصولها إلى المتضررين من الزلزال فى ظل تصاعد الاتهامات بين النظام السورى والمعارضة المسلحة التى تسيطر على مناطق من حلب وإدلب.

وقال المبعوث الأوروبى إلى سوريا فى تصريح لـ«رويترز»: أنه «من غير الإنصاف تماما اتهامنا بعدم تقديم المساعدة فى حين أننا فى حقيقة الأمر نفعل ذلك باستمرار منذ أكثر من 10 سنوات، بل نفعل ما هو أكثر خلال أزمة الزلزال»، وجاء ذلك رداً على ما وصفته المعارضة السورية بالتقصير والتأخير فى إرسال المساعدات إلى المنكوبين فى شمالى غربى سوريا. فيما أكد المبعوث الأوربى الحصول على ضمانات بإمكانية نقل المساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى، مشددا على ضرورة تجنب (تسييس) الإغاثات الإنسانية لسوريا.

 

 أزمة داخل أزمة

إن المشهد يبدو أكثر بؤسًا مما قد نتصور، أو كما وصفته «بى بى سى عربى»: «أزمة داخل أزمة، داخل أزمة، هذا هو المشهد البائس فى سوريا التى تترنح الآن فى أعقاب زلزال مدمر جاء بعد أكثر من عقد من الحرب المنهكة»، وتتعرّض الأمم المتحدة لضغوط بهدف إنشاء طرق جديدة للتغلب على السياسة مع تزايد القلق بشأن عمق المعاناة، حيث يلجأ الملايين إلى الخيام أو البقاء فى أرض مفتوحة، فى درجات حرارة الشتاء القارصة.

أما فى دمشق، فإن «سيادة الدولة» دائماً على رأس جدول الأعمال كما يصف الموقع البريطانى،  والذى قالت له الدكتورة بثينة شعبان: «لماذا لا تعامل (الدول الغربية) البلدان بنفس الطريقة؟»، مؤكدة «إنها ليست إنسانية، إنها سياسة»، ودعت المستشارة الخاصة للرئيس السورى،  الدول الغربية إلى رفع العقوبات التى «تمنع السوريين فى الخارج من حشد المساعدة». فيما أصدرت واشنطن ترخيصا للسماح بتخفيف العقوبات عن سوريا التى ضربها الزلزال، واعتبره البعض قرارا شكليا.

 مجلس الأمن

أما الحديث عن مجلس الأمن والجدل المتكرر حول دوره فى حسم آلية وصول المساعدات الإنسانية لأكثر من 3 ملايين سورى بشكل منتظم، فهو حديث قديم ربما دفعته أزمة الزلزال الأخير إلى الصدارة من جديد، فوصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المنكوبة والخاضعة لسيطرة المعارضة السورية عبر الحدود التركية كان وما يزال يتم من خلال معبر وحيد هو معبر «باب الهوى».

ورأيى أن رغبة مجلس الأمن (وهى رغبة أمريكية بالأساس) لفتح مزيد من المعابر أمام المساعدات الإنسانية إلى سوريا، هدفه الظاهر إبراء الذمة واستبقه الرئيس السورى الأمر بإبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة بالموافقة على فتح معبرى «باب السلامة» و«الراعى» على الحدود السورية التركية، لدخول المساعدات لمدة 3 أشهر. أما ما خفى من الأهداف الامريكية حول إثارة قصة المعابر فى مجلس الأمن فيعلمه الله، وسنتلمس نتائجه فى قادم الأيام.

 باب الهوى

ومعبر باب الهوى، هو معبر حدودى دولى بين سوريا وتركيا، يقع على الطريق الذى يربط جنوب تركيا ومحافظة إدلب شمال غربى سوريا، ويمثل شريان الحياة الوحيد لملايين السوريين فى مناطق سيطرة المعارضة، وتتدفق من خلال المعبر قوافل المساعدات الإنسانية الأممية التى ترسلها الأمم المتحدة، إضافة إلى العديد من المنظمات الإنسانية الدولية والمحلية. والمعبر دائماً محل صراعات سياسية بين الدول الحليفة للنظام السورى والأخرى الداعمة للمعارضة، مما جعله ورقة ضغط سياسى بين الأطراف فى أروقة مجلس الأمن على حساب الجانب الإنسانى وحياة ملايين السوريين.

وأقر مجلس الأمن فى عام 2014 السماح بعبور المساعدات الإنسانية الأممية من 4 معابر برية فى سوريا هى «باب السلامة»، و«باب الهوى» مع تركيا، و«اليعربية» مع العراق، و«الرمثا» مع الأردن، قبل أن تستخدم موسكو حق (الفيتو) ويتقلص دخول المساعدات فقط عبر معبر «باب الهوى» فى يوليو عام 2020، ومع نهاية فترات التفويض يحبس ملايين من السوريين أنفاسهم فى انتظار تجديد آلية العبور، وسط منطقة تعانى منذ قرابة 12 عاما من ويلات الحرب والأزمات الاقتصادية والإنسانية المتلاحقة.

 المساعدات العربية

وبينما أطلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش قبل أيام نداءً طارئًا لجمع نحو 400 مليون دولار لمساعدة ضحايا الزلزال فى سوريا على مدى ثلاثة أشهر. كشف تقرير معتبر عبر موقع «روسيا اليوم» فى 11 فبراير الجارى،  حجم الدعم العربى الكبير للشقيقة سوريا، وجاء عنوانه استفهاما مجازياً بهدف التشويق: «ماذا قدم العرب لسوريا المنكوبة؟»، ويكثف فى سطوره الإجابة التى رصدت المساعدات العاجلة التى قدمها العرب، راسما صورة متكاملة عن حجم الدعم العربى الأولى والذى تبعه مساعدات أخرى، مع استمرار العديد من الحملات الشعبية لحشد المزيد من الدعم.

وبحسب الموقع الروسى،  فقد بادرت الإمارات بتخصيص 50 مليون دولار للمتضررين من الزلزال فى سوريا، فيما وصلت أول طائرة عراقية محملة بـ 70 طنا من المواد الإغاثية فى اليوم الأول الذى أعقب الزلزال، كما أرسل العراق أيضاً قافلة تضم 28 صهريجا محملا بالوقود، وبدوره بادر لبنان (رغم الصعوبات الاقتصادية التى يمر بها)، إلى إرسال فريق من الصليب الأحمر وفوج إطفاء ودفاع مدنى وفريق هندسة للمساعدة فى عمليات رفع الأنقاض والبحث عن ناجين، وأعلن الأردن إرسال 5 طائرات إغاثية إلى سوريا وتركيا، أما السلطة الفلسطينية فلم تبخل بمد يد المساعدة وقامت بإرسال فريق للتدخل والاستجابة العاجلة إلى سوريا للمشاركة فى جهود الإغاثة، وفى السعودية جمعت حملة شعبية تحت شعار «عطاؤكم يخفف عنهم»، أكثر من 220 مليون ريال سعودى،  وتبرعت الكويت بـ15 مليون دولار، كما وصل فريق الدفاع المدنى الجزائرى إلى سوريا للمساعدة فى عمليات البحث والإنقاذ، أما مصر فأرسلت مباشرة 5 طائرات إغاثة عسكرية محملة بالمساعدات والمواد الطبية لكل من سوريا وتركيا، تلتها مساعدات أخرى.

سيستمر الدعم العربى لسوريا ولن يتوقف، ونتمنى أن تتضافر معه الجهود الدولية لإنقاذ سوريا من كبوتها الكبيرة، فالموت يلاحق السوريين فى كل مكان، وبعد الحرب الشرسة الممتدة أطاح الزلزال بما تبقى من الآمال، مخلفاً وراءه 5800 قتيل سورى وآلاف المصابين، تاركا الشعب السورى المسكين فريسة لرعب أكبر بسبب تفشى الأمراض الأوبئة بين المشردين واللاجئين بحسب تصريحات أخيرة لمسئولى منظمة الصحة العالمية.

خالص العزاء للشعب السورى.. ونبتهل إلى الله بأن يكتب السلامة للباقين على قيد الحياة.