الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

خلال جلسة خاصة بمعرض القاهرة الدولى للكتاب بحث وطنى يرصد تكلفة موجات التطرف والإرهاب فى مصر

عُقدت جلسة خاصة بمَعرض القاهرة الدولى للكتاب؛ للاطلاع على المشروع البحثى «التكلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للإرهاب فى مصر فى ثلاثة عقود»، وهو من أهم المشروعات البحثية فى الدولة المصرية خلال العقود السابقة، هذا المشروع البحثى بتكليف ورعاية ودعم وتمويل من وزارة التضامُن الاجتماع، بالاشتراك مع المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيچية بفريق من الخبراء والأكاديميين والمفكرين المصريين الذين عملوا لمدة 18 شهرًا ماضية لإنجاز هذا البحث.



 

 تهديد للأمن القومى

يقول الدكتور خالد عكاشة المدير العام للمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيچية: لم تكن هذه الفاعلية هى الأولى للنقاش حول المشروع البحثى ولكنها الفاعلية الثالثة لإجراء نقاش يفيد الحالة الحوارية التى يستهدفها المشروع منذ اللحظة الأولى، تكمن أهمية هذا المشروع فى أن مصر عانت من الإرهاب منذ عدة عقود مثلها مثل العديد من الدول العربية والإسلامية التى لا يكاد أن يكون أىٌ منها قد سلم من خطر الإرهاب، فعلى مدى عقود تعرضت مصر لإرهاب يستهدف تدمير الدولة بسُلطتها ومؤسّساتها والمجتمع بمكوناته وحركية مواطنيه المدنية والسياسية ومقدراته القيامية والمادية المتنوعة مما مثل تهديدًا وجوديًا لمصر؛ خصوصًا مع بلوغه ذروة نشاطه العنيف فى عامَىْ 2014 و2015 ووضع مصر فى قائمة الدول الأكثر تعرضًا لخطر الإرهاب فى هذا التاريخ، وبوصول الإرهاب إلى هذه الذروة من نشاطه اتخذت الدولة قرارًا تاريخيًا باعتبار الإرهاب تهديدًا لأمنها القومى، ومن ثم اتخذت الإجراءات الأمنية اللازمة والحاسمة لمواجهة الإرهاب على كل الأصعدة والمسارات.

 الرواية الغربية

وأضاف «عكاشة»: مع أن العرب والمسلمين هم أكبر الخاسرين من الإرهاب؛ فإن أغلب الدراسات الجادة على الظاهرة الإرهابية تأتى عادة من باحثين غربيين، وعلى قدر القيمة العلمية المهمة لهذه الدراسات؛ فإنها عادة ما تقوم على افتراضات ورُؤَى غربية ومن ثم فإنها تسهم فى ترويج السردية والرواية الغربية حول الإرهاب والمجتمع والدولة والدين والسياسة والثقافة فى المجتمعات الإسلامية، بما قد ينطوى على ذلك من سوء فَهْم وكثير من الاختذال وبعض من التشويش، ولا يخلو الأمر من بعض الظلم فى بعض جوانب عدم الفهم لطبيعة دولنا ومنطقتنا، فى هذا الإطار استهدف المشروع البحثى قياس تكلفة الإرهاب على الصُّعُد السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى مصر ثم البحث فى آليات وديناميات إنتاجه فضلاً عن اقتراح سياسات للسيطرة عليه والحد منه وذلك انطلاقًا من فَهْم عميق لظروف مجتمعاتنا.

 قضية شاملة

ومن جهته يقول دكتور جمال عبدالجواد مدير برنامج السياسات العامة بالمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيچية ومدير المشروع: نتحدث عن الإرهاب والتطرف ولم نعتَد من قبل التحدُّث عن التطرف والإرهاب إلا فى هيئات محددة المَعنية بهذا الملف، لكن أن وزارة التضامن تهتم بهذا الملف وبتكليف من الدولة المصرية يعكس رؤية جديدة لهذا الأمر ليست قضية جانبية معزولة ولكنها قضية تمس كل جوانب حياتنا وقضية تقع فى القلب من التفاعلات فى المجتمع سواء من حيث آثارها والتكلفة التى نتحملها نتيجة التطرف والإرهاب لا تقف فقط على أمن أو اقتصاد ولكن شاملة كل شىء، وأيضًا الديناميات التى تخلق الإرهاب والسياسات الواجب اتباعها لمكافحة التطرف والإرهاب هى ليست مسئولية جهة محددة ولكن مسئولية دولة بأكملها.

 الانحراف والإعاقة

وفى السياق نفسه؛ يقول المفكر السياسى سمير مرقص: حاولنا فى البحث أن نقارب الظاهرة من المنظور السياسى بشكل غير نمطى، فالظاهرة الإرهابية عادة تركز على البعد المادى، أى العمليات الإرهابية بصورتها المادية؛ ولكن اكتشفنا أن العنف المادى يبدأ بفكرة وتتبعنا دورة حياة الإرهاب، ورجعنا إلى عشرينيات القرن الماضى لتتبع المسار الفكرى للإرهاب وسميناه الإرهاب الفكرى وليس الإرهاب المادى كما كان يطلق عليه من خلال العمليات الإرهابية، ونظرنا للأفكار المتشددة الدافعة للإرهاب المادى كيف تنتشر فى الفكر الاجتماعى ومفاصل الدولة والعلاقات وتصوُّرنا للواقع والآخر والخارج والاستسثمار والاقتصاد، وكل هذا شَكّل الإرهابَ الفكرى ومثلت نوعًا من الانحراف والإعاقة، انحراف عن مسار الدولة الحديثة فى مصر وقيمها، وإعاقة لكل ما هو محاولة للتقدم لمصر أو الخُطى للأمام.

هبوط الاستثمار

ومن جانبه يقول الدكتور عبدالفتاح الجبالى عضو الهيئة الاستشارية بالمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيچية: حاولنا البحث عن نموذج للقياس لهذا الأثر بالتكلفة الاقتصادية بشكلها الكبير، والدراسات الأوروبية؛ خصوصًا الدراسات الأمريكية درست الآثار الاقتصادية للإرهاب وجدت أن التكلفة الاقتصادية من 2000 حتى 2018 نحو 900 مليار دولار فيما يتعلق بالعالم ووجدت أنه على المستوى الدولى التكاليف تزداد بشكل كبير بشكل سنوى، اتخذنا منهجًا آخر فنظرنا إلى القطاعات الأكثر تضررًا بالاقتصاد القومى بشكل عام ثم حاولنا قياس نموذج متكامل للأثر فيما يتعلق بالتكلفة بشكل خاص، درسنا عدة قطاعات منها قطاع السياحة بشكل أساسى ثم درسنا الإنفاق العام وأثره على عجز الموازنة العامة للدولة وأثره على الاستثمارات وأثره على النمو ووضعنا نموذجًا لقياس هذه التكاليف بشكل كبير، وأيضًا الأثر على الاستثمار الخاص مما يؤدى إلى هبوط الاستثمار فى القطاع الخاص والتأثير على معدل النمو الاقتصادى فى البلد.

 العلم

وفى السياق ذاته؛ يقول الدكتور عبدالمنعم سعيد المفكر السياسى وعضو مجلس الشيوخ: إن العلم من أهم الأمور المركزية فى التعامل فى الدولة الحديثة مع قضاياها المختلفة، وهذا البحث يتعامل مع قضية مختلفة أن أناسًا مننا يقومون بقتلنا ويرهبون تقدُّمنا ويعملون على تراجُع المجتمع والدولة، القضية الرئيسية فى هذه الدولة هى التقدم، والتقدم لا يمكن أن يحدث مع وجود الإرهاب، والإرهاب مثل كل الظواهر الاجتماعية والسياسية يمكن أن يحكم فيها ويتابعها ويقدرها ويقيمها العلم، العلم هو السلاح الأساسى للشعوب المتقدمة، والجامعة العلمية المصرية بذلت جهودًا كبيرة فى مكافحة الإرهاب، ومن أهم تلك البحوث البحث الذى جرى فى المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية فى مطلع الثمانينيات عندما بدأت دراسة الجماعات الإرهابية التى تعاملت مع مقتل الدكتور محمد حسين الذهبى ثم اغتيال الرئيس السادات وإلى آخره من عمليات إرهابية وجرت على عمليات القبض على الجماعة الإرهابية ومحاكمتهم ودراستها، لماذا هؤلاء انتقلوا من ساحة السياسة إلى ساحة الإرهاب والقتل؟. 

 توجيه الرئيس

وأكدت السيدة نيفين القباج وزيرة التضامُن الاجتماعى، أن فكرة هذا البحث جاءت بتوجيه من السيد رئيس الجمهورية إلى الحكومة، بضرورة إجراء بحث وطنى متكامل يرصد التكلفة الاقتصادية والاجتماعية التى تكبدها المجتمع المصرى بفعل موجات التطرف والإرهاب التى مرت على مصر فى الثلاثة عقود الأخيرة، وقد أوصى سيادته بأن تُنشَر نتائج البحث بشكل جماهيرى وإعلامى؛ من أجل أن يساهم هذا البحث فى تثقيف المواطن والمواطنة المصرية بالثمَن الفادح للتطرف والإرهاب على كل الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وأن يساهم أيضًا فى تنمية وعى المواطنين بتصورات وأساليب المواجهة الفكرية والمادية للتطرف والإرهاب بكل أشكاله.

 قوَى جذب

وأوضحت «القباج»: أن البحث رصد التكلفة الاجتماعية من خلال اعتماد المنهج العلمى وأدوات البحث الاجتماعى فى رصد العلاقة بين الفقر «متعدد الأبعاد» والتهميش الاجتماعى من جهة، والتطرف والإرهاب من جهة أخرى، وذلك من خلال تحليل البيانات القومية ذات الصلة والأبحاث الميدانية التى أُجريت فى عدد من المحافظات المصرية التى عانت من التطرف والأحداث الإرهابية، وقد أثبت البحث أن الفقر بأبعاده المختلفة والتهميش الاجتماعى يوفران بيئة حاضنة دافعة للتطرف والإرهاب، وهما ما يُعرفان فى أدبيات هيئة الأمم المتحدة بقوَى الدفع “pushing factors”، إلا أن الفقر والتمهيش الاجتماعى وحدهما لا ينتجان التطرف والإرهاب، فهناك قوى جذب “pulling factors”  تلعب دورًا تعبويًا فى ضم الأفراد الذين يعانون من الفقر والتهميش إلى جماعات التطرف والإرهارب، وتتمثل هذه القوى فى البنية الفكرية والأيديولوچية الدينية المتشددة والتكفيرية لجماعات الإسلام السياسى التى انتشرت فى المناطق الفقيرة فى العقود الثلاثة الماضية، وكذلك العمل الاجتماعى لتلك الجماعات، والذى تم توظيفه سياسيًا فى المناطق المحرومة تنمويًا، واستغلال الظروف النفسية والعائلية السلبية لبعض لأشخاص لدمجهم فى الجماعات الإرهابية.

وأشارت إلى أن التكلفة الاجتماعية تركزت فى تهديد الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعى، وقد أثبت البحث من خلال أدوات البحث الميدانى أن المجتمعات التى ضربها التطرف والإرهاب، قد عانت من تراجُع حاد فى التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية العابرة للانتماء الدينى بكل ما ثمثله من إضعاف الثقة المتبادلة بين أبناء المجتمع وإضعاف شبكات التفاعُل الاجتماعى والقدرة على التعاون المجتمعى.

 ثقافة مضادة

كما أكدت «القباج»، أنه فى إطار التكلفة السياسية؛ فقد أثبت البحث أن التطرف والإرهاب قد عطل مسيرة تطور الدولة الوطنية الحديثة فى مصر، والتى نشأت على أكتاف وتضحيات المصريين جميعًا فى السنوات المائتين الماضية، وتمثلت التكلفة السياسية فى فرض التشدد على المجتمع المصرى فى أربعة مجالات، هى: تقويض الطبيعة المدنية للمجال العام، وتقسيم المجتمع السياسى عبر إنشاء مجتمع وسُلطة موازية، ونشر ثقافة مناقضة لقيم الدولة الحديثة تسعى لإقامة دولة «دينية متشددة بديلة»، وإضعاف الحياة السياسية والحزبية. مشددة على أنه رُغْمَ ضخامة التكلفة الاقتصادية للإرهاب المادى على موارد الدولة ونموها الاقتصادى؛ فإن التكلفة السياسية والاجتماعية، كانت أكثر فداحة وأعمق تأثيرًا فى تعطيل تطوُّر الدولة، وفى تهديد التماسك المجتمعى والتكامل الوطنى، وهى تكلفة لا يمكن تقديرها بثمَن، كما وضع البحث استراتيچيات شاملة لمواجهة التطرف والإرهاب على أساس علمى موثق، وكذلك البناء على المبادرات التنموية الرئاسية والحكومية الراهنة، مثل: مبادرة «حياة كريمة، والاستراتيچية الوطنية لحقوق الإنسان»؛ وذلك من أجل بناء نموذج للمواجهة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية الشاملة، وتعظيم الفائدة والاستمرارية فى اقتلاع جذور التطرف والإرهاب من بلدنا.